الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
رسالة عيد القيامة المجيدة لعام 2017 لغبطة أبينا البطريرك، بعنوان: أُمكُث معنا... يا ربّ

 
 

    يطيب لنا أن ننشر فيما يلي النص الكامل لرسالة عيد القيامة لهذا العام 2017 التي وجّهها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بعنوان: "أُمكُث معنا... يا ربّ"، وقد أصدرتها البطريركية في كرّاس خاص لتوزيعه على الكنائس والرعايا والأبرشيات والإرساليات:

 

ܐܓܪܬܐ ܕܥܐܕܐ ܕܩܝܡܬܐ ܒ̱ܝܙ

رسالة عيد القيامة المجيدة 2017

 

ܒܫܡ ܐܝܬܝܐ ܡܬܘܡܝܐ ܐܠܨܝ ܐܝܬܘܬܐ ܐܚܝܕ ܟܠ

  

ܐܝܓܢܛܝܘܣ ܝܘܣܦ ܬܠܝܬܝܐ ܕܒܝܬ ܝܘܢܐܢ

ܕܒܪ̈ܚܡܘܗܝ ܕܐܠܗܐ

ܦܛܪܝܪܟܐ ܕܟܘܪܣܝܐ ܫܠܝܚܝܐ ܕܐܢܛܝܘܟܝܐ ܕܣܘܪ̈ܝܝܐ ܩܬܘܠܝܩܝ̈ܐ

 

باسم الأزلي السرمدي الواجب الوجود الضابط الكل

 

 

اغناطيوس يوسف الثالث يونان

بنعمة الله

بطريرك الكرسي الرسولي الأنطاكي للسريان الكاثوليك

 

 

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام

وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل

وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب

اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

 

    نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:

"ܦܽܘܫ ܥܰܡܰܢ... ܡܳܪܝܳܐ"

"أُمكُث معنا... يا ربّ"

 

1.  مقدّمة

    بمناسبة عيد قيامة ربّنا وإلهنا يسوع المسيح من بين الأموات،يسرّنا أن نقدّم أطيب التهاني لكم جميعاً أيّها الإخوة والأبناء الأعزّاء في لبنان وفي بلدان الشرق الأوسط وعالم الإنتشار، راجين من المسيح الفادي أن يفيض عليكم جميعاً نِعَمَه الغزيرة وبركاته وعطاياه، فنجدّد معاً التزامنا بالشهادة لقيامته، من خلال قيامة قلوبنا وسيرنا في نور الحقيقة والمحبّة والسلام. ونسأله تعالى أن يُنعمَ على لبنان، هذا الوطن الغالي والفريد، وعلى بلدان الشرق الأوسط، سيَّما العراق وسوريا وفلسطين والأراضي المقدّسة ومصر، بالسلام العادل، الدائم والشامل، وبإيقاف دوّامة الحرب والعنف والإرهاب. فالمسيح الربّ، الذي انتصر بقيامته على الخطيئة والموت وسلطان الشرّ، دشّن في العالم مملكة السلام، وائتمننا جميعاً على بنائها يوماً بعد يوم، مهما كانت الصعوبات والعراقيل والمحاولات الآيلة لهدمها.

    وإننا إذ نستعدّ للإحتفال بهذا العيد المجيد، علينا أن نتأمّل ببشرى الملاك للنسوة اللواتي أتَيْنَ باكراً صباح ذاك الأحد العظيم، حاملاتٍ الطيوب ليُطيّبْنَ جسد يسوع، وقد وُضع على عجلةٍ في القبر، بسبب وقوع زمن عيد الفصح اليهوديآنذاك: "تطلبْنَ يسوع الناصري المصلوب؟ إنّه قامَ، وليس ههنا" (مر16: 6). أجل لقد قام، كما وعد وكما كتبت عنه الكتب المقدّسة. لم يكن موت الفادي صدفةً، بل يندرج في خطّ تدبير الله الخلاصي. فكان لا بدَّ من أن يموت من أجل خطايانا، كما جاء في الكتب. إن سرّ الفداء هو أسمى عمل حبٍّ استكمل تجسّد "كلمة الآب" الذي تخلّى عن ذاته وصار إنساناً، وشابهنا في كلّ شيء ماعدا الخطيئة، وارتضى أن يُعلَّق على خشبة العار ليصالحنا مع أبيه السماوي، وقام من الموت في اليوم الثالث لكي يجتذبنا من جديد نحن البشر، ويرفعنا إليه. وسرّ الفداء هذا مخفيٌّ عن الذين لا يريدون أن يتخلّوا عن محدوديتهم البشرية، وليس سوى المتواضعين البسطاء من يستطيع قبوله ومَن أراد الآب السماوي أن يكشف له.

 

2. ظهورات الرب علامة على قيامته

    لم تجد النسوة جسد الرب يسوع في القبر، فظنَنَّ أنّ أحداً نقله إلى مكانٍ آخر كما افترضت مريم المجدلية (راجع يوحنا 20: 13). لكنّ الملاك أكّد لهنَّ أنّ "قبره فارغ"، علامةٌ تدلّ على قيامته من الموت، وهو أوّل عنصر لبرهانها. أمّا النسوة فلم يقلْنَ شيئاً لذهولهنّ وخوفهنّ (راجع مر16: 8). غير أنَّ الربّ واصل ظهوراته للتلاميذ على مدى أربعين يوماً، ومع هذا ظلَّ الشكّ يراودهم بسبب شدّة الصدمة من آلام الصلب. ومن بين هذه الظهورات، ترائي الربّ يسوع لتلميذَين من تلاميذه السبعين، كانا عائدَين بعد ظهر أحد قيامته إلى بلدتهما عمّاوس. وعلى ما يعلّمنا الإنجيل، يبدو وكأنّ آمال الرسل والتلاميذ قد انهارت مع مقتل يسوع، وإذا ببصيص أملٍ يشعّ في نفوسهم لِما قالته النسوة عن القبر الفارغ وترائي الملائكة لهنّ.

    على طريق عمّاوس، التقى يسوع بالتلميذين ليرافقهما في السير، وسألهما عن اكتئابهما وحادثَهما، وشرح لهما الكتب عن موت المسيح المنتظَر وعن غلبته على الموت.  خفيت عنهما معرفتُه في البدء، لكنّه زرع في نفسهما الإرتياح والأمل، هما اللذان أشفقا عليه بشخص ذاك "الغريب" الذي التقاهما، وبفعل رحمةٍ دعياه لقضاء ليلته في بيتهما: "أُمكُث معنا، لأنّ المساء اقترب ومال النهار" (لو 24: 29).

    وفي النهاية عرفاه عندما جلس معهما إلى المائدة وكسر الخبز. إنه المسيح القائم من الموت، بجسده الممجّد، حاضرٌ أبداً في حياة المؤمنين والمؤمنات وفي حياة الكنيسة. لا نراه ولا نعرفه بأعين الجسد، بل بعين الإيمان. فقد كان التلميذان حزينَين ومُحطَّمَين بسبب الحكم على المعلّم بالموت صلباً كالمجرمين. فجاء يسوع  "ومشى معهما، ولم يعرفاه إلا عندما دخل بيتهما وكسر الخبز" (لو24). شعر التلميذان بسلامٍ داخلي كبير، واكتسبا قوّةً أعادتهما تلك الليلة إلى أورشليم بالرغم من طول المسافة لينقلا بشرى القيامة للرسل المجتمعين والمختفين خوفاً وحزناً.

 

3. الظهور لتلميذَي عمّاوس ظهور إفخارستي

    ظهور الرب يسوع للتلميذَين على طريق عمّاوس ظهور إفخارستي: "كسر الخبز" ليس مجرّد ذكرى عابرة، بل هو شراكة واتّحاد مع القائم من بين الأموات.تراءىالرب يسوع للتلميذين السائرين، من أورشليم نحو عمّاوس، وشرح لهما الكتب المقدسة، فشعل قلبيهما بلهيب الحب، عندما قام بكسر الخبز لهما، مجدّداً الإحتفال الليتورجي الذي أقامه مع تلاميذه في العلّية.فالذبيحة الإلهية تأخذنا إلى "طريق عمّاوس"، لنسير مع يسوع ونفهم من خلاله الكتب المقدّسة، ونمكث معه، وبالتالي نسافر روحياً لنلتقي به متألّماً ومائتاً، ومنتصراً على الموت بقيامته.

    تتجلّى في هذا الظهور كلّ عناصر القداس الإلهي، فما فعله يسوع مع التلميذين بعد ظهر أحد قيامته، كان بالحقيقةقداسهالأول بعدقيامته.نجدفي هذهالصفحةالإنجيليةعناصر القداس الثلاثة: خدمة الكلمة الإلهية، وذبيحة يسوع الأسرارية غير الدموية، ومناولة جسد الرب ودمه. وهذا الإحتفال الليتورجي ثلاثي الأبعاد، يدور حول واحد: هو الفادي الإلهي الحاضر في وسط الجماعة، والذي لا ينفصل حضوره عن حضور الآب الذي أرسله حبّاً بخلاص العالم، وحضور الروح القدس الذي يحقّق ثمار الخلاص والفداء في نفوس المؤمنين والمؤمنات.

    في صلوات يوم أحد القيامة، يعبّر مار أفرام السرياني عن عظيم الفرح والإمتنان للرب يسوع الذي وهب الكنيسة سرّ جسده ودمه، إذ يقول: "ܫܽܘܒܚܳܐ ܠܶܗ ܠܚܰܬܢܳܐ ܕܰܥܒܰܕ ܚܠܽܘܠܳܐ ܠܥܺܕܬܳܐ ܡܗܰܝܡܰܢܬܳܐ܆ ܘܝܰܗܒ ܠܳܗ̇ ܦܰܓܪܶܗ ܩܰܕܺܝܫܳܐ ܘܰܕܡܶܗ ܚܽܘܣܳܝܳܐ ܕܚܰܘ̈ܒܶܐ". وترجمته: "المجد للعريس (المسيح) الذي أقام عرساً للكنيسة المؤمنة، ومنحها جسده المقدس ودمه لغفران الخطايا"(باعوث أي طلبة مار أفرام في صلاة الساعة التاسعة من صباح أحد القيامة، كتاب الفتقيث وهو صلوات الآحاد والأعياد، الجزء الخامس، صفحة 354).

 

4. ليترجية القداس في ظهور الرب لتلميذَي عمّاوس

    أقام يسوع، الكاهن الأزلي، خدمة الكلمة عندما شرح للتلميذَين كلّ ما كُتب في الأنبياء والمزامير وكُتُب موسى عن المسيح وآلامه وقيامته. وبكسره الخبز، حوّله إلى جسده، وناوله للتلميذَين، فانفتحت أعينهما وعرفاه. أمّا هو فتوارى عنهما للحال. وهذا دليل على حضور يسوع في سرّ القداس، وإن كنّا لا نراه بالعين المجرّدة، إلا أننا نعرفه بعين الإيمان من خلال سماع كلام الإنجيل والإحتفال بذبيحة جسده ودمه تحت شكلَي الخبز والخمر، وتناوُلهما.

    "توارى يسوع عنهما" (لوقا 24: 31)، لكنّه مكث في قلبيهما. هذا ما يعيشه كلّ شخص ينصرف إلى الصلاة والتأمّل والإصغاء لصوت المسيح في داخله. فكم نحن بحاجة إلى مثل هذا الحوار مع الرب يسوع الذي أصبح متّحداً بكلّ إنسان، ليساعده على اجتياز معاناته وحيرته وتردُّده وضياعه. وكم هو سرّ القربان الإلهي ضروري للمؤمنين كي ينفتحوا بروح التضامن والمحبّة والرحمة، نحو من هم في حاجة مادّية أو روحية أو معنوية، كي يغدوا رفاق الطريق لهؤلاء الذين قسا الدهر عليهم، على مثال الرب يسوع مع التلميذين على طريق عمّاوس.

    وفي تواري الرب المعلّم والفادي عن بصرنا وسمعنا، كم نحتاج إلى فضيلة الإيمان تشدّد قلوبنا وتجدّد ثقتنا بالذي وعدنا أن يكون حاضراً بيننا ويرافقنا على درب منفانا الأرضي! وعلى هذا الإيمان أن يقترن دوماً بالرجاء الراسخ والمتجدّد، بأننا بعد قيامة المخلّص لم نعد وحدنا، وبأنّ آلام هذه الدنيا لا تُقاس بسعادة الأبدية التي يدعونا إليها!

 

5. يسوع القائم حاضر مع المؤمن ويمنحه القوّة والفرح

    يجدّد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني التأكيد على حضور يسوع القائم من الموت بصورة دائمة ومستمرّة في الكنيسة وتاريخ البشر، بأنواع شتّى: "في سرّ القربان بواسطة جسده ودمه كذبيحة ووليمة روحية، وفي الأفعال الليتورجية وشخص الكاهن، وفي كلامه، ووسط الجماعة المصلّية، وفي شخص الجائع والعطشان والعريان والغريب والمريض والسجين" (الدستور حول الليتورجيا، 7). لكنّه لا يُعرف بعين الجسد، كما عرفه أهل زمانه ورأوه، بل يُعرف بعين الإيمان. فبعد القيامة أصبح "مسيح الإيمان"، ولهذا السبب "أُمسِكت أعين التلميذَين عن معرفته" (لو24: 16). غير أنّ المسيح حاضرٌ معنا دائماً ولو لم نعرفه وننتبه إليه، ويحضر بنوعٍ خاصّ عندما نمرّ في محنةٍ أو قلقٍ أو مشكلةٍ، هكذا فعل عندما "اقترب من التلميذين وراح يسير معهما" (لو 24: 14).

    أخرج هذا اللقاء الإفخارستي بيسوع التلميذَين من الحزن والإحباط، وأعطاهما القوّة والعزم. وبالرغم من هبوط الظلام وطول المسافة، عادا من عمّاوس إلى أورشليم لينقلا بشرى قيامة يسوع وكيف عرفاه عند كسر الخبز، "وللحال قاما ورجعا إلى أورشليم" (لو24: 33)، وبذلك أعلنا توبتهما الصادقة واعترافهما الناصع بقيامة الرب يسوع. وهذا دليل ساطع على أنّ المؤمنين والمؤمنات يستمدّون قوّتهم الروحية والمعنوية والجسدية من القداس: من كلمة الإنجيل، وذبيحة المسيح، ووليمة جسده ودمه. وما المشاركة الواعية والمثمرة في القداس إلا المنطلق للشهادة ليسوع المسيح، لسرّ موته فداءً عن خطايانا، وقيامته لتقديسنا، ولمحبّته في مجتمعنا.

    قيامة الرب هي مبعث فخرنا وفرحنا العظيم، ومع مار يعقوب السروجي نعلن هذا الفرح الذي يعمّ أرجاء الكنيسة: "ܢܫܰܒܚܽܘܢܳܟ ܡܳܪܝ ܥܺܝܪ̈ܰܝ ܪܰܘܡܳܐ ܒܚܶܘܳܪ̈ܰܝܗܽܘܢ܆ ܘܰܢܩܰܠܣ̈ܳܢܳܟ ܢܶܫ̈ܶܐ ܒܥܶܛܪܳܐ ܕܗܶܪ̈ܽܘܡܰܝܗܶܝܢ. ܥܺܕܬܳܐ ܘܝܰܠܕ̈ܶܝܗ̇ ܒܚܰܕ ܝܽܘܒܳܒܳܐ ܢܫܰܒܚܽܘܢ ܠܰܫܡܳܟ܆ ܕܰܒܢܽܘܚܳܡܳܟ ܐܰܦܨܰܚܬ ܐܶܢܽܘܢ ܠܳܟ ܬܶܫܒܘܚܬܳܐ"، وترجمته: "يسبّحك يا رب العُلْوِيون ببياضهم الناصع، وتمدحك النساء بأريج طيوبهنَّ. تمجّد اسمك الكنيسة وأبناؤها بهتافٍ واحدٍ، إذ أبهجتَهم بانبعاثك، لك المجد" (باعوث أي طلبة مار يعقوب السروجي في صلاة مساء إثنين القيامة، كتاب الفتقيث، الجزء الخامس، صفحة 359).

 

6. القيامة تمنح رجاء السلام للشرق والعالم

    في عيد قيامة الرب يسوع، نسأله تعالى أن يشعّ النور المنبعث من القبر الفارغ، في العالم كلّه، وبخاصة في بلدان مشرقنا المعذَّبة، حيث العنف والحروب والإرهاب، وما ينتج عنها من جوعٍ وخوفٍ وتهجيرٍ واقتلاعٍ وقلقٍ على المصير. فينعم الجميع بالسلام الذي منحه المخلّص بقيامته، زارعاً بذور الأمل والرجاء بمستقبلٍ باهر.

 

    نحتفل بعيد القيامة ولبناننا الحبيب الذي أنقذه الربّ الفادي من أتون النار التي تعصف بالدول المجاورة، لا يزال صامداً رغم كلّ الصعوبات التي تواجهه. فهو لم يتقاعس عن استقبال أكثر من مليون ونصف مليون نازح، مع كلّ ما يعنيه هذا النزوح من أعباء اجتماعية وثقافية واقتصادية، يرزح تحت وطأتها البلد والشعب. والعالم كله يثمّن للبنانانفتاحه على جميع اللاجئين والنازحينإذ أضحى مأوى وملجأًلمن شُرّد وطُرد قديماً وحديثاً. علينا أننضرع إليه تعالى أن يعود النازحون واللاجئون جميعهم إلى أوطانهم، لكي ينكبّ لبنان على تحقيق مسيرة الإنتعاش والنموّ، ولكي يحافظ على وأمنه واستقراره.

    ومع استمرار المسؤولين في البحث عن قانون انتخابي عصري ومتطّور وعادل، لا يسعنا إلاّ أن نكرّر مطلبنا الراسخ والمستمرّ بعدم القبول بتهميش المكوّن السرياني في الحياة السياسية اللبنانية، خاصةً أنّ وطننا لبنان بات قُبْلَة أنظار مسيحيي الشرق.  ولهذا نصرّ متشبّثين بمضمون الوثيقة المشتركة التي وقّعناها مع قداسة أخينا البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني، لتعديل قانون الإنتخابات وزيادة مقعدين نيابيين مسيحيين، أحدهما للسريان الكاثوليك وآخر للسريان الأرثوذكس. وكلّنا ثقةٌ بحكمة القيّمين على الوطن والمسؤولين فيه لتحقيق هذا المطلب المحقّ في هذه اللحظة التاريخية المفصلية من بقاء المسيحيين في الشرق، متمنّين في الوقت عينه إقرار قانون انتخابي جديد عصري وعادل تُجرى على أساسه الإنتخابات النيابية في مواقيتها، فلاّ يضطرّ النواب إلى التمديد لأنفسهم مرّةً ثالثة.

 

    وإلى أهلنا في العراق الصامد، الذين طالت معاناتهم وتعاظمت آلامهم، رغم تحرير سهل نينوى من سطوة تنظيم داعش الإرهابي، تاركاً وراءه الخراب والدمار والحرق، ونحن نتطلّع إلى تحرير الموصل بأكملها. إنّنا نتوجّه إليهم ومعهم جميع مكوّنات العراق، ونحثّهم على توحيد جهودهم في سبيل زرع بذور السلام الدائم في بلدهم. فمتى خَلُصَت النيّات، وقُطِعَت الطريق على أهل الفتن وزارعي الشقاق والدمار والموت، يستعيد العراقيون ثقتهم بذاتهم وبوطنهم، ويتعاونون مع المخلصين من المسؤولين عن الحياة العامّة، في خدمة شعبهم ونهضة بلدهم، لما فيه خيرهم المشترك، ومستقبل أجيالهم الطالعة.

    كما نجدّد صلاتنا الحارّة، كما فعلنا من داخل كنيسة العذراء الطاهرة في بغديدا (قره قوش) بعد تحريرها من الإرهابيين، من أجل جميع أبنائنا وبناتنا في أبرشياتنا ورعايانا السريانية في بغداد والموصل وسهل نينوى وإقليم كوردستان والبصرة، معربين لهم عن تضامننا الدائم ودعائنا إلى الرب القائم من الموت كي تزول المحنة عن بلادهم، فيشرق فيها نور القيامة الذي طال انتظاره.

    إننا نتضرّع إلى الله كي تتوقّف الحرب في سوريا الجريحة وقد دخلت عامها السابع مدمّرةً مقوّمات البلاد ومقدّراتها، إذ أضحت مختبراً لكلّ أنواع الأسلحة، ومركزاً لتبادُل الرسائل السياسية بين القوى العظمى، وكلّ هذا على حساب الشعب السوري وأرضه ووطنه ومؤسّساته واقتصاده.

    لذا نجدّد مطالبتنا المجتمع الدولي كي يأخذ قراراً شجاعاً، عادلاً، إنسانياً، بعيداً عن المصالح الخاصة والحسابات الضيّقة، لمصلحة شعبٍ بات مهجَّراً في كلّ أقطار العالم، وهذا ما سيهدّد السلم العالمي، ما لم يتنبّه المسؤولون عن هذه السياسات إلى مخاطر ما يحلّ بسوريا من تدمير وتهجير.

    ولا بدّ لنا من أن نتوجّه إلى أبنائنا وبناتنا في أبرشياتنا الأربع في سوريا، من دمشق وحمص، إلى حلب والجزيرة،فنؤكّد لهم بأننا نفخر بصمودهم في أرضهم، ونثني على إيمانهم وصلابتهم، سائلينه تعالى أن يمنّ على سوريا الحبيبة بالسلام والأمان، وأن يرحم شهداء الوطن من عسكريين ومدنيين أبرياء.

    ولا ننسى المطالبة بالإفراج عن جميع المخطوفين، ضحايا الحروب العبثية في سوريا والمنطقة، من رجال دين ومدنيين وعسكريين، وبخاصة عن مطراني حلب مار غريغوريوس يوحنّا ابراهيم وبولس اليازجي، والكهنة باولو داللوليو، واسحق محفوض، وميشال كيّال، والعسكريين اللبنانيين المخطوفين.

 

    إنّنا نستنكر بأشدّ العبارات كلّ أعمال الإرهاب من قتل وتفجير وترويع للناس وبثّ الفوضى والفتن في أماكن وبلدان عديدة، شرقاً وغرباً، متوجّهين بالقلب والصلاة من أجل جميع الذين يكابدون آلام الإقتلاع من أرض الآباء والأجداد في العراق وسوريا، وأُرغِموا على النزوح والهجرة إلى لبنان والأردن وتركيا، وإلى ما وراء البحار والمحيطات، مؤكّدين لهم تضامننا الأبوي واستعدادنا الدائم لتأمين حاجاتهم ومساعدتهم بكلّ الإمكانات المتاحة.

    كما نؤكّد على صلاتنا من أجل العائلات التي امتُحِنت بفقدان أحد أفرادها، ومن أجل الذين يغيب عنهم فرح العيد، من فقراء ومعوَزين ومهمَّشين ومستضعَفين، سائلين لهم فيض النعم والبركات والتعزيات السماوية.

    وبما أننا شعب الرجاء، يطيب لنا أن نتقدّم بالتهاني الأبوية ونحن نحتفل بعيد قيامة الرب يسوع من بين الأموات، إلى جميع إخوتنا وأبنائنا وبناتنا السريان في لبنان وسوريا والعراق والأراضي المقدّسة والأردن ومصر وتركيا وأوروبا وأميركا وأستراليا. ونحثّهم جميعاً على التمسّك بالإيمان والرجاء كي يعيشوا المحبة الحقيقية، وعلى التعلّق بكنيستهم وأوطانهم والإخلاص لها، حتّى يكونوا على الدوام شهوداً للرب، حاملين بشرى قيامته وفرحه أينما حلّوا.

 

7. خاتمة

    نمجّدك أيّها الرب يسوع ونشكرك، لأنّك بقيامتك فرّحتَ قلوبنا ووهبتَنا الحياة الجديدة وأنعشتَ فينا رجاء قيامة الأجساد والأرواح، وبقوّة كلمتك الخلاصية بشَّرتَنا بالسلام، وبسرّ جسدك ودمك الأقدسين دعوتَنا وأرسلتَنا لنكون شهوداً لك في مجتمعاتنا. أمكث معنا يا رب على الدوام، وامنحنا النصر على تجارب اليأس، فأنتَ رفيق دربنا مهما مال النهار، ونحن خاصّتك نشعّ بنورك في عتمة هذه الدنيا، لكي ننقل بشرى الخلاص إلى العالم أجمع.

 

    وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

    كلّ عام وأنتم بألف خير.

 

ܡܫܺܝܚܳܐ ܩܳܡ ܡܶܢ ܒܶܝܬ ܡܺܝ̈ܬܶܐ... ܫܰܪܺܝܪܳܐܺܝܬ ܩܳܡ     

المسيح قام من بين الأموات... حقّاً قام

 

 

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت - لبنان

في اليوم السادس من شهر نيسان سنة 2017

وهي السنة التاسعة لبطريركيتنا

 

 

 

 

إضغط للطباعة