الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
نص الموعظة التأبينية لغبطة أبينا البطريرك في رتبة جنّاز ودفن المثلّث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس بطرس الثامن عبد الأحد، في كنيسة مار يوسف في بيت لحم – الأراضي المقدّسة

 

    ننشر فيما يلي النص الكامل للموعظة التأبينية التي ألقاها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، في رتبة جنّاز ودفن المثلّث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس بطرس الثامن عبد الأحد، بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي السابق، وذلك قبل ظهر يوم الإثنين 9 نيسان 2018، في كنيسة مار يوسف السريانية الكاثوليكية في بيت لحم – الأراضي المقدّسة:

"نعمّاً يا عبداً صالحاً وأميناً، كنت أميناً في القليل، أنا أقيمك على الكثير، أدخل إلى فرح سيدك"

     "نلتقي اليوم لنودّع حبراً جليلاً، وكيلاً أميناً، وخادماً متفانياً بذل جهده دون حساب كي تثمر الوزنات التي منحه إيّاها الآب السماوي، ثمارَ المحبّة والسلام والحنان والرأفة والفرح الحقيقي، لأنّه على مثال معلّمه الإلهي انطلق يخدمه ويخدم كنيسته في شخص الذين فُوِّضوا إلى خدمته من أساقفة وكهنة وعلمانيين.

    نحن نعلم أنه طوال مدّة تكرّسه التي تجاوزت الثلاث وستّين سنة، إذ رُسم كاهناً سنة 1954، ظلّ يسعى كي يكون ذلك الخادم الأمين: "أبونا بطرس"، هكذا كنتم أحبّاءنا تفضّلون أن تنادوه حتّى بعد سيامته أسقفاً وحتّى بعد انتقاله إلى السدّة البطريركية. وهو ذاته كان يفضّل ويحبّ أن تدعوه هكذا، لأنه كان يريد أن يعيش التواضع الحقيقي للخدّام الأمناء الذين يسعون لبناء الملكوت وليس بحثاً عن مصلحتهم الخاصة.

    خدم كنيسته السريانية، كاهناً عشر سنوات في لبنان، مربّياً ومرشداً ومديراً في الإكليريكية الصغرى في دير الشرفة، ثم نُقل إلى الخدمة في بيت لحم عام 1965، وبذل كلّ ما في وسعه كي يظلّ ذاك الخادم الأمين، مع أنه لم يكن يتوقّع أن يُرسَل إلى هذه الأرض المقدّسة، ولكنّه أطاع رؤساءه الكنسيين وانطلق يتمّم مشيئته تعالى.

    تميّز أبونا بطرس مدّة خدمته في الأراضي المقدّسة كاهناً وأسقفاً لستّة وثلاثين عاماً، بشفقته على الذين كانوا يحتاجون إليه، وكان يخدمهم بصمتٍ وتواضعٍ دون أن ينتظر أجراً منهم. وهذا نعرفه جيّداً، لأنّه انتقل من هذه الفانية متجرّداً ومجرَّداً. وهكذا أعطانا نحن الذين أردنا أن نتبع الرب يسوع ونتكرّس لأجله أن نعرف كيف نبذل دون حساب وكيف ننتظر المكافأة منه تعالى فقط.

    تميّز أبونا بطرس بخدمته المتفانية، فكان يزور العائلات المحتاجة، يؤاسي ويعزّي، حتّى في السنوات العشر الأخيرة التي عاد فيها إلى الأراضي المقدّسة كبطريرك سابق، كان يعيش حقيقةً دعوته الكهنوتية بالصمت والتواضع. ولم يكن يُسمَع له أيّ تذمّر، بل كان يسعى لنشر السلام حوله. وهو يبقى لنا مثالاً للرسول والتلميذ الذي يسير على خطى معلّمه الإلهي القائل "ليس لي حجر أسند إليه رأسي".

    عُرف المثلّث الرحمات طوال خدمته برجل إيمان ورجل حق، نراه في تعليمه وإرشاده ومواعظه، لا يدافع عن قضايا الإيمان فقط، بل يعيشها بكلّ ما استطاع. فكان الوكيل الأمين للرب يسوع في تمسّكه بتعليم الإنجيل وطاعته للكنيسة. وكان أحياناً مضطرّاً حتّى لتنبيه الإكليروس كي يعيشوا دعوتهم بروح المعلّم الإلهي.

    تميّز راحلنا الجليل بدفاعه المستميت الذي لا يقبل أنصاف الحلول عن حقوق المستضعَفين والمظلومين أينما وُجدوا، إن في لبنان أو الأراضي المقدّسة أو العراق. وكانت له وفقات حق مع الشعب الفلسطيني، منادياً بأعلى صوته ومن على المنابر وفي المقابلات الصحفية والمؤتمرات، دفاعاً عن حق الشعب الفلسطيني كي يعيش بالحرّية والكرامة على أرضه.

    عُرف المثلّث الرحمات بحرصه على الكنيسة، كنيستنا السريانية في الأراضي المقدّسة، التي عادت منذ ما قبل المئة وعشر سنوات إلى هذه الأرض المقدّسة في بيت لحم والقدس. فكان يكمّل مشاريع البناء والتحديث والترميم في دور العبادة، كما بنى كنيسة مار توما وداراً للحجّاج في القدس، وطوّر بناء رعية مار يوسف هذه في بيت لحم، إن كان في بيت الحجّاج وإن كان في روضة الأطفال. وكان دوماً يحرص على أن يعطي للكنيسة صورة الأمّ الخادمة التي تبذل ذاتها عن أبنائها وبناتها.

    وفي لبنان، أكمل مراحل إنشاء مجمّع مار أفرام السرياني في بيروت الذي يحتوي على 124 شقّة سكنية لذوي الدخل المحدود، كما شيّد المرحلة الأولى من كنيسة عذراء فاتيما في جونيه.

    وكذلك نعرفه كيف انطلق إلى العراق قبل الغزو المجرم عام 2003 كي يشجّع ويؤاسي ويؤكّد على حضوره بين أبنائه وبناته إكليروساً ومؤمنين، وقد اضطرّ أن يغادر فجأةً العراق بسبب الظروف الأمنية.

    جئنا كي نشارككم هذه الخطوة الأخوية والبنوية لتوديع أخينا مار اغناطيوس بطرس الوداع الأخير، وقد رافقني سيادة الحبر الجليل مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ مجمعنا الأسقفي. جئنا كي نتذكّر معكم أبونا بطرس، ونفرح لأنّه ودّعنا وودّع هذه الفانية كي يلتقي بإلهه ومخلّصه الرب يسوع الذي دعاه إلى هذه الخدمة المكرَّسة.

    باسمكم جميعاً نتوجّه بالتعزية إلى نائبنا البطريركي في القدس والأراضي المقدّسة والأردن مار غريغوريوس بطرس ملكي، والأب رامي قبلان الزائر الرسولي في أوروبا ومنفّذ وصيّة المثلّث الرحمات، والخوراسقف منصور متّوشا كاهن الرعية، والأب أفرام سمعان معاون النائب البطريركي، وأهله وذويه.

    نطلب من الجميع أن يجدّدوا ثقتهم بالرب يسوع، متذكّرين أنّ المثلّث الرحمات كان الخادم الأمين والراعي الصالح، وسائلين له المكافأة من الرب يسوع، آمين".

 

إضغط للطباعة