الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
غبطة أبينا البطريرك يشارك في اجتماع خاص برؤساء الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية بدعوة من قداسة البابا فرنسيس في مدينة باري - إيطاليا

 
 

    قبل ظهر يوم السبت ٧ تمّوز ٢٠١٨، شارك غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، في الإجتماع الخاص برؤساء الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية، والذي عُقد بدعوة من قداسة البابا فرنسيس، في كاتدرائية القديس نيقولاوس، في مدينة باري - إيطاليا، وذلك إثر الإنتهاء من الصلاة المسكونية التي دعا إليها وترأسها قداسة البابا، بمشاركة رؤساء الكنائس، من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط والعالم.

    ترأس قداسة البابا فرنسيس الإجتماع، وشارك فيه رؤساء الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية في الشرق الأوسط، وتداولوا فيه الأوضاع العامّة في الشرق الأوسط، ومسألة الحضور المسيحي فيه، مقدّمين عروضاً مسهبة ومداخلات عدّة، ومتوقّفين بصورة خاصة عند السبل الآيلة إلى وضع حدّ للعنف وإحلال السلام والأمان وعودة النازحين واللاجئين إلى بلادهم.

    وشدّد غبطة أبينا البطريرك، في مداخلته خلال الإجتماع، على "أهمّية وجود المسيحيين في الشرق الأوسط، إذ أنّ الكنائس الموجودة في الشرق، هي أصيلة ومتأصّلة ومتجذّرة في تاريخه منذ نشأة المسيحية، وهي كنائس رسولية، تعود إلى عهد الرسل الأوّلين، ورسالتها ثابتة في الشرق، ويجب أن تبقى فيه لتتابع الشهادة لإنجيل المحبّة والفرح والسلام في أرض الآباء والأجداد رغم عظمة التحدّيات".

     ونوّه غبطته إلى أنّ "هناك قلق وجودي يؤثّر على وجود شعبنا وبقائنا في الشرق"، مشدّداً على "أهمّية دور الكنيسة في الشرق بنقل رسالة الله وسط تعقيدات منطقة الشرق الأوسط".

    وإذ شدّد غبطته على أنه "لا وجود ولا استمرارية للشرق الأوسط دون المسيحيين"، أشار غبطته إلى "أنّ المسيحيين ليسوا أقلّيات في الشرق، بل هم سكّان الأرض وأصحابها الأصليون، وسيتابعون تأدية الشهادة للرب يسوع كما فعلوا على مرّ التاريخ".

    وفي ختام مداخلته، وجّه غبطته "عميق الشكر والإمتنان إلى قداسة البابا فرنسيس الذي تكرّم فدعا إلى عقد هذا اللقاء بروح المسؤولية الأبوية والراعوية"، وهو الذي "يحمل الشرق في قلبه وصلاته"، متمنّياً لقداسته دوام الصحّة والعافية.

    وبعدما أدلى الجميع بمداخلاتهم، توجّهوا إلى أمام الباب الخارجي الرئيسي للكاتدرائية، فألقى قداسة البابا فرنسيس كلمة مختتماً بها يوم الصلاة واللقاء هذا، فأعرب في بدايتها عن "الفرح للمشاركة التي عشناها اليوم بنعمة من الله، إذ تبادلنا المساعدة لإعادة اكتشاف وجودنا المسيحي في الشرق الأوسط، هذا الوجود الذي سيكون أكثر نبوية كلّما شهد ليسوع رئيس السلام"، مشيراً إلى "خطر تعرّض الكنائس أيضاً إلى تجربة منطق العالم، منطق القوّة والربح، وأيضاً إلى خطيئة عدم تماشي الحياة مع الإيمان التي تعتّم الشهادة. علينا الارتداد مرّة أخرى إلى الإنجيل، وهو أمر ضروري اليوم في ليل الشرق الأوسط. وكما في ليل الجتسمانية، لن يكون الهروب أو السيف ما يستبق فجر الفصح المشعّ، بل هبة الذات في محاكاة للرب". 

    وأكّد قداسته أنّ "بشرى يسوع السارّة، يسوع المصلوب والقائم انطلاقاً من المحبّة، قد كسبت قلوب البشر عبر القرون منطلقةً من الشرق الأوسط، لا لارتباطها بقوى العالم بل بقوة الصليب". 

    وشدّد قداسته على أنٌ "الإنجيل يُلزمنا بارتدادٍ يومي إلى تصميم الله، وبأن نجد فيه الأمان والعزاء، وبأن نعلنه للجميع رغم كلّ شيء"، متوقّفاً "عند إيمان الأشخاص البسطاء المتجذّر في الشرق الأوسط كينبوع نستقي منه لسدّ عطشنا ولنتطهّر، مثلما يحدث عندما نعود إلى الأصول متوجّهين كحجّاج إلى القدس، الأرض المقدسة، أو إلى المزارات في مصر والأردن، ولبنان وسوريا وتركيا والأماكن المقدسة الأخرى في المنطقة".

    وتحدّث قداسته عن الحوار الأخوي "الذي جمعه مع رعاة الكنائس في الشرق الأوسط، والذي كان علامة على ضرورة التطلّع المتواصل إلى اللقاء والوحدة بلا خوف من الاختلافات"، مضيفاً أنّ "هذا ينطبق على السلام أيضاً، الذي يجب إنماؤه حتى على أرضٍ يبّسَتْها المواجهات، لأنه ما من بديل عن السلام، والذي لا يتمّ بلوغه بهدنة تضمنها الجدران أو إظهار القوة، بل بالرغبة الفعلية في الإصغاء والحوار"، معتبراً في هذا السياق "إننا ملتزمون بالسير والصلاة والعمل، ونتضرّع كي يسود فنّ اللقاء على استراتيجيات الصدام، وأن تحلّ محلّ علامات التهديد والسلطة علامات الرجاء، أي الأشخاص ذوو الإرادة الطيّبة من الديانات المختلفة الذين لا يخشون تبادل الحديث وقبول منطق الآخر والإهتمام المتبادَل"، مؤكّداً "أنه فقط من خلال الإهتمام بألا ينقص أحد الخبز والعمل والكرامة والرجاء، ستتحوّل صرخات الحرب إلى أناشيد سلام. إلا أنّ هذا يتطلّب من أصحاب السلطة أن يضعوا أنفسهم في خدمة السلام، لا مصالحهم الخاصة. كفى إذن لمكاسب قليلين على حساب الكثيرين، ولاحتلال الأراضي الذي يمزّق الشعوب، كفى لسيادة حقيقة البعض على آمال الأشخاص، كفى لاستغلال الشرق الأوسط من أجل مكاسب غريبة عن الشرق الأوسط".

    وتوقّف قداسته عند "الحرب باعتبارها الآفة التي تصيب بشكل مأساوي منطقة الشرق الأوسط الحبيبة"، مذكّراً "أنّ الفقراء هم ضحاياها في المقام الأول"، متطرّقاً إلى "سوريا المتألّمة والحرب فيها التي هي نتاج السلطة والفقر، والتي يمكن هزيمتها بالتخلّي عن منطق الهيمنة وبالقضاء على الفقر"، مشيراً إلى أنّ "حروباً عديدةً غذّتها أشكالٌ من الأصولية والتعصّب تتموّن بذرائع دينية، بينما هي بالأحرى تجديف على اسم الله الذي هو السلام، واضطهاد للأخ الذي كان يعيش دائماً بالقرب منّا. هذا ولا يمكن تجاهل دور الأسلحة في تغذية العنف، من هنا المسؤولية خطيرة وهي تُثقل ضمير الدول وخاصةً تلك القوية"، وذلك في إشارة إلى "التناقض بين الحديث عن السلام واللهاث الخفي في سباق التسلح". 

    ودعا قداسة البابا فرنسيس إلى "عدم نسيان القرن المنصرم ودروس هيروشيما وناكازاكي"، محذّراً "من تحويل الشرق، أرض الكلمة والسلام، إلى أرض صمت مظلمة"، ومذكّراً "مجدَّداً بالسعي إلى الربح الذي لا يكترث بشيء، راغباً في الاستيلاء على حقول الغاز والمحروقات بدون احترام البيت المشترك، أو الخجل من أن يُملي سوق الطاقة قوانين التعايش بين الشعوب". 

    ونوّه قداسته إلى ضرورة "فتح طرق التعايش، والتطلّع إلى مَن يبغي تعايشاً أخوياً مع الآخرين، ومن الضروري حماية الجميع لا فقط الأغلبية. يجب أيضاً، في الشرق الأوسط، السير نحو حق المواطنة المشتركة، فالمسيحيون كانوا ويجب أن يبقوا دائماً مواطنين بشكل كامل، متساوين في الحقوق".

    وتكلّم قداسته عن مدينة القدس، معرباً عن "قلق كبير، ولكن بدون التخلّي أبداً عن الرجاء"، فوصفها بمدينة "لجميع الشعوب، مدينة فريدة، مقدسة للمسيحيين واليهود والمسلمين في العالم بأسره"، مضيفاً أنه "يحب الحفاظ على هوية هذه المدينة ودعوتها، بعيداً عن أيّ خلاف وتوتّر، ويجب احترام الوضع القائم للمدينة المقدسة الذي حدّده المجتمع الدولي، وتطالب به بشكل متكرّر الجماعة المسيحية في الأرض المقدسة"، مؤكّداً "أنه فقط حلاً تفاوضياً بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بدعم من المجتمع الدولي، هو القادر على بلوغ سلام ثابت ودائم وضمان وجود دولتين لشعبين".

    وخصّص قداسته الجزء الأخير من كلمته للأطفال، "وجهِ الرجاء"، فذكّر بالأرقام المخيفة، حسبما ذكر، "لأطفال الشرق الأوسط الذين يبكون مَن فقدوا في عائلاتهم جراء العنف، ويتمّ الإعتداء على أراضيهم، ما يقود غالباً إلى الإضطرار إلى الهروب، أطفال رأوا في الجزء الأكبر من حياتهم الحطام بدلاً من المدارس، ويسمعون دويّ القنابل بدلاً من صخب اللعب المرِح"، داعياً "البشرية إلى الإصغاء إلى صرخة الأطفال الذين تُعظّم أفواهُهم جلالَ الرب، إذ بتجفيف دموع هؤلاء الأطفال سيستعيد العالم كرامته". 

    وختم البابا حديثه في ختام يوم الصلاة من أجل السلام في الشرق الأوسط، راجياً "أن تظلّ قلوبنا متّحدة ومتوجّهة إلى السماء بانتظار أن تعود، ومثلما حدث في زمن الطوفان، ورقة الزيتون الخضراء، وألا يظلّ الشرق الأوسط قوس حرب بدل أن يكون سفينة سلام تستقبل الشعوب والأديان"، متضرّعاً "من أجل أن تزول عن الشرق الأوسط ظلمات الحرب والسلطة والعنف، التعصّب والربح الجائر، الإستغلال والفقر واللامساواة وعدم الإعتراف بالحقوق، فيسود السلام وتحلّ العدالة". 

    ثمّ أطلق رؤساء الكنائس، أمام الجموع الغفيرة المحتشدة، حماماً أبيض في سماء المدينة، علامةً حسّيةً ملموسةً على الصلاة والعمل معاّ لإحلال السلام في الشرق والعالم.

    رافق غبطةَ أبينا البطريرك إلى هذا الإجتماع الأب حبيب مراد أمين سرّ البطريركية.

 

إضغط للطباعة