الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
النص الكامل لموعظة غبطة أبينا البطريرك في قداس اليوبيل الذهبي لتدشين كنيسة سيّدة فاتيما بحيّ القصور، دمشق

 

 يطيب لنا أن ننشر فيما يلي النص الكامل للموعظة التي ألقاها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، خلال القداس الذي احتفل به غبطته في كنيسة سيّدة فاتيما بحيّ القصور، دمشق، بمناسبة اليوبيل الذهبي لتدشينها، وذلك مساء يوم الأحد ١٨ تشرين الثاني ٢٠١٨:

 

 "أن تسلكوا كما يحقّ للدعوة التي دُعيتم إليها، بكلّ تواضع ووداعة، وبطول الأناة، محتملين بعضكم بعضاً في المحبّة، مجهتدين أن تحفظوا وحدة الروح برباط السلام" (أفسس ٤: ١-٣).

 

    ترحيب وشكر الحضور من كنسيين ومدنيين...

 

    جئنا هذا المساء لنحتفل بذبيحة القداس الإلهية في الذكرى الخمسين على بناء هذه الكنيسة المكرَّسة على اسم العذراء مريم والدة الله الكلمة، سيّدة فاتيما، بعد أن شاركنا في العام المنصرم، بمئوية ظهورات هذه الأم السماوية لأطفال بسطاء أبرياء في قرية فاتيما بالبرتغال.

    إننا إذ نهنّئ أخانا مار غريغوريوس الياس رئيس أساقفة هذه الأبرشية المباركة وكهنة الرعايا والمكرَّسين والمكرَّسات من أبناء هذه الرعية وبناتها المؤمنين، نضرع إلى الآب السماوي أن يبارك بشفاعة الأمّ القديرة مريم العذراء، سوريا الحبيبة وعاصمتها دمشق ذخر الإنسانية بكلّ عطية صالحة.

    نستذكر في هذه الذبيحة المثلَّثَي الرحمات المطران جرجس ستيته والمطران اسطفان رحال لأتعابهما وجهودهما في بناء هذه الكنيسة، وجميع الذين تعاقبوا على خدمتها، أساقفةً وكهنةً، مع الجوقات وفرق الكشّاف والأخويات ولجنة الكنيسة الذين عملوا جاهدين طوال خمسين عاماً لاستمرار الخدمة في هذه الكنيسة حتى وصلت إلى يومنا هذا، إذ نحيي اليوبيل الذهبي لتأسيسها. واليوبيل هو وقفة للتأمّل بما تمّ إنجازه في الماضي، والسير قدماً نحو المستقبل بهمّة عالية، وبالاتّكال على الرب الذي يسندنا ويقوّي ضعفنا.

    نبتهل إليه تعالى كي يغمر جميع المواطنين الشرفاء، بفيض نعمه وبركاته، كي ينطلقوا بعد تضحيات التحرير من هجمات الإرهابيين والمتآمرين، بورشة الإعمار بقلوب متّحدة وبرباط السلام. معكم نصلّي كي يحفظ إله الخير والحق هذا قائد البلاد ومعاونيه وجيشه الأبيّ ولفيف شعبه الصامد، ويخلّد أمانتهم التاريخية لسوريا الأصالة والحضارة مرجعاً وعزّاً.

    منذ سنوات، ونحن نتابع بأسى شديد الويلات الإجرامية التي حلّت بسوريا والعراق، هذين البلدين الجارين، حيث عانى كلاهما، وعلى مختلف المناطق والأطياف والأعراق، من الهجمات الظلامية التي فاقت كلّ تصوّر. ومنذ تسلُّمنا الخدمة البطريركية، لم نألُ جهداً من زيارة الشعبين الشقيقين مع إخوتنا البطاركة والأساقفة، نكرّم ذكرى الشهداء والشهيدات، نزور الجرحى ونعزّي الحزانى، ونتفقّد شؤون المهجَّرين المقتلَعين من أرض الأجداد، ساعين دوماً إلى بثّ الرجاء في النفوس، واثقين من غلبة الخير على الشرّ، ليحلّ السلام الذي تتوق إليه النفوس. وها نحن اليوم وبرفقتنا رئيس أساقفة بغداد، وأساقفة الدائرة البطريركية، نأتي لنزوركم ونؤكّد لكم أنكم في قلبنا وصلاتنا، وأنكم البشارة للرجاء، رغم المعاناة والدمار، إذ ليس من أمر عسير لديه تعالى!

    منذ أحدين بدأنا زمن المجيء لميلاد المخلّص بأحد تقديس البيعة وأحد تجديد البيعة. أمّا اليوم الأحد الثالث، فهو أحد بشارة زكريا الكاهن بولادة ابنه يوحنّا السابق، ولادةً أعجوبيةً، كما سمعنا من إنجيل لوقا. بهذه البشارة يبدأ التدبير الخلاصي بحكمةٍ ما كان بمقدور زكريا الكاهن أن يفهمها، لأنه وامرأته أليصابات كانا قد طعنا في السِنّ. بعد الرؤيا في هيكل البخور، خرج هذا الكاهن البار شديد التأثّر، يعتريه الخوف، ومتسائلاً في عمق نفسه عن معنى الرؤيا، وعن الحدث المبهج الذي بُشِّر به، متأمّلاً في قلبه في سرّ العطية التي ميّزه بها الله، لأنّ كثيرين سيفرحون بولادة يوحنّا السابق للمسيح المخلّص.

    وبّخه الملاك جبرائيل "الواقف أمام الله"، وحكم عليه بالخَرَس، "لأنك ما آمنتَ بكلامي" كما يؤكّد لنا الإنجيل. كم نحتاج اليوم إلى إيمانٍ متجدّدٍ بأحكامه تعالى، ونحن نقاسي الأمرّين في حياتنا: هموم يومية في المعيشة وقلق إزاء المستقبل.

    أمّا في الرسالة التي استمعنا إليها، فهي تذكّرنا بدعوتنا التي حملتها لنا المعمودية المقدسة، وهي "أن تسلكوا كما يحقّ للدعوة التي دعيتم لها..."، كما يقول بولس رسول الأمم في رسالته إلى أهل أفسس، أي أن نحيا كأولاد الله، الأب لجميعنا، وأن نسلك في وحدة الروح، لأننا تبعنا ربّاً واحداً هو الفادي يسوع.

    كلّنا نحتاج أن نتذكّر وأن نذكّر بعضنا بعضاً بأنّ علينا أن نسعى في حياتنا، بالأفعال الصالحة قبل الكلام، لكي نبلغ إلى كمال قامة المسيح، أي أن نشاركه في عمل الفداء لإخوتنا وأخواتنا، لنضحي شهوداً وشاهداتٍ له، فيعرفنا العالم بأننا تلاميذه.

    نطلب حماية العذراء، سيّدة فاتيما، وشفاعة جميع شهدائنا الأبرار، لكي تنقشع الغيمة السوداء المظلمة والظالمة من سماء سوريا الحبيبة، وأن ينعم الرب على شعبها بالسلام الحقيقي والمبني على قبول الآخر والإعتراف بحقوق جميع المواطنين متساويةً، أكانوا من الأكثرية أو من الأقلّيات، لأننا جميعنا قد خُلقنا على صورته ومثاله تعالى، وجميعنا مدعوون كي نشاركه في بناء ملكوته على الأرض، لنستحقّ أن نلاقيه وجهاً لوجه في ملكوته السماوي، حيث السعادة ثمرة المحبةّ. آمين.

 

إضغط للطباعة