الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
رسالة عيد الميلاد المجيد لعام 2019 لغبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان (باللغة العربية)

 
 

    يطيب لنا أن ننشر فيما يلي النص الكامل للرسالة التي وجّهها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بمناسبة عيد الميلاد المجيد لعام 2019، باللغة العربية، بعنوان: "هلمّوا إلى بيت لحم"، وقد أصدرتها البطريركية في كرّاس خاص:

 

    الرقم: 279/2019

    التاريخ: 20/12/2019

رسالة عيد الميلاد المجيد 2019

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام

وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل

وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب

اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

 

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:

 

«ܢܶܪܕܶܐ ܥܕܰܡܳܐ ܠܒܶܝܬ ܠܚܶܡ»

"هلمّواإلى بيتَ لحم"

    1. مقدّمة

    في مستهلّ رسالتنا الميلادية، يسرّنا أن نقدّم أجمل التهاني مع أدعيتنا الأبوية الحارّة، بمناسبة عيد ميلاد ربّنا يسوع المسيح وحلول العام الجديد 2020، إلى جميع إخوتنا، رؤساء الأساقفة والأساقفة الأجلاء، وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات، وأبنائنا وبناتنا المؤمنين، في لبنان وسوريا والعراق والأراضي المقدّسة والأردن ومصر وتركيا وأوروبا والأميركتين وأستراليا. ومعهم نضرع إلى الطفل الإلهي الذي وُلِد في مذود بيت لحم، أن يهبنا جميعاً فيض النِعَم والبركات والخيرات، ويجعل من العام الجديد عام سلام وأمان وطمأنينة واستقرار في مشرقنا المضطرب وفي العالم بأسره، فنعيش في الوحدة والمحبّة والألفة والفرح. 

 

    2. أعجوبة بيت لحم

    يُخبرنا لوقا الإنجيلي في أحد نصوصه الميلادية المتميّزة (لو 2: 8-20)، كيف أنّ ملاك الرب ظهر لرعاةٍ يبيتون في البرّية ويتناوبون السهر في الليل على رعيتهم. فبشّرهم بخبرٍ عظيمٍ يفرح له جميع الشعب، وهذه البشرى السارّة هي ولادة المخلّص، المسيح الرب، في مدينة داود (بيت لحم). وبعد أن أطلعهم الملاك على أنّهم سيجدون طفلاً مقمَّطاً مضجعاً في مذود، ظهر مع الملاك بغتةً جمهورٌ من جند السماء، وأخذوا يسبّحون الله ويمجّدونه. وإذ انصرف الملائكة عنهم إلى السماء، قال الرعاة بعضهم لبعض: "هلمّوا نذهب إلى بيت لحم، فنرى ما حدث، ذاك الذي أخبرَنا به الرب" (لو 2: 15).

    ليس عن عبث أن تكون بيت لحم أي "بيت الخبز"، بحسب أصل الكلمة السريانية الآرامية ܒܶܝܬ ܠܚܶܡ، المكان الذي فيه سيولد مَن نزل مِن السماء ليكون خبز الحياة للناس، هو الذي بدأ حجّه الأرضيّ من مذودٍ في مغارة. في هذا المذود سَنَجِدُ: طفلَ عذراء، مسيحَ إسرائيل، مخلّصَ العالم، وابنَ الله.

    يا لهذا السرّ ويا لهذه الأعجوبة! يعجز العقل عن التفكير عندما يحاول أن يتصوّر كيف يمكن أن يصبح "الأزلي" طفلاً، وكيف يمكن اختزال "اللامتناهي" في أبعاد الزمن، وكيف يمكن أن يصبح "الخالق" واحداً مع خليقته. فالإبن تجسّد حتى يكشف عن الآب السماوي، ويعيدنا اليه، ويمحو خطايانا، فنصبح شركاء في طبيعته الإلهية.

    وها هو مار أفرام السرياني، ملفان الكنيسة الجامعة، يتغنّى بالطفل الإلهي الذي أصبح بشراً: «ܐܶܬܰܝܢ ܕܢܶܚܙܶܝܟ ܐܰܝܟ ܐܰܠܳܗܳܐ ܗܳܐ ܒܰܪܢܳܫܳܐ ܐܰܢ̱ܬ܆ ܐܶܬܰܝܢ ܕܢܶܚܙܶܝܟ ܐܰܝܟ ܕܰܠܐ̱ܢܳܫܳܐ ܨܡܰܚ ܠܶܗ ܢܺܝܫܳܐ ܕܰܐܠܳܗܽܘܬܳܟ»(ܡܳܪܝ̱ ܐܰܦܪܶܝܡ܆ ܡܰܕܪ̈ܳܫܶܐ ܕܒܶܝܬ ܝܰܠܕܳܐ܆ ܝܓ̄: ܛ̄)،وترجمته: "أتينا لنراكَ كإلهٍ، فها أنتَ إنسان. أتينا لنراكَ كإنسانٍ، فها قد شَعَّت علامة ُلاهوتكَ" (مار أفرام السرياني، أناشيد الميلاد،13: 9).

 

    3. الرعاة يستقبلون الخبر السارّ

    أطاع الرعاةُ الملاكَ وسارعوا للتفتيش عن مخلّصهم، وأصبحوا أوائل الناس في لقاء المسيح المخلّص، قادرين على "تمجيد الله وتسبيحه على كلّ ما سمعوا ورأوا كما قيل لهم" (لو 2: 20). آمن الرعاة بالأمور التي سمعوها، لم يقولوا: "هيّا نذهب ونرى ما إذا كان هذا الذي أُخبِرنا به سيحدث فعلاً"، لكنّهم قالوا: "هيّا نذهب ونرى ما حدث". آمنوا بكلمة الرب على لسان الملاك قبل أن يَرَوا فعلاً أنّها تحقّقت. فَـ"طوبى للذين يؤمنون ولم يَرَوا" (لو 20: 19).

    لنتشبّه بالرعاة، فهم امتلكوا الإيمان الحقيقي، بحثوا عن الطفل المضجَع في مذود والتقوا به، نشروا رسالة الإنجيل حيثما ذهبوا، وسبّحوا الله بفرح شاكرين. "إنّ هذا اللقاء بالتحديد بين الله وأبنائه، بواسطة يسوع، هو الذي يعطي الحياة لإيماننا، ويصنع جماله الفريد، الذي يتألّق بطريقةٍ خاصّة في مغارة الميلاد" (البابا فرنسيس، الرسالة البابوية بمناسبة عيد الميلاد 2019 بعنوان "علامة رائعة"، فقرة رقم 5).

    كم كان يوسف ومريم سعيدين عند قدوم الرعاة إليهم. فعلى الرغم من تغاضي الأغنياء عن هذه البشرى السارّة، تمَّ تكريم الطفل الإلهي من قِبَل هؤلاء الرجال الفقراء، وهؤلاء أيضاً لم يحتفظوا بما سمعوه ورأوه لأنفسهم. لقد قال الملاك "ها إنّي أبشّركم بفرح عظيم يكون فرح الشعب كلّه" (لو 2: 10)، لذلك "جعلوا يُخبِرون بما قيلَ لهم في ذلك الطفل" (لو 2: 17). كالرعاة، نحن المؤمنين بالمسيح، سنُخبِرُ عنه أمام الذين لا يعرفونه، بل أمام العالم بأسره.

 

    4. الحجّ إلى بيت لحم

    هلمّوا نذهب إلى بيت لحم، لنعاين الإله – الطفل المقمَّط والمُضجَع في مذود، إذ من أجل فدائنا، وجب أن يكون مخلّصنا إنساناً أيضاً. فإنّ فداء الإنسان الخاطئ، الضعيف والعاجز، كان الهدف الأسمى من ولادة المخلّص.

    هلمّوا إلى بيت لحم، حيث يتحلّق الجميع "حول المغارة المليئة بالفرح، دون وجود أيّ مسافة بين الحدث الذي تمّ والخليقة التي تشارك في الاحتفال بمجيء المسيح. الملائكة مع النجم المتلألئ علامة حسّية على أنّنا مدعوّون نحن أيضاً للانطلاق إلى مغارة بيت لحم والسجود للرب يسوع" (رسالة البابا فرنسيس نفسها: "علامة رائعة"، فقرة رقم 5).

    أدرك الرعاة بتواضعهم وفقرهم كيف يستقبلون حدث التجسّد. وكذلك فعل المجوس الثلاثة وهم الحكماء القادمون من المشرق لملاقاة الملك المولود، فقدّموا له هداياهم ذهباً ولباناً ومرّاً. "لهذه الهدايا معانٍ رمزية: الذهب يرمز إلى ملوكية يسوع، واللبان إلى ألوهته، والمرّ إلى إنسانيته المقدّسة التي عرفت الموت والدفن" (البابا فرنسيس، الرسالة نفسها: "علامة رائعة"، فقرة رقم 9). أصيب المجوس بالإرهاق والملل، فقد سافروا فترةً طويلةً يبحثون عن الملك المولود، تابعين النجم الجديد الذي سطع في السماء معلناً ولادة المخلّص، وقادهم إلى ذاك المكان حيث وجدوا الطفل ووالدته.

 

    5. أمام المذود

    أمام مذود بيت لحم، نرى تلك العائلة المقدّسة التي أدهشت العالم بوداعتها وهي تحتضن الطفل العجيب، كلمة الآب المتأنِّس لخلاصنا! نلتقي بمريم "أمَة الرب" (لو 1: 38)، هذه الأمّ التي تتأمّل وحيدها، تقدّمه لأولئك الذين يأتون لزيارته، نوراً للبشر السالكين في الظلمة ورجاءً للخليقة جمعاء. كما نعجب بيوسف البارّ، الرجل الصامت والأب المربّي، واقفاً بجانب مريم والطفل، يحميهما ويحرسهما.

    وباقترابنا من الطفل الإلهي، نعانق المسيح بإنسانيّته، ونشعر بعظمة تضحية الحبّ الإلهي، ونتعلّم من المسيح معنى الحبّ الكامل، هذا الإله الذي ارتضى أن يتأنّس ويُولَد في مذود حقير من أجل خلاصنا.

    "لقد أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة، مولوداً في حكم الشريعة، ليفتدي الذين هم في حكم الشريعة، لنصير نحن أبناء الله" (غلا 4: 4-5). وُلِد المسيح في مذود صغير، ولَبِسَ جسدنا البشري ليهب الخلاص للبشرية التي أحبّها حبّاً عظيماً، هذه هي البشرى السارّة، وهذا هو أساس وجودنا وجوهر حياتنا.

    يتأمّل آباؤنا السريان بحدث الميلاد في مذود بمغارة بيت لحم، فيقولون: «ܥܰܠ ܒܶܝܬ ܠܚܶܡ ܕܺܝܗܽܘܕܳܐ ܥܶܒܪܶܬ܆ ܘܩܳܠܳܐ ܕܢܽܘܨܪ̈ܳܬܳܐ ܫܶܡܥܶܬ ܚܰܒܺܝ̈ܒܳܬܳܐ܆ ܘܰܐܚܕܰܢܝ ܕܽܘܡܳܪܳܐ. ܩܳܠܳܐ ܕܡܰܪܝܰܡ ܕܰܡܢܰܨܪܳܐ ܠܰܒܪܳܗ̇܆ ܨܒܰܝܬ ܒܺܝ ܡܳܪܝ ܘܰܗܘܺܝܬ ܐܶܡܳܟ܆ ܘܰܐܒܽܘܟ ܡܰܢܽܘ ܐܶܡܳܟ ܠܳܐ ܪܓܺܝܫܳܐ. ܒܪܺܝܟܽ ܗ̱ܘ ܕܰܫܒܰܩ ܡܰܪܟܰܒܬܳܐ ܒܪܰܘܡܳܐ܆ ܘܒܰܡܥܰܪܬܳܐ ܐܽܘܪܝܳܐ ܓܒܳܐ ܠܶܗ ܗܰܠܶܠܽܘܝܰܗ ܫܽܘܒܚܳܐ ܠܡܽܘܟܳܟܶܗ»، وترجمته: "مررتُ ببيت لحم يهوذا، وسمعتُ صوت مناغياتٍ حبّيةٍ، فتملّكتني الدهشة. صوت مريم تناغي ابنها قائلةً: ارتضيتَ بي سيّدي وأصبحتُ أمّك، ومن هو أبوك لا أعلم. مباركٌ مَن ترك المركبة في العلى، واختار له مذوداً في مغارة هللويا المجد لتواضعه" (من صلوات خدمة عيد ميلاد الرب يسوع بحسب الطقس السرياني الأنطاكي).

 

    6. صدى العيد هذا العام

    إن أغمضنا عيوننا وتأمّلنا للحظات بما تمرّ به أوطاننا من حروبٍ ومآسٍ واضطهادات، لوجدنا أنفسنا نعيش الميلاد الحقيقي لربنا يسوع المسيح الذي تجسّد لأجل خلاصنا، في أجواء الاستقواء على الضعفاء الأبرياء والعنف والقهر والتشرّد. 

 

    في لبنان، أكثر من شهرين مرّا والشعب اللبناني بمعظمه منتفض على المستقوين الفاسدين لأول مرّة في تاريخه، مؤسّساً لعامّيّة جديدة تصلح إن نجحت لوضع أسس دولة حديثة تتطلّع إلى المستقبل بأمل واعتزاز. دولة ديمقراطية، مدنية، تحترم مكوّناتها الروحية والشعبية المتنوّعة، دولة تحارب الفساد وتحاسب الفاسدين، دولة تؤمن بالمشاركة التي تدعو إلى الوحدة وليس إلى الانقسام، دولة المؤسّسات التي لا تميّز ولا تضطهد المواطنين ولا تهمّش طاقاتهم تبعاً لمذهبهم أو لأوضاعهم الاجتماعية. إنّنا نناشد القيّمين الأعلين على مراكز المسؤولية، أن يصغوا إلى مطالب الشعب ويؤلّفوا حكومةً قوامها وزراء متخصّصون من غير المرتهَنين للأحزاب والزعامات السياسية والطائفية. أولويات هذه الحكومة: استعادة ثقة المجتمع المحلّي والدولي بقدرات لبنان ومؤسّساته، ودعوة إلى إجراء انتخابات نيابية تتلاقى وتطلّعات الشباب المنتفض في الشارع. حكومة أضحت ضرورةً كي يستعيد المواطنون الثقة فيما بينهم ويولد لبنان من جديد ليضحي "رسالة" في محيطه.

 

    وفي سوريا، سنة جديدة حلّت، نكرّر فيها دعوتنا لجميع مكوّنات الشعب السوري إلى التعاضد والتكاتف لإنهاء الصراعات القائمة، والعمل سويّةً لإعادة بناء سوريا حجراً وبشراً، راجين خيراً بالمساعي التي يبذلها الخيّرون من أبناء الوطن لتقريب وجهات النظر وتذليل العقبات أمامهم، فتنتهي هذه الحرب العبثية، ويعمّ الاستقرار مختلف المحافظات السورية. وإنّنا نجدّد دعوتنا للمجتمع الدولي إلى العمل على رفع العقوبات الجائرة بحق الشعب البريء، وإلى إيقاف تدخّلات خارجية غايتها تنفيذ المخطّطات الجائرة بحقّ الشعب والوطن.

 

    في العراق، نجدّد دعوتنا لمكوّنات الشعب العراقي الحبيب كي يتّحدوا لإنهاء الأزمات القائمة والصراعات التي عصفت بوطنهم طويلاً، وها هي تعود منذ أشهر متّخذةً طابعاً دموياً لا تحمد عاقبته. وندعو السلطة السياسية كي تتفهّم مطالب الشعب المشروعة، وتتعاطف مع همومه وآلامه، وتستمع إلى نداءاته بوقف الفساد لبناء دولة عادلة ديمقراطية تحكم بالمساواة فيما بين مكوّناتها وتحاسب المسؤولين الفاسدين. كما نصلّي من أجل أبنائنا وبناتنا، ونشجّعهم على العودة إلى وطنهم ومدنهم وقراهم، والمساهمة مع باقي مكوّنات الشعب العراقي في الحفاظ على دولتهم وأرضهم.

 

    يؤلمنا أنه بعد مرور أكثر من ألفي عام، لا تزال الأرض التي قدّسها الرب يسوع المخلّص بميلاده وكرازته وموته وقيامته تشهد الصراعات والحروب. إنّنا نكرّر نداءاتنا كي يعترف المجتمع الدولي بدولة فلسطين، ويمنع استمرار الصراعات في الأراضي المقدسة، فتسود ثقافة قبول الآخر والمسامحة، وتبقى القدس عاصمة الدولتين. كما ندعو الأمم المتّحدة كي تتحمّل واجباتها لتطبيق المقرّرات الدولية لعودة اللاجئين إلى أرضهم، فتخمد الأحقاد ويكفّ القتل والدمار في شرقنا الحبيب.

 

    نجدّد شكرنا لسلطات المملكة الأردنية الهاشمية على الدور الذي تقوم به لتوطيد أواصر الإرتباط بين مختلف مكوّنات الشعب الأردني، وتعزيز ثقافة قبول الآخر وقيم المواطنة، بالإضافة إلى محبّة الشعب الأردني وتضامنه مع إخوته اللاجئين من سوريا والعراق، واستضافتهم واحترامهم ودعمهم حتّى توفُّر مناخات العودة إلى أوطانهم.

 

    أمّا مصر التي عقدنا على أرضها المؤتمر السابع والعشرين لمجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، والتي إليها لجأت العائلة المقدسة، فقد انتصرت اليوم على الإرهاب الذي كان يعصف بها واستطاعت، بحكمة المسؤولين فيها وبتضامن شعبها، أن تؤمّن لسائر المواطنين الحرّية والأمان ليعيشوا بالتآخي، متساوين في الحقوق والواجبات أمام الدولة ومؤسّساتها.

 

    وتركيا، حيث لا يزال أبناؤنا محافظين على إيمانهم وتراثهم العريق، فإنّنا نحثّهم على متابعة الشهادة للرب في أرض الآباء، طالبين منه تعالى أن يقوّي عزيمتهم، وهم يثبتون اعتزازهم بأرضهم وتراثهم، وخير دليل على ذلك ترميمهم وتأهيلهم لدير مار أفرام في ماردين الذي سندشّنه في شهر أيّار القادم بإذن الله.

 

    أمّا أبناؤنا وبناتنا في بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، فإنّنا نتوجّه إليهم بأفكارنا ونحملهم في قلوبنا، ونحن نقدّر أوضاعهم وتحدّيات القادمين الجدد منهم، ونحثّهم على التمسّك بإيمانهم بالرب يسوع والتزامهم الكنسي وتقليد الآباء والأجداد في بلاد المنشأ في الشرق. كما نؤكّد عليهم وجوب تربية أولادهم وتنشئة عائلاتهم على الأمانة لهذه المبادئ السامية.

 

    ولا ننسى أن نذكر بعواطف المحبّة والتضامن أبناءنا وبناتنا الذين يعانون من جراء النزوح والهجرة والإقتلاع من أرض الآباء والأجداد، من العراق وسوريا، إلى لبنان والأردن وتركيا، وإلى ما وراء البحار والمحيطات. كما نجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفة وكهنة وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء التام. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله أن يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السماوية.

 

   ويطيب لنا أن نذكّر أبناءنا وبناتنا في كلّ أنحاء العالم بالمشاركة في الاحتفالات التي ستقيمها كنيستنا السريانية في العام القادم 2020، بمناسبة مئوية الرسالة الحبرية التي وجّهها قداسة البابا بنديكتوس الخامس عشر في 5 تشرين الأول عام 1920، وفيها أعلن قداسته أنّ القديس مار أفرام السرياني هو ملفانٌ للكنيسة الجامعة. وبهذه المناسبة سنضع نصباً لهذا القديس في حدائق كاستل كوندولفو البابوية في روما.

 

    وفيما نسأل الرب أن يعمّ السلام والأمان في العالم كلّه، نستلهم، وككلّ عام، من الرسالة التي وجّهها قداسة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي للسلام للعام 2020، بعنوان "السلام كمسيرة رجاء:حوار ومصالحة وتوبة بيئيّة"، إذ يقول قداسته: "إنّ عملية السلام هي التزام مستمرّ وعمل صبور من البحث عن الحقيقة والعدالة (فقرة 2). والسلام لا يتحقّق إن كنّا لا نرجوه. فالروح القدس يلهمنا، يوماً بعد يوم، بأعمالنا وأقوالنا كي نصبح صانعي عدالة وسلام" (فقرة 5).

 

    7. خاتمة

    هلمّوا إلى بيت لحم لنسجد أمام الطفل الإلهي، ربّنا وخالقنا، الله الذي أحبّنا محبّةً عظيمةً لا نستطيع أن نسبر غورها. فهو لا يريدنا أن نعيش حياة الشقاء والتعاسة، بل حياة الفرح والسلام. عمانوئيل، الله معنا، جاء "لتكون الحياة للناس وتفيض فيهم" (يو10: 10). يا ربّ، تعالَ واسكن فينا. ألا هيّئ قلوبنا لتصبح مغارةً لائقةً بك، وتعالَ لزيارتنا، فزيارتك هذه تكفينا لنعيش سلامك الحقيقي الذي يفوق كلّ سلام، ونتذوّق حبّك الفريد، فالعالم اليوم بأمسّ الحاجة إليك. آمين! تعالَ أيّها الرب يسوع!

 

    وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

    كلّ عام وأنتم بألف خير.

 

ܡܫܺܝܚܳܐ ܐܶܬܺܝܠܶܕ... ܗܰܠܶܠܽܘܝܰܗ  وُلِدَ المسيح! هللويا!

 

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت -لبنان

في اليوم العشرين من شهر كانون الأوّل سنة 2019،

وهو عيد القديس مار اغناطيوس النوراني،

 وهي السنة الحادية عشرة لبطريركيتنا

 

    اغناطيوس يوسف الثالث يونان

    بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

 

 

إضغط للطباعة