الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
نص موعظة غبطة أبينا البطريرك في قداس عيد مار يوسف

 

    يطيب لنا أن ننشر فيما يلي النص الكامل للموعظة التي ألقاها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، خلال القداس الذي احتفل به غبطته بمناسبة عيد مار يوسف، وذلك في كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف - بيروت، صباح يوم الخميس ١٩ آذار ٢٠٢٠:

 

    "أيّها المؤمنون الأحبّاء المبارَكون بالرب،

    نحتفل اليوم مع الكنيسة الجامعة بعيد مار يوسف، مربّي الرب يسوع وحامي العائلة المقدسة. قديس نعرفه وأقرب شخص للرب يسوع ووالدته مريم العذراء، فقد شهد الحدث الرائع والأعجوبي لميلاد يسوع، ورافقه والعذراء سنوات طويلة. تحمّل الكثير من الآلام والاضطهادات لكي يحمي يسوع ومريم، لذلك نسمّيه يوسف حامي العائلة المقدسة، وهو أيضاً شفيع الكنيسة الجامعة، وبشفاعته يحمي الكنيسة أينما كانت، لأنّ الكنيسة هي العائلة الروحية لجميع المؤمنين.

    في هذا العيد، يطيب لي أن أشكر جميع الذين عبّروا عن تهانئهم لي، ومار يوسف شفيعي هو أيضاً شفيع العديدين من الأساقفة والخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات والمؤمنين في كنيستنا السريانية. أشكرهم من كلّ قلبي، وفي الوقت عينه أبادلهم التهنئة، ضارعاً إلى ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح، بشفاعة هذا القديس العظيم مار يوسف، أن يباركهم بكلّ النِّعَم والخيرات والبركات، لاسيّما نعمة الصحّة والعافية، خاصّةً في هذا الزمن المخيف والعصيب الذي حلّ ببلادنا وبالعالم كلّه، بانتشار وباء فيروس كورونا.

    نتأمّل اليوم بقديسنا مار يوسف، فالإنجيل لا يتكلّم عنه كثيراً ولا يذكر لنا أيّة كلمة فاه بها هذا القديس، ولكنّه يقول لنا إنّ يوسف كان "رجلاً بارّاً"، والبارّ في الكتاب المقدس يعني الشخص الذي يريد أن يطبّق كلّ ما يريده منه الله في حياته، ليس في أقواله فقط، ولكن في أعماله وسيرته اليومية، فقد كان مثالاً للأبرار الذين سلّموا حياتهم بين يدي الله. فهو الزوج الأمين، والمربّي الحكيم، والمستسلم لمشيئة الله، وهو الذي كان ينتظر عزاء الله لشعبه المختار.

    مار يوسف مثالٌ لنا بالوداعة والتواضع والصمت وبتحمّله الآلام. نحن في هذا الزمن المخيف الذي نمرّ به، كم نحتاج إلى شفيع لنا وقديس قدير بشفاعته، فمار يوسف كان قريباً جداً من يسوع ومربّياً له. عاش مع يسوع ومريم، وانتقل إلى السماء ما بين يديهما.

    نطلب من هذا القديس أن يقوّينا في هذه الأيّام الكالحة التي يتخبّط فيها العالم، ويعطينا الشجاعة كي نتقبّل ما يحدث بإيمان ووعي، ونبذل كلّ جهدنا لنعيش المحبّة التي علّمنا إيّاها الرب يسوع، حتّى نبلغ القداسة التي إليها دُعينا.

    في هذه الأيّام، نجد الكثيرين يعطون من ذواتهم، لا سيّما الذين يرافقون المرضى المصابين بهذا الوباء، في المستشفيات وفي المصحّات وفي المنازل. إنّهم يبذلون كلّ ما بوسعهم ليخفّفوا عنهم الأوجاع ويساعدوهم كي ينالوا الشفاء.

    في هذا الزمن، زمن الصوم الكبير، نعيش هذا الوضع الصعب والعصيب والمخيف، كم نحتاج إلى طلب المغفرة منه تعالى على ما ارتكبناه من المعاصي والنقائص والخطايا، بسبب الأنانية والتكبّر والاستئثار الفردي والجماعي بمقدّرات الخليقة، متناسين الضعفاء والفقراء والمهمَّشين في مجتمعاتنا.

    نحن المدعوين، كما يقول مار بولس، كي نكون قديسين، يجب أن نتذكّر أنّ حياتنا على الأرض هي مسيرة نحو الملكوت، ومن مار يوسف نتعلّم كيف نقدّم كلّ شيء للرب. علينا إذن أن ننسى ذواتنا من أجل الآخرين، ونحاول أن نكون نزيهين، ونعلّم الحق بضمير صالح، ونسعى أن نحترم الآخرين، ولكن في الوقت عينه، علينا أن نتذكّر ونذكّرهم أننا شعب الله.

    للأسف نجد اليوم الكثيرين من السياسيين يستغلّون قوّتهم السياسية والعسكرية كي يستبدّوا بالشعوب الضعيفة، هؤلاء السياسيين الذين يجب أن يكونوا خدّاماً لشعبهم بروح مار يوسف، بمعنى البذل والعطاء، ولكنّهم أرادوا أن يبعدوا شعوبهم عن الله. لذا نجد واجباً علينا أن نرفع الصوت باسم جميع الرعاة الروحيين الأمناء على الوديعة الإيمانية، تجاه الظلم والاستكبار، تجاه الاستحواذ على قوى المال، من قِبَل عظماء هذا العالم.

    نذكر هنا مسألة الإلحاد وما يُسمّى موت الله، وللأسف هذا العلم أو الفلسفة نتج في بلاد كان يجب أن تكون بلاداً مسيحية بالفعل، ولكن للأسف الشديد تركوا الله ونشروا الإلحاد واللامبالاة الدينية. بمقدورهم أن يكونوا أقوياء بالعلم وبالسلاح والاختراعات، ولكنّنا نجدهم اليوم ضعفاء مثل غيرهم أمام هذا الوباء الذي يتفشّى في العالم بشكل مريع. فهذا الوباء الذي عمّ المسكونة هو تحذيرٌ لأولئك الذين تناسوا الله، وخنقوا صوت الضمير، فاستعملوا قوّتهم السياسية والعسكرية لتحقيق مآربهم ومصالحهم الأنانية.

    بالعودة إلى وطننا لبنان، كم نحتاج إلى العودة التائبة إلى الله في هذه الفترة التي نجتازها مع كلّ المواطنين، فنتضافر كي نغلب الشرّ بالخير، وآفة وباء الكورونا بالوعي والتضامن، والنزاهة والمحبّة. ويجب علينا أن نلتزم جميعنا بكلّ ما يوجّهه لنا المسؤولون من إرشادات كي نتلافى العدوى، وأن نشعر بتضامننا الأخوي والإنساني.

    كما أسمح لنفسي أن أدعو المسؤولين في وطننا كي يؤسّسوا صندوقاً تضامنياً في الوقت الذي نجد فيه لبنان يعاني أزمةً خانقةً، وكثيرون يجاهرون أنّ البلد يجتاز وضعاً مخيفاً من الناحية الاقتصادية والمالية. فيا ليت المسؤولين يسعون وينادون بتأسيس صندوق لهذا الغرض، يكون صندوقاً تعاضدياً للموجوعين والمحتاجين والذين يعانون أزمة البطالة وقد حُرِموا من أعمالهم، وذلك بفتح باب التبرّعات أمام جميع المواطنين الأسخياء.

    وهنا علينا أن نذكّر أولئك السياسيين الذين سرقوا الشعب مستغلّين نقائص النظام الطائفي في لبنان، فسلبوا المال من الفقراء والموجوعين ومن الذين ليس لهم عمل ليعتاشوا منه، هؤلاء السياسيين لديهم فرصة للمساهمة في هذا الصندوق بأكثر ما يمكن من المال المسروق.

    ختاماً، إلى جميع أحبّائي في لبنان وسوريا والعراق والأراضي المقدسة والأردن ومصر وتركيا والخليج، وكنيسة الانتشار في أوروبا والأميركتين وأستراليا، إليهم جميعاً أتوجّه، وأهنّئهم بهذا العيد المبارك، لا سيّما كلّ من يحمل اسم القديس يوسف ويتشفّع به، سائلاً الرب أن يحفظهم بالصحّة والعافية، وأن يملأهم فرحاً وقداسةً وسلاماً، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، ومار يوسف، ومار اغناطيوس الأنطاكي، وجميع القديسين والشهداء، آمين". 

 

إضغط للطباعة