الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
النص الكامل لموعظة غبطة أبينا البطريرك في قداس عيد القيامة المجيدة في كنيسة مار اغناطيوس، الكرسي البطريركي - بيروت

 

    يطيب لنا أن ننشر فيما يلي النص الكامل للموعظة التي ارتجلها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، خلال القداس الإلهي الذي احتفل به غبطته بمناسبة عيد القيامة المجيدة، وذلك في كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف - بيروت، صباح يوم أحد القيامة 12 نيسان 2020:

 

    "المسيح قام، حقّاً قام

    أيّها الأحبّاء الحاضرون معنا هنا في كنيسة الكرسي البطريركي في بيروت، والمشاركون معنا والمتابعون من بعيد من خلال وسائل التواصل الإجتماعي في أقطار العالم أجمع.

    نحتفل معاً بهذا العيد العظيم، عيد قيامة الرب يسوع من بين الأموات، عيد الغلبة على الخطيئة والموت، وهو عيدٌ يذكّرنا بأعظم حادثة جرت في تاريخ البشرية، وهي قيامة الرب يسوع بقدرته الإلهية، والقبر الفارغ هو الدليل الأول على قيامته، كما سمعنا من الإنجيل المقدس بحسب القديس مرقس. فالنساء اللواتي ذهبنَ ليحنّطنَ جسده حسب العادة، شهدنَ أنّ الحجر قد دُحرِج، وأخبرهنَّ ملاكٌ بما لم يكنَّ يتوقَّعنه، أي لم يكن أحدٌ منهنَّ يفكّر بإمكانية حصول مثل هذا الحدث، مع أنّ يسوع كان سبق وتنبّأ مرّاتٍ عديدةً على أنّه سيتألّم ويموت ويقوم في اليوم الثالث من بين الأموات.

    القيامة هي أعظم أعيادنا المسيحية، ورغم ذلك، فهناك الكثيرون بل الملايين من المسيحيين الذين لا يستطيعون المشاركة في احتفالات العيد من قداديس ورتب كنسية في هذا اليوم العظيم بسبب تفشّي وباء كورونا، إلا أنّ الله الذي هو ينبوع المراحم يعرف ضعفنا وحاجاتنا، وهو يؤهّلنا كي نشارك روحياً في هذه الذبيحة الإلهية. وهكذا يستطيع المؤمنون أن يتناولوا جسد الرب ودمه روحياً حسب نيّاتهم الصالحة واستعدادهم الروحي بالتوبة الصادقة، ريثما يتسنّى لهم التقرّب من سرّ القربان المقدس بأقرب فرصة بعد انتهاء هذه الأزمة المخيفة التي حلّت بالعالم كلّه وسبّبت الكثير من الأمراض وحصدت الكثير من الضحايا.

    تحتفل كنيستنا السريانية في عيد القيامة برتبة السلام، هذا السلام الذي كانت البشرية تحتاجه على مدى تاريخها، ونحن جميعاً نحتاج إليه. فكم من الحروب ألمّت بالشعوب، ونحن ككنيسة سريانية عشنا آلام الاضطهاد، وعشنا آلام الحروب والتمييز في الحقوق على مدى تاريخنا الكنسي، لذلك فضّلت كنيستنا أن تحتفل بالسلام في عيد قيامة الرب يسوع.

    عندما تراءى الرب يسوع للتلاميذ بعد قيامته، فاه بكلمته الأولى "السلام لكم، سلامي أعطيكم"، كدليل على أنّ يسوع كان عارفاً أنّ التلاميذ المنزوين في العلّية خائفين ومرتعبين، كانوا يحتاجون إلى طمأنينة من قبله، وإلى نعمة السلام لتحلّ في نفوسهم. وهذا السلام الذي منحهم إيّاه يسوع هو الذي جعلهم يتشجّعون ويقاومون كلّ الاضطهادات والتحدّيات من قِبَل الشعب ورؤساء الكهنة الذين قادوا يسوع معلّمهم إلى الحكم والموت صلباً.

    في سفر أعمال الرسل، نرى التلاميذ يشهدون لبشرى قيامة يسوع مهما كلّفتهم تلك الشهادة من اضطهاد ومخاطر. ونجد هؤلاء الرسل الشهودَ الحقيقيين لقيامة الرب يسوع. فلم يكن لديهم جيوش ولا ممالك، لكنّهم انطلقوا إلى العالم كلّه حاملين بشرى الخلاص بموت وقيامة الرب يسوع، واستطاعوا أن يجذبوا العالم المعروف آنذاك، عالم البحر المتوسّط كلّه، إلى الرب يسوع، مقدّمين ذواتهم شهادةً لهذه البشارة الإنجيلية. نستمدّ معاني قيامة الرب يسوع، أيّها الأحبّاء، من هذا القبر المليء من نور القيامة، وهو الذي يملأ قلوب المؤمنين كي يستطيعوا أن يكتشفوا معنى هذا السرّ الخلاصي، سرّ الفداء، لأنّه من دون الاستنارة الإلهية لا يستطيع الإنسان أن يقبل هذه الحقيقة. فنور القيامة يحمل الفرح إلى المؤمنين في العالم أجمع. لذلك ردّدنا كثيراً في هذه رتبة السلام عبارة الفرح، هذا الفرح الذي منحه الرب القائم لجميع تلاميذه، وهو يمنحه حتّى اليوم للكنيسة التي تتأمّل قيامته المجيدة وتقبل هذه الحقيقة.

    إنّ كلّ الحقائق الإيمانية، حسبما يعبّر مار بولس رسول الأمم، ترتكز على قيامة الرب يسوع، وإنّنا نحن أيضاً سنقوم ونتغلّب على سلطان الموت، لأنّنا نؤمن بقيامة الرب يسوع، ومن القبر الفارغ نستمدّ نور الرجاء. فكم نحتاج اليوم إلى هذا الرجاء ونحن ملتزمون البقاء في منازلنا ومحصورون في مناطق محدّدة، لا نستطيع أن نعايد أو أن نزور بعضنا البعض، بل علينا أن نبقى محجورين لسلامة ذواتنا وسلامة الآخرين أيضاً.

    كم نحتاج إلى التحلّي بالرجاء بأنّ ربّنا لن يتخلّى عنّا، وسينهي هذه المحنة الأليمة والرهيبة، وهو بحكمته الإلهية لديه مشروع كي يذكّر البشرية، سيّما عظماء الشعوب قادتها والذين يتولّون الحكم في العالم، أنّهم يبقون بشراً، وأنّهم كبشر معرَّضون إلى الآفات والأوبئة والأمراض والموت. لذلك نحتاج قبل كلّ شيء إلى نعمة الرجاء، وإلى نور القيامة، وفرح القيامة، ورجاء القيامة. هذا ما نصلّيه في هذا العيد العظيم، متضرّعين من أجل هذه النيّة اليوم، سواء كنّا هنا في كنيستنا هذه، أو كنّا في كنائسنا الأخرى حول العالم حيث يحتفل الإكليروس وحدهم، أو كنّا ملازمين منازلنا وبعيدين، مع أنّنا نشتاق إلى حضور هذه الاحتفالات الربّانية العظيمة، وخاصّةً عيد القيامة، أكبر أعيادنا، والذي نسمّيه العيد الكبير.

    نبتهل متضرّعين إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّه وأمّنا السماوية مريم العذراء، من أجل إزالة هذه المحنة المأساوية التي ألمّت بنا وبالعالم بأسره، ومن أجل أن يجعلنا مستحقّين أن ننشد فرح عيد قيامته، بالسلام والمحبّة، فننعم بالفضائل المنبعثة من قبره المشعّ بالنور.

    أودّ أن أختم كلمتي بصلاة نوجّهها معاً إلى مخلّصنا الذي فدانا بموته وقيامته، مع مار أفرام السرياني الذي نحيي هذا العام اليوبيل المئوي لإعلانه ملفاناً للكنيسة الجامعة:

    «ܒܚܽܘܒܳܐ ܐܰܫܘܳܢܝ ܕܶܐܙܡܰܪ ܠܳܟ ܒܰܩܝܳܡܬܳܟ ܒܰܪ ܐܰܠܳܗܳܐ܆ ܚܽܘܒܳܟ ܡܳܪܝ ܢܰܓܕܳܟ ܕܬܺܐܬܶܐ ܠܰܙܩܺܝܦܳܐ ܘܚܰܫܳܐ ܘܡܰܘܬܳܐ. ܒܚܽܘܒܳܐ ܢܰܘܕܶܐ ܠܝܳܠܽܘܕܳܟ ܕܰܒܪ̈ܰܚܡܶܐ ܫܰܠܚܳܟ ܨܶܐܕܰܝܢ. ܚܳܕܝܳܐ ܥܺܕܬܳܐ ܥܰܡ ܝܰܠܕ̈ܶܝܗ̇ ܕܰܫܘܳܬ ܕܬܶܚܙܶܐ ܢܽܘܚܳܡܳܟ܆ ܫܰܝܢܳܟ ܢܶܫܪܶܐ ܒܣܳܚܪ̈ܳܬܳܗ̇ ܘܰܫܠܳܡܳܟ ܢܶܗܘܶܐ ܫܽܘܪܳܗ̇. ܘܟܰܢܶܫ ܝܰܠܕ̈ܶܝܗ̇ ܠܓܰܘ ܥܽܘܒܳܗ̇܆ ܘܒܰܛܶܠ ܡܶܢܳܗ̇ ܡܰܟܫܽܘ̈ܠܶܐ» (ܒܳܥܽܘܬܳܐ ܕܡܳܪܝ ܐܰܦܪܶܝܡ܆ ܬܠܳܬܫܳܥܺܝ̈ܢ ܕܚܰܕ ܒܫܰܒܳܐ ܪܰܒܳܐ ܕܰܩܝܳܡܬܳܐ).

    وترجمتها: "بالحبّ أهّلني أن أرنّم لك في عيد قيامتك يا ابن الله، فحبّك دفعك كي تأتي إلى الصلب والألم والموت. بالحبّ نشكر والدك الذي بمراحمه أرسلك إلينا. تفرح الكنيسة مع أولادها لأنّها استحقّت أن تعاين انبعاثك، فليملك أمنك في حناياها، وليكن سلامك سوراً لها. واجمع أولادها داخلها، وأبعد عنها الشقاقات والخصومات" (من باعوث أي طلبة مار أفرام، في صلاة الساعة الثالثة من أحد عيد القيامة، كتاب الفنقيث وهو صلوات الآحاد والأعياد، الجزء الرابع، صفحة 353-354).

    ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوت الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

 

    المسيح قام، حقّاً قام".

 

إضغط للطباعة