الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
غبطة أبينا البطريرك يحتفل بقداس الذكرى السنوية العاشرة لشهداء مذبحة كاتدرائية سيّدة النجاة، بغداد

 
 

    في تمام الساعة الخامسة من مساء يوم السبت 31 تشرين الأول 2020، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لشهداء مذبحة سيّدة النجاة، وذلك في كاتدرائية سيّدة النجاة "أمّ الشهداء"، الكرادة – بغداد، العراق.

    عاون غبطتَه في القداس أصحابُ السيادة: مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار يوحنّا بطرس موشي رئيس أساقفة الموصل وتوابعها، ومار نثنائيل نزار سمعان مطران أبرشية حدياب – أربيل وسائر إقليم كوردستان، ومار أثناسيوس فراس دردر النائب البطريركي في البصرة والخليج العربي، بحضور ومشاركة عدد من الرسميين والعسكريين، والآباء الخوارنة والكهنة من أبرشية بغداد وأولئك القادمين من أبرشيتَي الموصل وحدياب، والشمامسة والرهبان والراهبات، وبمشاركة جموع غفيرة من المؤمنين الذين قَدِموا لإحياء هذه الذكرى رغم التحدّيات على كلّ الأاصعدة، وبخاصّة الصحّية منها مع تفشّي وباء كورونا.

    في موعظته بعد الإنجيل المقدس، بعنوان "إن كانوا قد اضطهدوني، فسوف يضطهدونكم أيضاً"، تحدّث غبطة أبينا البطريرك عن "الذكرى العاشرة لاستشهاد إخوةٍ وأخواتٍ لنا في الإيمان، جرّاء الهجمة الإرهابية، التي راح ضحيّتها 48 شهيداً وشهيدةً، وخلّفت أكثر من ثمانين من الجرحى. قبل عشر سنوات تماماً ارتكبتْ عصاباتٌ مكفِّرةٌ في هذه الكاتدرائية مجزرةً، اعتُبِرتْ جرس إنذارٍ للمسيحيين أدّى إلى تهجير ونزوح أكبر عددٍ لهم في العصور الحديثة، ليس فقط من بغداد العاصمة، بل من كلّ أنحاء بلاد الرافدين".

    وذكّر غبطته أنّ الكاهنين الشابّين "ثائر عبدال ووسيم القس بطرس، والأطفال، والشبّان والشابّات، والآباء والأمّهات، إذ كانوا في ليلة عيد جميع القديسين يصلّون ويشاركون في ذبيحة القداس الإلهية. في مثل هذا الوقت باغتهم المجرمون الجُبناء، بالتفجير والتكفير والقتل دون هوادة"، منوّهاً إلى أنّ "دماء شهدائنا امتزجت بذبيحة الحمل على المذبح، وارتقت أرواحُهم إلى السماء تنظر إلينا من عليائها بحنان، شافعةً فينا. أرواحٌ بارّةٌ تشاركنا اليوم في الصلاة، راجيةً معنا، ومع أخينا صاحب السيادة مار أفرام يوسف عبّا راعي الأبرشية، وجميع أفراد الإكليروس والمؤمنين، أن تكتمل دعوى تطويبهم جميعاً لدى المراجع المختصّة في الكرسي الرسولي، لكي نعود ونحتفل برتبة تطويبهم بأقرب وقت".

    ولفت غبطته إلى أنّنا "نشترك في الصلاة الحارّة، وفي التأمّل العميق، وفي تجديد الأمانة لذكراهم الحيّة في قلوبنا، ولكي نقيم الاحتفال بغلبتِهِم، فخورين ببطولتِهم، ونحن راسخون في الإيمان وثابتون في الرجاء، لأنّ الرب الفادي وَعدنا أن يبقى معنا في حياتنا ومماتنا، ووعده لا ولن يخيب أبداً"، مذكّراً بأنّه لا موت ولا حياة تقدر أن تفصلنا عن محبّة الله التي في المسيح يسوع ربّنا، على مثال بولس رسول الأمم الذي "قضى رسالته متحمّلاً من الآلام والاضطهادات أنواعاً لا تُحصى، حتّى نيله إكليل الشهادة، حبّاً بيسوع فاديه. وهذا ما تحمّله شهداؤنا الأبطال، مساء ذاك الأحد، كما سبق وذاق الإضطهاد الألوف المؤلّفة من آبائهم وأمّهاتهم وأجدادهم وجدّاتهم على مرّ العصور، والذين تعذّبوا أو قُتلوا أو شُرِّدوا ما وراء البحار والمحيطات، لأنّهم أرادوا أن يبقوا أمناء لمخلّصهم الربّ يسوع، المعلّم الذي أوصاهم بأن يحبّوا الجميع حتّى الأعداء، وأن يسامحوا مبغضيهم ويُحسنوا إليهم!".

    وأكّد غبطته أنه "من أجل هذا المعلّم الإلهي، ولأنّهم أرادوا أن يتبعوا إنجيل المحبّة والسلام، استشهد أهلنا بهجماتٍ بربريةٍ"، مشيراً إلى أنه لا يمكن أن يفصلنا عن محبّة المسيح أيّ شيء، ضارعاً بالصلاة إلى الله "كي يقوّي ضعفنا في معترك هذه الحياة الدنيا، ونقبل حكمتَه غير المدركة، ونجابه بنعمته القدّوسة تحدّيات هذا العالم وتجاربه وأخطاره، فنبقى دوماً أمناء له"، مشدّداً على أنّ "الصلاة هي زوّادتنا الروحية التي ترافقنا في كلّ زمان وكلّ مكان، في ساعات الفرح كما في أوقات الشدّة والضيق، في السلم والاضطهاد، في العافية والألم، في النجاح والإخفاق، منفردين كنّا، أم مجتمعين. نفتح قلوبنا له تعالى، كما الأبناء لأبيهم الحنون، واثقين بأنه يعرف ما نحتاج إليه، من غذاءٍ روحي وعوزٍ مادّي، من حمايةٍ وأمنٍ، كي نعيش في بلدنا بالحرّية الحقّة والكرامة الإنسانية".

    وتأمّل غبطته في التدبير الإلهي التي يفوق كلّ حكمةٍ وعلمٍ، سائلاً الروح القدس "كي يمنحنا مواهبه، لا سيّما موهبة "الفهم"، لهذه الجريمة النكراء التي دنّست هذه الكاتدرائية، بيت الله. فنتساءل بأيّ حقٍّ إلهي أو عدالةٍ بشريةٍ تُزهَق نفوس الأبرياء على أيدي جزّارين لم يلتقوا وما عرفوا ضحاياهم؟ وبأيّ مفهومٍ أخلاقي تفتك عصاباتٌ أرهابيةٌ غُسِلَتْ أدمغتها وأعمى الشرُّ ضمائرها، بمؤمنين اجتمعوا للصلاة، وجاؤوا ينشدون العون والقوّة في أزمات حياتهم الخانقة، متضرّعين إلى ربِّهم بأن يُحِلّ أمنه وسلامه في وطنهم العراق الحبيب؟"، مشيراً إلى أنّنا مدركون "أنّنا نقتفي إثر معلّمنا الربّ يسوع على درب الاضطهاد والألم، كي ننال مجد القيامة والسعادة التي لا تزول".

    وجدّد غبطته العهد للشهداء "بروح الأمانة لتضحيتهم، مفتخرين معهم بصليب الرب الفادي الذي أشركهم في ذبيحته الفدائية"، لافتاً إلى أنّ "هذه الذكرى العاشرة لغياب إخوتنا وأخواتنا، ليست فقط للتأسّف والشكوى والبكاء على خسارة الكنيسة لهم، بل هي مدعاةٌ لافتخارنا بنيل كنيستنا والمسيحية في العراق جوقاً من الشهداء الأبرار يشاركون في سعادة السماء مع كواكب القديسين. إنّنا نؤكّد لهم أنّ حنايا هذه الكاتدرائية ستبقى عابقةً ببخور تضحياتهم، مذكّرةً جميع المصلّين بأنّ شهداءنا هم المشاعل الإيمانية التي تنير لنا دروب حياتنا، وتُلهِب فينا نار المحبّة نحو الجميع".

    ونوّه غبطته إلى أنّه "مهما حلّ ولا يزال يحلّ بنا من ظلمٍ ونكباتٍ، فلن نصبح دعاة عنفٍ أو انتقام، إنما رُسلَ سلامٍ وإخاءٍ وتسامُح. نستذكر شهداءنا للعبرة والصلاة والتشجيع على التمسّك بالإيمان، وعلى المضيّ نحو المستقبل برجاءٍ ثابتٍ بالرب إله المحبّة المتجسّدة"، مؤكّداً أنّ "شهداء هذه الكاتدرائية الصامدة والمتجدّدة بالروح، هم أهلٌ لكي نحتفل بانتصارهم على الشرّ الذي ينخر قلوب المجرمين بتعصُّبهم اللا أخلاقي، الذي سبّب غيابهم عنّا دون مبرّر. شهداؤنا يتطلّعون إلينا في هذه الذكرى مُحلّقين عالياً كالنسور"، مذكّراً أنّه "بالرغم من الضيقات والآلام التي تحلّ بنا، نحن على ثقةٍ بأنّ الرب مخلّصنا "يوجِد من المحنة خلاصاً"، لأنّه الراعي الصالح الذي يسهر على القطيع ويشجّعه للإنطلاق في جدّة الحياة بإيمانٍ ثابتٍ لا تزعزعه الأنواء ولا تنال منه الشدائد".

    وأشار غبطته على أنّ "شهداءنا يؤكّدون لنا كما لقاتليهم الجبناء، بأنّ الغلبة النهائية الحقيقية هي للخير، وبأنّ مسكننا الحقيقي هو في السماء حيث لا بكاء ولا حزن ولا ألم، بل السعادة الحقيقية مع الرب والعذراء البتول "سيّدة النجاة" وجميع القديسين والقديسات"، لافتاً إلى أنّهم أضحوا "لنا ولجميع المواطنين الشرفاء، رمزاً ومثالاً وفخراً وكواكب مضيئةً لنا في العراق، هذا الوطن الغالي الذي نحبّه، والذي يحنّ إلى الاستقرار والازدهار، ومشيئته تعالى أن نبقى صامدين ومتجذّرين فيه. فمن شهادتهم نستقي العِبَر، ومن شفاعتهم ننال القوّة الروحية، كي نجابه أمواج الشرّ وأحقاد التكفير، ونتعاون مع جميع ذوي الإرادة الصالحة، في مشروع بناء وطنٍ عادلٍ يحتضن الجميع، ويعترف بحقوق المواطنة دون تمييز، كما تقوم الحكومة الحالية، التي ندعو لها بالنجاح والتوفيق في مساعيها الحميدة".

    وختم غبطته موعظته متوجّهاً "إليكم يا أحبّاءنا السريان، هنا في العراق، وفي بلاد الشرق وعالم الإنتشار، أنتمأولاد الشهداء والشهيدات وأحفادهم"، حاثّاً إيّاهم على المحافظة "على مَعين الرجاء تستقونه من إيمانكم. تمسّكوا بكنيستكم الأمّ ولغتها السريانية العريقة، ولا تنسوا جذوركم في الأرض المشرقية الحضارية المعطاءة. عهدُنا لكم أنّنا معكم سنحافظ على الأمانة لرسالتنا الروحية والحضارية. ونسأله تعالى أن يؤهّلنا لنكون شهوداً لمحبّته، ومبشّرين بسلامه على الدوام" (تجدون النص الكامل لموعظة غبطته هذه في خبر آخر خاص على هذه الصفحة الرسمية للبطريركية).

    وكان سيادة المطران يوسف عبّا قد ألقى كلمة رحّب فيها بغبطة أبينا البطريرك، معرباً عن التأثّر البالغ بالاحتفال بهذه الذكرى في هذه الكاتدرائية التي أضحت بحقّ "أيقونة السريان الرائعة بجمال حلّتها وصفاء روحانيتها"، متناولاً بطولة الشهداء الذي سفكوا دماءهم على مذبح الكاتدرائية في عرسٍ مجيدٍ امتزجت فيه دماؤهم بدم الحمل الإلهي، مقدّماً الشكر العميم لغبطته الذي لا يوفّر فرصةً سانحةً للحضور وبثّ روح الثبات والتقوية رغم الآلام والمعاناة، مثمّناً مواقفه الرائدة في حمل مسألة مذبحة كاتدرائية سيّدة النجاة أمام المحافل العالمية والمجاهرة بالحقوق العادلة لمسيحيي الشرق بالعيش بالحرّية والمساواة والكرامة الإنسانية في أرضهم، وسائلاً الله أن يؤهّلنا كي نحتفل بتطويب هؤلاء الشهداء الأبرار ثمّ بإعلانهم قدّيسين على المذابح (تجدون النص الكامل لكلمة سيادته هذه في خبر آخر خاص على هذه الصفحة الرسمية للبطريركية).

    وبعدما منح غبطةُ أبينا البطريرك البركةَ الختامية، انتقل غبطته بموكب حبري إلى مدافن الإكليروس تحت الكاتدرائية، وتبعه المؤمنون، حيث أقام تشمشت (خدمة) الشهداء راحةً لنفس الكاهنين الشهيدين ورفاقهما الشهداء وسط جوّ من التأثّر الروحي.

    رحم الرب شهداء كاتدرائية سيّدة النجاة، وأهّل الكنيسة كي ترفعهم على المذابح طوباويين ثمّ قديسين بإذن الله. 

 

إضغط للطباعة