الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
غبطة أبينا البطريرك يحتفل بقداس عيد مار اغناطيوس الأنطاكي ويمنح الأب حبيب مراد إنعام لبس الصليب المقدس والخاتم

 
 

    في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأحد 20 كانون الأول 2020، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة عيد مار اغناطيوس الأنطاكي الشهيد، وخلاله منح غبطته الأب حبيب مراد، القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، إنعام لبس الصليب المقدس والخاتم، وذلك في كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف - بيروت.

    عاون غبطتَه في القداس الأب حبيب مراد والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية، بحضور ومشاركة صاحبي السيادة: مار ربولا أنطوان بيلوني، ومار غريغوريوس بطرس ملكي، والأباتي حنّا ياكو رئيس دير الشرفة ورئيس الرهبان الأفراميين، والأب سعيد مسّوح نائب مدير إكليريكية سيّدة النجاة – الشرفة وقيّم دير الشرفة، والشمامسة، والراهبات الأفراميات، وجمع من المؤمنين.

    وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، نوّه غبطة أبينا البطريرك إلى أنّ "اليوم هو الأحد السابق لعيد الميلاد، تخصّصه الكنيسة لإنحيل النسبة ليسوع، أي أجداد يسوع، كي نعرف أنّ يسوع تجسّد في عائلة معروفة تعود بجذورها إلى داود الملك، ونقرّ أنّه اتّخذ طبعنا البشري كي يؤلّه هذا الطبع بنعمة التبنّي لله الآب السماوي".

    ولفت غبطته إلى "أنّنا نخصّص قدّاسنا اليوم وبشكل فريد من نوعه للاحتفال بعيد القديس مار اغناطيوس الشهيد، والذي يقع عيده في العشرين من كانون الأول، إذ أنّ كلّ البطاركة السريان الكاثوليك والسريان الأرثوذكس يتّخذون اسم اغناطيوس قبل اسمهم الشخصي، وهو اغناطيوس النوراني حامل الله، ثالث أسقف في أنطاكية، والذي استشهد في الكوليسيه في روما حوالي سنة 110".

    وتناول غبطته سيرة القديس اغناطيوس: "عاش اغناطيوس النوراني في أنطاكية وخدم تلك الكنيسة التي أسّسها مار بطرس ذاته، وبشّر فيها أيضاً مار بولس، وكثيرون من الرسل، هو أحد أعظم الآباء الرسوليين لأنّه تعرّف على الرسل، ومنهم استقى الإيمان، ويخبرنا التقليد الكنسي أنّه قد يكون من بين الأولاد الذين باركهم الرب يسوع"، مشيراً إلى أنّه "حُكِمَ عليه بالموت وأخذوه إلى روما، وفي طريقه إلى روما مرّ بعدّة مدنٍ، وكتب سبع رسائل، إن كان في إزمير (أفسس) أو في طروادة وهو ذاهب إلى روما، وقد حفظت الكنيسة هذه الرسائل السبعة كوديعة إيمانية فريدة لأنّها جاءتنا من قديس عاش مع الرسل وقدّم ذاته حبّاً بالمسيح".

    وأشار غبطته إلى أنّ "اغناطيوس كان يعلم أنّه حُكِمَ عليه بالموت، لذلك طلب من المسيحيين الذين مرّ في مدنهم وكانوا يأتون إليه، ألا يسعوا أبداً لتبرئته أو إنقاذه من السلطة الرومانية آنذاك. حتى أنّه كتب إلى الرومانيين قبل أن يعرفهم، طالباً ألا يتدخّلوا لأنّه هو الذي قدّم ذاته للرب يسوع على مذبح الشهادة"، منوّهاً إلى أنّ "اغناطيوس النوراني ترك لنا هذه الرسائل السبعة التي ليست خطابات أو نظريات لاهوتية بقدر كونها تعبيراً عن الشهادة التي كان سيؤدّيها من أجل المسيح".

    وتابع غبطته الكلام عن سيرة القديس اغناطيوس: "كان مكبَّلاً بالقيود، وكان يدرك أنّ استشهاده هو حتمي. ويعلّمنا في رسائله أنّ الأسرار الإلهية وصلت إلينا من الرب يسوع بالذات، أكان سرّ الثالوث الأقدس ووحدة الآب والابن والروح القدس، أو سرّ التجسّد والفداء، أو سرّ الإفخارستيا، وهو الأول بين آباء الكنيسة الذي يسمّي ذبيحة القداس بالذبيحة الإفخارستية أي ذبيحة الشكر الإلهية، وهو أيضاً الذي علّمنا أنّ الكنيسة هي واحدة، ليس فقط جغرافياً، ولكن لأنّها شركة ما بين المسيحيين في جسد المسيح السرّي، وهذا تعليم مهمّ جداً، والجميع في الغرب والشرق يردّدونه ويعترفون أنّ هذا القديس الشهيد هو تراث لاهوتي مسيحي من أقدم العصور المسيحية"، متوقّفاً عند قول للقديس اغناطيوس "أنا حنطة الله، أُطحَن تحت أنيابها لأصبح خبزاً نقياً للمسيح".

    وتأمّل غبطته في تعليم القديس اغناطيوس عن "الكنيسة التي هي شركة، ورأس الكنيسة المحلّية أي الأبرشية هو الأسقف، بقوله: "حيث الأـسقف هناك الكنيسة"، إذ على الأسقف أن يكون متّحداً مع الكهنة والمؤمنين، وهذا أيضاً تعليم مهمّ جداً ومعاصر، ومار اغناطيوس كان أول من ذكر تعبير الكنيسة الجامعة الكاثوليكية، أي ليست كنيسة وطنية أو محلّية فقط، إنّما تشمل جميع المؤمنين بالرب يسوع".

    وتوقّف غبطته عند تعليم مار اغناطيوس عن الإفخارستيا: "كم هو جميلٌ هذا القول: إنّ ما أريده طعاماً هو خبز الله، وما أريده شراباً هو دمه. تصوّروا أنه في أواخر القرن الأول نجد هذا القديس الشهيد يعلّمنا تعاليم نردّدها دائماً وعلينا أن نؤمن بها، أنّ الإفخارستيا وذبيحة القداس الإلهي هي الذبيحة السرّية للرب يسوع، وفيها يمنحنا هذه النعمة التي نتّحد بواسطتها معه، إذ نتناول الخبز والخمر جسداً ودماً ليسوع الفادي"، معتبراً أنّ "أكثر ما نحنّ ونتوق إليه اليوم هو أن تظهر الجماعة المسيحية كنيسةً واحدةً، فصحيح أنّه لدينا عدّة تقاليد وطقوس، ولكنّ إيماننا هو واحد، لذلك نردّد مع هذا القديس الشهيد الذي كتب: إحرصوا على هذه الوحدة الإلهية، أحبّوا بعضكم بعضاً دائماً أبداً في المسيح".

    وتساءل غبطته: "أين هي هذه المحبّة التي علّمنا إيّاها الرب يسوع وهي الوصية الأولى في تعاليمه كلّها، محبّة الله ومحبّة القريب. فهذا القديس الشهيد ليس فقط ملهماً نظرياً، لكنّه عاش تعاليم المسيح في وحدة الكنيسة عندما خدمها في أنطاكية، مدينة الله العظمى، وعندما علّم الكنائس التي كان يمرّ فيها مذكّراً بواجب الوحدة فيما بين مؤمنيها"، متطرّقاً إلى ما يقوله "القديس يوحنّا فم الذهب الذي كان كاهناً في أنطاكية ودعي لاحقاً ليصبح بطريركاً في القسطنطينية، فقد ألقى خطاباً رائعاً عن القديس اغناطيوس العظيم، وممّا قاله لأهل أنطاكية حين كان لا يزال بعدُ كاهناً عن اغناطيوس: لقد أرسلتم إليهم (أي إلى روما) أسقفاً، فأعادوا إليكم شهيداً"، منوّهاً إلى أنّ "اغناطيوس انطلق من أنطاكية أسقفاً وعاد إليها شهيداً، وعظامه انتقلت من أنطاكية إلى عدّة كنائس، وذخائره موجودة في كنائس روما".

    وتطرّق غبطته إلى الأوضاع الراهنة: "نحن اليوم مدعوون، أيّها الأحباء، رغم كلّ الضيقات والصعوبات والأزمات، معيشية كانت أم صحّية أم سياسية، أن نجدّد إيماننا وثقتنا بالرب يسوع، ونعيش هذا الإيمان بالشهادة للحقّ، فلا يجب أن نخاف من قول الحقيقة دائماً في المحبّة. هناك فسادٌ وسوءٌ في استعمال السلطة هنا في لبنان، نجد ذلك بين المسؤولين اللبنانيين عامةً والمسؤولين المسيحيين خاصةً. علينا أن نقول الحقيقة ونقرع صدورنا ونعود بتوبة حقيقية كي نعيد هذا البلد الذي هو المنارة في شرقنا، ولا يجب أن تتوقّف هذه الشهادة للحقيقة أبداً حتّى الاستشهاد. لذلك، نحن مسيحيي الشرق أصحاب الشهادة وذوي الاستشهاد، كما حصل لإخوتنا، أكان في العراق أو في سوريا".

    وذكّر غبطته بالزيارة "التي سيقوم بها قداسة البابا فرنسيس إلى العراق في شهر آذار القادم، وهي أول زيارة يقوم بها حبر أعظم إلى العراق، وأول زياراته إلى الكنائس ستكون إلى كاتدرائيتنا سيّدة النجاة في بغداد، التي هي كنيسة الشهداء، حيث سيلتقي مع الإكليروس، وسيبارك ويكرّم شهداءنا الثماني والأربعين الذين سقطوا على يد الإرهابيين التكفيريين منذ عشر سنوات في 31 تشرين الأول عام 2010. لذلك سنرفع الصلاة بحرارة كي تتمّ هذه الزيارة البابوية، مهما كانت الصعوبات والتحدّيات، لأنّها لفتة تشجيع وعزاء لنا جميعاً".

    وختم غبطته موعظته ضارعاً إلى "الرب يسوع فادينا في ذبيحته على الصليب، كي يباركنا في هذا اليوم المقدس، يوم عيد استشهاد هذا القديس العظيم مار اغناطيوس النوراني، ويذكّرنا دائماً أن نكون صورةً حقيقيةً له بين إخوتنا وأخواتنا، بالشهادة للحقّ وحتّى الاستشهاد إذا كانت على هذه الشهادة أن تتمّ، فلن نتراجع أبداً، لأنّنا تلاميذ الرب يسوع الذي دعانا أن نتبعه على درب الآلام والصلب، واثقين ببزوغ فجر القيامة"، مذكّراً "أنّنا في هذا الزمن المبارك، ونحن ننتظر ولادة مخلّصنا في مذود بيت لحم، نتمنّى لكم، أحبّائي، زمناً مباركاً مليئاً بالبركة والنعمة والفرح، وبالقوّة وليس بالخوف، كما يقول مار بولس، قوّة المحبّة والسلام بالرب يسوع الطفل الإلهي".

    وقبلالبركة الختامية، وببادرة أبوية فريدة، فاجأ غبطته الحضور جميعاً، فمنح الأب حبيب مراد إنعام لبس الصليب المقدس والخاتم، تقديراً لخدمته المتفانية في الكرسي البطريركي لمدة أكثر من 11 سنة، بالأمانة والتجرّد والطاعة للسلطة الكنسية.

    وبتوجيه من غبطته، تلا الأب كريم كلش نصّ المرسوم البطريركي الذي أصدره غبطته بهذا الإنعام، وسط تصفيق الحضور.

    ثمّ أقام غبطته رتبة كنسيَّة خاصّة بإلباس الصليب والخاتم، قام غبطته في نهايتها بتوشيح الأب حبيب مراد بالصليب المقدَّس وإلباسه الخاتم، في جوّ يسوده الخشوع والفرح الروحي والتصفيق.

    بعدئذٍ ألقى الأب حبيب مراد بتأثُّرٍ كلمة عفوية، قدّم فيها الشكر للربّ الذي يفيض عليه نِعَمَه وبركاته، شاكراً بحرارة غبطةَ أبينا البطريرك على هذا الإنعام السامي والمفاجئ، بتقليده الصليب المقدس والخاتم، مؤكّداً اتّكاله الدائم على الرب وافتخاره به وحده، مستشهداً بما جاء في إنجيل لوقا: "إذا فعلتم ما أُمِرتُم به، فقولوا نحن عبيدٌ بطّالون لأنّنا إنّما عملنا ما كان يجب علينا أن نفعله"، معدّداً بعضاً من المزايا التي يتميّز بها غبطته وقد طبعت حياة مَن هم حوله في البطريركية، سائلاً الله أن يمدّ غبطته بالصحّة والعافية والعمر المديد والمزيد من العطاء المتألّق في خدمة الكنيسة التي يرعاها بروحه الأبوية العطوفة وحكمته السديدة في هذه الظروف العصيبة، على غرار شفيعه الذي يحمل اسمه، مار اغناطيوس، أي حامل الإله، إذ أنّ غبطته بسيرته وأعماله ومآثره يحمل الإله في قلبه ويعكس صورته في جميع الذين يرعاهم ويخدمهم وفي كلّ ما يقوم به من أعمال جليلة.

    وتعهّد الأب حبيب بمتابعة العمل بتوجيه غبطته، بروح المثابرة والاجتهاد وبالتفاني والتجرُّد والإخلاص، مؤكّداً ولاءه المطلق وطاعته الكاملة لغبطته، وموجّهاً الشكر لأصحاب السيادة الأساقفة آباء السينودس المقدس، والإكليروس في أبرشية بيروت البطريركية، وجميع الذين خدموا ويخدمون معه في البطريركية، من إكليروس وعلمانيين، شاكراً بشكل خاص عائلته الصغيرة، وطالباً من الجميع أن يصلّوا من أجله كي يبارك الرب خدمته، فتكون في دائرة رضاه ومجد اسمه القدوس.

    وقبل ختام القداس، منح غبطة أبينا البطريرك البركة للكنيسة السريانية وأبنائها وبناتها بذخيرة القديس مار اغناطيوس الأنطاكي الشهيد المحفوظة في كنيسة الكرسي البطريركي، سائلاً شفاعته وبركة صلواته. ثمّ تقدّم الجميع ونالوا بركة ذخيرة هذا القديس العظيم.

    وبعد القداس، تحلّق الجميع حول غبطته، وقدّموا له التهاني بمناسبة عيد مار اغناطيوس واقتراب عيد ميلاد الرب يسوع وحلول العام الجديد، متمنّين لغبطته الصحّة والعافية والعمر المديد والتوفيق الدائم في رعاية الكنيسة وتدبير شؤونها.

    كما قدّم الجميع التهاني إلى الأب حبيب مراد بمناسبة الإنعام البطريركي بتقليده الصليب المقدس والخاتم من غبطته، متمنّين له دوام النجاح والمزيد من العطاء في خدمته لما فيه خير الكنيسة.

    بعدئذٍ منحهم غبطته، ومن خلالهم أبناء الكنيسة عامّةً، بركته الرسولية عربون محبّته الأبوية.

 

 

إضغط للطباعة