الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
غبطة أبينا البطريرك يحتفل برتبة السجدة للصليب ودفن المصلوب يوم الجمعة العظيمة في كنيسة مار بهنام وسارة، الفنار – المتن، جبل لبنان

 
 

    في تمام الساعة السادسة من مساء يوم الجمعة 2 نيسان 2021، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، برتبة السجدة للصليب ودفن المصلوب يوم الجمعة العظيمة، وذلك فيكنيسة مار بهنام وسارة، الفنار – المتن، جبل لبنان.

    عاون غبطتَه الأب حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب ديفد ملكي كاهن رعية مار بهنام وسارة، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية. وشارك في الرتبة بمحبّة أخوية صاحب النيافة مار ثيوفيلوس جورج صليبا مطران أبرشية جبل لبنان وطرابلس للسريان الأرثوذكس،  بمشاركة الراهبات الأفراميات، والشمامسة، وجمع كبير من المؤمنين من أبناء الرعية.

    خلال الرتبة، أُنشِدت الترانيم بلحن الحاش (الآلام)، وبعد القراءات والإنجيل المقدس، ألقى غبطة أبينا البطريرك موعظة الجمعة العظيمة، أشار فيها إلى أنّنا "نقيم رتبة السجدة للصليب المقدس في هذا اليوم، يوم الجمعة العظيمة، يوم إتمام الرب يسوع فداءه البشرية بسرّ محبّته العجيب. وكما دعتنا أمّنا الكنيسة طوال الصوم الكبير كي نسير مع الرب على درب الجلجلة متأمّلين بآلامه وموته كفّارةً عن خطايانا، تدعونا اليوم لنتبارك بالهيبة والخشوع بآلام مخلّصنا المنقذة، ونسجد لصليبه الخلاصي، ونعظّم موته المحيي، ونرافقه إلى القبر لنمجّد قيامته الظافرة يوم الأحد القادم".

    ونوّه غبطته إلى حضور المؤمنين ومشاركتهم في هذه الرتبة وهم "ممتلئون إيماناً ورجاءً ومحبّةً رغم ما حلّ ويحلّ فينا في لبنان بشكلٍ خاص من أوجاعٍ ومحنٍ ونكباتٍ، آخرها وباءكورونا الذي تفشّى وعمّ في البشرية جمعاء وحمل لنا الآلام، مرضى ووفيات والكثيرون لا يستطيعون أن يلتقوا مع أحبّائهم، مع ذلك علينا أن نقبل ما حلّ بنا وفي العالم بالشجاعة وبنعمة الرجاء"، لافتاً إلى أنّ "الرب يسوع لم يعدنا أن نعيش على هذه الفانية بالسعادة الدنيوية، ونحن نعرف أنّ لنا مدينة في السماء، لذلك نشعر في هذا يوم الجمعة العظيمة بالحزن الشديد، نحزن لتذكُّرنا ما جرى للرب يسوع من آلامٍ وصلبٍ وموتٍ، ولكن في صلاتنا وتأمُّلنا اليوم في الأناشيد التي سمعناها بالسريانية، جئنا نصلّي ونتأمّل بهذا السرّ العظيم، ونجدّد إيماننا وثقتنا بالرب الذي انتصر على الموت والخطيئة".

    وأكّد غبطته إلى أنّنا "نتأمّل في هذا اليوم المقدس بسرّ الآلام والموت، لكنّنا لسنا عشّاق الألم، بنوعٍ خاص في هذا الأسبوع الذي ندعوه "أسبوع الآلام أو الأسبوع المقدس"، فقد رافَقْنا يسوعَ على درب آلامه، وبداخلنا الفرح الروحي، لأنّ يسوع تحمّل هذه الآلام وقَبِلَ الموت على الصليب حبّاً بنا. لذلك نحن إذ نتذكّر هذا السرّ الخلاصي، نجدّد في داخلنا المحبّة والفرح والسلام، هذه العواطف التي تملأ قلوبنا ولا يدركها البشر بعقلهم الدنيوي إذ يفكّرون أنّ السعادة هي على هذه الأرض، فيما نؤمن نحن بأنّ يسوع صُلِبَ حبّاً بنا، وهو يريدنا أن نبقى دوماً فرحين ونحمل الرجاء والفرح للآخرين".

    ولفت غبطته إلى أنه "كي نستفيد من عمل فدائنا، علينا أن نتذكّر ما تمّ تحت أقدام الصليب، على مثال مريم العذراء وسائر النساء التقيّات ويوحنّا الحبيب، فنتأمّل في صمتٍ بسرّ الفداء غير المدرَك، مسلّمين مشيئتنا للآب السماوي، كما للفادي المصلوب ابنه الوحيد، مبتهلين إليه، كي يؤهّلنا لفَهم سرّ فدائنا العجيب، وقبوله بأعين الإيمان، وعيشه بكلّ أبعاده، مهما أظلمت الدنيا حولنا، ومهما كثرت المصاعب وتعدّدت التحدّيات".

    وتوقّف غبطته عند ثلاثٍ من الكلمات السبع التي نطق بها يسوع على الصليب، الأولى: "يا أبتاه اغفر لهم لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون"، إذ "غفر يسوع للصالبين والمتآمرين وكذلك لأصدقائه التلاميذ الذين هربوا جبناً وتبدّدوا خوفاً"، والثانية: "الحقّ أقول لك: اليوم تكون معي في الفردوس"، حيث "يعد يسوعُ اللصَّ المصلوب إلى يمينه بميراث النعيم بعد أن اعترف بذنبه طالباً المغفرة، برحمةٍ إلهيةٍ تسمو كلّ عدالة بشرية"، والثالثة: "يا امرأة، هذا هو ابنك، هذه هي أمّك"، فقد "قدّمت العذراء تحت أقدام الصليب آلامها من أجلنا كي تعلّمنا كيف نقبل مشيئة الله في حياتنا كلّ حينٍ، أمّا يوحنّا التلميذ الحبيب فهو يمثّلنا كما يمثّل جماعة المؤمنين، وعندما أهداه يسوعُ أمَّه، جعل من هذه الأمّ أمّاً لجميعنا. لذلك نسمّي مريم أمّ الكنيسة، ونسمّيها أمّنا السماوية، فنؤمن ونرجو تحنّنها وحمايتها، وهنا في لبنان كم وكم من المحبّة والتقدير والإكرام يبرهن عنه المسيحيون لها، لا سيّما في زمن الضيقات والمحن".

    وتطرّق غبطته إلى زيارته الراعوية الأخيرة في الأيّام الماضية إلى شمالي العراق، حيث احتفل بالذبيحة الإلهية في أكثر من ستّة كنائس، وشارك في المسيرة السنوية الرائعة، مسيرة الشعانين، منوّهاً إلى أنّ "أولادنا في العراق تحمّلوا الكثير وعانوا المرارة في محيطهم من قِبَل جيرانهم ومن قِبَل الإرهابيين التكفيريين باسم الدين، ولكنّهم كانوا قد استرجعوا رغم كلّ شيء ثقتهم بالرب، ورأينا الابتسامة والفرح يعلوان وجوههم وينشرون أينما كانوا الفرح بأنّ الرب معهم وبأنّ العذراء الطاهرة تحميهم".

    ثمّ تناول غبطته الأوضاع الراهنة في لبنان حيث "يتحمّل اللبنانيون الكثير، خاصةً بعد الإنفجار الرهيب في مرفأ بيروت منذ ثمانية أشهر، والذي حمل معه المئات من الضحايا والآلاف من الجرحى وهدم قسماً كبيراً من العاصمة، لا سيّما في الأشرفية وما حولها، ولا يزال هذا الانفجار سراً مكتوماً ولا يزال المسؤولون عاجزين أو لا يريدون أن يكشفوا سبب ذلك الانفجار المريع الذي سبّب ولا يزال يسبّب المآسي في لبنان. مع ذلك نحن مدعوون في هذا اليوم، يوم الجمعة العظيمة، أن نشترك في آلام المخلّص، ونطلب منه أن ينقذنا من هذا الوضع المتأزّم، معيشياً وسياسياً واقتصادياً وأمنياً، وأن يتحنّن المصلوب على لبنان الذي كان يسعى أن يكون علامة الرقيّ والحضارة والعيش المشترك في محيطه المشرقي، ولكن للأسف بسبب التقصير من المسؤولين المعنيين بخدمة الشعب، وصلْنا إلى هذه الحالة من الأزمات المخيفة".

    وشدّد غبطته أنّه "على لبنان أن يُحكَم من قِبَل نخبةٍ نزيهةٍ، فهذا البلد الصغير والرسالة إلى العالم لا يستحقّ أن يبقى في هذه الظلمة الداكنة، بل عليه أن يزدهر بالسلام والتآخي الحقيقي، وعلى جميع المدعوين لحُكمه أن يكتشفوا اليوم قبل أيّ وقتٍ آخر من هو المسؤول عن الفساد وعن هذه الضيقة التي كبّلت البلد. لا نكتفي فقط بالقول إنّ كلّ المسؤولين فاسدون، بل علينا أن نكتشف الأشخاص ومكمن الفساد كي يستطيع لبنان أن ينهض ويزدهر بجميع مواطنيه".

    وختم غبطته موعظته ضارعاً إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّه مريم العذراء، وسائلاً إيّاه أن يرافقنا "بقلوب يعمرها الرجاء رغم كلّ شيء، الرجاء فوق كلّ رجاء، بأنّ الرب لن يهملنا والعذراء ستحمينا وترافقنا في هذه الأزمة المخيفة التي نمرّ فيها، كي نستطيع أن نكون الشهود الحقيقيين لمحبّة الرب وسلامه وحنوّ والدته العذراء مريم".

    وبعد الموعظة، أنشد غبطته بالسريانية نشيد السجود للصليب: "سوغدينان لصليبو" (فلنسجد للصليب الذي به خُلِّصنا، ومع لصّ اليمين نهتف: أذكرنا في ملكوتك). ثمّ جثا غبطته وقبّل الصليب، وفعل مثله الآباء الكهنة، فيما الجميع يردّدون النشيد عينه بالسريانية والعربية.

    بعدئذٍ أقيم زيّاحٌ بنعش المسيح المصلوب داخل الكنيسة، ثمّ أقام غبطته رتبة دفن المصلوب بعد أن غَسَلَه بماء الورد ونَضَحَه بالزيت ورشّ عليه البخور والطيوب، ثمّ وضعه في قبرٍ خاص تحت المذبح وختمه وبخّره.

    وفي الختام، منح غبطته المؤمنين بركة آلام الرب يسوع وموته الخلاصي بالصليب المقدس.

 

إضغط للطباعة