الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
ليتورجيا >> بحوث ليتورجيّا >> ميامر مار يعقوب السروجي >> الميمر الثاني

 

 
الرب نزل على سيناء بالنسبة الى البسيط، ولم ينزل بالنسبة الى المثقف الا بالاستعارة. الله لا تحدده المواضع. الرب قوّام على كلمة يعقوب لا بل هو رَجلها. ملفاننا يتوسل اليه ليمنع السكوت لئلا يزني مع كلمته، ويرجو منه ان يذريه كما ذرّ موسى العجل.
الله هو خفي عن الكل: انه خفي عن الملائكة وعن البشر. كلما كان الشيء مستترا كلما كان ثمينا. يتكلم عن وجود الله في كل البرايا دون ان يختلط بها، كما تؤكد النظريات الحلولية. يعطي مثال وجود النفس في الجسم لشرح وجود الله في البرايا.
يطيل الشرح في خطوبة الجماعة اليهودية ويشرح رمزية القرن واهمية الصخب الموسيقي للعرس. يتحدث عن تردد الجماعة مرة وقبولها مرة اخرى لكلام موسى ومتناقضاتها مع موسى الوسيط بين الله وبين الجماعة. ينتقد اليهود الذين فضلوا العجل على الرب. يقارن بين النفس وبين البيعة بنت الشعوب وبين الجماعة بنت العبرانيين.
المخطوطتان: لندن 17157 ورقة 92؛ روما 117 ورقة 14
يرد اسم مار يعقوب في البداية. الميمر تفسيري، وهو من اروع تفاسيره الرمزية. قد يعود عهد تاليفه الى فترة عهد الشباب أي الى سنة 480-490م يوم كان السروجي يعلم ويشرح الكتب المقدسة في منطقة الرها بعد غلق مدرستها.
الدراسات:
Babakhan, OrChr7(1912) 410-426 et 8 (1913)42-52
ملاطيوس برنابا، قصيدة في حلول الرب على جبل سيناء والرمز الى الكنيسة لمار يعقوب السروجي الملفان، في المجلة البطريركية، 49 (1985) 459-466؛ 51 (1986) 33-38

الميمر الثاني
على نزول العلي على جبل سيناء وسرّ البيعة الذي الفه مار يعقوب
المقدمة
1 جبار العالمين الذي انزل بأسَه على جبل سيناء، ساعدني لارتل الحان قوة عزتك،
2 ايها القابض على الجهات الذي ظلم نفسه ليحتويه سيناء، ليحتوك فكري قدر المستطاع بدون تحديد،
3 يا من نزل ولم ينزل على الجبل العالي، انزل بالحقيقة على قمة العقل الذي ينتظرك،
4 بك ايها النوراني يدخن فكري كجبل سيناء، ومنه يصعد دخان الحان تسبيحك،
5 ساعدني لاقول: ان الجبل حملك باستعارة وحل عليه جزء قوتك وارتجف كله،
6 نزلتَ باستعارة على قمة سيناء الجبل الحجري، هلم الى الفكر الروحي الذي ينتظرك،
7 الارض لا تشعر بك لتحتويك كالعقل، ولا الجبال لتستقبلك كالافكار،
8 العقل اكبر من جبل سيناء بسعته، حُلّ عليه وليعطر منه لحن الشكر.

جماعة اليهود الزانية، وخطوبة النفس
9 تلك التي خطبتها في موضع سيناء لم تعد تملكها، هلم واخطب النفس المتعلقة بجمال الحانك،
10 لما احببت جماعة الشعب زنت بالعجل، ربي لا يدخل الصمت الى فكري ويزني فيه،
11 ليكن خبرك رَجلا لكلمتي وقوّاما عليها وليتحد معها لتعطي هي ايضا اثمار التسبيح،
12 كن غيورا مثل موسى وذرّ الصمت كما ذرّ العجل، لتتمسك النفس بعِشرتك بتراتيلها.

صعوبة الميمر
13 ميمرك اعظم من كل افواه المستيقظين والناس، وبافكارها لا تستوعبك العقول الواسعة،
14 قصتك اقوى من القوّالين ومن السامعين، والتفتيش عنك خفي عن العلويين والسفليين.

الله خفي وهو موجود في كل البرايا
15 مسكنك مستتر عن الجسديين وعن الروحيين، وموضعك بعيد عن الارضيين والسماويين،
16 لا تُحدد القوة التي تمسك جهات المسكونة ولا يُسبق الرمز الاسرع من البرق،
17 لا يوصف من قبل ألسِنة اللهيب، ولا يهتف له النورانيون باجوبتهم،
18 لا تحتويه افواه آل جبرائيل الناطقة، وهو بعيد جدا عن بوق آل ميخائيل،
19 انه عال، وسام، وبعيد، وخفي، ومستتر، ومرتفع، وقوي، وخفي، ومحجوب، وممجد، وعزيز وعجيب،
20 وقابض على اللجج، وحاوٍ على الجهات بقوة جوهره، وماسك البرايا، ومقيت العالمين باعماله،
21 كل البرايا مليئة منه وهو لا ينقص..،
22 كل الجهات محبوسة ومجتمعة فيه وهو اعظم من العلى ويحل في العمق وكله في الكل،
23 يجلس على قمة العلى مثل الحاكم، وبامره تسير انظمة كل البرايا،
24 قوته رقعت الارض بالرمز لا على شيء، وقوة قدرته البارية تحملها مثل الجبار،
25 في الاسفل امره يسند البرية لئلا تغرق، وفوقُ رمزه يسند السماء لئلا تسقط.

الله يحل في البرايا مثل النفس في الجسد
26 يحلّ مثل النفس في البرايا ويحملها، وهي مسنودة به وغير بعيدة عن اتقانه،
27 انه فوقها، وتحتها، وفيها كلها، وهي محبوسة فيه، لانه تخوم كل حدودها،
28 لا يوجد في موضع، ولا في مكان، ولا في جهة، ولا يلزمه ان يحل او يسافر الا بالنمط،
29 هذه القوة التي هي اصغر منها المواضع، نزلت على جبل سيناء وحلّت هناك.

يعقوب يتكلم
30 غرق العقل بامواج ميمر العجب، ولا يفهم باية الحان يرتل اخباره،
31 هل اؤلف قصتي بخصوص نزوله على جبل سيناء، ام بخصوص عدم نزوله نهائيا الا اللهم بالشبه،؟
32 نبرهن هنا في القصة على لامحدوديته، ثم نقترب ونتكلم عن نزوله بعجب كبير،
33 ايها المتميز انظر الى بداية ميمر الاستعارات، وهيّء سمعك لقبول امور مجيدة.
نزل الله بمحبته ليخطب بنت الشعوب
34 تامل في هذا الجبار القابض على الجهات: اية علة دعته لينزل على جبل سيناء،؟
35 مراحمه جذبته نحو الانسانية ليصبح شبيها بها، وبمحبته جاء ليخطب وياخذ بنت الارضيين،
36 تاق الى الجماعة بنت العادلين لاجل جنسها ليقترب من قبيلة بيت ابراهيم،
37 وجد بان الشابة يلعب بها المصريون، ولم يشمئز ذاك القدوس من الزانية،
38 ارسل وراء الفاجرة ليعيدها اليه لتتقدس بنت الابرار باختلاطها معه.
موسى يخطب الجماعة
39 جعل موسى مثل خاطب وارسله اليها لينزل ويبرم معها الشرط مثل الوسيط،
40 بنزوله اعطاه القوة والجبروت ليغريها بالعجائب حتى تصعد معه،
41 نزل اللاوي وصنـع العجـائب، واخذها وصعد ووضع في يـدها الخاتم الذي اخذه من عند العليقة،
42 خطبها لاسم القدوس وصعد من مصر، لانه كان يحفظها كهدية لله،
43 وضع على رأسها اكليل الخلاص، وخرج معها، ودعا البرايا لتحتفل بها بكناراتها،
44 وبما ان فرعون الفاجر كان يريد ان يحتفظ بها، فقد غار القدوس واسقطه في البحر واخذها وصعد،
45 ارسل اليها وخرب مصر لما خُلّصت، ورافقتها الامواج وعبرت البحر بعجب كبير،
46 استقبلها حوريب واخرج هدايـا غير اعتيادية، وسجدت لها الصحراء بقرابينها لما دخلت اليها،
47 كانت البرية كلها قد احست لمن خُطبت، وجاءت كل الطبائع لترافقها وتحتفل بها،
48 /8/ كل العناصر حملت الهدايا وذهبت امامها مزدحمة لتاتي معها عند القدوس،
49 ارتكض عمود النور العظيم لينير امامها، ورافق العروس مثل مصباح ومشى معها،
50 كل يوم كانت ترافقها الهدايا من البرايا، وهي تتنعم باطعمة فاخرة،
51 كان العلى يدغدغها بالمنّ الذي ارسله لها، والعمق كان يسمنها بالسلوى التي كان يقدمها لها،
52 كانت تجري لها المياه المباركة من الصوان، وكل الطبائع كانت تقيت هذه المتباهية،
53 تواعدت كل البرايا لتذهب معها، ليرى العالم العرس الكبير الذي صار لها.

موسى يصعد الى سيناء
54 كان قد احتُفل بها بعفاف حتى جبل سيناء، وبلغت الى الموضع الذي تواعد معها ربها،
55 صديقها موسى تركها قبالة الجبل، وصعد ليذهب ويرى متى ياتي الختن لملاقاتها.

شرط وعهد العريس للعروس
56 سمع الخفيَّ يامره: ان انزل وقُل لهذه العروس التي خلصتُها وجلبتها من مصر:
57 ها قد حملتك كما لو كان على جناحَي النسر في الهواء، واحتفلت بك في البلدان بدون اذى،
58 لنكن في المحبة، وليُصدق الشرط بيني وبينك، ثم آتي واصبح عريسك بقداسة،
59 قبل العرس اعرّفك بكل ارادتي، لو اتفقتِ معي فهلمي الى العرس لانني اريدك،
60 اريدك ان تكوني عندي بزواج طاهر دون ان تُغرمي وتزني مع آخر،
61 اجعلك تجلسين الى الابد على الرجاء بي، لا تنقادي بعدُ نحو آخر ليدخل اليك،
62 لو صرتِ خاصتي ساتزوجك بقداسة، ولو تتدنسين مع الغرباء ساطلّقك،
63 لا (اريد ان) اجد فيك علامة الزانيات البغيضة، ولا اشكال السارقة،
64 لا تظهري لي رموز العاهرات السمجة، ولا تسيري في مهنة الفاجرات،
65 لا تؤدي السجود لاحد غيري، ومن الآن وصاعدا لا تبرمي عهدا آخر،
66 كوني قديسة، وعفيفة، وطاهرة وبدون دنس، ونقية، وبهية، ونظيفة، وطاهرة في كل الاشكال،
67 كوني قوية، ومحفوظة، وطاهرة، وهادئة، ومستقرة، ونقية، ويقظة، وجدية، وبهية، وبدون رجس،
68 ولو جئتِ عندي بوجه مسفر، ستصيرين على كل ما املكه سيدة لا تؤمر،
69 اعطيكِ تاجا فخما: رباط الملوك، وفيك أُحِلّ القداسة كنز الكهنوت،
70 الانبياء الذين يكشفون الخفايا يصيرون مُلكك، والكهنة غافرو الذنوب يحلّون عندك،
71 هوذا اللاويون يذهبون معك مثل السعاة، ويرافقك الشمامسة مثل العبيد،
72 ندى السماء-العرش يكون على ارضك بغزارة، والارض ستكثر لك الخيرات على الدوام،
73 الهواء يرش كل اللذات على مسكنك، والشمس تنضج الثمار البهية لاكلك،
74 ترثين ارض جميع الملوك مخاصميك، ولن تُقهري من قبل الجبابرة الذين يصادفونك،
75 تضعين عقبك فوق رقاب رؤساء الارض، وتدوسين كل التيجان تحت سلطتك،
76 اسلّمك توقيعي على هذه الامور، ولو صرتِ حسب ارادتي ستصير كلها لكِ.
موسى وسيط بين الرب والجماعة
77 ارسل الختن هذا العهد بواسطة موسى لينزل ويرى هل تتفق العروس مع العريس،؟
78 الوسيط ابن العبرانيين نزل من قمة الجبل، ودعا رؤساء بيت يعقوب ومسلطيه،
79 سرد امامهم كلمات الختن كما جرت، (ليرى) هل يتفقون مع الشرط الذي ابرمه ام لا،؟
80 اجابوه بمحبة (قائلين): نقبل وساطتك يا معلمنا موسى،
81 الختن يحسن صنيعا اذ يطلب (يد) ابنتنا بقداسة: ليتنا نخلط ذلك الجنس بجنسنا،!
82 اي ختن ينتسب الى اسمنا نحن الصغار: مَن يتزوج مَن: انها لسعادة عظمى،؟!
83 هوذا الصبية التي ربيناها بين المصريين امامكَ، استفهم منها عن الشرط الذي ابرمه ربك.
الصبية تقبل شرط الرب
84 دعاها موسى ليسألها امام الشيوخ، وبفرح استجابت لتذهب معه،
85 سمع اللاوي بانها قدمت نفسها بارادتها، فعاد الى ربه فرحا ليبين له (ارادتها)،
86 ربي، قبلت الصبية سرّنا كما طلبنا منها، ولا تعتذر من ان تصير (عروسا) بقداسة،
87 قد ابرمت الشرط الصالح كما علمتني، ولو هي صادقة كما تقول لن تُسرق،
88 ردّ على موسى وقال له: عُدْ اليها وانزل وزينها ايضا ظاهرا وخارجا،
89 من الخارج لتلبس (الثياب) البيضاء لتتزين بها، ومن الداخل افكار القداسة لتجمل بها،
90 لتتقدس لي سريا اليوم وغدا، وفي اليوم الثالث آتي عندها بقوة.

موسى يزين العروس
91 نزل موسى وشرع يزين العروس، وقد تعب وشقي من توبيخ الهائجة،
92 كان يعلّم الفاجرة ويامرها بألا تتدنس حتى لا يرذلك الختن الخفي،
93 افرشي له القداسة في دربه ليُحتفل به، حتى تعايني وجهه بنقاء لما تستقبلينه،
94 ضعي الاكليل المقدس على راسك لما يراكِ، لتدخلي معه بنقاء الى خدر النور.

يعقوب يتكلم
95 صادفني هنا سر عظيم واوقفني عنده، وبما انني لم افِ حقه فانه يتخاصم معي ويلومني،
96 ايها الجاهل، لماذا لم تزيحني لما كنت تجتاز، لا تستحِ مني لانني انا جمال تراتيلك،؟
97 اظهر خبر الابن في وسط ميمر ابيه، ويطالبني (قائلا): ما لم تنشد لي سوف لن تمرّ،
98 ايها الجاهل الذي ضل، لا تقسّمنا في شروحك: خبرنا واحد فلا يتجزأ في شفتيك،
99 /13/ وبما ان الحق غصبني فلا اقدر ان اتملص منه، ولهذا القي بالحاني على ابن الحي ثم اجتاز.

موسى يشبه المسيح
100 لا يختلف شبه موسى عن المسيح، لنرَ الآن بماذا كان يشبه ابنَ الله،؟
101 لما نزل من قمة الجبل عند العبرانيين، به كان يُرى درب يسوع بالنسبة لمن يفهم،
102 بوساطته اي بنزوله وصعوده عند بنت يعقوب، كانت تُرسم تلك (وساطة) المسيح للانسانية،
103 انصتوا ايها العارفون: كم كان العبد يشبه ربه، ولهذا كان يسميه بسرّ نبيا مثلي،
104 به خُلصت بنت ابراهيم من مصر، وبه خُطبت لتصير عروسا لذلك القدوس،
105 به اقتربت لتصير عروسا للملك ربها، وقد قدسها لترى السامي بنقاء،
106 صار وسيطا بين الله ومعسكره، انه يشبه ربه الذي به تصالح ابوه مع العالم،
107 بهذا الشبه نزل المسيح عند الانسانية وخلصها، وخطبها، وقدسها، وطهرها، وغسلها، ونظفها،
108 بدل (الثياب) البيضاء التي وشح بها موسى بنت يعقوب، يبيّض يسوع النفس من الماء بالقدس،
109 موسى قدس بنت الشعب مدة ثلاثة ايام، اما القداسة فقد وُجدت بربنا بصورة ابدية،
110 استقر هناك ظِل ابن الله ولما كان يمرّ، فقد صوّر شبه الحقائق،
111 هذه الاسرار التي اكتملت بواسطة موسى، بها تجاسر ان يدعو ابن الله نبيا مثلي.
يعقوب يتكلم
112 ولو افتح باب اسرار كل قصتي سوف لن تسمحني من الاقتراب الى النهاية،
113 تزاحمني الخفايا زرافات ونعامات، ولا اقدر ان احدد ايحاءاتها،
114 صممتُ ان اتكلم على نزول السامي على سيناء، اوجه اذاً كلمتي الى هدف الموضوع بسرعة،
115 لا تعثر بين اسرار كل كلماتي، من الواضح انها لم تُحدد ولن تُحدد،
116 اسير بقوة على درب نهاية الميمر، تاركا الكثير (من الامور) وسط الموضوع.

موسى يقدس العروس مدة ثلاثة ايام
117 نزل اذاً موسى ليزين العروس التي جلبها، ليراها جميلة الختن الذي خُطبت له،
118 امرها ولبست، ونظر اليها وجملت، وزينها وصارت بهية، وحذرها كثيرا، وارشدها، وثقفها، وانهى زينتها،
119 اهتم بها موسى مدة ثلاثة ايام، وهو يامرها ويعلمها باي نمط ترى ربها،
120 نحت لها كلمات حكيمة ووضعها في فمها، (ولقنها) كيف تجيب الختن المجيد اذا دعاها،
121 موسى مرشدها ومربيها ثقفها ليحرز بواسطتها على اسفرار الوجه امام القدوس،
122 لما تعلمت باي نمط ترى الختن واي شكل تلبس امامه لما تبلغ اليه،
123 ولما تهيأت مدة ثلاثة ايام بقداسة، خرج الختن من موضعه لينزل عندها.

الرب نزل دون ان ينزل الا اللهم باستعارة
124 انحدر القوي ولبس بأس الجبروت لياتي عندها بقوة وبسرعة،
125 انحدر دون ان ينحدر، ونزل الى الارض دون ان ينزل، والقى الرعب في العلى والعمق: ها انه ياتي،
126 الامر اقلق العساكر السماويين، وتهيأ الملك لينزل دون ان ينتقل،
127 هربت من امامه طغمات النور (قائلة): ها انه ياتي، وتحركت لتاتي امام مجيئه بقوة،
128 مشت الصفوف الواحد تلو الآخر بسرعة، وتجمعت افواج النور على بعضها بعضا،
129 دعيت اجواق العلى لتنزل الى الارض، وطار على الهواء المتقدون والطائرون امام العزيز،
130 حل الرعب على افواج العلى، وتهيأوا لياتوا لانهم سمعوا بان الناري يزأر بهم،
131 تواعد آلاف صفوف اللهيب ليرافقوا النار الحية النازلة على الارض،
132 نزل الامر على مروج النار بقوة، وجمع بسرعة الملائكة الموجودين فيها،
133 خاف الروحيون (وقالوا): ها انه ياتي لينزل على الجبل، وافزعتهم الاصوات المخيفة التي خرجت معه،
134 خبر جديد حيّر السماويين: لقد توجه الخفي لينزل الى الارض،
135 تجمعوا ليروا من اي موضع خرج،؟ واين كان مختبئا،؟ وكيف ياتي،؟ وعلى مَ يسير،؟
136 ولما كانت الجموع الناطقة محتارة، بانت القوة: والنار مضطرمة، والسكينة مختفية، والمنظر مهيب،
137 لم ير المستيقظون بشبه مَن هو بلا جسم، لانه لم ينتقل بالحقيقة من العلى ليحل في العمق،
138 كان قد نزل على الجبل بقوة باسم مستعار حتى تشتهي بنت ابراهيم بهاءه،
139 خرج لياتي دون ان ياتي الا اللهم نمطيا، وخافت البرايا من صوت ترتيل عساكره،
140 ارسل صوتا ترتجف منه سفوح الجبال، ليحس العالم بالعرس الذي يصنعه بنزوله،
141 رتل قرن رئيس الملائكة بقوة، وارتفع الصوت وارتجت البرايا بطبائعها،
142 رتل البوق من على قمة اكمة السماء، وارتجفت الحجارة بقوة الصوت الصاخب،
143 انتقل لياتي بالرعب بعجب عظيم، وخرج من موضعه، واجتاز الرقيع: ها انه نازل،
144 اضرم البرق، واخرج الهواء بشدة ليدوس ويجتاز على اشعة النور،
145 ربط النار في خيول النار، واطلقها لتذهب مستنيرة امامه كالمصابيح،
146 رش على الهواء لينير الموضع بلهيبه، وابهر العيون لئلا تراه كما هو،
147 ارتفعت الاصوات على قمة قبة السماء لان الصرخة تليق كثيرا حتى ترافق الختن،
148 كانت قد التهبت البروق اللامعة على البرايا: خيوط النار التي غزلها الرمز الحي،
149 نزل القوي وحلّ على الجبل، وارتجف كله، ودخّن، وذاب من اللهيب الذي حلّ عليه،
150 احاطت به الغيمة لتلطّفه بالبرودة وبالندى الرطب الذي رشه الامر على حريقه،
151 تصاعد دخان اللهيب كالتنور لما كانت الحجارة تحترق بالنار التي لا تُجس،
152 انه لقول عجيب: هناك تذوب الحصيات، والصوان ايضا كان يحترق كالهشيم،
153 كان اللهيب مضطرما حتى في الكهوف، وتصاعد الدخان من الحجارة كانما من الاخشاب،
154 اذابت النارُ الجبل، وها هو يسقط، فسندته القوة الحاملة البرايا بالرمز القوي،
155 ذاك الجبار الذي سار عليه وارتجف، كان قد سند الجبل بقوته لئلا يرتخي،
156 جبل الحجارة لم يكن يقدر ان يتحمل القوة الحاملة اقاصي المسكونة بجبروتها،
157 هو الذي حمل الجبل الذي حمله لما نزل عليه، لانه القوة التي تحتوي الكل بخفائها.

يعقوب يتكلم
158 ها قد سُمع بان الرب نزل على جبل سيناء، كيف نزل بعجب، ان تفسيره لعجيب،؟
159 نمزج في موضوعنا: نزوله وعدم نزوله، نضاعف الكلمة لئلا احددها مع نهايتها،
160 لمن هو بسيط نقول: نزل بقوة، اما بالنسبة الى المثقف فمن الواضح بانه لم ينزل.

سيناء لا يسع الرب لينزل عليه
161 ذاك الذي لا تسع السماوات خفاءه، هل كان يسعه جبل سيناء الصغير،؟
162 مَن الارض هي موطيء تحت رجليه، كيف كانت زاوية الموطيء تسعه ليحل فيها،؟
163 نزل على قمة الجبل باستعارة وليس بتحديد، ولم ينتقل من حيث هو موجود الى حيث نزل،
164 جزء من قوته حلّ على جبل سيناء، دون ان يمشي من هنا الى هناك اثناء نزوله،
165 بينما هو في العلى كان حالاّ على الجبل ولم يُحدد، واذ لم ينحدر استعمل نمط النزول،
166 من العوسج اظهر شبها مليئا رعبا، بينما هو موجود كما هو، وحيثما هو.

يعقوب يتكلم
167 الكلمات صعبة، والقصة مرعبة، والميمر معقد، ويتعطل اللسان بسبب ضعفه،
168 لو قدر الفم ان يصفه كما يجب لكانت الاذن تنشق بالخفاء،
169 لو كنتُ اقدر ان اصف رعبه، لكنت احير السامعين بسبب الهيبة،
170 لو لم يوبخني ضميري ويقول لي: لا تتكلم بعدُ، لانك لن تحدد ذلك النزول (باقوال) بسيطة،
171 كيف اقول،؟ وكم اقول، ومتى اصمت،؟ وبماذا احدد غير المحدود في القصة،؟
172 اذا كان جبل سيناء الحجري قد ذاب بسببه، ألا يحترق اللسان اللحمي بقصته.؟

ضرورة الاصوات البهيجة في العرس
173 ذاك القدوس صنع عرسا للمتباهية، فاتى عندها لتتقدس به بزواجه معها،
174 ضرب خيمته على قمة سيناء، من الضباب: خدر عظيم من اللهيب في موضع عال،
175 وبما ان الالحان والضجة موجودة في الزفاف دائما، فقد اطلق الالحان لتبتهج العروس في يوم فرحها،
176 على الجبل اضحت الغيمة خدرا للختن الملك، وحلّ هناك متباهيا (بامور) مخيفة،
177 كانت قد خرجت من الضباب اصوات تشق الارض: مناظر محيرة تكلّ العين باشعتها،
178 بروق دائمة وهي مضطرمة بسرعة، وحركة النار ملتهبة وهي تحترق،
179 طغمات المستيقظين مندهشة روحيا، وآلاف القوات ترتل التسبيح بشدة،
180 كان صوت القرن قويا جدا، ويحرك الجبل ويرعب الاذن ويخيفها بالعجب.

رمزية البوق
181 لنسمع هذا ايضا بعجب وفهم ونسمع العجائب بتمييز،
182 اي قرن رتل هناك على جبل سيناء،؟ ومما كان (مصنوعا)،؟ وهل كان قرنا بالحقيقة،؟
183 تامل ايها العارف كم ان الاستعارات هي جبارة، وكم هي قوية في نظام الخفايا،
184 اطلق الاصوات غير الموجودة في شيء كانما هي في شيء، ويسميه صوت القرن وهو ليس بقرن،
185 امر الهواء واطلق باتجاه سيناء صوتا غير محبوس، لا في القرون ولا في الشبّابات،
186 نفخ الامر في الضباب كما لو كان في القرن، وصدر رعد شق الارض بقوته،
187 بهذا ايضا كان نظام ذلك العرس محترما، لان الختن يدخل الى خدره بصوت القرن،
188 موسى اعطى هذه العلامة التي كان يعرفها هو وحده قبل ان ينحدر عند الشعب،
189 لما يصمت القرن على الجبل ليصعد الشعب، وكان يرتفع ويصمت حسب نظام متعارف عليه،
190 لما كان يرتفع كانت الاذن تطرش به، ثم كان قد لُطّف لئلا يؤذي مستمعيه،
191 لما تطلقه القوة الخفية تعود وتخفضه ليصل الى الاذن بانتظام،
192 /22/ بهذا المنظر المخيف للارضيين ظن الشعب بان الرب كله كان حالاّ على الجبل.

الجهال يظنون بان الرب اللامركّب نزل بالحقيقة
193 يظن الصبيان بان هذه الاصوات التي نحتها الرمز الخفي قد ولدها قرن مجوف،
194 وبما ان الرب نزل فقد خاف الجهال من كون العلى قد فرغ منه لانه على الجبل،
195 وبسماع صوت القرن القوي جدا، يظنون بانه كان يتكلم ايضا بصورة مركّبة،
196 بسبب الاستعارات التي وردت لاجل الفائدة، اولائك الذين ضلوا حسبوا مركّبا مَن هو بلا تركيب،
197 وهكذا انه يقدم البرهان مراعيا الطفولة، ومع الفكر يقدر ان يزن ايضا الرؤى،
198 بميزان العقل يجمع ويلقي على الفكر، ليراه كل واحد حسب تفكيره ومقدرته.

زواج الرب من الجماعة
199 دعته العلّة ليُنزل قوته على جبل سيناء حتى تتزوجه الجماعة بسبب منظر الكرامة،
200 لو لم ينزل لكانت تقول بعد زناها: ما زلتُ لا اشاهده كيف انتظره،؟
201 وما دام الامر هكذا فقد ركّب حجة الاستعارات، فذاعت الكلمة: هوذا الرب ينزل على الجبل،
202 ابان عجبا كما لو كان كله حالاّ على الجبل، وارتجف سيناء لان الجبار القوي مشى على قمته،
203 تصاعد الدخان من كل الجبل لتتأكد بان الناري هو حالّ هناك،
204 ذابت الحجارة بالنار التي شبت فيها، ليُصدق بان لابس اللهيب كان هناك،
205 البروق مسرعة، والرعود مستمرة، والاصوات مخيفة ليجعلهم يظنون بان كل السكينة هي هناك،
206 كان قد مدّ الغيمة الحجاب المضاعف، ولفّ الجبل كما لو هو هناك داخلها كل ملئه،
207 فرش الضباب كالمناديل في كل الجهات خارجا عنها باحترام لانه خدرها،
208 اضرم في الهواء اشعة النور كالمصابيح التي اشتعلت امامه بالحقيقة كما لو كان لاكرامه،
209 واذ كان الامر هكذا فلم يعط حجة للاستعارات، كما لم يعط حجة لبنت ابراهيم كما لو كان (الامر) حقيقة،
210 ولما كانت قد تيقنت بانه جاء عندها وحل لديها، صاغت بعد وقت قصير عجلا لتزني به.

وعدٌ بتاليف ميمر آخر
211 لا يلزمنا ان نتكلم الآن عن زناها، فهذا محفوظ لموضوع آخر حتى نكشف زيفها،
212 بسطتُ كلمتي على نزول الرب على سيناء، فلا اسهو عن القصة غير المدركة.

فضلّت الجماعة ان تتكلم مع موسى المتواضع من ان تتكلم مع الرب
213 نزل العزيز وحل على الجبل مثلما نزل، ونزل موسى ليدعو العروس لتاتي عنده،
214 خرجت، ووقفت، وارتعدت، وتعجبت، وفهمت، وضعفت، وتابت، وركعت، ووهنت، وارتجفت، واهتزت، وانتقصت،
215 وارتجفت، وسقطت، وسكتت، وانطفأت، وخافت، وهلكت، وطُعنت، وماتت، وتعثرت روحها وهي تعتذر،
216 وهزتها الاصوات، واخافتها البروق، وصرخت بها الرعود، وارهبتها المناظر، ولم تقدر ان تتحمل،
217 شرع الختن يتكلم معها بقداسة، ولم تقبل ان تسمع منه بلذة،
218 دعت موسى (قائلة): تكلم معي انت ايها المتواضع، لان صوت الرب يلقيني في موضع الموت،
219 لم يطب صوت القدوس لتلك الزانية، فاشمأزت من الطهر بسبب فجورها،
220 طلبت من موسى ان ينقل لها كلمة الختن لانه كان سهلا عليها ان تحاججه بجسارة،
221 اصوات جبل سيناء لم ترحها، فصرخت (قائلة): لو اشتدت ستتبعها النار،
222 قالت لذلك المتواضع: تكلم معي، لانها عرفت بانه كان يُقمع ولا يتذمر،
223 طلبت ان يتكلم هو معها لتعذبه، وترد عليه باصوات الشك المضطربة،
224 لم يكن الصوت الصاخب من جبل سيناء مستساغا لها، لانها لم تكن تقدر ان تكذب وتتذمر (نافية) شدته،
225 دعت موسى ليجادل مع عهرها، لانها كانت واثقة بانه لو يقسو تسهل اماتته،
226 ارعبتها اصوات الاسد الذي يزأر، وارتجف سيناء فطلبت من موسى-الحمل ان يجيبها بلطف،
227 صوت النسر كان قد ارعب الحدأة البغيضة، وطالبت بالفروج الموضوع بين اظافرها،
228 اعتذرت من الصوت الذي يخيف الجبال، وتاقت الى كلام موسى الالثغ،
229 افزعتها صرخة القرن على قمة الهواء، واشتهت ان تسمع كلام اخرس طاب لها،
230 لم تكن تحب موسى ليتكلم معها، لكن الجسورة كانت قد رفضت الله،
231 سمعت الختن يحذرها من الغرباء، ولم تطب للجسورة الكلمة الطاهرة،
232 ركّبت حجة لتقصي عنها صوت القدوس، ودعت موسى بحيلة (قائلة): تكلم انت معي،
233 لو لم تكن تقصد ان تزني هناك، لما كانت تعتذر من الختن الذي جاء عندها،
234 لو لم تكن تلقي بنظرها على الغرباء، لما كانت تختار كلام موسى على (كلام) الخفي،
235 لو لم تكن تهين وجه الختن، لما كانت تخاف من مؤانسته لما استقبلته،
236 لو لم يكن قلبها يحب مفسدها، لكانت تستقبل خطيب الحق ليتكلم معها،
237 لو كانت طاهرة، لماذا خجلت من القدوس،؟ اتضح اذاً بانها كانت في الحمأة ولهذا خجلت،
238 رأت بان ساعة الختن الذي يريد الحقيقة قد دنت، فكشفت سرها لمربيها (قائلة): انها فاجرة،
239 دعت موسى ليتكلم معها حسب ارادتها، لانها كانت تظن بان زناها سيُستر،
240 كانت تقول له: تكلم معي انت ايها المتواضع، وليبعد الله اصواته التي تخيفني.

موسى يخطب الجماعة للرب
241 موسى يحثها ويشجعها مثل الصبية (قائلا): يريد ان يختبرك فلا تخافي من العزيز،
242 يبرم الشرط ثم يرتفع الى موضعه السامي، فاخضعي لعهده، وهوذا رعد اصواته يسكت،
243 هلمي وشاهدي لمن خطبتك لئلا استحي، انظري الى سكينته كم انها مخيفة على براياه،
244 في مجده يوجد لخطيبك هذا البأس فلا ترفضي بهاءه بعجلتكِ
245 ابرمي معه عهدا كاملا جاء لاجله، لا اخجل بسببك لانني محترس عليك منذ (وجودك) في مصر.

نزول الرب على سيناء
246 الجماعة ترتجف وموسى يشجعها خائفا، والجبل يدخن والسامي قوي، وسيناء يحترق،
247 الاصوات مخيفة، والمناظر عجيبة، والرعود مسرعة، والمراتب مصفوفة، والصفوف ممدودة، والطغمات ممجدة،
248 والافواج محيطة، والالوف مجتمعة، والقوات متألبة، والسواريف يقدسون، والكواريب يرفرفون، والمستيقظون يطيرون،
249 والمنظر عجيب، والهيئة غريبة، والسكينة خفية، والغيمة واقفة، والنار تشتعل، والصرخة عالية،
250 والبهاء منتشر، والنور مصبوب، والمجد مسكـوب، والنور منتشر، والصوت قوي، والضجة تتعالى،
251 وموسى متواضع، والختن عزيز، والعروس محتقرة، والخدر مزين، والقبة مضروبة، والجمال بهي،
252 والندماء متكئون، والعوالم مبتهجة، والعرس مهيأ، والمسروقة ترفض العرس،
253 يقف الكاتب ويحمل القلم ليوقع الشرط، وينتظر الختن ليوقع العالم على المهر،
254 بنت ابراهيم احتقرت هذا الختن لان صديقة العجل لم تكن راغبة في عِشرته،
255 حجُب الهواء الصافية معلقة خارج الجبل، وكان سيناء مغطى بالضباب، وكلّة النار،
256 اخرج الختن ثياب اللهيب العجيبة من صندوق الثياب الخاص بالله الذي انزله معه،
257 الخدر دافيء بالثياب المنسوجة من قبل اللهيب، ومغطى بها سرير النار غير الملموس،
258 كانت تحيط بها حجُب لا تُلمس لكونها قد أُعدت بنول الله،
259 وكان ممدودا من الخارج ثوب الغيوم المظلم: لونه اسود، وجسمه متلبد، وبأسه هزيل،
260 انزاحت الريح قليلا لتسمح للجماعة حتى ترى هذا الجمال الموجود داخلها،
261 في الداخل ضباب ونار محترقة، وعلى قمة الجبل وخارجه يوجد هواء متلبد اكراما لها،
262 كان المجد مستترا في اساس الغيوم الذي كان يظهر ولا يظهر كما هو،
263 الغيمة سترت داخلها بهاء وجهه لما كانت تنخل قليلا من الضوء على المشاهدين،
264 كان يفيض من اكنافها نور مبارك: جزء قليل من المجد الذي شاهده الشعب،
265 لما فاض الضوء ليظهر منعته الغيمة، لقد دخن جبل سيناء وهوذا الرمز يسنده لئلا يذوب،
266 لما كان يبين قليل من المجد من الضباب كانت الغيمة تمنعه لئلا يفيض على المشاهدين،
267 كانوا يرونه ولا يرونه بالضبط حتى يشتعل ايضا المجد الداخلي في افكارهم،
268 ذاك المشهد الذي كان مستترا عن عيونهم صار دافعا ليعرفوا بواسطته بان الشيء الموجود في الداخل هو اعظم،
269 كان يدور قليل من الضوء في الضباب وكانوا خائفين لانه لو فاض لاحرق العالم،
270 كانوا يرونه من خلال غطاء الغيمة، ولانه كان مستترا كان يحير جميع مَن كانوا حوله،
271 لما يكون الشيء بعيدا ومستترا يكون ثمينا جدا، ولهذا صارت الغيمة ستارا للجبل،
272 تصاعد الدخان ليظهر بان النار لبّدت الضباب هناك ليبرد اللهيب،
273 صدرت الاصوات كما لو صرخ القرن عنده، فارتجف الجبل كما يرزح احد تحت ثقله،
274 حدث الدخان ليظهر اللهيب، وارعد سيناء كما لو كانت سكينته حالّة فيه،
275 ارتجت هناك اصوات السماويين الصاخبة، لان رب الاعالي حلّ في الجبل مع معسكره،
276 ارتجت البرايا بالاصوات والرؤى الرهيبة، لان رب البرية حل في سيناء وفي الضباب،
277 انتشرت الرعود بعيدا على قمة الجبل، واشارت صارخة: الملك موجود هنا،
278 صرخت الابواق بقوة على مرتفع سيناء، لتجتمع الارض الى موعد الصوت: الرب موجود هناك،
279 ترتيل المستيقظين زمّر داخل الغيوم ليجعل الخارجيين يظنون بانه موجود في الداخل،
280 لما دار ضوء النار داخل الضباب، طرده الغيم لئلا يفيض خارجه،
281 لما سُكب اللهيب على قمة الجبل، اغلقته الغيمة لئلا ينهمر على السفليين،
282 لما كانت ترتفع امواج الجمرات على قمم سيناء، كان الهواء العليل يستقبلها بسرعة،
283 كانت الغيمة في الخارج، وكان اللهيب داخلها لتبرد الحرارة بالبرودة،
284 كان يلتهب المنظر الرهيب على قمة الجبل، وكان يختبيء لئلا يظهر بقوة،
285 كان النور مربوطا في كنف الغيوم المضاعف ومجتمعا ومحتويا لئلا يغرّق كل الارض.

الملائكة يظنون بان الله نزل على الجبل بينما لم ينزل الا رمزيا
286 كانت تُسمع من العليقة ضجة المستيقظين وهم يرتلون تهاليلهم كضجيج البحر،
287 كانوا مستترين في الظلمة التي كانت تلفهم من كل الجهات، والالحان تتصاعد من الظلام خارج الجبل،
288 كانوا مختبئين ومهللين، وهم قريبون وبعيدون في كلتا الحالتين: كانوا مخفيين عن العيون وكانوا مكشوفين للآذان،
289 الجبل حمله وهو لم يحمل ذلك العزيزَ، ولوكانت توجد فرصة ليهرب لما كان يمكث،
290 يرتجف سيناء وتحترق حجارته من اللهيب، وكان يُبرهن بدخانه على احتراقه،
291 تحير الملائكة لان ذلك الخفي حلّ على الجبل، وحمله سيناء ولم يكن قد ترك علوه،
292 كان العساكر الذين نزلوا معه مبتهجين لانهم استحقوا ان يرافقوه في دربه عند الارضيين،
293 الطغمات التي ظلت في الاعالي كانت متباهية ايضا لانها ظلت هناك مثل اصحاب الدار في موضعه العالي،
294 هولاء يظنون بانه عندهم في موضعه العالي، وهولاء يفكرون بانه معهم على جبل سيناء،
295 يتطلع هولاء الى المركبة لينظروا اليها، ويقف هولاء على قمة الجبل ليتاملوا فيه،
296 انه خفي عن هولاء وعن اولائك في كلتا الجهتين، وانه خفي في موضعه عن العلويين وعن السفليين،
297 شهد السفليون النار تحترق على قمة الجبل، وراى العلويون الضوء الذي يلف المركبة.

كان الله في نفس الوقت على المركبة وعلى سيناء
298 سكينته حالّة في خفائه ولا تُرى، ولا يظهر ايضا في العمق الا اللهم بالنمط،
299 لا يقدر ان يسافر ويحل في المواضع لان كل البرايا محتوية فيه، فالى اين يسير،؟
300 كـان على الجبل، وكان في العلى، وكان في الكل، وكان على المركبة، وكان داخل سيناء وفي كل الجهات،
301 ابان شبهَ الاحتراق على قمة الجبل ليصنع عرسا بالاعجوبة بين الارضيين،
302 اراد ان يبين لبنت ابراهيم منظرا عجيبا ويخطف نظر العروس اليه باعجوبة،
303 به كان مسنودا جبل سيناء لما كان يحمله، كما ان الكواريب معلقون بذراعه ويزيحونه،
304 كل البرايا واقاصيها هي معلقة به، وقد ركّب حجة ليحلّ على الجبل لاجل الفائدة،
305 ابان شبه الاحتراق بجانب الجبل، ليربطها بغرامه بقداسة بواسطة العجائب،
306 ولما اقتربت مُحِبّة الزنى لتاتي عنده اعتذرت لئلا تسمع تعليمه،
307 نصحها موسى لتهدأ هدوءا وقتيا الى حين تصديق الشرط معها ثم يصعد الختن،
308 لما كانت النار مضطرمة في الجبل بعجب عظيم، الرب دعا موسى المختار ليدخل اليه،
309 خرج الصوت كرسول وراء موسى ليدخل ويصدق الشرط معه في الضباب،
310 دخل في الغمام وصعد الى القدوس، واسرع الصوت ومهّد له الدرب الى اللهيب،
311 ازاح امامه حجاب الغيوم ليدخل ويرى الختن في مجده حيث هو موجود،
312 خرج الامر وهيأ له سوقا بين الضباب، لئلا يرهبه الضوء العالي من داخل سيناء،
313 دخل موسى الى خدر الختن الملك ليتعلم اسراره، ويجلب العروس الى القدوس،
314 كان قد دخل، وتعلم، وخرج ليجلبها كما أُمر لتقترب وتسمع تعليم الله،
315 لم يجلبها لتدخل الى الخدر لانها لم تكن طاهرة، انما وقفت خارجا لتسمع وتتعرف على ارادة الختن.

الرب يعلّم الصبية ويعطيها وصاياه
316 حينئذ توجه اليها صوت من الضباب ليصير له ولها عهد ثبات،
317 اخذ يلقي عليها التعليم بصوت عال، ويخبرها عن الحقيقة جهرا وبقوة،
318 حذّرها كثيرا بالوصايا التي كانت سهلة، ولم يضع على رقبتها نيرا ثقيلا،
319 كان يعلّمها بالا تصنع لها اصناما منحوتة، وكان ينصحها بالا تنتقل من عنده،
320 كان يعرّفها بانه غيور ومنتقم، وكان يرشدها بانه يجازي بعد اجيال،
321 وضع في درب البرارة عشرة اميال لتقودها الواحد بعد الآخر الى الملكوت،
322 وضع على راسها مصباحا، وعشرة امامها، ليمشي امامها النور الموجود في الناموس،
323 لما كانت تؤمر كيف تحفظ (الوصايا) وبماذا تجمل، احتقرت وتركت الامور المخيفة التي قيلت (لها)،
324 الرب يتكلم، وسيناء يرتجف، والموضع مخوف، والعجب عظيم، والقوة الموجودة على قمة الجبل عزيزة،
325 يتكلم الرب باصوات عجيبة مع الشعب: رعود مخيفة كانت تزمجر من الضباب،
326 /35/ باصوات اللهيب المليئة رهبة، كان يعلّمها لتسمعها بتهيب،
327 بفم ناطق يصدر الجمرات على الشفتين، كان يرسل اليها صوت الوصايا لتتعلمها،
328 بذلك اللسان الذي كان يضطرم باللهيب، كان يمد لها كلام الحق لتثبت فيه،
329 رتلت شبّابة اللهيب على قمة الجبل، وارعبهم الصوت الصادر من اللهيب،
330 باللحن الذي ضربه صوت النار: وضع الناموس، وبنى السياج لئلا تحيد عن الوصية،
331 واذ كانت قد سمعت كلاما يدعوها ويحثها فقد اعتذرت لئلا تسمع التعليم.

خلط قصة البيعة في ميمر الجماعة اليهودية
332 هنا مسكتني قصة البيعة ببساطة، وساعدتني لاقترب بصحبتها الى النهاية،
333 لنختم اليوم الميمر الرهيب الذي لا ينتهي، لان نظام القصة جذبني الى بداية (قصة) اخرى،
334 تعلّم العقل من موضوع الجبل بانه لا يُحدد، فيريد ان يستريح ثم يعود ايضا الى قصته،
335 هوذا اللسان قد رفع الاصبع في درب القصة لانهاء الخفايا وقتيا،
336 الكلمة التي طارت الى جبل سيناء تود ان تعلمني، بان جناحها ضعف وقمة الميمر لا تُحدد،
337 القصة صعبة، والعقل ضعيف، وما العمل، لانه يريد العودة ليشرع ببداية اخرى،؟
338 لا يليق ببنت يعقوب ان تتشبه بتلك، فلنتكلم عنها كما لو كان باللحن ثم نختم قصتها.

بنت يعقوب وبنت الشعوب
339 تلك احتقرت ذلك العزيز في ذلك البهاء، وهذه الطاهرة تبعت الابن بالجهالة،
340 لم ينزل عندها بواسطة الملائكة، كما (نزل) على سيناء، ولم يرتل لها بابواق السماويين،
341 ولا بالنواميس، ولا بالضباب، ولا بالغيوم، ولا باللهيب، ولا ببروق اللهيب،
342 ولا بتدخين البيت حيث حلّ، انما نزل ابن العزيز على الارض بالتواضع،
343 ظهر للانسانية بالاقماط، وبالجوع، والعطش، وبالنوم، والتعب، والحاجة،
344 وهو يُجرب من قبل الشيطان في البرية الخربة، ويُسمى رئيس الابالسة من قبل الكافرين،
345 وتهبّ عليه امواج الشكوك من كل الجهات، ويُذم لانه كان ياكل مع الخطأة،
346 وهم يصرخون به لانه كان يختلط مع العشارين، ويطالبونه بان يدفع الجزية للملك،
347 ولم يكن له موضع ليسند اليه راسه، ولم يكن يُزيح الا على عفو عار فقط،
348 وهو متأزر بازار على حقويه مثل عبد، ويغسل ارجل التراب التي جبلتها يداه،
349 وهو يُباع من قبل اصحاب الدار الذين كانوا يرافقونه، ويكفر به الامناء الذين يتبعونه،
350 وهو يُسال من قبل الحاكم مثل الجاني، ويُجلد بالسياط مثل المذنب،
351 وهو يحتضن العمود في المحكمة، ويشرب العذابات، وهو لابس ثياب العار من قبل المجانين،
352 لما ظفر الدنسون اكليل الاشواك على راسه، ولما كان يُلطم ويُسأل: من ضربك،؟
353 ولما كان يحمل على كتفه خشبة الصليب ويخرج، ويداه ورجلاه مسمرة من قبل الضالين،
354 ولما كان يُقترع على ثيابه لمن ستكون، ولما قُدمت له المرارة والخل على الاسفنجة،
355 ولما ثُلم جنبه بالرمح بدون شفقة، ولما كان يُحنط ويُلفّ ويُقبر، مبارك ذكاؤها.
الخاتمة
356 /38/ بهذه كلها شاهدت البيعة ابن الله، مبارك من اصطادها من عبادة الاوثان.

كمل الميمر على نزول السامي على جبل سيناء