الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
غبطة أبينا البطريرك في أربعين شهداء سيدة النجاة:

 

 يوم الأحد الواقع فيه 5 كانون الأول 2010،  وبمناسبة ذكرى الأربعين لمجزرة كاتدرائية سيدة النجاة في الكرادة ـ بغداد، وإحياء لذكرى شهدائها من كهنة ومؤمنين، ترأس غبطة أبينا مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي الكلي الطوبى مسيرة صلاة انطلقت من أمام معبد سيدة لبنان ـ حريصا، شاركه فيها المونسنيور كبريالي كاتشا السفير البابوي في لبنان، ورهط الإكليروس وجموع المؤمنين، وصولاً إلى كنيسة إكليريكية سيدة النجاة في دير الشرفة، حيث احتفل غبطته بالذبيحة الإلهية، يعاونه صاحبا السيادة المطرانان مار رابولا أنطوان بيلوني ومار فلابيانوس يوسف ملكي المعاونان البطريركيان، والمونسنيور جورج مصري النائب البطريركي العام في أبرشية بيروت البطريركية، وعدد من الكهنة، بحضور السفير البابوي، والمطران رولان أبو جودة ممثلاً البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، وعدد من الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات من مختلف الكنائس، وحشود غفيرة من المؤمنين ومن بينهم أبناء الجالية العراقية اللاجئين في لبنان.

 بعد الإنجيل المقدس، ألقى غبطته موعظة استهلها بفقرة من انجيل يوحنا

 "اذكروا الكلام الذي قلته لكم: ما من خادم أعظم من سيّده، إن كانوا قد اضطهدوني، فسوف يضطهدونكم أيضاً" (يوحنا 15: 20)

 ثم وجه تحية إجلال وشكر لقداسة الحبر الأعظم البابا بنديكتوس السادس عشر لمشاركته المتواصلة في آلامنا ورفع قضيتنا للعالم المتحضّر، والممثَّل بيننا الآن بسعادة السفير البابوي في لبنان المونسنيور كبريالي كاتشا. وترحيبا بالكنسيين والرسميين وجميع الحاضرين من إكليروس ومؤمنين... لا سيّما الجالية العراقية الغالية علينا والتي تذوق اليوم الأمرّين في غربتها ومعاناتها.

ومما قاله:

ـ معاني احتفالنا الكنسي: قداس الأربعين إكراماً لشهدائنا وشهيداتنا في كاتدرائية سيدة النجاة في الكرادة ـ بغداد، حيث مُزجت دماء كاهنين وعشرات المؤمنين بينهم الأطفال والنساء بدم الحمل الإلهي، فشاركوه في فداء العالم.

 ـ المجزرة ـ المحرقة التي أودت بحياة شهدائنا وشهيداتنا في بغداد، لم تكن موجّهة للسريان الكاثوليك فحسب، بل لجميع المسيحيين ولكل صاحب ضمير حيّ في الإنسانية حول العالم...

 ـ الأيدي المنفّذة قامت بجريمتها النكراء باسم دين يريد إخوة لنا، في الداخل وفي الخارج، أن يُفهمونا أنه دين الرحمة، وأنّ هؤلاء المجرمين لا يمتّون إليه بأية صلة. أمّا العقول المدبّرة والجيوب المموّلة لهذا الإجرام الشنيع، فمن حقنا أن نستدلّ عليهم، ويدلّنا إليهم مَن يعرف بهم أو يسمع عنهم، كي يُطالب المجتمع الدولي بملاحقتهم والاقتصاص منهم.

 ـ لا يكفي أن نبرّر هذه المجزرة ـ المحرقة، وما لحقها ويلحقها كل يوم من اعتداءات على المسيحيين الأبرياء العزّل في العراق، بأن ننسبها إلى جماعات مارقة عن دينها وندينها بالكلام فقط دون أن نقرن الكلام بالافعال. ألا يحق للمسيحيين في الشرق الأوسط أن يتساءلوا: لماذا الإحجام من قبل المرجعيات الدينية عن اتّخاذ موقف جماعي واضح تجاه الأعمال الوحشية التي يقوم بها البعض باسم الدين، تجاه مسيحيين آمنين يصلّون في كنائسهم، يركنون في منازلهم، يكسبون رزقهم في مراكز أعمالهم، وطلاباً يتوجهون إلى مدارسهم؟ الكل يعلم أنّ هذه المرجعيات الكريمة معروفة في شرقنا وإليها "ترجع" التفاسير ولها يعود التحليل والتحريم؟ فكيف نشرح هذا السكوت عن التعرّض الإجرامي للمسيحيين العراقيين، ولغيرهم من جماعات عُزّل تتوجّه إلى مراقد حجّها، حتى وإن كانت هناك نزاعات سياسية او اختلافات طائفية؟

ـ من واجبنا، مسؤولين روحيين أو مدنيين، ألا نلجأ إلى التصاريح المنمّقة والتأويلات الملتبسة، بل أن نصارح بعضنا بعضاً، وأن نتحاور بصدق وشفافية ملتزمين بقول الحقيقة بمحبة. سيّما ونحن نُطالَب بالإجابة على أسئلة أجيالنا الصاعدة الذين أصبحوا الأكثرية بين مواطني هذا الشرق والذين لا يرضون باللغة الديبلوماسية في أيّ تحاور ومصارحة. من واجبنا أن نبتعد عن العموميات التي لا يتستفيد منها سوى أولئك الذين يعبثون بحياة الأبرياء باسم الدين. بينما الله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى ذراع أو سلاح من أي نوع كي يدافع عن حقوقه.   

علينا ونحن نجابه موجة الإضطهاد والإعتداءات المتكرّرة على المسيحيين في العراق، أن نقتنع وأن نُقنع الآخرين، من مسيحيين ومسلمين، التزامنا بحقائق الأمور الثلاث التالية:    

أولاً: إنّ موضوع الوجود المسيحي في العراق هو قضية بحدّ ذاتها، قضية تتميّز عن قضايا أخرى لا زال الشرق الأوسط يتعثّر، وهو يتوخى حلولاً عادلة لها، ظلّت للأسف الشديد بعيدة المنال، بسبب التخاذل الداخلي والتواطؤ الدولي.

لذلك على المنظّمات في البلاد العربية، سيّما جامعة الدول العربية، وتلك الدولية كالأمم المتحدة، إعطاء قضية الوجود المسيحي ووجود سائر الأقليات، إن في العراق أو في بلاد الشرق الأوسط عامةً، الإهتمام الكافي على مبدأ شرعة حقوق الإنسان العالمية، وقبول الآخر، فرداً أو جماعة، على مبادئ المواطنة الكاملة. نحمد الله على يقظة الضمائر، ولو جاءت متأخرة، بين بعض المسؤولين محلياً وإقليمياً وبنوع خاص وفريد بين ذوي القرار على المسرح الدولي، كي يولوا قضية الوجود المسيحي وسائر المكوّنات الصغيرة في العراق، كما في سائر بلدان الشرق الأوسط، الأهمية التي تستحقها.

ثانياً: حق المسيحيين بالوجود وبحياة وطنية كريمة كما لسائر المكوّنات الدينية والقومية في العراق، ليس امتيازات، ولا فعل منّية تُنعم به عليهم حكومة أو أكثرية. ما احتاج المسيحيون في العراق يوماً،  لا إلى شهادات حسن سلوك كي يثبتوا مواطنتهم ماضياً، ولا هم يعتدون حاضراً على أحد أو ينتقمون أو يطمعون بسلطة ومال. هذا ما يقرّ به جميع المسؤولين الحكوميين، وما تشهد لهم المراجع الدينية والمدنية التي التقينا بها في العراق وخارجه. لذلك من واجب الحكومة العراقية وكل ذوي الارادة الصالحة، أن يقرنوا القول بالفعل الشجاع والنزيه، فيؤمّنوا الحماية الكافية لهم، ويقاسموهم بالعدل والقسطاط موارد الوطن الواحد، بغية تطوير القرى والمناطق التي يقطنها المسيحيون.

ثالثاً: أمّا ما يتعلّق بنا نحن المسيحيين في العراق، فنرى من الضروري أن نستمرّ بمناشدة المسؤولين الكنسيين والمدنيين من ممثلين للشعب أو المنظّمات المدنية، أن يستفيدوا من تنوّعهم الغني، فيعملوا بنزاهة وتجرّد لما فيه الحفاظ على الشعب الذي يمثّلونه، وعلى الأولوية في حقه بالحياة قبل التنظير والآمال. شعبهم الواحد هو شعب حضارة ما بين النهرين. فعليهم أن يلتقوا معاً وبأقرب وقت لكي يتدارسوا أوضاعه، ويكتشفوا الحلول الحضارية لمختلف فئاتهم، حسب خواص كل منطقة، دون أن يفرضوا رأيهم مهما ظنّوه أنه الأنجع.

 فما أجمل أن تلتقوا، يا أحباءنا، كلّكم تحت مظلّة "بيث نهرين"، ومتكنّين باسم "بيث نهرين" الحضاري والذي به تُعرَفون. وكما سمعتم بولس الرسول في رسالته ألى أهل فيليبي: "أتمّوا فرحي بأن تكونوا على رأي واحد، ومحبة واحدة، بقلب واحد وفكر واحد".

 

    ونحن في لبنان علينا أن نتعلّم من المآسي التي حصلت في العراق الجريح، فنسعى كلّنا لننمّي بصدق وشفافية ثقافة التعدّدية التي جعلت من وطننا الصغير "رسالة" حضارية، يُحتذى بها في بلدان الشرق الأوسط. بل إنها "رسالة" لشعوب العالم كافة، في سعيها إلى بناء جسور التلاقي على أسس الإحترام المتبادل ومبادئ المدنية الحضارية. إنّ أجدادنا، بالرغم من قلّة أعدادهم ومحدودية قدراتهم وشحّة مواردهم، صدّروا الحرف ورفعوا راية الإبداع خفّاقة في بقاع الأرض وبين الأمم العظمى آنذاك. فكيف لا نستطيع أن نبني اليوم، جسور التوافق والتضامن والإحترام المتبادل بيننا؟ وكيف لا نلتفّ حول رئيس البلاد الذي أوليناه ثقتنا، والذي عليه أن يظلّ لنا جميعاً رمزاً للحوار البنّاء وتقريب القلوب والنفوس؟ ألم يحن الوقت فنتعلّم من الماضي ونضع في سلّم الأولويات، أولاً وأخيراً، خير الوطن قبل كلّ مصلحة، فردية كانت أو عائلية أو طائفية؟

    في هذا الأحد ونحن نحيي عيد مولد يوحنا المعمدان السابق للرب يسوع، تدعونا أمنا الكنيسة كي نعيش الزمن الطقسي للمجيء، وهو الزمن الذي يسبق عيد الميلاد. إنه زمن الترقّب، زمن الرجاء، فيه نرفع عيوننا نحو السماء كي تمطر كما يقول النبي اشعيا، "الصدّيق"، إله الحب والسلام، يسوع المسيح عطية الآب الذي يولد في قلوبنا وعائلاتنا، في مجتمعاتنا وأوطاننا.

 يا رب السلام، أعطنا سلامك، لا كما يفرضه العالم، بل سلامك أنتَ، سلام المحبة المبنية على الحق، لأنك أنت "الطريق والحق والحياة".

 

----------------------------

 

    Lord Jesus, innocent Lamb of God slaughtered because of love for all  humans, we humbly ask you to let all Christians and people of good will around the world, continue to pray for and support the innocent Christian communities in Iraq. May the new martyrs of Our Lady of Deliverance in Baghdad, whose blood was mingled with yours, be a grace for healing, reconciliation and peace in that suffering country. To you trustfully we pray.

 

وفي نهاية القداس، تقبّل غبطته تعازي الحضور من الرسميين والإكليروس.

 

إضغط للطباعة