الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
عظة أبينا بطريرك السريان الأنطاكي بمناسبة القداس من اجل مسيحيي العراق ( سيدة لبنان - حريصا / السبت 13/ 3 / 2010 )

 

-         تحية للمشاركين من الاكليروس والراهبات والرهبان والعلمانيين

-         المعنى الخاص لليترجية الذبيحة الإلهية اليوم: المشاركة في درب الصليب الذي يجتازه اخوتنا واخواتنا في العراق.

-         الأحداث الرهيبة التي ألمّت بإخوتنا المسيحيين، سيّما ونذكر في هذه الأيام الذكرى الثانية لاستشهاد مثلث الرحمات مطران الموصل للكلدان بولس فرج رحو.

-         اليوم نجتمع في هذا الصرح المخصص لتكريم أمنا العذراء مريم، لكي نؤكّد تضامننا مع إخوتنا وأخواتنا في العراق الجريح. صلّينا اليوم وسنستمر في الصلاة  دون ملل أو كلل، راجين دوماً فوق كل رجاء، كي يشفق الرب على شعبه ويوقف عذاب هؤلاء الإخوة الأبرياء . فالعراق  بلد محبوب ليس فقط لدى أعضاء الجالية العراقية المشاركة معنا اليوم، ليس فقط لدى مواطنيه المسلمين والمسيحيين،  بل جميعنا نحبّه. نحبّ أهلنا فيه ونقدّرفيهم الإيمان الذي لم ولن تزعزعه قوى الشر. كماعلى جميعنا أن نشاركهم في فعل الرجاء "فوق كل رجاء" وهم يسعون الى تجديده في هذه أزمنة المعاناة والحقد. إن ما قاسوه ويقاسونه هو لنا الأمثولة الرائعة،  كي لا يضعف إيماننا مهما اشتدت العواصف،  لأنهم بدورهم تعلّموا من يسوع الفادي: الّا يخافوا، إذ لا بدّ لنفق الظلم والظلمة من أن يتلاشى مع إشعاعة نور القيامة! وكما يقول ترتليانوس: " إن دم الشهداء بذار للكنيسة".

-         جئنا في هذا اليوم لنؤكّد لأخواتنا وإخوتنا في العراق، عن تضامننا الصريح والفاعل الذي لا يكتفي بالأقوال ولا يُترجَم فقط بالأحاسيس. أولاً، لأن الوجود المسيحي في ارض ما بين النهرين كما في سائر بلاد الشرق الاوسط قضية، بل وقضية إنسانية. والدفاع عن هذا الوجود ليس فضلاً أو تفضلاً من أكثرية في هذا المشرق، وقد خفتت فيها وللأسف الأصوات الفاعلة للتنديد بما يلحق بالمسيحيين من جرائم ولمعاقبة مرتكبيها .إنّ الدفاع عن وجود المسيحيين في العراق واجب إنساني، فعلى المجتمع الدولي أن يوليه ما يستحق فلا يغيّبه في الأدراج ،  أو يوكله الى جمعيات شبه خيرية تسعى للحفاظ على  " أجناس معرضة لخطر الزوال !". ولأننا نؤمن بالحقوق الإنسانية لجميع المواطنين في الوطن الواحد، فمن العار على عالم اليوم أن يظلّ صامتاً وهو يشهد استهداف الأشخاص والجماعات، بسبب اختلافهم في الدين، او الطائفة أو العرق،  أكثرية كانوا أم  أقلية !

-         جئنا لنؤكّد لهم أيضاً، أننا كأبناء وبنات متجذرين معاً  في تربة شرقنا الخيّرة التي ارتوت بعرق أجدادنا، والتي ما زالت تروي أروع الشهادات عن حياة قديسينا وقديساتنا، لسنا مستوردين من الخارج ولا طلّاب تبعية لقوى أجنبية!  نحن نتقاسم معهم ليس فقط المعاناة والآمال، بل  ونشاركهم أيضاً في المصير. وكم كنّا نتمنى أن تضمّ المرجعيات الاسلامية الكريمة صوتها لما أكّده اليوم معالي الوزير ابراهيم شمس الدين عن تضامن صادق وفعّال مع معاناة المسيحيين في العراق، والتنديد بكل من يدّعي القتل والإرهاب والتكفير باسم الله . نحن المسيحيين في هذا الشرق، صمدنا فيه عبر القرون الطويلة، وسنبقى صامدين بعونه تعالى، لأننا منه ولأننا له، وهو لن يبقى شرقاً من دوننا مهما قلّ عددناّ!  فلا العراق ولا لبنان ولا أيّ من بلدان هذا المشرق، يبقى هو هو، إن فرغ من مسيحييه..! أجل، آن الأوان كي يلتقي المسلمون والمسيحيون المؤتمنون على مستقبل حضارة الشرق، أن يلتقوا على "كلمةٍ سَواء"، ليتعلّموا قبل أن يعلّموا، ليفعلوا قبل أن يردّدوا، وليتفاعلوا متنافسين  في درب الفضيلة  وفي عيش الرحمة، متوخّين بناء عالم السلام،  صاغرين الى إله المحبة وحده.

-         وجئنا نؤّكد لهم عن تضامننا،  لأننا نشترك معهم في الإيمان الواحد الذي تفجّر من جنب الفادي المصلوب، وهو الذي خطّ لنا وللبشرية جمعاء طريق الخلاص بدرب آلامه، وهو وحده المعنى الحقيقي والكامل  لمعضلة الألم  وعبثية الشرعلى أرضنا. ومن لبنان بالذات حيث  المواطنون عامة والمسيحيون خاصة يحنّون الى وحدة المحبة الخلاقة، نتوجّه اليكم، يا إخوتنا المسيحيين في العراق، أن تعملوا بشجاعة على تجاوز خصوصياتكم ومصالحكم وامتيازاتكم. وهي الوسيلة الوحيدة كي تبنوا معاً ومع أبناء وطنكم إلى أي دين أو طائفة أو قومية انتموا، وحدة القلوب والنفوس. أجل، لا يخفى على أحد أنّ  المؤمنين العلمانيين، بينكم وبيننا،  قد حققوا خطوات رائعة نحو التلاقي والتلاحم والتفاعل، وهم متحدون قلبياً على اختلاف طقوسهم وتقاليدهم إذ  يشتركون في النظرة الواحدة نحو وجودهم المستقبلي... والتحدي الذي يجابهكم اليوم هو أن تسعوا الى هذا الهدف الواحد بعيش حضارة التعددية، مسبّقين الخير العام على أية مصلحة ضيّقة، لأن قضيتكم هي واحدة ومستقبلكم ملقى بين أيديكم المتشابكة وحدها.  كما علينا نحن الرعاة الكنسيين المؤتمنين على خلاص النفوس ومستقبل المسيحية في الشرق، أن نعيش الشراكة الكنسية الحقة، قبل أن نطيل البحث فيها والعظات عنها. لقد حان الوقت لكي ندرك أن ما نظنه او يدفعنا البعض الى الظَنّ، أنه المستقبل الأفضل لطائفتنا، سيعمل دون شك على تفتيت القضية المسيحية ويهدد مصيرها ككل.

 

إضغط للطباعة