احتفل غبطة ابينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان الكلي الطوبى بالذبيحة الإلهية ورتبة لبس الإسكيم الرهباني وابراز النذور المؤبدة في الرهبانيّة الأفراميّة السريانيّة في دير سيدة النجاة – الشرفة يوم السبت 6 شباط 2010 ، حيث ابرز الأخوة (يوسف متي يعقوب، نعمةالله عبد المسيح بطرس، عماد حبيب ججو) نذرهم المؤبدة، ولبس الإسكيم، وأعلن الأخ أفرام الياس سوني نذوره المؤقتة.
وقد ترأس غبطته القداس يعاونه الراهبان الأفراميان الأب يعقوب عيسو والأب بطرس سلمان. بحضور سيادة المطران مار رابولا انطوان بيلوني المعاون البطريركي، حضرة الخوراسقف جبرائيل ديب رئيس دير سيدة النجاة، حضرة الأب حنا ياكو الرئيس العام للرهبانية الأفرامية السريانية في دير الشرفة، حضرة الأم ماري برنار الحداد الرئيسة العامة للراهبات الأفراميات بنات أم الرحمة، حضرة الأب ميشال اليان رئيس دير مار قبريانوس ويوستينا كفيفان يرافقه حضرة الأب اميل عقيقي معلم المبتدئين في الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة مع جمهور الإخوة المبتدئين، حضرة الأب لويس الخوند مع جمهور الإخوة الدارسين في دير سيدة طاميش للرهبانيّة اللبنانية المارونيّة، حضرة الأب طوني ناصيف مدير إكليريكية دير سيدة النجاة الشرفة، وعدد من الراهبات الأفراميات والرهبان الأفراميين، وجمهور الإكليريكية الصغرى في دير الشرفة، مع المؤمنين والمؤمنات من محبين وأصدقاء.
القى غبطة أبينا البطريرك كلمة خاصة بالمناسبة هذا نصها:
أخي صاحب السيادة مار رابولا انطوان بيلوني المعاون البطريركي الجزيل الإحترام.
أحباءنا الكهنة والراهبات والرهبان والأخوة والأخوات االمباركون بالرب،
جئنا في هذا المساء الى دير الشرفة، الى سيدة النجاة، والدة الإله وأمّنا، لنشترك في الذبيحة الإلهية، ونحتفل مع إخوتنا الأفراميين بإبراز نذورهم الرهبانية. جئنا لنشهد حدثاً مهماً ومليئاً بالعبر في كنيستنا، فنشارك في الصلاة والتضرع الى الرب مثالنا ومعلمنا، كي يتمم أحباؤنا وعودهم، فيعلن الأخ أفرام نذوره المؤقتة، والأخوة يوسف ونعمة الله وعماد، نذورهم المؤبدة أي تكريس ذواتهم كلياً ونهائياً إتباعًا للمعلم الإلهي، متذكرين دعوته للشاب الغني: "إن كنتَ تريد أن تكون كاملاً..". هم لن يترددوا بل سيعلنون بجرأة وصدق: "ها نحنُ جئنا لنعمل بمشيئتك يا رب!". جواب سخي وشجاع، ونحن بدورنا، نؤكّد لهم عن محبتنا وتشجيعنا وشكرنا.
سمعنا في سفر أعمال الرسل أن العنصرة الأولى كانت ترافق الجماعة المسيحية الأولى، وأنّ الروح القدس استمر يملأ قلوب المؤمنين بالتعزية والفرح حسب وعد المخلص. " وكان جماعة المؤمنين قلباً واحداً وروحاً واحدة" (أعمال 4 :32) . واستمعنا من رسالة مار بولس الى الغلاطيين عن ثمار الروح، التي ورد ذكرها في أكثر رسائله: " أمّا ثمر الروح فهو المحبة، والفرح والسلام والصبر واللطف وكرم الاخلاق والإيمان والوداعة والعفاف، وهذه الأشياء (الفضائل) ما من شريعة تتعرّض لها.." (غل 5: 22 - 23) . تلك هي إذن الثمار الروحية التي يتحلى بها مَن ينذر بقناعة شخصية، نذور الطاعة والفقر والعفة. وهي وعود مُلزمة ونابعة من المشورات الإنجيلية، فيعيش المكرس بين إخوته ومعهم، بروح متجردة وفعل رجاء مستمد من قوة الله، التي وحدها قادرة أن تعمل فيه العجائب!
لنتذكر أيضاً ما سمعناه من إنحيل الكرمة والأغصان، وما أكده الرب: "من دوني لستم تستطيعون أن تفعلوا شيئاً ". قد يظن البعض أن هؤلاء الإخوة الناذرين ابطال يتميزون عن غيرهم بفضائل خارقة. نعم، إنهم سيضحون أبطالاً بالسلاح الروحي الذي سينالونه من الله، فيقاومون بشجاعة حيل الشرير ومغريات هذا العالم الزائل. فهم اقوياء، ولكن دومًا بذاك الذي يقويهم، يسعون الى الكمال بالنعمة التي ستكمّل نقائصهم. "إن المشورات الإنجيلية هي عطية إلهية، تسلمتها الكنيسة من الرب، وهي تحافظ عليها بمعونة نعمته.."( الدستور المجمعي نور الأمم 43 ). بدون نعمة الرب لا يستطيع الراهب والراهبة عيش المشورات. والتكريس الرهباني لا يتحقق بالاتكال على الذات فقط، اي على قوانا الشخصية او صفاتنا وكفاءاتنا. ولا تكفي النية الحسنة، ولا حتى أفعال التقوى وحدها، إن لم تكن مؤسسة على النعمة المجانية من الله.
منذ العصور الأولى للمسيحية، كما يطلعنا تاريخ الكنيسة، عديدون هم الرجال والنساء الذين تركوا عائلات، وممتلكات وكل مشتهى أضحى أولوية في نظر البشر. بينما استحوذت المشورات الإنجيلية على قلوب تلك النخبة المدعوة ، فتبعت يسوع المعلم بسخاء وقدّمت ذاتها في حياة التكرّس الرهباني. وفي أيامنا، رغم ما نشهده في العالم، لا سيّما في البلدان المتطورة صناعياً، من تباعد عن الممارسات الدينية، ومن لامبالاة بقيمنا الاخلاقية التي تستقي من شرعيتها من ينبوع الانجيل، وبالرغم من تغلغل روح العلمنة التي تتنكر للبعد الروحي للإنسان في النفوس والمجتمعات، ومن تمجيد للروح الفردية ولاستقلالية الشخص عن المجموعة، لا زال الرب يوجّه نداءه الى المختارين بفعل عطيته المجانية. إنه يدعوهم ليحملوا الصليب معه، ويتبعوه في التكرس الكلي فرحين، فيضحوا علامة تقديس وخلاص لأخواتهم وإخوتهم الذين يعيشون معهم وسط العالم. والإخوة الرهبان الذين سيبرزون نذورهم اليوم، يقدّمون لنا أمثولة رائعة في سعيهم الى الكمال، الّا نستسلم لإغراءات العالم ، بل نتشجع فنسبح ضدّ تيار والعلمنة والإلحاد . إنهم يذكّروننا بأن نجدّد ثقتنا بالمخلّص الذي أكّد لنا: "ثقوا، فإني غلبتُ العالم!"، وألّا نقع في اليأس، لا سمح الله، مهما ضجّت التجارب وعصفت أمواج الشرَ، فهناك يد الرب يسوع تمتدّ نحونا، كما لبطرس، تنتشلنا من الغرق.
إن عيش النذور الرهبانية كطريق الى القداسة، والالتزام بها يعني التكرس والتجرد وإخلاء الذات من أجل الملكوت. على المكرسين أن يضحوا شموع الإيمان المتقدة التي تشهد لأولوية الله وتنير المتشككين، واشراقةَ رجاء لليائسين، واعجوبة الحب للذين شوّه الحقد نفوسهم. " تبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح، فقد باركنا بكال بركة روحية في السموات في المسيح، ذلك بأنه اختارنا فيه قبل إنشاء العالم، لنكون في نظره قديسين" ( أفسس 1: 3-4)
على الإخوة الناذرين أن يتذكروا بأن الحياة الجماعية في التكرس الرهباني هي شرط أساسي لعيشهم المشورات الانجيلية حسب قلب الرب. فهي المناخ الأفضل لصقل شخصيتهم، بروح الطاعة والوداعة والتواضع، على مثال المخلص معلمهم الوديع والمتواضع القلب الذي "أخلى نفسه وأطاع حتى الموت.." . في رهبانيتكم الأفرامية، الساعية بإلهامات الروح القدس أن تحيي التكرس ضمن الجماعة، على الحياة الجماعية ومتطلباتها من تفهم ومحبة وصبر واحتمال، أن تُعاش وتقوى، وذلك رغم ما تبديه روح الفردية من تبريرات لتحقيق طموحات الفرد ونجاح مشاريعه. الحياة الجماعية، وإن احتوت على مصاعب وتأوم وتخبياً عن الذات، هي السبيل الأمثل لتقوية الشركة الروحية بين الإخوة، ومن ثمّ الإشعاع في المحيط خارج الدير، قولاً وفعلاً.
إن كنيستكم السريانية، إذ هي تعتزّ بكم، ترافقكم بالصلاة لتلبّوا الدعوة الى الكمال التي خصّكم الرب يسوع بها. وهي واثقة بأن الرب سيكمّل فيكم ما نقص من آلامه الفدائية، فتكونوا الشهود الصادقين له، بشفاعة والدة الإله أمّنا مريم العذراء سيدة النجاة، وأدعية مار افرام وجميع القديسين والقديسات أمين.
وفي ختام القداس القى الأخ يوسف كلمة شكر باسم الرهبان الناذرين هذا نصها:
بسم الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد آمين
غبطة ابينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان الكلي الطوبى،
سيادة المطران مار رابولا انطوان بيلوني المعاون البطريركي الجزيل الإحترام،
حضرة الأب ميشيل اليان رئيس دير مار قبريانوس ويوستينا وجمهور الدير المحترمين،
حضرة الأب أميل عقيقي معلم المبتدئين الجزيل الاحترام،
حضرة الأخت برنار الحداد الرئيسة العامة للراهبات الأفراميّات بنات أم الرحمة المحترمة،
الأباء الكهنة الأفاضل والرهبان والراهبات،
إخوتي المبتدئين والإكليريكين الأعزاء،
أيها الحضور الكرام.
"ابتِ اني اسلم لك ذاتي، فافعلْ بي ما تشاء" من هذا الإستسلام الذي أطلَقَهُ الطوباوي "الأخ شارل دي فوكو"، وجدنا أنفسنا منقادين وراء الذي تبعناه مُسَلِّمين ذواتنا له، يُقَوي ضُعفنا ويَسنُدنا في مسيرتنا الرهبانيّة، هو الرب يسوع المسيح الذي كَرسنا لَهُ ذواتنا اليوم رهبانًا أفراميين نعيش نُذورنا الثلاثة مع اخوتنا الرهبان لنكمل معًا مسيرة الرهبان الأفرامين الأوائل، الذين يطيبُ لنا اليوم أن نَذكرهم ونُشركهم في صلاتنا؛ فَهُم كانوا البذارَ الأولَّ للمسيرةِ الرهبانيّة في كنيستنا السريانيّة؛
ونحن اليوم بِتَكرُسنا الرهباني نَسعى لِنُكمٍّل مَسيرتَهم الرُهبانيّة باتِّباع يسوع المسيح، بمعونة الثالوث الأقدس الآب والإبن والروح القدس الذي له الفضل في أن نكون هنا اليوم.
وبِهذه المناسبة السعيدة نقدم الشكر الجزيل باسم الرهبانيّة الأفراميّة السريانيّة، لغبطة أبينا مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان الكلي الطوبى لآهتمامه ورعايته لنا، وأيضًا أبينا البطريرك الكاردينال مار أغناطيوس موسى الأول داود، وابينا البطريرك مار اغناطيوس بطرس الثامن عبد الأحد؛
شكرُنا لسيادة المطران مار باسيليوس جرجيس القس موسى رئيس اساقفة الموصل الذي رافقنا في بداية دعوتنا الرهبانية.
شكرُنا العميق لرئيسنا الأب حنا ياكو وأخوتنا الرهبان الأفراميين.
شكرُنا العميق وامتناننا للرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة بشخص قدس الأب العام الياس خليفة السامي الإحترام؛
كما نخص بالشكر حضرة الأب ميشال اليان رئيس دير مار قبريانوس ويوستينا،
شكرُنا الجزيل أيضاً لحضرة الأب اميل عقيقي معلم الأبتداء، وجمهور دير الإبتداء، وجميع العاملين فيه.
شكرنا الجزيل للأباء الذين رافقونا في مسيرتنا الرهبانيّة على تعبهم واهتمامهم ومرافقتهم لنا بالإرشاد والرياضات الروحية.
نخص بالشكر أهلنا الذين كان لهم الدور الكبير في حياتنا؛ فهم بتربيتهم لنا قدمونا للرهبانيّة الأفراميّة السريانيّة، لنكون غرسةً صالحة لا تعطي إلا الثمر الجيد.
أخيراً نشكر جميع من شاركونا في هذا الإحتفال، وبخاصة قناة "تلي لوميير ونور سات"
دُمتُم في حماية ربنا يسوع المسيح وسيدة النجاة أمّنا، وأبينا القديس أفرام. وشكرًا
وفي الختام استقبل الرهبان الناذرون التهاني في الكنيسة بعدها تقاسم الجميع عشاء المحبة والفرح على مائدة الدير |