أقيمت ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام دعت إليها اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، الثلاثاء 2 شباط 2010، بمناسبة إعلان نص "الخطوط العريضة" لسينودس الأساقفة الخاص بالشرق الأوسط الذي سيعقد في روما من 15 إلى 24 تشرين الأول 2010 تحت عنوان: "الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط شركة وشهادة"، شارك فيها: صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، البطريرك الأنطاكي للسريان الكاثوليك، وصاحب السيادة المطران ميشال قصارجي، مطران الكلدان في لبنان، وحضرة الأب ريمون عبدو، الرئيس الإقليمي للآباء الكرمليين ونائب رئيس اللجنة، بحضور سيادة المطران بشاره الراعي، رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، الخوري عبده أبو كسم، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام، الأستاذ محمد بعلبكي، نقيب الصحافة، السيد جرجس ابراهيم صالح، أمين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط، الاب يوسف مونس، أمين سرّ اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، الأب سامي بو شلهوب، المسؤول عن فرع السمعي والبصري في المركز وعدد كبير من الإعلاميين والمهتمين.
بعد ترحيب الأب عبده وازن بالحضور قدم غبطة أبينا البطريرك الوثيقة التي تضمنت "الخطوط العريضة للسينودس الخاص باساقفة الشرق الأوسط الكاثوليك"، وهذا نصها:
استجابةً لطلب بعض من رؤساء الكنائس الكاثوليكية، أعلن البابا بينيدكتوس السادس عشر في التاسع عشر من أيلول من العام المنصرم، عن دعوته لعقد سينودس خاص باساقفة الشرق الاوسط الكاثوليك في روما. لقد عبّر البابا بحبه الأبوي ومسؤوليته الرعوية تجاه الكنيسة الجامعة، عن تقديره لكنائسنا المجذرة في ارض شرقنا الحبيب والمؤسسة على الرسل والتي قدّمت خلال ألفي سنة رسالة الشهادة لإنجيل المحبة والسلام، والتي نشرت بالشهادة والاستشهاد بشرى الخلاص الذي أتمّه الرب من أجل جميع شعوب الارض.
وما أن تمّ هذا الإعلان، حتى انكبّت أمانة سرّ سينودس الاساقفة الروماني الموكلة بإعداد المجامع الاسقفية، على العمل السريع، فشكلت لجنة خاصة تمثلت فبها جميع الكنائس الشرقبة الكاثوليكية بشخص البطاركة والرؤساء الأعلين مع عدد من الاختصاصيين. وتدارست اللجنة المواضيع المقترحة وتوصلت بعد اربعة أشهر الى وضع وثيقة "الخطوط العريضة" لهذا السينودس الخاص. وهي التي تُعرض اليوم عليكم باختصار.
عنوان السينودس هو:
الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط: شركة وشهادة
وشعاره: " وكان جماعة المؤمنين قلباً واحداً وروحا واحدة "(أعمال 4: 32)
الفصل الاول: يلقي نظرة واقعية سريعة الى أوضاع المسيحيين عامة في الشرق الأوسط والى تاريخهم المتجذر في هذا المشرق والذي يعود الى عهد رسل المسيح، والى إنتشار الإيمان المسيحي بعد قرون عدة من الإضطهاد. كما يذكّر بالحقبات الماضية المؤلمة للإنقسامات بين الكنائس وأسبابها المعروفة، من اختلاف التفسير حول سر التجسد، فالتباين بين الحضارات الى الصراعات السياسية. أمّا اليوم، فقد شهدت الكنائس مبادرات حوار مسكوني تبشّر بالاقتراب من وحدة منظورة، طالما تاق اليها الجميع، حسب وصية الرب: " ليكونوا واحداً.." (يو 17:11).
ويذكّر هذا الفصل بالعطاآت الروحية والفكرية وبأعمال المحبة ومؤسسات الرحمة، التي قدّمها المسيحيون دون استثناء على ممرّ العصور، فسّطروا أروع تجسيد لسموّ أخلاقية الإنجيل. ثمّ يتطرّق الى التحديات التي تجابه المسيحيين في وقتنا الحاضر. ومن بين هذه التحديات تلك التي يجابهها العالم قاطبةً، من تفشّي روح العلمنة والمادية وتغلغل العولمة التي لا رادع لها. أو تلك التي تعرفها منطقتنا لعقود طويلة، كالصراعات السياسية والحروب والاحتلالات، سيّما ما جرى ويجري من احتلال وظلم وتشريد في فلسطين والعراق. واخيراً التحديات التي تستهدف المسيحيين بشكل خاص، كالأصولية التي تستخدم الديانة للعنف والترهيب، وظاهرة الهجرة المتزايدة التي تقلقهم أكثر من غيرهم، والتي من اهمّ عواملها شعور المسيحيين بالانتقاص في حقوقهم. فمع أنهم من أبناء هذا الشرق ومن نسيجه الأصلي الأصيل، ما زالوا يُعتبرون في غالبية بلدان الشرق الاوسط، أقليات وسط أنظمة وعقليات ترفض فصل الدين عن السياسة والشرائع المدنية، ولا تعترف بالحرية الدينية وبحرية الضمير.
الفصل الثاني عنوانه الشركة الكنسية. وهو يشدّد على مفهوم الشركة الروحية التي تجمع ما بين أعضاء الكنيسة الواحدة، رؤساء كنسيين وكهنة وراهبات ورهبان ومؤمنين علمانيين، عليهم أن يسعوا لعيش القيم الإنجيلية بأمانة، متطلعين الى المعلّم الإلهي مثالهم. إنها شركة مؤسسة على كلام الله الموحى في أسفار الكتاب المقدس، وعلى الصلاة المستمرة وعلى الليترجية الافخارستية ( سرّ القربان المقدس، سرّ المحبة والوحدة).
ويتابع في التأكيد على أن الشركة الروحية في الكنيسة الواحدة لا بدّ وأن تتواصل مع الكنائس الشقيقة، فيتكلمّ عن روابط الإيمان التي تقرّب ما بين الكنائس الشرقية كافة، الغنية بتراثها وطقسها وتقاليدها العريقة. "على حياة الكنيسة الخاصة ضمن كنائس الشرق الأوسط المتعددة أن تضحي شركة حياة فى المحبة، على مثال وحدة الابن مع الآب والروح القدس".
امّا الفصل الثالث ، فيدور حول الشهادة التي على أعضاء الكنائس الكاثوليكية أن يقدّموها في المجتمع حيث دعتهم العناية الإلهية، فيضحوا حجارة حيّة في بناء ااوطن الواحد مع إخوتهم وأخواتهم، مسيحيين كانوا أم مسلمين.
عليهم أولاً أن يعيشوا دعوتهم ورسالتهم ضمن كنيستهم الخاصة بمصداقية وأمانة وشفافية، كي ينطلقوا ويحملوا البشرى السارة ووسائل الخلاص الروحية لجميع الذين يقصدونهم باحثين ومتسائلين. إن شهادتهم للرب معلّمهم الذي كشف لهم عن إله المحبة والرحمة والسلام، لا بدّ من أن تصطدم بصعوبات وعراقيل كثيرة، ولكنهم واثقون بأنهم دعوا لأن يكونوا في هذا المشرق كالخميرة في العجين، نور العالم وملح الأرض!
وهنا يتحدّث هذا الفصل عن التحديات التي يجابهها المسيحيون وهم يسعون لتقديم الشهادة لإيمانهم ولعيش هذه الشهادة بحرية وأصالة في بلاد الشرق الأوسط. ويعتبر بأن الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني، يتصدر قائمة هذه التحديات، إذ إنه يكرّس الاحتلال والظلم، لشعب عربي غالبيته من المسلمين، ممّا يشّوه الصورة لدى الكثيرين من إخواننا المسلمين إذ يربطون المسيحية بأعمال الظلم التي يقوم بها المحتلون في فلسطين والعراق وغيرها من المناطق. كما تدعو الوثيقة الى العمل الجاد لتوضيح الأمر الواقع وكشف الحقيقة بأن الكنيسة الكاثوليكية الجامعة وسائر الكنائس المسيحية بريئة مّما يُرتكب من ظلم ويكّرس من احتلال بحجة الدفاع عن حقوق الشعب اليهودي أو سعياً لمحاربة التمييز العنصري ضد الساميّة.
إنتظاراتنا وآمالنا، فهي تلخص بثلاث:
أولاً: أن تسعى كنيستنا الخاصة والكنائس المسيحية عامة، لعيش شركة الإيمان، برجاء يتجدد وبمحبة فاعلة. بعد أن تقوم هذه الكنائس بفحص صادق للضمير ، عليها أن تتساءل عن معنى دعوتها كي تعيش في هذا الشرق المضطرب وهي تجابه انواعاً من التحديات والمصاعب والتناقضات. ننتظر من كنائسنا ومن جميع المسيحيين أن يتحرروا من أنانيتهم، فردية كانت أم طبقية أو طائفية، لينطلقوا نحو آفاق المحبة التي لا تميّز والحق الذي يعلو فوق كل مصلحة خاصة، وذلك حسب روح المعلّم الإلهي الوديع والمتواضع قلبه.
ثانياً: نتطلع الى اخوتنا واخواتنا المسلمين الذي نتقاسم وإياهم ارض هذا الشرق العزيز، مستنشقين هواءه ومجابهين معاً تحدياته وصعوباته، أن يساعدونا في عيش دعوتنا ورسالتنا بكل أمانة وأصالة، حسب روح المواطنة الصحيحة. رجاؤنا اليهم أن لا ينساقوا الى مَن يخلط بين أنظمة الدول الكبرى والديانة المسيحية. فتلك أنظمة تأسست على العلمنة ونادت بفصل الدين عن الدولة، ولا وجود في يومنا لأي "تنظيم لدول مسيحية"، عكس ما نعرفه عن "مؤتمر الدول الإسلامية".
في لبنان، مثلاً، حيث كان المسيحيون ولا يزالون عاملاً أساسياً لبنائه وللمحافظة على خصوصياته الحضارية، علينا جميعاً أن نتذكّر أنّ أجيالنا الشابة هي آمانة في أعناقنا، وهي تعلّق الآمال الكبار علينا كي نسعى بقلوب متحدة وأيادٍ متشابكة، بمصداقية الأفعال وليس بالأقوال الخجولة، لبناء شعب قوي بوحدته، مشعّ بانفتاحه الحضاري على محيطه والعالم، ينبذ التمييز ويشهّر بالامتيازات. شعب ينعم فيه الجميع بحقوق المواطنة كاملةً، ويحاسبون على قدر عطاآتهم وتضحياتهم، وليس انطلاقاً من إنتماآتهم العائلية أوالطائفية أوالدينية.
ثالثاً: طلبنا الملح للدول العظمى التي بين أيديها مصير أكثر من بلد بما فيه وطننا لبنان وبلدان هذا الشرق الأوسط، أن لا يروا فينا المعبر المعبّد لتنفيذ مآربهم، اوالارض المناسبة لتصفية حساباتهم، ولا ينابيع ذهب اسود لإغناء أهرائهم. نطلب منهم أن يتخلوا عن سياسة الإبتزاز والازدواجية والمكيافيلية، فيروا فينا قبل كل شيء الإنسان الذي يحق له أن يعيش بكرامته الإنسانية، دون النظر الى دينه او عرقه أو طائفته. على هذه الدول، التي تتشدّق بالدفاع عن الحريات والديمقراطية، أن تساعد بصدق وحزم شعوب الشرق الأوسط، كي تشارك بدورها في الدفاع عن قيم الحريات المدنية والدينية للجميع، تجاوباً مع تطلعات أجيالها الصاعدة وتماشياً مع تطوّر الحضارة الإنسانية.
وإذ تدعو "وثيقة الخطوط العريضة" مسيحييّ الشرق الأوسط الى التحرر من عقدة الخوف وتجربة الإنزواء، لينطلقوا مع إخوانهم المسلمين في مغامرة المحبة الصدوق لبناء الإنسان، كل إنسان وكامل الإنسان، تختم بـ"نوطة" الأمل والإبتهاج، داعية الجميع الى فعل الرجاء " فوق كل رجاء"، مردّدة مع القديس بولس: ".. وأحبّوا بعضكم بعضاً كإخوة، مفضّلين بعضكم على بعض في الكرامة، غير متكاسلين في الاجتهاد، متّقدين في الروح، عاملين للرب. كونوا فرحين في الرجاء ..." (رومة 12 : 10 – 12).
|