حضرة أصحاب الغبطة والنيافة والسيادة،
الآباء المحترمين،
أوجّه تحيّاتي القلبيّة، باسمي وباسم المجلس البابوي للعلمانيّين، لمجلس بطاركة الشرق الكاثوليك الموقّر، المجتمع في سيدة الشرفه في مؤتمره التاسع عشر. من خلال شخصكم، أحيّ جميع الكنائس التي تعيش في هذه المنطقة الجغرافية، المثقلة بالمعاني بالنسبة لنا نحن المسيحيّين، وتكمل رسالتها فيها. أشكركم بحرارة على دعوتي للمشاركة في هذا الاجتماع الهام. لقد كان هذا شرف كبير لي وقبلته بفرح عظيم. ليست هذه المرّة الأولى التي آتي فيها إلى لبنان. إنّني أحفظ ذكريات حيّة عن المؤتمر الأوّل للعلمانيّين الكاثوليك في الشّرق الأوسط، الذي نظّمه المجلس الذي أترأسه، في بيروت، في العام 1997. لقد كانت شهادة الإيمان التي أعطاها العلمانيّون – رجالاً ونساءً، شباباً وبالغين - حقًّا مؤثّرة وقد قبلها جميع المشاركين على اعتبارها علامة رجاء حقيقيّة لمستقبل الكنيسة الكاثوليكيّة في هذه المنطقة.
أمّا على الصعيد الشخصي، فقد أدركت ووعيت أكثر بأنّنا، نحن مسيحيّو الغرب، مدعوّون لنتعلّم الكثير من تاريخ الكنائس التي تعيش في الشّرق الأوسط ومن إرثها الروحي. إذاً ليس من قبيل الصدفة، أن يذكر دائماً، من بين أعضاء المجلس البابوي للعلمانيّين ومستشاريه، ممثّلين عن هذه المنطقة. إنّهم يقدّمون دائماً إسهاماً قيماً في عمل مجلسنا، الذي يستفيد حاليًّا من التعاون العالي المستوى للسيد طانيوس شهوان.
بالنسبة لنا، نحن المسيحيّون، يمتلك الشّرق الأوسط القيمة الأصيلة لـ «الأرض – الرسالة»، أرض تخاطب إيماننا. إنّ هذه المنطقة، مهد المسيحيّة، هي فعلاً أرض شهادة فريدة: فهنا ولد المسيح، وهنا أتمّ مخلص الإنسان عمله الخلاصي، وهنا ولدت الكنيسة، وانطلاقاً من هنا بدأت مسيرتها نحو «حدود العالم». حضور مسيحي امتّد على فترة ألفي عام، وُسم منذ البداية بالمعاناة بطريقة لا توصف، لكن – كما أكّد بنديكتوس السادس عشر - «ذات أهميّة حيويّة لخير المجتمع بكامله» (الأرض المقدّسة، 12 أيار 2009). أرض طُبعت بمشاكل ضخمة وأليمة، مما يستوجب لحلّها إسهام المسيحيّين العلمانيّين بصورة خاصّة. وكما ذكر البابا خلال حجّه إلى الأرض المقدّسة، في شهر أيار الأخير «يسهم مسيحيّو الشّرق الأوسط، كمواطنين مستقيمين ومسؤولين، مع أشخاص آخرين من ذوي الإرادة الحسنة، في تنمية مناخ السلام في التنوّع وتوطيده، على الرغم من الصعوبات والقيود». من هنا وعده المؤثّر للرعاة: «اعتمدوا على دعمي وعلى تشجيعي لبذل كل ما في وسعكم بهدف مساعدة إخوتنا وأخواتنا المسيحيّين للبقاء في أرض أجدادهم والترسّخ فيها ههنا، وليكونوا رسلاً وصانعي السلام. أقدّر جهودكم لكي تقدّموا لهم، على اعتبارهم مواطنين ناضجين ومسؤولين، حضوراً روحيًّا، قيماً ومبادىءً تساعدهم على إتمام دورهم في المجتمع» (في الموضوع نفسه). تعبر كلمات قداسة البابا هذه عن الحبّ الذي تكنّه الكنيسة تجاه الجماعات المسيحيّة في الشّرق الأوسط، التي تنظر إليها بمعنى الشراكة والامتنان العميق.
يشكّل الإعلان الأخير لسينودس الأساقفة للشّرق الأوسط تعبيراً بليغاً عن القرب الأبوي للبابا تجاه كنائس هذه المنطقة. وينعقد هذا السينودس في الفترة الممتدة من 10 إلى 24 تشرين الأول 2010 في شأن موضوع: «الكنيسة الكاثوليكية في الشّرق الأوسط: شراكة وشهادة». بتدبير من العناية الإلهيّة، يفتتح المؤتمر التاسع عشر لمجلس بطاركة الشرق الكاثوليك الطريق لإعداده.
مرّة أخرى، أؤكّد مشاعر امتناني العميقة للدعوة التي وُجّهت إليّ للمشاركة، وأقدّم لغبطتكم تهانيّ الحارة لاختيار الموضوع المقترح للتفكير المشترك «دعوة العلمانيّين المؤمنين ورسالتهم في الشّرق الأوسط، 20 سنة بعد إصدار الإرشاد الرسولي «العلمانيّون المؤمنون بالمسيح». إنه موضوع ذو أهميّة حيويّة للكنيسة، لأنّ العلمانيّين – من خلال دعوتهم الخاصّة – هم على الخطوط المتقدّمة في مهمّتها التبشيريّة، ك«ملح الأرض» و«نور العالم». يتعلّق مستقبل الكنيسة بنضج إيمانهم ونوعيّة شهادتهم.
لنعهد، إذاً، للربّ عمل هذا المؤتمر، حتى يحمل ثماراً كثيرةً إلى حياة المؤمنين العلمانيّين في الشّرق الأوسط، من أجل الرسالة التي يدعونا إلى المضيّ بها في الكنيسة وفي عالم اليوم.
|