إنّ مجلس كنائس الشرق الأوسط، وبحسب نظامه الأساسي ونظامه الداخلي، هو هيئة مسيحية تضمّ العائلات الكنسية الأربع في الشرق الأوسط. من هنا رسالة هذا المجلس الفريدة في تعزيز التلاقي بين الكنائس المتعدّدة في شرقنا الحبيب، ممّا يسهم في توحيد الصف وتحقيق الدعوة المشتركة لمجد الله الواحد القدوس، تطبيقاً للوصية التي أودعنا إياها معلّمنا الإلهي خلال صلاته في بستان الزيتون، إذ قال "ليكونوا بأجمعهم واحداً كما أنا وأنت أيها الآب واحد" (يو 17: 11).
ولا شك في ذلك، فإنّ "هدف المجلس هو تعميق الشركة الروحية بين كنائس الشرق الأوسط وتوحيد كلمتها وجهودها إسهاماً في العمل من أجل وحدة الكنائس وتأديةً لشهادةٍ إنجيليةٍ حيّةٍ تهدف إلى نشر رسالة الخلاص والمصالحة بالرب يسوع المسيح والمحبة والسلام والعدالة في المنطقة وبين شعوبها" (م 6/ن أ).
كل هذا يضعنا أمام مسؤوليةٍ كبيرةٍ بل هي أمانةٌ في أعناقنا علينا أن نحافظ عليها وننميها، سيّما في هذه الأيام الصعبة حيث يتخبّط شرقنا وسط رياحٍ عاتيةٍ وأمواجٍ متلاطمة تجعل مستقبله مجهولاً، وتهدّد الحضور المسيحي فيه. لذا علينا توحيد كلمتنا وجهودنا وإعلاء الصوت لإحقاق الحق والدفاع عن الكرامة الإنسانية لجميع المواطنين والمكوّنات، أقلياتٍ كانوا أم أكثريات. إنه لواقعٌ لا يقبل الشك أنّ عدد المسيحيين في منطقتنا بدأ بالتقلّص تدريجياً، كما أنّ نزف الهجرة يزداد لأنّ جيل الشباب لا يقبل بالمواطنة من الدرجة الثانية، أو بعيشٍ تحت الوصاية لأيّ سببٍ كان أو تحت أيّ غطاء.
لقد تأثّرنا كثيراً بزيارتين لنا، إحداهما إلى بغداد مع غبطة أخينا البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في نهاية تشرين الأول المنصرم لإحياء الذكرى السنوية الأولى لشهداء مجزرة سيدة النجاة، والزيارة الأخرى إلى أرض الآباء والأجداد في ماردين بتركيا التي عدنا منها منذ يومين، حيث كاد الوجود المسيحي يزول، إذ لم يبقَ سوى الكنائس والأديار والمؤسسات الروحية ـ وأغلبها في تداعٍ مخيف ـ تشهد لحضور المسيحيين الحضاري في تلك المنطقة. من هنا تبرز الحاجة الماسّة لتقوية أواصر الوحدة بيننا جميعاً، كي تأتي شهادتنا لإنجيل المحبة والسلام بمصداقيةٍ وأمانة. آن الأوان كي نفهم أننا نحن الذين اعتمدنا بالمسيح، المسيح قد لبسنا، فلا نتفرّق لأيّ سببٍ، أكان لتعابير عقائدية، أو تمييزٍ إتني، أو تعدّدٍ طقسي.
وفي جولة أفق على أبرز أعمال المجلس، نذكر الحوار بين الكنائس محلياً وإقليمياً وعالمياً، وتعزيز الوعي المسكوني، بهدف الإغناء المتبادل، من خلال حلقاتٍ دراسيةٍ وندواتٍ ومؤتمرات دأب المجلس على عقدها وتنظيمها، إن على مستوى الرعاة الكنسيين أو العلمانيين. ومن النشاطات الجامعة المميّزة، إحياء المجلس أسبوع صلاةٍ من أجل وحدة الكنائس، مرةً كلّ عامٍ، في الأسبوع الأخير من شهر كانون الثاني، بصورةٍ جليّةٍ تُظهِر الشهادة المشتركة بأبهى حُلاها. وسنكون على موعدٍ يوم الأحد القادم، إن شاء الله، مع إطلاق أسبوع الصلاة لهذه السنة في كنيسة إخوتنا الأقباط الأرثوذكس.
كما نذكر اللقاءات والمؤتمرات التي أقامها المجلس دعماً للحوار المسيحي ـ الإسلامي الهادف إلى قبول الآخر والفهم المتبادل وترسيخ السلام والألفة والمحبة في إطار العيش معاً في بلداننا الشرق أوسطية، مع التأكيد على المساواة الكاملة غير المجتزأة في المواطنة والحقوق والواجبات.
يهتمّ المجلس أيضاً بالتعاون والعمل المشترك في سبيل الخدمة الإنسانية وتحقيق العدالة والدفاع عن حقوق الإنسان. وقد قام المجلس بخطواتٍ مهمّة في هذا الإطار، وبخاصة في مساعدة المستضعَفين سواء في فلسطين أو العراق أو مصر.
كلّ هذه النشاطات وسواها سار عليها وعمل بها مجلس كنائس الشرق الأوسط منذ نشأته عام 1974 حتى اليوم. ولئن مرّ ـ وككلّ مؤسسة ـ بفترات ركودٍ وفترات نهضةٍ وانتعاش، فإننا نتطلّع إلى هذا المجلس اليوم، يحدونا الأمل الباسم بغدٍ مشرق فيه يتطوّر ويزدهر، فيتحسّن وضعه ليتابع أداء الشهادة المميّزة للعمل المشترك بين كنائس المنطقة.
وهذا يتطلّب منا جميعاً، نحن الكنائس الأعضاء، توحيد الجهود ورفد المجلس بطاقاتٍ جديدةٍ تضخّ فيه عملاً متجدّداً يواكب واقع منطقتنا وتحدّياتها، فيكون إطاراً يجمع كلّ المؤسسات ذات الصلة والتي تشارك فيها كنائس المنطقة.
من هنا لا يمكن أن نغفل الدور الأساسي والمهمّة الملقاة على عاتق أمين عام المجلس ومختلف دوائره وأقسامه وفروعه ولجانه، حتى يأتي العمل بالثمار المرجوّة. ولتحقيق ذلك، لا بدّ للمجلس من توفير مقوّمين جوهريين لحياته واستمراريته:
أولاً: توحيد جهود الكنائس الأعضاء خدمةً للعمل المسكوني، ونحن نشكر الله على الروح الإيجابية والمحبة الأخوية والنيّة الطيّبة التي تجمع الكنائس بعائلاتها الأربع، فينمو العمل ويزدهر.
ثانياً: تأمين السيولة والدعم المالي اللازم، وهنا يبرز دور الأمين العام الجديد ومعه جميع العاملين في المجلس في تهيئة البرامج المفيدة والجاذبة للشركاء، فنجدّد أواصر العلاقات معهم، لما فيه خير المجلس وتوفير الدعم الكافي له.
ونحن، كرؤساء للمجلس وأعضاء في لجنته التنفيذية ورؤساء روحيين، سنكون إلى جانب الأمين العام ومعاونيه بكل ما أوتينا من إمكاناتٍ كي يقوموا بالمهمّات الملقاة على عاتقهم خير قيام.
ختاماً، نشكر قداسة أخينا الكاثوليكوس آرام الأول لاستضافته ندوتنا، منوّهين بالجهود المبذولة في إعداد هذه الندوة، من قبل اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام برئاسة سيادة المطران بولس مطر، بالتنسيق مع المركز الكاثوليكي للإعلام ممثَّلاً بمديره الأب عبدو أبو كسم، ومتمنّين للأمين العام الجديد للمجلس الأب بول روحانا النجاح في المهمّة الموكلة إليه، لما فيه تمجيد اسم الرب والشهادة له في هذه المنطقة التي شاءنا الله أن نكون فيها خدّاماً لكلمته ورسل حق ومحبة للجميع.
وشكراً لإصغائكم.
|