ܐܓܪܬܐ ܕܥܐܕܐ ܕܩܝܡܬܐ ܦܪܘܩܝܬܐ
ܫܢܬ ܒ̱ܝܒ
رسالة عيد القيامة المجيدة
عام 2012
ܒܫܡ ܐܝܬܝܐ ܡܬܘܡܝܐ ܐܠܨܝ ܐܝܬܘܬܐ ܐܚܝܕ ܟܠ
ܐܝܓܢܐܛܝܘܣ ܝܘܣܦ ܬܠܝܬܝܐ ܕܒܝܬ ܝܘܢܐܢ
ܕܒܪ̈ܚܡܘܗܝ ܕܐܠܗܐ
ܦܛܪܝܪܟܐ ܕܟܘܪܣܝܐ ܫܠܝܚܝܐ ܕܐܢܛܝܘܟܝܐ ܕܣܘܪ̈ܝܝܐ
باسم الأزلي السرمدي الواجب الوجود الضابط الكل
اغناطيوس يوسف الثالث يونان
بمراحم الله
بطريرك الكرسي الرسولي الأنطاكي للسريان
إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الاحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والرهبان والراهبات والشمامسة الأفاضل
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المباركين بالرب
نهديكم البركة الرسولية والنعمة والمحبة والسلام بمخلّصنا يسوع المسيح
"بنعمته خلّصنا، وأقامنا معه"
1. مقدّمة: المسيح المنبعث قيامتنا وفرحنا
تعيش الكنيسة في هذا الزمن المقدس أفراح عيد القيامة المجيدة. فبعد أنقاسى الرب يسوع الآلام المروّعة، وعُلّق على الصليب، قام من بين الأموات، ومنحنا الغلبة، وأقامنا معه، عاقداً عهد السلام والأمان مع البشرية جمعاء. "فالشكر لله على عطائه الذي لا يُوصف" (2كور 9: 15).
إنّ قيامة الرب يسوع من بين الأموات هي عربون قيامتنا نحن من رقاد التراب، وهذا ما شرحه بولس الرسول بقوله: "كما يموت جميع الناس في آدم، فكذلك سيحيون جميعاً في المسيح" (1كور 15: 22). فالمسيح لم يمت لأجل ذاته، بل مات لأجلنا. وهذه هي الحقيقة الإيمانية التي يذكّرنا بها هذا العيد المجيد، لأنّنا أصبحنا شركاءه في الممات وفي الحياة، بعد قبولنا سرّ العماد المقدس: "أنتم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح ... لأنّكم جميعاً واحدٌ في المسيح يسوع" (غلا 3: 27 ـ 28). وإذا كنّا جميعاً واحداً في المسيح، فالاستنتاج واضح، وهو أنّه يجب أن نكون واحداً فيما بيننا، عندئذٍ نتغلّب على كل انقسام يشوّه صورة الرب يسوع فينا.إنّ التزامنا الحرّ والواعي بسرّ معموديتنا ومواعيدها يفرض علينا فعل طاعة وثقة بالرب كي نتمّم نحن المسيحيين "ما نقص من شدائد المسيح"(كول 1: 24).
2. المسيح المنبعث حياتنا
إنّ قيامة الرب يسوع هي أسطع برهان على ألوهته. فالمسيح تألّم ومات بطبعه البشري، وبما أنه إلهٌ نفض عنه الموت وقام بقدرته، منتصراً على الخطيئة وثمرتها الموت الذي هو نصيب جميع البشر.
وهذا ما كان الرب يسوع قد أشار إليه غير مرّة في إنجيله المقدس، عندما قال: "انقضوا هذا الهيكل وأنا أقيمه في ثلاثة أيام" (يو 2: 19). فظنّ سامعوه أنه يتحدّث عن هيكل أورشليم، فقالوا له: "بُني هذا الهيكل في ستٍّ وأربعين سنةً، وتقيمه أنت في ثلاثة أيام؟، أما هو فكان يعني هيكل جسده" (يو 2: 20 ـ 21).
لقد أجاد القديس أوغسطينوس في تأمّله بعيد القيامة في إحدى عظاته: "أفراح يوم الفصح سببها قيامة الموتى، وولادة الذين اقتبلوا العماد ولادة جديدة. إنّ جمال هذا اليوم يفوق بكثير جمال باقي أيام السنة، لأنّ قيامة الحَمَل تُلقي عليه نوراً خارقاً للعادة. في هذا اليوم ترتفع شمس العدالة، أي المسيح في السماوات، بعد أن أعلن عن هذا الخبر المفرح لنفوس القديسين، وأخرج معه أجسادهم من جوف الأرض. إنّ أورشليم السماوية هي أشبه بمجموعة كواكب روحية، لمعت لمعاناً جديداً، عندما عاد هؤلاء الموتى إلى الحياة، ودخلوا داخل جدرانها. والكنيسة تبدو مشرقةً لأنّ جميع الذين وُلدوا بالنعمة ينشرون عليها نوراً حيّاً. والموتى القائمون من الموت كانوا شهوداً على قيامة شمس العدالة، كالذين تقبّلوا العماد بالماء والروح القدس. فلنضرب على القيثارة مع داود، ولنرتّل معاً: هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنفرح فيه ونبتهج".
3. المسيح المنبعث نورنا
كم هو جميلٌ أن نتأمّل ما يقوله أحد الكتبة المؤمنين عن القيامة: "ما من إنجيلٍ من الأناجيل الأربعة يتحدّث عن كيفية قيامة المسيح. الأناجيل تأتي على ذكر القبر الفارغ، والملاك، وظهور المسيح للنسوة القديسات، وبخاصة لمريم المجدلية، وظهوره لتلميذَي عمّاوس، وللرسل، وتوما. ويسوع القائم من الموت عرّف عن نفسه من خلال ندائه "مريم"، ومن خلال كسره الخبز، ودخوله وسط الرسل والأبواب موصدة، ودعوته توما المشكّك ليضع يديه، بحسب رغبته، في جراح المصلوب. وهذه الظهورات تنتقل بالنظر من مسيحٍ كان مألوفاً إلى مسيحٍ متجلٍّ".
ويتابع قائلاً: "قيامة المسيح بحدّ ذاتها تعصى على النظر، وما من شاهد عليها. إننا نعرف فقط أنها تمّت في قلب الليل، وليس فقط في ليل الزمن، بل في ليل السرّ. ولكنّ المسيح القائم من الموت تجلّى في وضح النهار، المسيح المنتصر والممجَّد، هذا المسيح يستوعب كل الأمكنة وكل الأزمنة. فهو هنا في نور الصباح، وقد انتصر على كل أزمنة التاريخ، التاريخ الذي يحوّله تجديداً مستمرّاً لكل الأصباح. فهو يخترقنا بنظره الكلي الهدوء، وهو يرانا".
4. المسيح المنبعث مجدّد طبيعتنا
كتب الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته "تألُّق الحقيقة": "بما أنّ الإيمان تعهُّدٌ تجاه الله بتقديم ثمرة أعمالٍ نقوم بها، فيُطلب منّا أن نحافظ على الوصايا ونجدّد ذواتنا تابعين يسوع حتى نبذل حياتنا من أجله ومن أجل الإنجيل"(تألُّق الحقيقة، عدد 65 و71).
إنّ قيامة الرب يسوع ليست قيامته وحده فحسب، بل قيامة جميع الذين يؤمنون به، إذا أرادوا أن يلتزموا السلوك الذي يؤهّلهم لهذه القيامة المرجوّة بعد المرور بمحنة الموت وتفكّك الجسد، وهي محنةٌ لا بدّ منها. وهذا ما عناه بولس الرسول بقوله: "ولكنّ الله الواسع الرحمة، لحبّه الشديد الذي أحبّنا به، ومع أنّنا كنّا أمواتاً بزلاتنا، أحيانا مع المسيح، وبنعمته خلّصنا، وأقامنا معه" (أف 2: 4 ـ 6).
لقد فتح لنا الرب يسوع باب الحياة وجدّدنا بموته وقيامته لنصبح خليقة جديدة مع الكون برمّته:"إذا كان أحدٌ في المسيح، فإنه خلقٌ جديد: لقد زال القديم، وصار كل شيء جديداً" (2كور 5: 17).
مع المسيح أضحى الرجاء بالقيامة والحياة حقيقةً راهنة: "عالمين أنّ الذي أقام الرب يسوع سيقيمنا نحن أيضاً مع يسوع، ويجعلنا وإياكم لديه" (2كور 4: 14). ولكنّ الذين سيقومون مع المسيح لحياةٍ جديدة أبدية، هم المؤمنون به مخلّصاً، وقد تبعوه على درب الآلام وأشرق عليهم ضياء القيامة.
5. المسيح المنبعث رائدنا في التضامن للخير
لقد تضامن الرب يسوع مع البشرية جمعاء كي يعلّمنا أن نتضامن مع بعضنا البعض، ونرذل ما يسيطر علينا من مشاعر أنانية، وحبّ ذات، واستئثار. ونحن في أمسّ الحاجة إلى التضامن في هذا الزمن، إذ نرى أنّ المصالح الخاصة تطغى علينا وتفرّقنا، وقد تُباعد بين أفراد العائلة أنفسهم، إخوةً وأخواتٍ، أنسباء وجيران. فلا جدوى من عبادة وصلاة وتقادم، ما لم نعش الألفة والأخوّة والتضامن بالروح والحق.
جاء في المجمع الفاتيكاني الثاني: "إنّ الله مثلما خلق الناس، لا ليعيشوا لأنفسهم، بل ليتّحدوا في مجتمع، هكذا شاء أن يقدّسهم ويخلّصهم ليس منفردين، ودون أيّ رابط متبادل، لا بل على العكس من ذلك، فقد شاء أن يجعل منهم شعباً يعترف به، وفق الحقيقة، ويخدمه في القداسة. ذلك أنه اختار، منذ بدء تاريخ الخلاص، أناساً ليس بصفتهم الفردية، بل بوصفهم أعضاء في جماعة" (فرح ورجاء، عدد 32/1).
فالتضامن، في ضوء الإيمان، يعني أن يتخطّى الفرد ذاته، منفتحاً على أبعاد مسيحية أصيلة هي أبعاد المجانية التامة، والغفران، والمصالحة. حينئذٍ يصبح قريبه صورةً لله الآب، مشتراة بدم المسيح، وهيكلاً للروح القدس. لذلك تجب محبة القريب، ولو كان عدوّاً، بالمحبة التي أحبّه بها الرب، ويجب أن نكون مستعدّين للتضحية من أجله، حتى التضحية العظمى، أي: "أن نبذل نفوسنا في سبيل إخوتنا" (1يو 3: 16). فالمحبة هي العلامة الفارقة لتلاميذ المسيح، وتضحي بالقيامة روحاً للتضامن بين الجميع.
6. المسيح المنبعث دعوتنا للشراكة والشهادة
لا معنى للقيامة دون الشراكة والشهادة اللتينتتلازمان على الدوام في دعوتنا المسيحية، ولا يمكن عيش الشراكة الحقيقية ما لم نكن شهوداً لقيامة المسيح. كما لا نستطيع أن نكون شهوداً لقيامة المسيح ما لم نعش الشراكة الإيمانية الكنسية والرعوية.
ويؤكّد المجمع الفاتيكاني الثاني أهمية الشراكة: "وهذه الميزة الجماعية تتمّ وتنتهي في عمل المسيح، لأنّ الكلمة المتأنّس عاش مع الناس وأشفق عليهم، واجترح في جانبهم ولفائدتهم ما اجترح من معجزات وعجائب. وشاركهم في أحزانهم وأفراحهم، وعبّر عن أفكاره بلغتهم، واستعار طريقة كلامهم وتشابيههم وصورهم، وكشف لهم عن محبة الآب لهم" (فرح ورجاء، عدد 32/2).
هكذا نبشّر بفرح القيامة ورجاء الحياة الأبدية التي خطّها لنا المسيح من خلال حياتنا بالشهادة في كنائسنا المشرقية، بروح الشراكة الحقيقية، متساوين في وليمة الحياة التي يدعو الله إليها جميع الناس، سيّما في قبولنا واحدنا الآخر وتعاوننا وانفتاحنا ككنائس ذات تقاليد خاصة وتراث متميّز، على ما ورد في توصيات سينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط الذي انعقد في روما خلال شهر تشرين الأول من عام 2010.
بهذه الروح، نعيش الرجاء ونحن بانتظار الإرشاد الرسولي الذي سيعلنه قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر قريباً. وفي الوقت عينه نستعدّ للسينودس الأسقفي العام للكنيسة الكاثوليكية جمعاء، الذي سيُعقد في روما خلال شهر تشرين الأول القادم 2012 وموضوعه "الكرازة المتجدّدة"، فنجدّد التزامنا بإيماننا وبتأدية البشارة بحماس وبروح المسؤولية.
7. المسيح المنبعث سلامنا
المسيح بانبعاثه بشّر بالسلام الحقيقي الذي هو سلام المؤمنين، وقد تصالحوا مع الله، فلم يعودوا عرضةً للقلق أو الخوف أو اليأس. وهدف السلام، الذي يتوق إليه الجميع بحرارة، يمكن، دون شك، إدراكه بفضل وضع العدالة الاجتماعية والدولية موضع العمل، ولكن أيضاً بفضل ممارسة الفضائل التي تشجّع على العيش المشترك، والتي تعلّمنا أن نعيش متّحدين، كي نبني في الوحدة مجتمعاً جديداً، وعالماً أفضل.
وفي طقسنا الكنسي، يتغنّى آباؤنا السريان بأهمية السلام ومحوريته كنتيجة حتمية للإيمان بقيامة الرب يسوع، ويجعلونه لبّ رتبة عيد القيامة وجوهرها. ولعلّ من أعذب ما يجودون به في هذا السياق: "ܫܠܳܡܳܐ ܫܠܳܡܳܐ ܠܪ̈ܰܚܺܝܩܶܐ ܘܰܠܩܰܪ̈ܺܝܒܶܐ܆ ܕܩܳܡ ܠܶܗ ܡܳܪܰܢ ܡܶܢ ܩܰܒܪܳܐ ܘܟܰܢܶܫ ܠܰܡܒܰܕܪ̈ܶܐ. ܗܰܝܡܶܢ ܬܐܘܡܰܐ ܘܶܐܫܬܰܪܰܪ ܫܶܡܥܽܘܢ܆ ܘܰܥܒܰܪ ܡܶܢܗܽܘܢ ܐܶܒܠܐ ܘܟܰܪܝܽܘܬܐ ... ܫܰܝܢܳܟ ܡܳܪܰܢ ܘܰܫܠܳܡܳܟ ܘܗܰܝܡܳܢܽܘܬܳܟ܆ ܗܰܒ ܠܳܗ̇ ܠܥܺܕܬܳܟ ܩܰܕܺܝܫܬܐ ܐܺܝܡܳܡܳܐ ܘܠܶܠܝܳܐ. ܘܒܰܛܶܠ ܡܶܢܳܗ̇ ܣܶܕ̈ܩܶܐ ܘܚܶܪ̈ܝܳܢܶܐ܆ ܘܰܐܥܒܰܪ ܡܶܢܳܗ̇ ܡܰܚܘ̈ܳܬܐ ܕܪܽܘܓܙܳܐ. ܘܢܶܬܶܠ ܫܠܳܡܳܐ ܠܰܚܕܳܕ̈ܶܐ ܒܠܶܒܳܐ ܕܰܟܝܳܐ܆ ܘܚܽܘܒܳܟ ܢܶܗܘܶܐ ܒܰܝܢܳܬܰܢ ܦܳܪܽܘܩܶܗ ܕܥܳܠܡܳܐ".وترجمته: "السلام السلام للبعيدين والقريبين، فقد قام ربنا من القبر وجمع المشتَّتين. آمن توما وتأكّد شمعون، وزال عنهم الحزن والأسى ... إمنح يا رب كنيستك المقدسة أمنك وسلامك والإيمان بك ليلاً ونهاراً. وجنِّبها الانشقاقات والخصومات، مبعداً عنها قضبان الغضب. فنعطي السلام لبعضنا بقلبٍ نقي، وليملك حبّك بيننا يا مخلّص العالم".
وفي هذا الإطار عينه، يحلّق القديس مار يعقوب السروجي (+521) في سماء الروح مؤكّداً صلة القيامة الوثيقة بالسلام والأمان، فيقول: "ܩܝܳܡܬܳܟ ܬܰܝܬܶܐ ܫܠܳܡܐ ܠܥܺܕܬܳܟ ܡܶܢ ܨܶܝܕ ܐܰܒܘܟ܆ ܘܰܢܩܽܘܡ ܒܰܐܦܶܝ̈ܗ̇ ܫܰܝܢܳܐ ܪܰܒܳܐ ܘܒܶܗ ܬܶܣܬܰܬܰܪ".وترجمته: "فلتجلب قيامتك سلاماً لكنيستك من لدن أبيك، وليظهر أمامها الأمان العظيم فتحتمي به".
8. صدى العيد في عالمنا اليوم
أيها الإخوة والأبناء الأعزاء،
هذه الفرحة الروحية بقيامة الرب تسمح لنا بأن نبقى على تفاؤلنا مهما اشتدّت علينا الأيام، وثقلت علينا المحن والمصائب. وفي نظرةٍ إلى ما يعانيه شرقنا الغالي في هذا الزمن، فإنّنا نجابه تحدّيات تقلقنا وتعصر قلوبنا وتمتحن ثقتنا ورجاءنا بالذي منحنا عربون الحياة بقيامته.
ومن موقعنا كرعاة روحيين، نواكب أبناءنا وبناتنا وهم يرزحون تحت ثقل الاضطرابات والخصومات التي تنشب في بلدان وأماكن عدة من هذا الشرق، مولّدةً ثوراتٍ وأعمال عنف تهدّد وجودهم وشهادتهم. ونحن إذ نؤكّد عدم الانحياز لأيّ نظام أو فئة، نتساءل عن معنى الألفاظ والشعارات التي تطلقها دول أو جماعات، حول الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية. كما نؤكّد ضرورة تطبيق "شرعة حقوق الإنسان والمواطن" التي سنّتها منظّمة الأمم المتّحدة، سيّما ما يرتبط بحرية الضمير وحرية المعتقد، وهما الأساس للعدالة والكرامة الإنسانية للمواطنين كافةً.
ومن هنا نطالب الجميع الاحتكام إلى العقل والضمير، فيجسّدوا الأقوال والتطمينات بالأفعال والتصرّفات. ونشدّد بحزم على فصل الدين عن الدولة دفاعاً عن حقوق الجميع في الوطن الواحد، لتعود شعوب الشرق إلى العيش سويةً بالألفة والمحبة، دون تسلُّط لأكثرية "ساحقة" في وجه أقليات مسحوقة ومغلوبة. ونسأله تعالى أن ينشر بشرى الرجاء والتسامح، ويُحلّ الأمن والسلام في كل البلدان.
تتّجه قلوبنا وأفكارنا اليوم خاصةً إلى سوريا الحبيبة، حيث يعاني الكثيرون ظروفاً صعبة ومؤلمة في ظل محنة عصيبة لم تعرف البلاد مثيلاً لها منذ زمنٍ بعيد، ومنهم من حُرموا فرحة العيد. إنّنا نعرب عن شديد ألمنا لما حلّ بهذه الأرض الطيّبة، حيث تُراق الدماء وتُستنزف ركائز الوطن ودعائمه في أعمال عنف طالت وأضحت تهدّد مستقبله. نسأل الله أن يتغمّد شهداء سوريا جميعاً بفيض مراحمه، ويمنّ على الجرحى بالشفاء العاجل، ويعزّي القلوب الثكلى بتعزياته السماوية.
ومن هنا نؤكّد لأبنائنا وبناتنا في سوريا أنّنا نرافقهم لحظةً بلحظة بالصلاة والدعاء كي تعود سوريا إلى وحدتها ومنعتها وازدهارها. ونناشد جميع القيّمين على شؤون البلاد ومعهم سائر فئات الشعب أن يحكّموا ضميرهم وحسّهم الوطني ويشبكوا الأيدي ويتكاتفوا في سبيل رقيّ بلدهم، بالحوار والتآخي والتعاون التام ونبذ العنف والحقد والضغينة. ونتضرّع إلى الرب كي يتعاضد ذوو الإرادة الطيّبة بالمحبة والتسامح والمصالحة لما فيه خير الوطن، فينعم الجميع بالسلام والأمان والطمأنينة والاستقرار.
أما العراق، بلاد الرافدين، التي طالت معاناتها جراء تردّي الأوضاع الأمنية، فإنّنا نصلّي من أجل أن يحلّ الله سلامه وأمانه الدائمين في هذا البلد الغالي، مترحّمين على أرواح من قدّموا ذواتهم على مذبح الشهادة. وفيما يقرّ المسؤولون بأنّ المسيحيين هم نسيجٌ أصيل وحضاري في تكوين العراق، نحثّ إخوتنا وأخواتنا، إكليروساً ومؤمنين، أن يتابعوا مسيرتهم بروح الشراكة الفاعلة مع المكوّنات الوطنية الأخرى، ساعين إلى نهضة وطنهم واستقراره،كي يستعيد وحدته الداخلية في تنوّع مواطنيه.
وفي فلسطين والأراضي المقدّسة، حيث وُلد ربنا يسوع المسيح وترعرع وتألّم ومات وقام، فإنّنا نتعاطف مع الشعب الفلسطيني إذ طال أمد محنته وعذابه، ويحقّ له أن ينعم بوطنٍ مستقل ذي سيادة. ونسأل له الأمن والسلام والحفاظ على حقوق مواطنيه، وبينهم البقية الباقية من أبنائنا وبناتنا الذين يشهدون لإله المحبة والسلام في تلك الديار المقدّسة.
في مصر، نشارك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حزنها لوفاة راعيها الأعلى قداسة البابا شنودة الثالث، راجين أن يهيّئ الرب الخلف الصالح لرعاية هذه الكنيسة، الأخت الكبرى بين كنائسنا المشرقية.
كما نصلّي إلى الرب القدير كي يجنّب المواطنين والمواطنات في مصر كل تمييز وتفرقة، ليحيوا معاً بالاحترام المتبادل في تنوّع خلفياتهم الدينية والثقافية والاجتماعية، بالحرية والعدالة والمساواة.
وفي تركياالتي زرناها وتفقّدنا فيها أحوال المؤمنين الذين لا يزالون راسخين في أرض الآباء والأجداد، باذلين جهدهم لاسترجاع ما انتُزع من حقوقهم وممتلكاتهم. فإنّنا نبارك مساعيهم المشكورة هذه، وننضمّ إليهم طالبين من المؤسسات المختصة أن تقرّ بدورهم التاريخي وتحترم حقوقهم بالمساواة والعدالة.
أما لبنان الغالي، فإنّنا نحثّ جميع مواطنيه أن يحافظوا عليه ويحموا وحدته ويرسّخوها على أساس العيش المشترك والولاء المطلق لهذا الوطن الذي ارتضوه كياناً مستقلاً ونهائياً يجمعهم ويوحّدهم. لذا يقتضي نبذ التفرقة والفتنة، واحترام الاختلاف في الرأي وعيش التنوّع الذي يُغني، من خلال الحوار الحضاري البنّاء، لما فيه خير هذا الوطن الحبيب ونموّه ومواجهة كل ما قد يعصف به من مخاطر وتحدّيات.
ونكرّر نداءنا بصورة خاصة إلى المسؤولين فيه على اختلاف رتبهم ومهامهم، كي يدركوا أنّ المسؤولية خدمة، وخدمة الوطن توجب النزاهة والتضحية بروح الشراكة. لذا عليهم أن يضعوا نصب أعينهم، وفوق كل اعتبار، خير الوطن والمواطنين الذي لا يرتهن بمزاجية أو كيدية أو مصلحة فردية خاصة.
ولا ننسى أن نشير، كما نفعل في كل مناسبة، إلى أنّنا نحن السريان عنصرٌ مؤسّسٌ وفاعلٌ في خدمة لبنان، ماضياً وحاضراً، وسنظلّ نخدمه ونضحّي من أجله على كل الأصعدة، علماً وفكراً وأدباً حتى الشهادة. وهنا نكرّر مطالبتنا الذين أولاهم النظام شؤون هذا الوطن بأن يعوا هذه الحقيقة ويعكسوها بالفعل وليس بالقول فقط، فيوفّروا لنا سبل الخدمة الوطنية دون منّةٍ أو محاباة، بما يتناسب مع تاريخنا وحضورنا وتجذّرنا في لبنان الحبيب الذي لم ولن نقبل وطناً بديلاً عنه.
ويسرّنا أن نتوجّه بالمعايدة ومشاعر المحبة الأبوية إلى أبنائنا وبناتنا المنتشرين في كل بقاع العالم، مهنّئين إياهم بعيد قيامة الرب، مؤكّدين تواصلنا معهم بالصلاة ومتابعة أمورهم من خلال رعاتهم الكنسيين. ونحن إذ نعرب عن افتخارنا واعتزازنا بإنجازاتهم وإبداعاتهم في مختلف مجالات العمل والعطاء، حتى تبوّأوا مناصب رفيعة في الخدمة العامة في عددٍ من البلدان وأضحوا موضع إكرام وتقدير، فإننا نحثّهم كي يبقوا راسخين في الإيمان الواحد، أمناء لتراث كنيستهم السريانية وتقاليدها المشرقية العريقة، مع الحفاظ على تواصلهم وعلاقاتهم التضامنية بأوطانهم، بلاد المنشأ.
9. خاتمة: المسيح المنبعث أملنا ورجاؤنا
أيها الأحباء،
ليكن هذا العيد مناسبةً للعودة إلى الله بالتوبة الصادقة والقصد الثابت للعمل على مرضاته، أيّاً تكن المغريات وأسباب الابتعاد عنه. تعالوا فنرجوه على غرارتلميذَي عمّاوس: "أمكث معنا، فقد حان المساء" (لو 24: 29). نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى نورٍ سماوي يُخرجنا من ظلمتنا، ونورنا هو المسيح الحيّ. وهذا العيد مناسبةٌ للعودة إلى الذات، فنُلقي نوراً كشّافاً في أعماق نفوسنا لنرى ما إذا كنّا نسير بصدق وإخلاص مع ربنا وقريبنا وذواتنا. ومناسبة للعودة إلى بعضنا البعض، متضامنين متحابّين بكل ما حبانا الله من نِعَم ومواهب.
وإنّنا، فيما نهنّئكم بهذا العيد المجيد، نسأل الرب يسوع المسيح الذي قام من بين الأموات وخلّصنا بنعمته وأقامنا معه، بشفاعة والدته البتول، الكلّية الطوبى، أن يعيد عليكم جميعاً هذا العيد بالخير والصحة والبركة، وينشر أمنه وسلامه وفرحه في قلوبكم وفي مشرقنا الغالي والعالم كله. فلنضع ملء ثقتنا بمعلّمنا الإلهي الذي يرعانا ويواكبنا في مسيرتنا على الأرض، وقد قال لنا: "لا تخافوا" (مر 6: 50)، "لكن ثقوا إني قد غلبتُ العالم" (يو 16: 33). لا نفقد الرجاء ولا نضيّع الأمل، بل نحيا بهما، أقوياء لا نخاف البتّة. ولتشملكم بركة الثالوث الأقدس: الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، والنعمة معكم. آمين.
ܡܫܺܝܚܳܐ ܩܳܡ ܡܶܢ ܒܶܝܬ ܡܺܝ̈ܬܐ܆ܫܰܪܝܪܐܝܬ ܩܳܡ
مشيحو قوم من بيت ميثيه، شاريروإيث قوم المسيح قاممن بين الأموات، حقاً قام
صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت ـ لبنان
في اليوم الثاني من شهر نيسان عام 2012،
وهي السنة الرابعة لبطريركيتنا
|