الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
كلمة فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان خلال حفل استقبال قداسة البابا في مطار بيروت الدولي

 
 
   

    ننشر فيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشالسليمان خلال حفل استقبال قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر في مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي في بيروت، ظهر يوم الجمعة 14 أيلول 2012:

    قداسة الحبر الأعظم،
   تأتون إلينا كخليفة للقديس بطرس أوّل الأحبار، وعلى خطى سلفكم الكبير الطوباوي يوحنا بولس الثاني، في زيارة رسمية ورسولية ملؤها الرجاء والأمل.
لقد ارتبط الكرسي الرسولي ولبنان بعلاقة تاريخية متواصلة، ولقي منه على الدوام دعماً وتقديراً لموقعه ولدوره في بناء حضارة قائمة على التلاقي والتسامح والخير.

    واليوم إذ تستقبلكم العائلة اللبنانية، بجميع مكوّناتها وطوائفها، فإنّها ترحّب بقداستكم بعرفان الجميل والشكر، لمحبتكم الخالصة للبنان، وقد وصفتموه "بالكنز الغالي"، بالنظر "إلى تنوّعه وتعدّديته وعيشه المشترك المتفاعل".
     لقد شئتم من زيارتكم للبنان أن تعلنوا للعالم أجمع مدى أهميّة وطننا كنموذج ومثال، في تنوّعه ووحدته، على الرغم من حجم المخاطر والصعاب، ولتؤكّدوا مدى أهميّة الوجود المشترك المسيحي والمسلم، في آن، من أجل الحفاظ على دعوة لبنان التاريخية، خصوصاً في خضمّ التحوّلات والتحدّيات الكبرى، التي تطاول عالمنا العربي، والتي تفرض علينا جميعاً توضيح الرؤى، وتوحيد الصفوف، وشبك الأيادي، من أجل المساهمة في بناء مجتمع قائم على الحرية والعدالة والمساواة.
     كذلك شئتم أن تختاروا لبنان، وأن تحملوا منه، رسالة سلام ومحبّة إلى منطقتنا برمّتها، بشعوبها وأبنائها ودولها، من خلال الإرشاد الرسولي الخاص بمجمع الأساقفة من أجل الشرق الأوسط، الذي ستشرّفني مشاركتكم في الاحتفال بالتوقيع عليه من قبل قداستكم بعد ظهر اليوم، والسلام بنظركم، ليس نبذاً للعنف ولسيل الدماء فحسب، بل هو ارتباط وثيق بالله الواحد الذي ينتمي إليه أبناء الشرق أجمعهم. وهو سلام الحقّ والعدالة والاحترام، يُبنى على الحوار ويترسّخ بالتلاقي.
     كلّنا أمل في أن تأتي زيارتكم لبلادنا بالخير والبركات على اللبنانيين، وعلى شعوب منطقتنا ومكوّناتها، ومن بينهم المسيحيون المشرقيون، المتجذّرون في هذه الأرض الكريمة منذ القدم، والذين يترقّبون رسالتكم إليهم باهتمام عظيم.

    صاحب القداسة،
     نرحّب بكم على أرضٍ مقدّسة ذكرها العهد القديم مراراً، وأشاد بجمالها وشموخ أرزها "نشيد الأناشيد"، ووطأتها أقدام السيّد المسيح، وشهدت أولى عجائبه، وتضيء سماءها كوكبة من القدّيسين والطوباويين.
     وهي أرضٌ صاغ شعبها على ضفاف البحر الأبيض المتوسّط، عناصر أوّل أبجدية متقدّمة في التاريخ، عمارة للفكر، أهداها للغرب وللعالم أجمع، كوسيلة للتخاطب والتواصل والتكامل الحضاري.

    وهم أهل هذه الأرض بالذات، الذين أنشأوا أوّل مطبعة للشرق في القرن السادس عشر وساهموا بالنهضة العربية والوعي الثقافي أواخر القرن التاسع عشر، وشارك أحد أبرز ممثّليهم في صوغ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتوافقوا لدى ارتقاء وطنهم إلى السيادة الدولية عام 1943، على العيش معاً في إطار "جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين من دون تمايز أو تفاضل"، وثبّتوا ركائز هذه الجمهورية على قواعد ميثاق وطني يكفل المشاركة المتكافئة للطوائف في إدارة الشأن السياسي العام، وقد ذهبت مقدّمة الدستور اللبناني إلى حدّ التأكيد أنّ لا شرعيّة لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.
     وبالرغم من عراقتها وانفتاحها، وربّما بسبب هذا الانفتاح، فقد أمست هذه الأرض اللبنانية، في فترات مختلفة من تاريخها، عرضةً للأطماع، ومسرحاً للحروب، وضحيةً لأشكال مختلفة من أشكال العدوان والاحتلال، نتج عنها الكثير من الدمار وإراقة الدماء والتهجير والظلم.
     إلا أنّ لبنان أظهر على الدوام مقدرة على المقاومة والتضحية والاستشهاد في سبيل الدفاع عن سيادته واستقلاله وحريته ووحدته وقيمه. فتمكّن من تجديد ركائز وفاقه الوطني وتحرير معظم أراضيه وإعادة البناء، وتأمين شروط عودة المهجّرين إلى مدنهم وقراهم، بينما هاجر من أبنائه الكثيرون، فساهموا بإعمار الدول التي استقرّوا فيها على كل الصعد، محتفظين بتقاليدهم الأصلية، وبمخزون قيمهم العائلية والروحية، وبارتباطهم العاطفي بوطنهم الأمّ، على قاعدة التضامن والمشاركة، وهم مصدر قوّة وثروة للبنان، وعنصر من عناصر عالميته وإشعاعه.
     ومن تداعيات الظلم الذي حلّ في فلسطين عام 1948 ومظاهره، وجود أكثر من 400 ألف لاجئ فلسطيني على الأرض اللبنانية، والعديد منهم هنا، في هذا الجوار، تسعى الدولة بالتنسيق مع وكالة الأونروا، لتأمين احتياجاتهم الحياتية الأساسية، من ضمن القدرات. وهي مناسبة للتذكير بأنّ رعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين على الصعيد الإنساني، مسؤولية دولية قبل كلّ شيء، وذلك بانتظار إيجاد حلّ سياسي عادل لقضيتهم ولقضية الشرق الأوسط، يضمن حقّهم الطبيعي في العودة إلى أرضهم وديارهم الأصلية، ويحول دون أيّ شكل من أشكال توطينهم في لبنان، وفقاً لمندرجات المبادرة العربية للسلام، ولما ينصّ عليه الدستور اللبناني وما تقتضيه مستلزمات وفاقنا الوطني.


    قداسة الحبر الأعظم،
    تتزامن زيارتكم لديارنا اعتباراً من اليوم، مع احتفال الكنيسة ولبنان بعيد الصليب، بما يرمز إليه من تضحية مطلقة بالذات، وروح تواضع وفداء، ورجاء قيامة. وكنّا قد احتفلنا معاً كلبنانيين، منذ أسابيع قليلة، بعيد الفطر السعيد، في نهاية شهر كريم مطبوع بفضائل الصوم ومعاني الرحمة والتسامح والتعاضد الإنساني.
     فلتكن زيارتكم لأرض الشهادة والشراكة والحوار التي يجسّدها وطن الأرز، تجلّي نور وبهاء لوطننا ولمنطقتنا، به نجدّد مع قداستكم عهد وفاء لبنان لذاته، والشهادة لقيمه المتجذّرة في الإيمان.
     عشتم

    عاش الكرسي الرسولي
     وعاش لبنان.

 

 

إضغط للطباعة