"عليكم أوفر النعمة والسلام بمعرفتكم لله وليسوع ربنا" (رسالة بطرس الثانية 1: 2). هذه الآية التي سمعناها من رسالة القديس بطرس تعبّر جيّداً عن الشوق الكبير الذي أحمله في قلبي منذ وقتٍ طويل. أشكركم على ترحيبكم الحارّ، كما أشكركم من كلّ قلبي على حضوركم الكثيف هذا المساء!
أتقدّم بالشكر من غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي على كلمته الترحيبية، وسيادة المطران جورج أبو جودة مطران طرابلس ورئيس اللجنة الأسقفية لرسالة العلمانيين في لبنان، وسيادة المطران إيلي حداد مطران صيدا للروم الملكيين ونائب رئيس هذه اللجنة، كذلك من الشابين اللذين رحّبا بي باسمكم. "سلامي أعطيكم" (يوحنا 14: 27)، هذا ما يقوله لنا المسيح.
أصدقائي الأعزاء،
أنتم تعيشون اليوم في هذا الجزء من العالم الذي شهد ولادة المسيح وتعزيز المسيحية. إنه لشرفٌ عظيم! وهو دعوةٌ للأمانة، لمحبة منطقتكم وبخاصة لتكونوا شهوداً ورسلاً لفرح المسيح، لأنّ الإيمان الذي ينقله الرسل يقود إلى ملء الحرية، والفرح، وهذا ما أثبته العديد من القديسين والطوباويين من هذا البلد.
رسالتهم تنير الكنيسة الجامعة. ويمكنها أن تستمر لتنير حياتكم. من بين الرسل والقديسين، كثيرون هم من عاشوا في أوقات عصيبة، وإيمانهم كان مصدر شجاعتهم وشهادتهم. استفيدوا من مثالهم وشفاعتهم، واطلبوا الإلهام والدعم اللذين أنتم بحاجة إليهما!
أنا أعرف الصعوبات التي تواجهونها في حياتكم اليومية، بسبب قلّة الاستقرار والأمن، وصعوبة إيجاد عمل، أو حتى الشعور بالوحدة والتهميش. في عالمٍ حركته مستمرة، أنتم بمواجهة العديد من التحدّيات الخطرة. لا يجب على البطالة وعدم الاستقرار أن يدفعا بكم لتذوّق "عسل الهجرة المرّ"، وتقتلعون من جذوركم وتنفصلون متّجهين نحو مستقبلٍ غامض. عليكم أن تشاركوا بمستقبل بلدكم، وتملأوا دوركم في المجتمع والكنيسة.
لديكم مكانة خاصة في قلبي وفي الكنيسة كلّها، لأنّ الكنيسة هي دائماً شابة! الكنيسة تثق بكم. هي تعتمد عليكم. كونوا شباباً في الكنيسة! كونوا شباباً مع الكنيسة! الكنيسة بحاجةٍ لحماسكم وإبداعكم! الشباب هو الوقت الذي نصبو فيه إلى مُثلٍ عليا، والوقت الذي ندرس فيه لتحضير مهنة ومستقبل. هذا مهم ويتطلّب الوقت. ابحثوا عمّا هو جميل، وارغبوا بالقيام بما هو جيّد! اشهدوا لعظمة جسدكم وكرامته، جسدكم "هو للرب" (1 قورنتس 6: 13). فلتكن لديكم حساسية القلوب النقية واستقامتها! وعلى مثال الطوباوي يوحنا بولس الثاني، أقول لكم من جديد أنا أيضاً: "لا تخافوا. افتحوا أبواب عقولكم وقلوبكم للمسيح!" فإنّ اللقاء معه "يعطي أفقاً جديدة للحياة، ومن هنا اتجاهها الحاسم" (Deus caritas est, 1). سوف تجدون به القوة والشجاعة للتقدّم على طرقات الحياة، متخطّين الصعوبات والمعاناة. تجدون فيه مصدر الفرح. يقول لكم المسيح: "سلامي أعطيكم" (يوحنا 14: 27). هنا هي الثورة الحقيقية التي قام بها المسيح، ثورة المحبة.
لا تسمحوا للإحباط الذي تعيشونه اليوم بأن يجعل من عالم المخدّرات، والتعاسة، والإباحية ملجأً لكم. صحيح أنّ الشبكات الاجتماعية مثيرةٌ للاهتمام، ولكن يمكنها بشكلٍ سهلٍ أن تجعلكم متعلّقين بها، ضائعين ما بين الحقيقة والخيال. ابحثوا عن علاقاتٍ غنيّة بالمحبة الحقيقية والنبيلة وعيشوها. لتكن لديكم مبادرات تعطي معنىً وجذوراً لوجودكم، مكافحين السطحية والاستهلاك السهل! هناك إغراء آخر يحوم حولكم، ألا وهو المال، هذا المعبود المستبدّ، الأعمى لدرجة أنّ بإمكانه خنق الشخص وقلبه. إنّ الأمثلة التي تحيط بكم ليست دائماً الأفضل. كثيرون هم من ينسون تأكيد المسيح الذي قال بأنّه لا يمكن أن نعبد الله والمال (راجع لوقا 16: 13). ابحثوا عن معلّمين جيّدين، معلّمين روحيين، يمكنهم أن يدلّوكم على طريق النضوج، تاركين الوهم، والإحباط، والكذب.
احملوا حبّ المسيح أينما كنتم! كيف؟ بوهب ذاتكم بالكامل إلى الله، أبيه الذي هو معيار كلّ شيء صحيح وحقيقي وجيّد. تأمّلوا في كلمة الله! اكتشفوا أهمية الإنجيل وواقعه. صلّوا! فالصلاة والأسرار المقدّسة هما الوسيلة الأكيدة والفعّالة لتكونوا مسيحيين ولتعيشوا "وأنتم متأصّلون ومبنيّون في المسيح وراسخون في الإيمان" (رسالة قولوسي 2: 7). إنّ سنة الإيمان التي توشك على البدء، ستكون بمثابة فرصة لاكتشاف كنز الإيمان الذي تكتسبونه عند المعمودية. يمكنكم أن تعمّقوا محتواه من خلال دراسة التعليم المسيحي، ليكون إيمانكم حيّاً ولتعيشوه. وبالتالي ستصبحون شهوداً أيضاً على حبّ المسيح الذي يجعل جميع البشر إخوة. الأخوّة الكونية التي بدأها على صليبه تحيط ثورة المحبة بنورٍ عظيم. "كما أحببتكم أنا تحبّون أنتم أيضاً بعضكم بعضاً" (يوحنا 13: 34). هنا تكمن شهادة المسيح ورمز المسيحي. هنا تكمن الثورة الحقيقية للمحبة!
وبالتالي يدعوكم المسيح لتحذوا حذوه وذلك بالانفتاح بالكامل على الآخر، حتى وإن كان ينتمي إلى ثقافة أو ديانة أو حتى جنسية أخرى. عند إفساح مكان له واحترامه والإحسان إليه ستصبحون أغنى بالانسانية وأقوى بالسلام الذي يمنحكم إيّاه الرب. أعلم أنّ العديد منكم يشارك في النشاطات المتنوّعة التي تنظّمها الكنائس والمدارس والحركات والجمعيات. من الجميل أن تلتزموا مع الآخرين ومن أجلهم. وعندما تشاركونهم أوقات صداقة وسعادة، سيمكنكم التصدّي لجرثومة الانقسام ومحاربتها! إنّ الأخوّة هي الطريق إلى السماء! إنّ دعوة تلميذ المسيح هي أن يكون "الخميرة" في العجينة، وكما قال القديس بولس: "إنّ خميرة صغيرة تخمّر العجين كلّه" (غلاطية 5: 9). كونوا مبشّرين بإنجيل الحياة وقيمها. تصدّوا بجرأة لكلّ ما يتعارض معها: كالإجهاض، والعنف، ورفض الآخر، واحتقاره، بالإضافة إلى الظلم والحرب. هكذا تنشرون السلام من حولكم. أوليسوا "فاعلي السلام" من ننظر إليهم بالكثير من الإعجاب؟ أوليس السلام هو الشيء الثمين الذي تبحث عنه كل البشرية؟ أولسنا نريد في أعمق أعماقنا بلد سلام لنا وللآخرين؟ قال المسيح: "سلامي أعطيكم". لم يغلب الشر بالشر، بل حمله وأهلكه على الصليب بالمحبة إلى الغاية. في الحقيقة، إنّ اكتشاف محبة الله ورحمته، يسمح دائماً بالبدء بحياة جديدة. ليس من السهل أن نغفر. لكنَّ مغفرة الله تعطي القوّة للتغيير، والفرح بأن نغفر بدورنا. إنّ المغفرة والمصالحة هما طريقان للسلام، ويفتحان المستقبل.
أيها الأصدقاء الأعزّاء،
كثيرون من بينكم يتساءلون بالتأكيد بوعي: ماذا يتوقع الله منّي؟ ما هو المشروع الذي حضّره لي؟ أليس عليَّ أن أنشر للعالم عظمة محبّته من خلال الكهنوت، أو الحياة المكرَّسة، أو الزواج؟ ألن يدعوني المسيح إلى اتباعه عن قرب؟ اسمعوا هذه الأسئلة بثقة. خذوا وقتكم بالتفكير وبطلب النور. لبّوا الدعوة مقدّمين أنفسكم كلّ يوم للذي يدعوكم لكي تكونوا أصدقاءه. حاولوا أن تتبعوا المسيح بقلبٍ وكرمٍ، هو الذي، بمحبّته، خلّصنا، وأعطى حياته لكلّ واحدٍ منّا. سوف تعرفون فرحاً وكمالاً أكيدين! يكمن سرّ السلام الحقيقي بالاستجابة إلى نداء المسيح لنا.
وقّعتُ بالأمس الإرشاد الرسولي "الكنيسة في الشرق الأوسط". هذه الرسالة موجّّهة إليكم أعزّائي الشباب ولشعب الله بكامله. اقرأوها جيّداً وتمعّنوا بها لتستطيعوا تطبيقها. ولأساعدكم، سأذكّركم بكلمة القديس بولس إلى أهل كورنثوس: "أنتم رسالتنا مكتوبة في قلوبنا، معروفة ومقروءة من جميع الناس. ظاهرين أنكم رسالة المسيح، مخدومة منّا، مكتوبة بلا حبر، بل بروح الله الحيّ، لا في ألواح حجرية، بل في ألواح قلب لحمية" (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 3: 2 ـ 3). بإمكانكم أيضاً، أيها الأصدقاء الأعزاء، أن تكونوا رسالةً حيّةً للمسيح. هذه الرسالة لن تكون مكتوبة بالقلم على الورق، بل ستكون شهادةً لحياتكم ولإيمانكم. وبالتالي، ستُفهِمون مَن هم حولكم، بكلّ شجاعة وحماس، بأنّ الله يريد سعادة الجميع بدون أي استثناء، وبأنّ المسيحيين هم خدّامه وشهوده الأوفياء.
أيها الشباب اللبنانيون،
أنتم رجاء بلدكم ومستقبله. أنتم لبنان، أرض الضيافة، والعيش المشترك، مع هذه القدرة الفائقة على التكيّف. وفي هذا الوقت، لا يمكننا أن ننسى آلاف الأشخاص الذين هم من المغتربين اللبنانيين، والذين يحافظون على رباطٍ قويٍّ مع بلدهم الأم. أيها الشباب اللبنانيون، كونوا مضيافين، ومنفتحين، كما يطلب منكم المسيح، وكما يعلّمكم بلدكم.
أودّ أن أرحّب الآن بالشباب المسلمين الموجودين معنا هذا المساء. أشكركم على حضوركم المهم جدّاً. أنتم تشكّلون مع الشباب المسيحيين مستقبل هذا البلد الرائع، والشرق الأوسط كلّه. اعملوا لبنائه معاً! وعندما تصبحون بالغين، استمرّوا بعيش الوئام في الوحدة مع المسيحيين، لأنّ جمال لبنان يكمن في هذا التعايش الجميل. يجب على الشرق الأوسط بأكمله، وهو ينظر إليكم، أن يفهم بأنّ المسلمين والمسيحيين، الإسلام والمسيحية، يمكنهم أن يعيشوا مع بعض من دون كراهية، مع احترام معتقدات كل شخص، ليبنوا معاً مجتمعاً حرّاً وإنسانياً.
علمتُ أيضاً أنه يوجد بيننا شباب أتوا من سوريا. أودّ أن أخبركم كم أنا معجبٌ بشجاعتكم. أخبروا في ما بينكم، وعائلاتكم، وأصدقاءكم، أنّ البابا لا ينساكم. أخبروا من هم حولكم بأنّ البابا حزينٌ بسبب معاناتكم والأسى الذي تشعرون به. البابا لا ينسى سوريا في صلواته، واهتماماته. البابا لا ينسى شعب الشرق الأوسط الذي يعاني. حان الوقت ليتّحد المسلمون والمسيحيون ليضعوا حدّاً للعنف والحروب.
في الختام، فلنشخص بنظرنا نحو مريم، والدة الله، سيدة لبنان. من على تلّة حريصا، هي تحميكم وترافقكم، هي تسهر كأمٍّ على كلّ اللبنانيين وعلى الكثير من الحجّاج الآتين من جميع أنحاء العالم ليسلّموها أفراحهم وأوجاعهم! فلنسلّم هذا المساء للعذراء مريم وللطوباوي يوحنا بولس الثاني الذي سبقني إلى هنا، فلنسلّم لهما حياتكم، حياة جميع شباب لبنان وبلدان المنطقة، بخاصة هؤلاء الذين يعانون العنف والوحدة، والذين هم بحاجة إلى تعزية. فليبارككم الله جميعًا! والآن لنصلِّ جميعنا معاً: "السلام عليكِ يا مريم...".
|