المشهد على الأوتوستراد الممتدّ ما بين الكرنتينا وسنّ الفيل وفي أنحاء شوارع الأشرفية والجمّيزة والصيفي والمدوّر كان مزدحماً بمئات الحافلات الضخمة والميكروباصات والفانات والبولمانات التي اصطفّت كلٌّ حسب أبرشيته ومنطقته. وغالبية المشاركين حملوا ما يشير إلى انتمائهم المناطقي: من أبرشيات البقاع، والجبل والشمال والجنوب حشود لا تنتهي من الوجوه الباسمة والفرحة والتي تزرع الأمل بأنّ كلّ الكلام على صمود المسيحيين في أرضهم وتعلُّقهم بها ليس مجرّد كلامٍ عاطفي، بل فعل حياة وإرادة صلبة لا تتزحزح، ما دام هؤلاء مصرّين على التمسّك بأرضهم وإيمانهم ومواطنيتهم على رؤوس الأشهاد، ولم تتسلّل إلى قلوبهم مشاعر خوف. وهذا ما شعرت به الوفود العربية المشاركة من الأردن والعراق ومصر وسوريا وفلسطين، إلى أخرى من إيطاليا والسويد والبوسنة، وجميعها تسرّبت إليها عدوى الحرية، فرفعت أعلام بلدانها عاليةً، وسارت فخورةً بها إلى جانب بحر الأعلام اللبنانية والفاتيكانية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ الطريق إلى واجهة بيروت البحرية بعد منطقة الدورة غصّت ببحرٍ من الناس اختار الوصول سيراً على الأقدام إلى مكان القداس، وذلك رغم توافر الحافلات التي تجمّعت في أماكن محدّدة لتسهيل تنقّلاتهم، لينضمّوا إلى كثيرين سبقوهم من مناطق أخرى، متحدّين حرّ أيلول الذي لم ينحسر بعد.
وسكب الآباء والأمّهات المياه على رؤوس الأطفال لوقايتهم من الحرارة المرتفعة في القداس الاحتفالي الذي امتدّ طيلة ساعتين في العراء تحت شمسٍ حارقة، وتجد مشهد المعوقين ومصابي الحرب الذين لم يأبهوا لأشعّة الشمس والحرارة المرتفعة. أما الكشّافة وفريق المساعدين، فلم يتوقّفوا عن توزيع القبّعات وعبوات المياه حتى نفدت كلّها، ليستمرّ الطلب على المزيد مع استمرار تدفُّق المؤمنين الذين علق الآلاف منهم في زحمة السير عند مدخل بيروت الشمالي ونقاط التجمّع، وقد وصل بينهم وفدٌ كبير من القوة الدولية ضمّ ضبّاطاً وجنوداً من إسبانيا وإيطاليا والفيليبين وغيرها من الدول.
في الباحة الرئيسية التي تبلغ مساحتها نحو مليوني متراً مربّعاً، وُضعت عشرات آلاف المقاعد، وامتلأت عن بكرة أبيها، فما كان من المشاركين إلا أن افترشوا الأرض. وقابل هذا الحشد مذبحاً كبيراً استوحاه مصمّموه، حسب التقاليد اللبنانية، من شجرة زيتون عتيقة، إلى أشجار أرز وسجّاد أحمر ومنصّة خضراء، توسّطها مذبحٌ وُضع على جذعين من أشجار الزيتون العتيقة رمزاً للسلام، ورُفع خلف كرسي البابا صليب. وإلى يمين المذبح وُضعت مئات المقاعد لرجال الدين المسيحيين، وإلى يساره وقف جوقٌ ضخمٌ من جوقات كاثوليكية عدّة، هي جوقة سيدة اللويزة، والجوقة البطريركية للسريان الكاثوليك، والجوقة الأنطونية، وجوقة بطريركية الأرمن الكاثوليك، وجوقة مار يوسف عينطورة، مع عزف للفرقة الفيلهارمونية اللبنانية، ومن بينهم رهبان وراهبات، وخدم القداس مئات الكهنة والرهبان من كل الكنائس الشرقية الكاثوليكية.
يشار إلى أنّ كتاب القداس طُبع بستّ لغات، كي يتمكّن جميع الحضور من متابعة الصلاة، وهي اللاتينية، والفرنسية، والإنكليزية، والعربية، والأرمنية، كما تمّ توزيعه على الجميع. ويقوم نحو 1400 صحافي من لبنان ومختلف الدول، حصلوا على بطاقات خاصة لمواكبة وتغطية زيارة البابا، وتُعتبر هذه المشاركة الأكبر في لبنان منذ انتهاء الحروب على أرضه.
شارك في القداس إلى جانب فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان، فخامة الرئيس أمين الجميّل، ورؤساء حكومات سابقون، ووزراء ونوّاب حاليون وسابقون، ورؤساء روابط وهيئات، ودبلوماسيون، وقادة عسكريون وأمنيون، ووجوه وشخصيات، ومئات الآلاف من المؤمنين. هذا وأعلن الناطق الرسمي باسم الكرسي الرسولي الأب فيديريكو لومباردي أنّ عدد المؤمنين المشاركين في القداس فاق الـ350 الف مشارك.
الساعة الصفر لدخول البابا بسيارته "البابا موبيلي" أعلنتها حركة مروحيات الجيش الكثيفة فوق الواجهة البحرية لبيروت، وبعدما حيّا رأس الكنيسة الحشود من على كرسيه في السيارة، انتقل إلى موقع القداس. وقبل بدء القداس بادر قداسته إلى تقديم كأس ذهبية إلى البطريرك الراعي، ليبدأ بصوته الهادئ، في تمام العاشرة صباحاً، بتلاوة صلاة الافتتاح بحسبالطقس اللاتيني، بعد أن أُلبس الثياب الكهنوتية باللون الأخضر، واعتلى المذبح محاطاً بالبطاركة والأساقفة، على وقع ترنيمة "شوبحو لرحميك" باللغة السريانية من الطقس الماروني.
وكان من بين البطاركة غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، كما شارك أيضاً معظم الأساقفة آباء سينودس كنيستنا السريانية.
وألقى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي كلمة ترحيب عبّر فيها عن "الفرح الذي ملأ القلوب بزيارتكم، لأنّ هذه الزيارة تحمل رسالة السلام الذي يتوق إليه العالم عامّةً والشرق الأوسط خاصّةً". ورأى الراعي "أنّ السلام هو مهمّة المسيحيين ويعتبرونه هبةً من الله يجب الحفاظ عليها". وأضاف أنّ "الزيارة تحمل الكثير من الأمل، وتكمل الاعلان النبوي لعام 2009 عن انعقاد جمعية خاصة بسينودس الأساقفة من أجل الشرق الاوسط، والتي تركّز على الوجود المسيحي وشهادة المسيحيين ورسالتهم في هذه المنطقة. لقد أدخلها السينودس في قلب "الربيع الروحي المسيحي"، الذي نعتبر أنّ العناية الالهية أرادته مقدّمةً للربيع العربي المنشود". وتمنّى "أن تؤدّي أحداث الشرق الأوسط الدامية والتضحيات إلى ولادة هذا الربيع، وأن يكون الارشاد الرسولي خريطة طريق للكنائس".
وخلص الراعي إلى أنّ زيارة البابا إلى لبنان "صمّام أمان في زمنٍ يشعر فيه المسيحيون بعدم الاستقرار، ويقاومون بإخلاصٍ للوعود التي قطعوها خلال عمادتهم، لكي يؤكّدوا تجذُّرهم بهذه الأرض رغم التحدّيات الكبيرة (...)".
وألقى قداسة البابا بعدها عظة كرّسها للسلام والرجاء والتمسّك بالإيمان والأعمال والخدمة، ومن أجل مجتمعٍ أخوي وبناء الشراكة.وأبرز ما جاء فيها:
"الأخوات والإخوة الأحباء،
تبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح" (أف 1: 3). ليكن مباركاً في هذا اليوم حيث أنا سعيدٌ بوجودي معكم، في لبنان، لأسلّم أساقفة المنطقة الإرشاد الرسولي لكنيسة الشرق الأوسط! أشكر من كلّ القلب غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي على كلمات الترحيب الحارّة. أحيّي بطاركة وأساقفة الكنائس الشرقية، والأساقفة اللاتين من المناطق المجاورة، والكرادلة والأساقفة القادمين من بلدان أخرى. أحيّيكم جميعاً بمحبّة كبيرة، أيها الأخوات والإخوة من لبنان ومن بلدان كلّ منطقة الشرق الأوسط العزيزة، الذين جاؤوا للاحتفال، مع خليفة بطرس، بيسوع المسيح، المصلوب والمائت والقائم من بين الأموات. أحيّي أيضاً رئيس الجمهورية والسلطات اللبنانية، والمسؤولين وأعضاء باقي التقاليد الدينية الذين أرادوا الحضور في هذا الصباح.
في هذا الأحد، حيث يستجوبنا الإنجيل عن الهوية الحقيقية ليسوع، ها نحن نسير مع تلاميذه، على الطريق إلى قرى قيصرية فيلبّس. "ومن أنا، في قولكم أنتم؟ (مر 8: 29) سألهم يسوع؟ إنّ اللحظة المختارة ليطرح عليهم هذا السؤال تحمل دلالة. إنّ يسوع أمام منعطفٍ حاسمٍ في حياته. كان صاعداً إلى أورشليم، المكان الذي سيتحقّق فيه من خلال الصليب والقيامة الحدث المحوري لخلاصنا. وفي أورشليم أيضاً، وبعد كلّ هذه الأحداث، ستولد الكنيسة. وحينما، في هذا الوقت الحاسم، يسأل يسوع تلاميذه "من أنا في قول الناس؟" (مر 8: 27)، تتعدّد الإجابات: يوحنا المعمدان، إيليا، أحد الأنبياء. اليوم أيضاً، كما كان على مرّ العصور، وبطرق متعدّدة، يقدّم الذين وجدوا يسوع على دربهم، إجاباتهم. إنها طرق تستطيع أن تتيح إيجاد طريق الحقيقة. ولكن، وبدون أن تكون بالضرورة خاطئة، فهي تبقى غير كافية، لأنها لا تلج إلى قلب هوية يسوع. وحده فقط من يقبل أن يتبعه في طريقه، ويعيش في الشركة معه في جماعة التلاميذ، يستطيع أن يعرفه حقاً. وحينئذٍ يعطي بطرس الذي عرفه منذ وقت إجابته: "أنت المسيح" (مر 8: 29). إجابة صحيحة بدون أدنى شك، غير أنها ليست كافية، لأنّ يسوع يشعر بضرورة توضيحها. فقد أدرك أنّ الأشخاص قد يستخدمون هذه الإجابة لمقاصد بعيدة من مقاصده، ولإثارة آمال مزيّفة وزمنية حوله. فلا يترك نفسه يُحبس في صفات المحرِّر البشري، الذي انتظره كثيرون.
وبالإعلان لتلاميذه أنه ينبغي أن يتألّم، ويُحكم عليه بالموت قبل أن يقوم من بين الأموات، أراد يسوع أن يُفهِمَهم من هو حقاً. مسيحٌ متألّمٌ، مسيحٌ خادمٌ، وليس محرِّراً سياسياً قديراً. إنه الخادم المطيع لمشيئة أبيه حتى الموت. وهذا ما أعلنه سابقاً النبي أشعيا، كما جاء في القراءة الأولى. وخالف يسوع هكذا ما كان ينتظره كثيرون منه. إنّ إعلانه يصدم ويزعج، كما يتّضح من اعتراض بطرس الذي عاتبه، رافضاً لسيده الألم والموت. كان يسوع قاسياً تجاهه، وأفهمه أنّ من يريد أن يكون له تلميذاً، يجب أن يقبل بأن يكون خادماً، كما جعل هو نفسه خادماً.
إنّ اتّباع يسوع يعني حمل صليبه للسير معه على طريقه، وهو طريق شاق، ليس طريق السلطة أو المجد الأرضي، إنما الطريق الذي يقود حتماً إلى التخلّي عن الذات، وبذل الحياة من أجل المسيح والانجيل، لخلاصها. ونحن متأكّدون أنّ هذا الطريق يقود إلى القيامة، إلى الحياة الحقيقية والنهائية مع الله. إنّ قرار اتّباع يسوع المسيح الذي جعل نفسه خادماً للجميع، يتطلّب ألفةً أعمق معه دائماً، وإصغاءً متنبّهاً لكلمته كي تلهم أعمالنا. بالإعلان عن سنة الإيمان التي ستبدأ في 11 من تشرين الأول/أكتوبر القادم، أردتُ أن يتمكّن كلّ مؤمن من الالتزام بطريقة متجدّدة، في السير على طريق توبة القلب هذا. وطيلة هذا العام، أشجّعكم على تعميق تأمّلكم حول الإيمان ليصبح أكثر وعياً، وعلى تعزيز انتمائكم للمسيح يسوع ولإنجيله.
أيها الأخوات والأخوة،
إنّ الطريق الذي يريد يسوع أن يقودنا إليه هو طريق رجاءٍ للجميع. إنّ مجد يسوع يتجلّى في الوقت حيث، في بشريته، يظهر أكثر ضعفاً، لا سيّما في التجسّد وعلى الصليب. هكذا يُظهر الله محبته، بجعل نفسه خادماً، بمنحنا ذاته. أليس سراً عظيماً، يصعب أحياناً قبوله؟ بطرس الرسول نفسه فهمه لاحقاً.
في القراءة الثانية، يذكّرنا القديس يعقوب بأنّ اتّباع المسيح، وكي يكون حقيقياً، يتطلّب أفعالاً ملموسة. "أنتَ لك الإيمان وأنا لي الأعمال" (يع 2: 18). إنها حاجة ضرورية للكنيسة أن تخدم، وللمسيحيين أن يكونوا خدّاماً حقيقيين تشبُّهاً بالمسيح. الخدمة هي عنصر مؤسس لهوية تلاميذ المسيح (راجع: يو 13: 15 ـ 17). إنّ دعوة الكنيسة والمسيحي هي الخدمة، كما فعل المسيح ذاته، بمجانية، وللجميع، بدون أدنى تمييز. وهكذا، إنّ خدمة العدل والسلام، في عالم لا يتوقّف فيه العنف من بسط ظلّ الموت والدمار، هي حاجة ملحّة للالتزام من أجل مجتمعٍ أخوي، ولبناء الشركة.
أيها الأخوات والإخوة الأحباء،
أصلي للرب خصوصاً كي يمنح منطقة الشرق الأوسط خدّاماً للسلام والمصالحة، فيتمكّن الجميع من العيش بهدوء وكرامة. إنها شهادة أساسية، على المسيحيين أن يقدّموها هنا، بالتعاون مع كل الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة. إني أدعوكم جميعاً للعمل من أجل السلام، كلّ واحد بحسب مستواه وحيث يتواجد.
ويجب أن تكون الخدمة أيضاً في قلب حياة الجماعة المسيحية نفسها. إنّ كلّ خدمة وكلّ مهمّة داخل الكنيسة، هما قبل كلّ شيء خدمة لله وللإخوة، هذه هي الروح التي يجب أن تنعش جميع المعمَّدين، لا سيّما من خلال التزامٍ فعّالٍ تجاه الأكثر فقراً والمهمَّشين، والذين يتألّمون، للحفاظ على الكرامة غير القابلة للمساس لكلّ شخص.
أيها الأخوات والإخوة الأحباء،
يا من تتألّمون في جسدكم أو في قلبكم، إنّ ألمكم لا يذهب سدىً. المسيح الخادم قريبٌ من جميع المتألّمين. إنه حاضرٌ بينكم. فلتتمكّنوا من أن تجدوا على دربكم أخوةً وأخواتٍ يُظهرون بشكلٍ ملموسٍ حضوره المحبّ الذي لا يترككم. كونوا ممتلئين بالرجاء في سبيل المسيح.
وأنتم جميعاً، أيها الأخوات والإخوة، يا من حضرتم للمشاركة في هذا الاحتفال، اسعوا للتشبّه دائماً أكثر فأكثر بالرب يسوع، الذي جعل نفسه خادماً للجميع من أجل حياة العالم. ليبارك الرب لبنان، وليبارك كل شعوب منطقة الشرق الأوسط الحبيبة، ويمنحها عطية سلامه. آمين".
وكان سبقت عظة قداسة البابا تلاوة فصلٍ من إنجيل مرقس، بحسب طقس الروم الملكيين الكاثوليك باللغة العربية، وقراءتان من الرسائل.
وبعد تقدمة القرابين ورفعها، ناول قداسة البابا القربان المقدّس لثلاثين شخصاً، يتقدّمهم الرئيس سليمان، في حين كان مئات الكهنة يقدّمون القربان إلى الحشود في الساحات. واختُتم القداس بتسليم البابا نسخاً من الارشاد الرسولي إلى البطاركة والأساقفة الكاثوليك.
وألقى قداسة البابا كلمة، شكر فيها الذين ساهموا في أعمال المجمع، متمنّياً مع تسليم الوثيقة، "البدء بدرسها وتطبيقها، وممّا قاله فيها:
"الاحتفال الليتورجي الذي انتهى للتوّ كان فرصةً لتسبيح الرب على عطية المجمع الخاص لسينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط، الذي عُقد في 11 أكتوبر 2010 حول موضوع: الكنيسة في الشرق الأوسط، شركة وشهادة. "وكانت جماعة المؤمنين قلباً واحداً وروحاً واحدة" (أع 32:4). أودّ أن أشكر جميع آباء المجمع على إسهاماتهم.
وعرفاني يتوجّه أيضاً إلى الأمين العام لسينودس الأساقفة المونسنيور إتيروفيتش، من أجل العمل المنجَز، وللكلمات التي وجّهها لي باسمكم.
بعد التوقيع على الإرشاد الرسولي لكنائس الشرق الأوسط، يسعدني أن أسلّمه لجميع الكنائس الخاصة من خلالكم، يا أصحاب الغبطة وأيها الأساقفة الشرقيون واللاتين في الشرق الأوسط. بتسليم هذه الوثيقة، والبدء في دراستها وتطبيقها من قبل جميع العاملين في الكنيسة، رعاةً وأشخاصاً مكرَّسين وعلمانيين، ليجد كلّ فردٍ فرحةً جديدةً للاستمرار في رسالته، مرتكزاً على الشجاعة والقوّة اللتين سيحصل عليهما، ليبدأ في تطبيق رسالة الشركة والشهادة المنبثقة، بحسب مختلف الأبعاد الإنسانية والعقائدية والكنسية والروحية والرعوية، من هذا الارشاد.
أيها الأخوات والإخوة الأحباء في لبنان والشرق الأوسط،
أتمنى أن يصبح هذا الإرشاد مرشداً للتقدّم في الطرق المتنوّعة والمعقدّة حيث المسيح يتقدّمكم، لتثبيت الشركة في الإيمان والرجاء والمحبة في بلادكم وفي كلّ جماعة، لتعطي مصداقية لشهادتكم للقدوس، الإله الواحد والثالوث الذي اقترب من كلّ شخص.
أيتها الكنائس الحبيبة في الشرق الأوسط، انهلي من ينبوع الخلاص الأصيل الذي تحقّق على هذه الأراضي الفريدة والمحبوبة بين الجميع. تقدّمي على خطى آبائك في الإيمان، الذين فتحوا، بثباتهم وإيمانهم، طريقاً لجواب البشرية على وحي الله. اكتشفي في بهاء تنوُّع القديسين، الذين أينعوا في أرضك، الأمثلة والشفاعة التي تلهم ردّك على دعوة الرب للسير نحو أورشليم السماوية، حيث سيمسح الله كلّ دمعة من عيونكم (راجع: رؤ 4:21)! لتكن الشركة الأخوية عضداً في الحياة اليومية وعلامة للأخوّة العالمية التي جاء يسوع، الابن البكر بين كثيرين، لإقامتها. هكذا، في هذه المنطقة التي شاهدت الأعمال واستقبلت الكلمات، يستمرّ الانجيل يُسمع صداه كما فعل منذ أكثر من ألفي عام مضت، فليكن معاشاً اليوم وإلى الأبد".
انتهى القداس الحبري في الواجهة البحرية لبيروت وعلى وقع ترنيمة "يا مريم سلطانة الجبال والبحار"، ثم تلا قداسة البابا صلاة التبشير الملائكي، وألقى قداسته قبلها كلمة مقتضبة، قال فيها:
"نتضرّع إلى السيدة العذراء كي تساعد كلّ شعوب المنطقة وبخاصة الشعب السوري. تعرفون المشاكل التي تعصف في المنطقة، فالآلام كثيرة، لا نزال نستمع إلى صراخ الأرامل والأيتام والنساء والأطفال، هم أوّل الضحايا. لماذا هذا الكمّ من الموت. أدعو المجتمع الدولي والدول العربية إلى اقتراح الحلول التي تحترم حقوق الانسان".
وتابع: "احترام حقوق الانسان من الحقوق الضرورية وبخاصّة حرية ممارسة الشعائر الدينية. ليس من السهل أن نحترم الآخر ونحبّه إذا كان مختلفاً جدّاً، لكن هذا ضروري من أجل أن يحلّ السلام. أتمنّى أن يحلّ السلام في هذه المنطقة، وأن يفهم الجميع أننا إخوة، العذراء أمّنا تفهم ذلك، ونحن بمعيّة الأساقفة والكرادلة نودّ أن نتضرّع للعذراء لحماية الشرق الأوسط. أتمنّى أن تتحلّوا بالإيمان لتعيشوا معاً كإخوة. نصلي للسيدة العذراء".
ثم منح قداسة البابا البركة الختامية، وغادر المذبح على وقع مزمورَي "إليك يا ربّ أصرخ"، و"خلّص شعبك وبارك ميراثك". وصافح قداسته الرئيس سليمان وعقيلته، وصعد إلى "البابا موبيلي" ليشقّ طريقه عائداً إلى مقرّه في السفارة البابوية في حريصا، وسط تصفيق حادّ وهتافات المؤمنين وتهليل الحشد الضخم.
|