نشكره تعالى على الزيارة التاريخية التي قام بها قداسة أبينا البابا بنديكتوس السادس عشر إلى لبنان، والتي انتهت البارحة، وقد تمّت بنجاح على مختلف المستويات الرسمية والكنسية والرعوية. وقد تشرّفت كنيستنا السريانية بزيارة الأب الأقدس إلى كرسينا البطريركي في دير الشرفة، حيث التقى رؤساء الكنائس غير الكاثوليكية، مختتماً بها محطات زيارة قداسته.
ولا يفوتنا أن نرفع الصلاة راحةً لنفس المثلّث الرحمات البطريرك الكاردينال مار اغناطيوس موسى الأول داود بطريرك السريان الأنطاكي الأسبق والرئيس السابق لمجمع الكنائس الشرقية، الذي غادر هذا العالم الفاني منتقلاً إلى بيت الآب السماوي يوم سبت النور في 7 نيسان المنصرم، وقد ودّعته كنيستنا بمأتم مهيب يليق بهذه الشخصية الكنسية الفريدة. نستمطر مراحم السماء على روحه، سائلين الله أن يجعل نصيبه مع الرعاة الصالحين والوكلاء الأمناء.
مع افتتاح هذا السينودس، لا تغيب عن بالنا الأوضاع المؤلمة التي تشهدها منطقتنا وتعصف ببلداننا المشرقية، والتي ستنال حيّزاً مهماً من البحث والتحليل خلال جلسات سينودسنا، سيّما وأنّ كنيستنا قد نُكبت بها بالبشر والحجر، وقد لا نلمّ بحقيقة هذا الواقع إلا بعد جيلين أو ثلاثة. فبعد النكبات التي لحقت بكنستنا السريانية في تركيا قبل قرن، وفي لبنان قبل ثلاثة عقود، وفي العراق قبل جيلين، نشهد أعمال عنف تغذّيها البغضاء والأطماع المادية وتنذر بالوبال الوخيم على سوريا بكل فئاتها عامةً وعلينا نحن المسيحيين بشكل خاص. وما الأخبار التي تردنا من أبرشيتي حمص وحلب من قتل وتهجير وتدمير، سوى دليل قاطع على أنّ حضورنا في هذا البلد العزيز أضحى مهدَّداً بشكلٍ مخيف.
لكنّنا أبناء الرجاء بالرب يسوع وبكلمته الحيّة، ورجاؤنا لا يخيب. "لا بل نفتخر بشدائدنا نفسها، لِعلمِنا أنّ الشدّة تلد الثبات، والثبات يلد فضيلة الاختبار وفضيلة الاختبار تلد الرجاء، والرجاء لا يخيِّب صاحبه، لأنّ محبة الله أُفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي وُهب لنا..."، كما يعلّمنا مار بولس رسول الأمم (روم 5: 3 ـ 5).
وإننا إذ نحمد الله على تمكُّن إخوتنا أساقفة أبرشيات سوريا من القدوم ومشاركتنا في أعمال السينودس، نرى من واجبنا أن نجسّد تمنياتنا وأدعيتنا لهم بتفعيل روح التضامن والتعاضد لتخفيف آلام المؤمنين ومساعدتهم على التمسّك بأرضهم ووطنهم إزاء تجربة الهجرة والانسلاخ، متذكّرين تعزية الرب لنا على لسان مار بولس القائل: "لأنّنا إذا شاركناه في آلامه نشاركه في مجده أيضاً" (روم 8: 17).
كما سيناقش سينودسنا أيضاً موضوعاً أساسياً في حياة كنيستنا وخدمة المؤمنين وخلاص نفوسهم، وهو الخدمة الكهنوتية. إنها دعوةٌ لاتّباع الرب بسخاء والتكرّس لخدمة المؤمنين الراعوية بهدف تقديسهم. فما هو واقعها الحالي في كنيستنا، وما هي التحدّيات التي تجابهها من داخل الكنيسة ومن العالم؟ ظاهرة الهجرة المتسارعة والمخيفة، والنقص في الكهنة الذين عليهم القيام بالرسالة في كنيسة الانتشار.
أما التنشئة في الإكليريكية، فما زلنا نبحث عن الطريقة الفضلى لاختيار الإدارة الكفء، لإعداد الكهنة، لخدمتهم ورسالتهم، روحياً وثقافياً ونفسياً، كي تزدهر كنيستنا بكهنةٍ ناضجين وراسخين في دعوتهم، رغم عواصف الحياة وتحدّيات عالمنا السريع التحوّل، هذا هو الهدف الذي تسعى كنيستنا إليه منذ عشرات السنين.
وهنا يُطرح واقع الخدمة الكهنوتية في أبرشياتنا، ونسبتهم إلى المؤمنين وإلى احتياجات الكنيسة، في المشرق وفي كنيسة الانتشار، ومدى قناعتهم بالتمسّك بهويتهم رغم الإغراءات التي تأتيهم من العالم أو من جماعات كنسية أخرى أوفر عدداً وأكثر تقدّماً...
يبقى موضوعٌ بالغ الأهمية في حياة كنيستنا، وهو مشروع الإصلاح الطقسي في ذبيحة القداس الإلهية. هذا المشروع الذي درسته اللجنة الطقسية الليتورجية المنبثقة عن السينودس برئاسة سيادة أخينا مار يعقوب بهنان هندو، والتي نشكرها على جهودها وأتعابها. فنأمل أن نعطي هذا الموضوع ما يستحق من الدرس والبحث، مستأنسين بما حقّقته بعضٌ من الكنائس الشقيقة ذات الطقس السرياني.
وكما ستجدون في جدول أعمال السينودس، سنستمع إلى التقارير عن أبرشياتنا في الشرق وبلاد الانتشار، وتقارير عن مؤسساتنا الرهبانية وعن الإكليريكية. كما سنستمع إلى طرح مشروع استثمار متعلّق بوقفنا في القدس...
وسنعرض أمامكم موجزاً عن أبرز أعمال ونشاطات الكرسي البطريركي منذ انتهاء السينودس الماضي حتى اليوم، ولعلّ من أبرزها:
مؤتمر الكتاب المقدس في الكنيسة السريانية الذي نظّمته إكليريكية دير الشرفة في أيار المنصرم، وهو الأول من نوعه في كنيستنا، وقد لاقى أصداءً إيجابيةً مشجّعةً للمستوى المميّز من حيث المحاضرين والتنظيم والإشراف.
اجتماعات متواصلة للجنة السريانية المحلية المشتركة في لبنان بين الكنيستين السريانيتين الكاثوليكية والأرثوذكسية، بهدف متابعة موضوع تمثيل السريان في مختلف مؤسسات الدولة ووظائفها.
ولا ننسى زيارتنا إلى كيرالا ـ الهند، حيث شاركنا في تدشين كاتدرائية جديدة، وزرنا للمرة الثالثة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الملنكارية الشقيقة، والتي فرحنا بزيارة رئيسها غبطة أخينا الكاثوليكوس مار باسيليوس اقليميس، يرافقه المطران مار يوليوس أبراهام كاكانات، حيث شاركَنا في استقبال قداسة البابا وفي جلسة أخوية مشتركة مع آباء سينودسنا ليل البارحة، وقد سُرّ كثيراً بزيارته ووعدَنا بزيارة ثانية قريبة بإذن الله.
كما نذكر رحلة الحجّ التي قمنا بها إلى فرنسا، سيّما زيارتنا للرهبانية البنديكتية في بلّوك، صاحبة الفضل في تأسيس إكليريكية مار أفرام ومار مبارك في القدس، وزيارة البركة إلى لورد.
أكرّر شكري لكم جميعاً لحضوركم أعمال سينودسنا هذا، واثقاً بأننا سنعمل سويةً بشراكة سينودسية نابعة من المحبة والحق. فأنظار أبنائنا وبناتنا السريان المنتشرين في كل أقطار العالم شاخصةٌ إلينا، تنتظر منّا كل ما يؤول للخير ولبنيان الكنيسة المقدسة، عروس المسيح وجسده السري، بشفاعة القديسة مريم العذراء والدة الإله سيدة النجاة، وشفيع كنيستنا مار أفرام، وجميع القديسين والشهداء.
دير الشرفة في 17/9/2012
|