أعدّت الإرسالية برنامجاً حافلاً لغبطته، كانت الأولوية فيه للجانب الراعوي ولقاء المؤمنين للحديث إليهم والتعرّف على أحوالهم.
فكان افتتاح لقاءات غبطته بالرعية اللندنية لقاء مفتوح صباح السبت 27/10 مع أطفال الإرسالية وذويهم في قاعة الكنيسة التي فيها تتمّ الاحتفالات الليتورجية لرعيتنا السريانية كل يوم أحد. وقد حاور غبطته الأطفال بحنان الأب والمعلّم، وأجاب إلى أسئلتهم الصغيرة، ومنها: ما هو الكاهن، وما هو المطران، وما هو البطريرك؟ وما معنى اللحية التي يحملها المطران أو البطريرك؟
ووجّه غبطته كلمة أبوية للأهل حول التربية المسيحية وتماسُك الأسرة في المحيط الغربي الذي قصدوه، نشداناً للحرية والأمان، من دون أن ينسوا جذورهم الشرقية وانتماءهم إلى وطنهم الأم وكنيستهم الأم. ثم تناول غبطته والأساقفة المرافقون طعام الغداء مع الأطفال وذويهم في قاعة الكنيسة في جوٍّ عائلي يزيد من الألفة والتماسك بين الراعي والرعية.
وكان غبطته قد سبق هذا اللقاء بزيارة لكنيسة الثالوث الأقدس الراعوية اللاتينية التي ضمّت لقاء الأطفال والتي تحتضن جماعتنا السريانية، حيث استقبله خوري الرعية الأب ريشارد والأب نزار عجم كاهن رعيتنا السريانية اللندنية الذي يُعتبر كاهناً مساعداً للرعية اللاتينية أيضاً في الكنيسة ذاتها. وتؤمّن هذه الرعية سكناً لإقامة كاهننا ضمن كهنة رعية الثالوث الأقدس، مما يوفّر له جواً هادئاً وأخوياً مع كاهنين إنكليزيين آخرين. وتقع هذه الكنيسة في منطقة بروك غرين، في القطاع الغربي للمدينة.
أما في المساء فقد شرّف غبطته حفلاً ودياً أقامته في إحدى قاعات المدينة الجمعية الخيرية (ICIN) التي تنشّطها الدكتورة سهى رسام، مؤلّفة كتاب "المسيحية في العراق" باللغة الإنكليزية. وتعنى هذه الجمعية بمساعدة الفقراء في العراق أو في بلاد العبور، ومساندة بعض المشاريع الصغرى التي تتبنّاها الكنيسة في العراق. وكان ريع الحفل المذكور للمساهمة في مشروع إقامة مستوصف خيري في قره قوش. وقد وجّه غبطته كلمة معبّرة للمشاركين مثمّناً مبادرات تضامنهم مع إخوتهم في البلد الأم، وأهاب بهم للأمانة على قيم الأجداد والمحبة والتعاون.
وقد أدّى الشباب والفتيات من ذوي الكفاءات في هذه الأمسية تراتيل كنسية وأغاني ومعزوفات وحتى مسرحية عراقية مرحة. وتجدر الإشارة إلى أنّ السواد الأكبر من الجالية السريانية الكاثوليكية هم من العراق، وقد هاجر القسم الأول منهم إلى المملكة المتحدة منذ السبعينات والثمانينات، بينما جاء القسم الأكبر بعد الحصار ولا سيّما منذ 2003.
وكان اللقاء القمّة بين الراعي والرعية هو قداس الأحد 28/10 في كنيسة الثالوث الأقدس، حيث غصّت الكنيسة بالمؤمنين. فلقد ترأس غبطته قداساً حبرياً رسمياً، يحيط به الأساقفة الأربعة المرافقون، وهذه أول مرة يرى فيها اللندنيون غبطة البطريرك وهذا العدد من الأساقفة. وخدم القداس جوق الشمامسة، وجوق المرتلين والمرتلات، وقد أدى الجوقان تراتيلهما العربية والسريانية أداءً رائعاً.
وهنا أيضاً توجّه غبطته إلى أبنائه بالثناء على إيمانهم وتعلّقهم بكنيستهم وطقسهم، وحثّهم على الأمانة لرسالتهم ولدورهم الهام في الشهادة لقيم شرقهم في تماسك الأسرة وأسس التربية المسيحية وقيم الروح إزاء تهافت المادة في هذا المحيط الغربي الذي بات حقلاً جديداً وجدياً للتبشير بقيم الإنجيل.
كانت كلمات غبطته وهيبة الاحتفال تعيد الأبناء إلى أجواء رعياتهم الأم في الموصل وبغداد وقره قوش وبرطلة والشرق عموماً، فتثير الحنين في عيونهم ومشاعر الإيمان في قلوبهم. وقد تقدّم الجميع من مائدة الخلاص والفرح والحياة.
والتقى غبطته بأبنائه وكاهن الإرسالية من جديد في قاعة الكنيسة بعد القداس للسلام على غبطته ونيل بركته والتقاط الصور التذكارية معه. أما طعام الغداء المشترك على شرف غبطته والوفد الأسقفي المرافق، فقد أقامته الإرسالية في قاعة النادي الآثوري في شارع تامبل، في القطاع الغربي من المدينة. وقد شارك في حفل الغداء سيادة المطران ألن هوب، معاون رئيس أساقفة ويستمنستر المسؤول المباشر عن الجاليات الشرقية الكاثوليكية، وكاهنا الرعية زميلا كاهننا، وكاهنا الجالية الكلدانية والآشورية في المملكة المتحدة.
وتضمّن الحفل كلمة ترحيب من قبل راعي الإرسالية الأب نزار سمعان عجم، وكلمة المجلس الراعوي، ثم كلمة صاحب الغبطة. وكعادته شدّ غبطته من عزم الجالية ودعاها إلى الترسّخ في الإيمان والأمانة. كما تضمّن البرنامج بعض الأغاني الشعبية أحيتها مواهب من أبناء الإرسالية. وكان الجو الأخوي والفرح وروح الخدمة عند المنظّمين يعكس سعادة الإخوة إذ يكونون معاً.
يوم الإثنين 29/10 كان مخصصاً لزيارة كنيسة ويستمنستر أبيي الشهيرة في قلب لندن، حيث استقبل غبطته على عتبة الكنيسة الكبرى مسؤول الكنيسة الأنكليكاني ببزته الكنسية الرسمية الحمراء، وصار دليلاً لغبطته والوفد المرافق لشرح معالم الكنيسة الضخمة وتاريخها منذ عهدها الكاثوليكي، ثم الأنكليكاني منذ هنري الثامن، واستخداماتها الدينية والمدنية. علماً أنها كاتدرائية العرش البريطاني، فيها تقوم الملكة بإلقاء كلمة العرش في المناسبات الملكية الكبرى، وفيها يجلس مجلس عموم الكومنولث، وفيها قبور معظم ملوك بريطانيا العظمى، كما تضم قبور أو شواهد عظماء إنكلترا من علماء وشعراء وقادة عسكريين ومدنيين، ومنهم على سبيل المثال قبر الملك الطوباوي شارل السادس والعالم اسحق نيوتن. وبعد تأدية الصلاة بالسريانية ترك غبطته والوفد المرافق وستمنستر، متوجّهين إلى كنيسة سان بول كاثيدرال.
كنيسة مار بولس هذه هي الكاتدرائية الفعلية لأبرشية لندن الأنكليكانية، وتقع في القطاع الشرقي للمدينة، وتُعدّ من المباني الأكثر ارتفاعاً في العاصمة البريطانية، ومن الناحية الهندسية هي على نمط كنيسة القديس بطرس في روما. استُقبل غبطته من قبل مسؤول الكنيسة أول الأمر في دار الكهنة المجاور، وهو بكامل قيافته الكهنوتية، أي السوتانة السوداء والزنار الأسود، ثم بعد الضيافة، نزل الجميع إلى الكنيسة الواسعة التي كانت تعجّ بالزوار. علماً أنّ الإكليروس الأنكليكاني يلبس مثل الكاثوليكي، والكنائس الأنكليكانية احتفظت بوضعها ومذابحها وتماثيلها وهندستها الداخلية كالكنائس الكاثوليكية عموماً. وكان مسؤول الكاتدرائية يشرح لغبطته وللوفد المرافق تاريخ الكنيسة واستخداماتها.
أما مساءً، فقد التقى غبطته مع أعضاء وضيوف الجمعية الخيرية (ICIN)، وتحدث إليهم عن أوضاع مسيحيي الشرق الأوسط حاضراً ومستقبلاً، والظرف الصعب الذي يواجهونه. كما تحدّث الأساقفة المرافقون، كلٌّ بدوره ومن وجهة نظر معيّنة، عن العيش المشترك الضروري الذي يجب أن نبحث عن سبله مع الأكثرية في خضمّ الموجة الأصولية الحالية، وكذلك في ما بين الكنائس المسيحية، وعن بعض المشاريع الصغرى مما تبدي الجمعية استعدادها للمساهمة فيه في الأبرشيات العراقية.
صباح يوم الثلاثاء 30/10 استقبل رئيس أساقفة ويستمنستر الكاثوليكي، المطران فنسنت نيكولس، غبطة أبينا البطريرك والوفد المرافق له في مقر رئاسة الأبرشية اللندنية الكاثوليكية، وكان اللقاء ودياً للغاية. وفيما شكر غبطته حسن استقبال الكنيسة الكاثوليكية جاليتنا السريانية الكاثوليكية واحتضانها إياها مع كاهنها، طرح غبطته مشروعين اثنين على رئيس الأساقفة، وهما: تبادل ثقافي بين كنيستينا لقبول كهنة سريان وطلبة إكليريكيين يدرسون في لندن، والمساعدة في اقتناء كنيسة خاصة بالسريان في لندن. وقد أبدى رئيس الأساقفة استعداده التام للمساعدة في إيجاد كنيسة ملائمة لهذا الغرض في منطقة ملائمة. وكلّف الأب كاهن الجالية السريانية في لندن بمتابعة المشروع.
وكان غبطة أبينا البطريرك يركّز في لقاءاته المختلفة مع أبناء الجالية على ضرورة اقتناء مركز خاص في لندن يجمع الفعاليات السريانية ويكون بمثابة دار ومرجعية للانتماء السرياني واستقلالية الجالية في أنشطتها وحركتها. هذا وتقع المطرانية بجوار الكاتدرائية في وسط لندن قرب محطّة فكتوريا الشهيرة. وقد تكلّلت الزيارة بالتجوال في أرجاء الكاتدرائية والختام بتشمشت العذراء بالسريانية في أحد مذابحها المخصصة للعذراء مريم.
أما اليوم الأخير من الزيارة البطريركية للعاصمة البريطانية، فكان مخصصاً لردّ الزيارة لمراكز الكنائس الشرقية الشقيقة، الكاثوليكية والأرثوذكسية. فبعد القداس الإلهي في كنيسة الثالوث الأقدس الذي أقامه بحسب الطقس اللاتيني الأب نزار عجم، وحضره غبطته والوفد الأسقفي المرافق له، بمناسبة مرور عامين على مذبحة سيدة النجاة، توجّه غبطته ومرافقوه إلى مقر سكن الأب حبيب النوفلي كاهن الإرسالية الكلدانية، حيث استقبلهم أركان اللجنة الكنسية الكلدانية، وقد انضم إلى الوفد البطريركي بعضٌ من أعضاء اللجنة الكنسية السريانية، وتناول الجميع طعام الفطور على مائدة الأب النوفلي في شارع كافنديش آفنيو في إيلينغ.
ومن هناك توجّه غبطته والوفد المرافق إلى كنيسة العذراء للإخوة الآشوريين، حيث استقبل غبطته الأب طوني ملحم راعي الكنيسة المشرقية التابعة للبطريرك مار دنخا في منطقة ويستمنستر روود في هانويل. بيد أنّ غبطته لم يستطع زيارة الأخوة في الكنيسة الشرقية القديمة التابعة للبطريرك مار أدي لغياب راعيها خارج البلاد، غير أنّ هذا الأخير شارك قبل سفره بلقاءات مع غبطته.
وكانت الزيارة الثالثة لمطرانية وكنيسة السريان الأرثوذكس، حيث استقبل غبطتَه سيادةُ المطران مار أثناسيوس توما دقّما النائب البطريركي للسريان الأرثوذكس في المملكة المتحدة وكهنته وجمهور من الشعب السرياني بحسب المراسيم السريانية الرسمية، أي من الباب الخارجي وبالبدلة الطقسية والبخور على لحن "تو بشلوم".
وبعد صلاة طقسية بالسريانية في الكنيسة وتبادل الكلمات، صعد غبطته وراعي الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، محاطين بالسادة الأساقفة والكهنة من الكنيستين الشقيقتين، إلى صالون الكنيسة. وهنا أهدى سيادة المطران دقّما غبطتَه والأساقفةَ المرافقين ميدالية تذكارية بمناسبة يوم افتتاح الكنيسة التي بُنيت بهمّة أبناء الرعية، وهم جلّهم قادمون من العراق. وكان مشهد المؤمنين يتباركون بصلاة وبركة غبطته يملأ القلوب فرحاً كما في كل مناسبة يجتمع فيها أحبار الكنيستين الشقيقتين السريانيتين الأنطاكيتين. ويخدم الجالية السريانية الأرثوذكسية في المملكة المتحدة مطران وكاهنان مع رهط الشمامسة.
وكانت مسك الختام زيارة مقر كهنة الجالية المارونية، في منطقة دوبسون كلوز في سويس كوتاج، حيث كان الأب شربل قزي راعي الكنيسة المارونية في انتظار غبطته على عتبة الدار، آسفا لعدم استطاعته استقبال صاحب الغبطة في الكنيسة التي هي قيد الترميم حالياً. وتجدر الإشارة إلى أنّ رعايا الجالية المارونية في أوروبا تنظّموا حديثاً منذ بضعة أشهر في أبرشية ذاتية يرئسها المطران ناصر الجميّل ومقرّه في مدينة باريس بفرنسا.
هذه الزيارات المتبادلة ليست مجرد لقاءات بروتوكولية، بل لها بعدٌ مسكوني ووحدوي. فهي تعبير في الوقت عينه عن علاقات التعاون والانفتاح والتكامل القائم والضروري بين الجاليات الشرقية والكنائس الشقيقة في هذه البلاد، إذ أنها تحمل الرسالة ذاتها في مرافقة أبنائها في رعاية إيمانهم والحفاظ على طقوسهم ومتابعة التواصل بين كنائسهم الأم والعالم الجديد الذي جاؤوه، في انفتاح لقيمه الإيجابية دون الذوبان في متاهاته، بل لأداء رسالة التبشير والشهادة فيه. إذ، بشهادة القائمين على كنائس الغرب ذاتهم، كم يحمل إليهم الشرقيون من حرارة الإيمان والتمسّك بالكنيسة والأمانة لاسم المسيح. فلا ينبغي أن يكون تنوّعهم في هذه البلاد شكلاً من أشكال الانطواء على الذات، بل لحمل البشرى.
هذا كان بالذات، مع توجيهات أبوية أخرى في الأمانة والثبات والتنشئة المسيحية للأولاد والتعاون والالتفاف حول كاهن الرعية والحفاظ على الانتماء، محور حديث غبطته الختامي في العشاء الأخير الذي تناوله غبطته والوفد المرافق في قاعة كنيستنا، بمشاركة الأعضاء العاملين في اللجان الكنسية: أعضاء المجلس الراعوي، أعضاء الجوق الكنسي، ممثّلين عن الجمعية الخيرية، أعضاء اللجنة الخاصة لإعداد زيارة غبطته. وقد شكر غبطته كاهن الإرسالية وجميع الذين ساهموا معه بشكل أو بآخر في إنجاح هذه الزيارة.
وغادر غبطته لندن ظهر يوم الخميس الأول من تشرين الثاني 2012، متوجّهاً إلى مونتريال بكندا، لاستكمال زياراته الراعوية بزيارة أبرشية سيدة النجاة في الولايات المتحدة الأميركية وكندا.
|