"جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي"
إخوتي أصحاب السيادة والنيافة رؤساء الأساقفة والأساقفة
الخوارنة والكهنة الأعزاء
الرهبان والراهبات والشمامسة
أيها الشعب المبارك
ما كنت أنتظر أبداً أن أحتفل معكم بالذبيحة الإلهية في هذا جوّ الحزن والأسف على فراق أخٍ وصديقٍ حبيب، هو المثلّث الرحمات المطران مار يوليوس ميخائيل الجميل، الذي فقدناه إثر وعكة صحية ألمّت به ولم تمهله سوى أيام وساعات قليلة.
عندما نصلّي الصلاة الربانية، نقول "لتكن مشيئتك يا رب كما في السماء كذلك على الأرض". نعم نحن نسلّم بمشئية الله ونقبلها، وإن كان الألم يغمرنا لغياب هذا الوجه المشرق في كنيستنا السريانية.
في نص رسالة القديس بولس الرسول إلى تلميذه تيموتاوس الذي تلي على مسامعنا، يوصيه الوصية الأخيرة، يوصي الرسول تلميذه أن يكون أميناً للدعوة، أميناً للرب الذي دعاه، وأميناً للكنيسة التي احتضنته ورعته. وهكذا يعطي ذاته مثالاً حيّاً للتلميذ الأمين: "جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي".
هذا ما نستطيع أن نفهمه من كلام بولس، هذا الرسول الذي قدّم التضحيات والآلام والصعوبات. لقد قاسى مار بولس الكثير لنشر بشرى المحبة والسلام والخلاص، وكان مستعداً أن يلاقي وجه المعلّم الإلهي الذي أضاء له بنوره درب الحق، وجعله رسولاً عظيماً لا نزال نتأمّل بحياته حتى اليوم.
ومن الإنجيل الذي سمعناه، مثل الوزنات التي استودعها ربّ العمل لعبيده وخدّامه، نفهم كم على التلميذ أن يكون أميناً، ليس فقط على الكثير، بل بدءاً بالقليل، أميناً في كلّ لحظة من حياته، وفي كلّ عمل يقوم به، ليستحقّ مكافأة الرب بقوله له "نعمّا أيها العبد الصالح والأمين، كنت أميناً على القليل، أنا أقيمك على الكثير، ادخل إلى فرح سيّدك".
أيها الأحباء،
عرفتُ المثلّث الرحمات المطران مار يوليوس ميخائيل الجميل عندما كنّا نخدم سويةً في بيروت ـ لبنان، خلال تلك الحرب الأهلية المؤلمة. عرفتُ فيه ذاك الانسان الطيّب، المحبّ، المنفتح على الجميع، الذي ينشر حوله الفرح. كان كلّه حميّةً وفرحاً ونشاطاً لنشر كلام الله أينما حلّ.
حياته الأسفقية جعلت منه أباً في المجمع المقدس، منفتحاً وأخاً للجميع، ومتفهّماً لحاجات الكنيسة أينما دعي للخدمة. فقد كان أميناً لسر البطريركية، ثم أصبح مطراناً معاوناً بطريركياً، وأُسنِدت إليه فيما بعد مهمّة النائب البطريركي العام على الأبرشية البطريركية في لبنان. ومنذ ما يزيد على 15 سنة، أصبح المعتمد البطريركي والممثّل لكنيستنا السريانية في روما، لدى قداسة البابا والكرسي الرسولي، ولاحقاً عيّنه قداسة البابا الطوباوي يوحنا بولس الثاني زائراً رسولياً للسريان الكاثوليك في أوروبا. وقد عيّنه قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر منذ بضعة أسابيع عضواً فاعلاً في مجمع دعاوى القديسين التابع للكرسي الرسولي في الفاتيكان.
أيها الأحباء،
نحن شعب إيمان وشعب رجاء، لذلك عندما نفتقد أحداً منّا، نجدّد فعل إيماننا وثقتنا بالمعلّم الإلهي القائل "أنا معكم كل الأيام وحتى انقضاء الدهر".
إنّ مسيرتنا الأرضية، مهما طالت أو قصرت، عليها أن تتكلّل بنور القيامة، وأن تكون انعكاساً لمحبة الله للبشر، وفعل رجاءٍ وفرحٍ، بالرغم من المعاناة، ومهما كان غياب الأحبّاء قاسياً علينا نحن البشر!
نتابع هذه الذبيحة الإلهية، ناظرين إلى ربنا الذي يدعونا إلى الفرح والرجاء، ومتذكّرين أننا جميعاً أهل السماء، وحياتنا على هذه الفانية ما هي إلا مسيرة نحو السماء، مصلّين من أجل راحة نفس أخينا المثلّث الرحمات المطران مار يوليوس ميخائيل الجميل.
هذا ما نطلبه من الرب في هذا الوقت المقدس، ونحن نشيّع فقيدنا الغالي وننقله إلى مثواه الأخير، بشفاعة أمّنا العذراء مريم، والدة الإله الطاهرة المحبول بها بلا دنس، في هذه الكنيسة الرائعة المشيّدة على اسمها، وبشفاعة القديسين الشهيدين مار بهنام وأخته سارة، اللذين نحتفل بعيدهما اليوم، وبشفاعة شهدائنا وشهيداتنا الأبرار أينما كانوا، آمين.
|