ننشر فيما يلي كلمة رثاء بمناسبة رحيل المثلّث الرحمات المطران مار يوليوس ميخائيل الجميل، بقلم الخوراسقف بيوس قاشا ـ بغداد:
هناك مَن ينتظرني
قالوا... وسُمِعَ الخبر... وما أقساه، بل وما أهوَله
عظيمٌ رحل... رايةٌ انحنت... عَلَمٌ أُنْزِلَ من ساريتِه
رحل الجميل إلى دار الأجمل...
لقد بدأتَ بتاريخ، ولكنكَ لم تنتهِ في زمن
لأنكَ أنتَ التاريخ، كما في الأعالي، اليوم وغداً وأبداً
هكذا بالأمس كنتَ رايةً حَمَلَتْها كلمات الزمن
فلم تَمُتْ حتى بعد أنْ مُتَّ...
ماتَ جسدُكَ... وإنْ قالوا قد ماتْ
فناسٌ قد ماتوا قبل أنْ يموتوا
وآخرون وإنْ ماتوا... وسكنوا القبور... هم أحياء
وأنتَ منهم... حيٌّ بالمسيح الحياة
هل تعلم يا سيدي... يا جميل
إننا نمشي أمواتاً، فالموت لهذا الزمن رحمة...
ولا نحيا إلا بكلمةٍ من معلِّمِكَ... مَن آمن بي...
إيمانُكَ أبدعَ كلمة... وصفحات كتبكَ أينعت ثمراً
فكُتب لوحٌ... خُطِّطَ عليه... هنا قد رقد
لكنه غادر... إنه كاهن الله... حَبْر السماء
سليل ملكيصادق، احنوا له قاماتِكم...
واتركوا له سنابلَكم... بعد بركة
خذوها واطعموا أولادَكم
فالحياة في القبور لا تموت
بل الموت هو سبات، من أجل ربّ الحياة
كان لي حديثاً معكم قبل يومين بالتحديد
كما في الأكيد... من مأساة الغياب
وبعد أنْ طال الحديث، رجوتُم قائلاً...
وأطلقتُم نداءً، هناك مَن ينتظرني...
فقلتُ تمضي ساعة ويكثر زوّارُكَ
ولم أكن أعلم حينها... أنّ ربَّنا آتٍ كي يصطحبكَ
ليكلِّلَ هامتَكَ... مجداً وإكليلاً
ويتوّج مسيرتَكَ... كي يورثكَ مُلْكاً واعداً
لم تكن تحلم به... بل أعدَّه لكم عبر اسمٍ في سجلات
فيا حبرنا... اذكرنا أمام الذي أحبّنا... إننا له
ونحن من رعيَّتِكَ وغنمِكَ
وأجدادُكَ قد ذاقوا خبزَنا
وكانوا لنا كما هو عونكَ
قل لخالقِكَ... بعد تقديمِكَ حساب وكالتِكَ
إن الحقيقة قد شُيِّعَت، والغدر أصبح سلالة القانون
والضمائر قد فَسُدت،
وما هناك إلا بيانات واستنكارات
وأضف قائلاً إننا شبعنا تصريحات
فالكراهية والحقد ما هما إلا علامات
ونسي عبد الزمن ملء الفراغات
في العيش والحب ومنح الغفرانات
والأنانية والطائفية والمصلحة أصدرنَ لهم الجوازات
ورحلوا دون منع أو سياجات
وهكذا ضاعت الحقيقة كما في الحياة
وتحولت إلى الغدر وأسلوب الممات
بدلاً من الوفاء نادر الوجود والثبات
فمكاسب زائلة ومناصب هاوية
وما ذلك إلا زمن الهرولة والزائلات
وضاع العناق وغاية العزم والعنفوان
يا حبرنا... سلّم على الذين التحقتَ بهم
قل للأب الرحوم: كنيستك تحتاج الى صوتكَ
وهكذا المعمذين باسمك
قل أن ينهر الأمواج والبحر
كي يُسكتَ البحرَ... فتموتُ الأمواج
أكّد إلى ربكَ... لأجله نحيا
سنبقى له أوفياء، فالمسيرة وإنْ طالت أو قصرت
فنحن له أمناء، وقل له أننا سنُلقي الشِباك... باسمه
وفي ذلك نحن أغنياء
فنحن لا نملك لا خضراء ولا حمراء وإنْ كنا فقراء
عطاؤه عطاء... ومنحُه سخاء... وحُبّه دماءٌ فداءٌ
لا لن نرضى إلا أن نكون له شهداء
وفي ميراثه وخيراته شركاء
فلكَ مني يا حبرنا الراحل... إلى حيث البقاء
صلاةً وتذكاراً... أنشد...
بخوراً أُحرق... وشموعاً أُضيء
أحني له هامتي... ونخلتي تعلن قيامة الحي
ومعها أرزة القديسين
ياعنفوان الزمن، وعزم المسيرة،
إذهب وإطمئن... فيونان ساهر وما هذا إلا نقاء الحب
وما الحب إلا رسالة...
فمعكَ أردّد، في البدء كما في الشروع
هناك مَن ينتظرني... إنه يسوع
نعم إنه ينتظرني... نعم إنه يسوع