قال غبطة أبينا البطريرك: "من الطبيعي أنّ العملية الديمقراطية تحتاج إلى وقت وإلى مراحل انتقالية قد تكون صعبة"، معرباً عن "الثقة بأنّ الشعب العراقي بمختلف مكوّناته يمكنه اجتياز هذه الأزمة". وتابع "هناك من يعمل على إيقاد ما تسمى بالحركات الطائفية"، وعلينا "أن نفهم اليوم في القرن الحادي والعشرين أنّ الدول لا تُبنى على دين أو طائفة"، بل "على أكتاف أبنائها وبناتها المواطنين، وتستند إلى عقولهم، وتطلب مؤازرتهم لكي يتّحدوا في نهضة بلدهم بشكل حضاري"، معرباً عن "الإعتقاد بأنّ الشعب العراقي بكلّ أطيافه سيتمكّن من اجتياز هذه المحنة".
أما بشأن دور وسائل الإعلام في الوقت الراهن، فقد ذكر غبطته أنّ "الإعلام هو السلطة الرابعة"، وهو "يستطيع أن يؤثّر إيجاباً أو سلباً في حياة الشعوب ومطالبها المحقّة". كما "يستطيع للأسف أن يساهم في تغذية الكراهية والنزاعات"، ويمكن القول إنّ "مهمّة السلطة الرابعة هي أن تكون صديقة الحقيقة والحق، بمعنى أنّ عليها نقل الواقع بطريقة محايدة"، وأن "تتيح للناس الذين يتلقّون المعلومة إبداء ردة فعلهم ومدى تأثّرهم بها، لا أن تتدخّل القوى الخفية بالإعلام لتحرّك العواطف المسيئة في الإنسان والشعوب والجماعات"، بهدف"إثارة النزاعات ضمن الشعب الواحد" وفق تأكيده.
وفيما يخص الوضع في سوريا، قال غبطته إنّ "المسيحيين، كسائر الأبرياء من الشعب السوري والأقليات الأخرى، يكابدون آلام ومآسي أحداث العنف في البلاد"، وأردف "لا أقول أنهم المستهدفون الوحيدون، لكن لكونهم الحلقة الأضعف، فهم يعانون الكثير ويتألّمون، وقد كانوا يودّون أن تُحل القضية بالحوار والمصالحة لكي يتمكّن أبناء هذا البلد من بناء دولتهم وحكومتهم ونظامهم بشكل حضاري ومدني".
وأشار غبطته إلى أنّ "الربيع العربي اشتمل على كثيرٍ من الإيجابيات وأكثر من السلبيات"، لا سيّما "من ناحية الصورة التي في المجتمعات الغربية والتي تعتبر نظاماً معيّناً شراً مطلقاً، وكلّ ما يقوم به معارضوه يُعدُّ حركةً وثورةً شعبية"، لافتاً إلى أنّ "سوريا خير مثال على ذلك"، التي "قلنا منذ سبعة عشر شهراً، نحن الرعاة الروحيين، إنّ الوضع فيها خطيرٌ جداً، ولا يمكن وصفه فقط بثورة شعبية"، بل "علينا التعمّق بالدوافع الكامنة لدى البعض للمعارضة والثورة"، مستدركاً "نفهم أنّ هناك مطالبة وضرورة لتغيير نظام ربما كان بوليسياً أو ديكتاتورياً"، لكن "أن يتمّ التغيير بهذا الشكل، واستبدال النظام بآخر يرتكز بشكلٍ أكبر على الديكتاتورية الدينية، فهو أمرٌ خطيرٌ جداً في عصرنا الحاضر".
وخلُص غبطة أبينا البطريرك إلى القول: "لذلك نقول للمجتمعات الأوروبية والغربية إنّ عليها مساعدة الشعب السوري والعراقي واللبناني على اللقاء، من خلال المصالحة والحوار وإيجاد الحلول المناسبة لها للمستقبل، دون تغذية العنف والكراهية، كما فعلت بعض وسائل الإعلام الدولية".
أما بشأن مدى تمكُّن الساحة اللبنانية من الصمود إزاء الوضع السوري، فقد قال غبطته إنّ "اللبنانيين شعبٌ عانى الكثير في الماضي، وهو يتمتّع بالديمقراطية على الرغم من طائفيته"، الأمر الذي "سيمكّنه من الصمود أمام كلّ التحديات خارجية كانت أم داخلية".
وأردف "من الطبيعي أن ينعكس الوضع السوري على الداخل اللبناني دون شك، هناك ما يقارب المئتي ألف نازح، وإن أضفنا اليهم اللاجئين الفلسطينيين، سنجد عدداً كبيراً من الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعداتٍ انسانية"، وهذا "يشكّل بالطبع عبئاً كبيراً على البلاد". لذلك "نطلب من المجتمع الدولي أن ينظر إلى لبنان بشكلٍ عادل، ويساعده على التمكُّن من استقبال هؤلاء اللاجئين والاعتناء بهم".
وأعرب غبطته عن الإعتقاد بأنّ "اللبنانيين كونهم وللأسف الشديد اختبروا آلام الصراعات الداخلية، فسيتمكّنون من التغلّب على كلّ التحدّيات والمصاعب التي سيواجهونها أو بدأوا يواجهونها من جراء ما يحدث للجارة" سوريا.
وذكّر رأس الكنيسة السريانية بأنه "انطلاقاً من كوننا رعاة روحيين، فنحن لا نهتم مباشرة بالسياسة أو الإنحياز إلى أيّ نظام أو حزب أو تنظيم تشريعي معيّن في بلدٍ ما"، لكن في الوقت ذاته "نحن مسؤولون أمام المؤمنين الذين نهتم برعايتهم الروحية". لذلك "نناشد المجتمعات بالمحافظة على تطبيق شرعة حقوق الإنسان، ولا نتأخّر في مطالبتنا الحكومات المحلية باحترامها". كما "نطالب الأمم المتحدة بالتأثير على الحركات الجديدة التي نشهد ولادتها عمّا يسمّى بالربيع العربي، لتحترم حقوق الإنسان بغض النظر عن دين المواطن أو عرقه أو لغته".
ورأى غبطة البطريرك يونان أنه "بدفاعنا عن المسيحيين المتأصّلين في نسيج البلدان العربية، والذين شاركوا شعوبها في تأسيس بلادهم المستقلّة، فنحن ندافع عن حقوقهم المدنية، ونطالب بالفصل بين الدين والدولة بشكلٍ واضح لا يقبل التأويل في الحياة العامة". هذا "ما يجب علينا أن نطالب به الحكومات المحلية في الشرق الأوسط والمجتمع الدولي أيضاً"، أي "تطبيق شرعة حقوق الإنسان التي أصدرتها الأمم المتحدة عام 1948، والتي مضى عليها أكثر من ستّين عاماً، وللأسف، لا تُحترم في بلداننا الشرق أوسطية حرية الدين والمعتقد والضمير".
|