بدايةً دخل غبطته بموكب حبري وهو يحمل الصليب على منكبيه اقتداءً بالرب يسوع الذي حمل صليبه وسار على درب الجلجلة، فيما الجوقة ترنّم "كاد نوفيق" و "من لا يحزن"، فيما الأساقفة والكهنة يحملون الطيوب وبالبخور في كؤوس، ليضعوها على مائدة خُصِّصت لذلك أمام المذبح.
وبعد صلاة البدء وتلاوة الترانيم والصلاوات والابتهالات بلحن الحاش أي الآلام الذي تتميّز به الموسيقى السريانية، والقراءات المقدسة، ألقى غبطته موعظة بليغة تحدّث فيها عن معاني رتبة السجدة للصليب، وفيها "نحيي سرّ الفداء الذي تمّمه المخلّص، مشاركين في الصلاة والتفكّر بسرّ الألم وشكر الفادي".
وإذ أشار إلى أنّنا "لسنا عشّاق الألم، لكنّنا نقدّس آلام المسيح الخلاصية التي قبلها فداءً عنّا، وفدانا بحبٍّ لا مثيل له. ففي هذا الأسبوع، وهو أسبوع الآلام، نرافق يسوع على درب آلامه، معترفين بخطايانا وضعفنا، وملتمسين منه الرحمة".
وتابع غبطته قائلاً: "في يوم الجمعة العظيمة، نسجد له، ونكرّم آلامه الخلاصية، وننشد بحزن، لكن دوماً برجاء، متأمّلين بأعجوبة الحبّ الإلهية التي اكتملت على خشبة الصليب منذ ألفي سنة".
ثمّ تأمّل غبطته بالعبارات السبع الشهيرة التي فاه بها يسوع من على الصليب، شارحاً المعاني الروحية السامية لكلٍّ منها، وهي:
1ـ يا أبتاه إغفر لهم لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون
2ـ الحق أقول لكَ: اليوم تكون معي في الفردوس
3ـ يا امرأة هذا هو ابنكِ، يا يوحنّا هذه هي أمّك
4ـ إلهي إلهي لماذا تركتَني (وهي تذكير بالمزمور 22)
5ـ أنا عطشان
6ـ لقد تمّ
7ـ يا أبتاه في يديكَ أستودع روحي
وفي ختام موعظته، أشار غبطته إلى "هول الأحداث التي تحيط بنا اليوم في سوريا والعراق، فقلوبنا يعصرها الحزن والأسى لأننا نشهد تهجير إخوتنا وأخواتنا في الإيمان، وهم بريئون من الصراعات المخيفة التي تهدم بلدهم وتنذرهم بأنّ المستقبل مخيف وقاتم لهم ولأولادهم. لذا علينا أن نجدّد إيماننا بالعناية الإلهية، ونستلهم الرجاء، ونُفَعِّل المحبّة للشعور بمعاناة النازحين بيننا، والاستجابة لنداء المحبّة، مع تكثيف التضرُّع للرب ليحلّ أمنه وسلامه في هذه البلاد المعذَّبة".
وبعد الموعظة، قام غبطته بتبخير الصليب والسجود له، تلاه كلٌّ من الأساقفة والكهنة والشمامسة، منشدين مع الجوقة وجموع المؤمنين الترنيمة الشهيرة الرائعة "سوغدينان لصليبوخ" ومعناها:
"فلنسجد للصليب الذي به خُلِّصنا، ومع لصّ اليمين نهتف، أذكرنا في ملكوتك".
بعدها سار الجميع بزياح حبري إلى خارج الكنيسة، يليهم شباب حركة مار شربل وهم حاملون النعش الذي وُضع فيه المصلوب، على أنغام ترانيم الآلام. ولدى عودتهم إلى أمام المذبح المقدس، تقدّم جميع المؤمنين وساروا تحت النعش، ثمّ قبّلوا الصليب المقدس.
وبعد ذلك بارك غبطته الطيوب والحنوط التي وُضعت على المصلوب، وأقام صلاة الدفن، ليوضع بعدها المصلوب في المكان الذي هُيِّئ كقبر تحت المذبح الرئيسي على رجاء القيامة.
وفي الختام منح غبطته بركة صليب الرب زوّادةً روحيةلجميع المؤمنين، الذين سجد كثيرون منهم طويلاً متأمّلين قبر المصلوب ورافعين الصلوات إلى الرب يسوع، قبل أن يغادروا محمَّلين بالبركة لهم ولعائلاتهم.
|