حضر القدّاس سيادة السفير البابوي في لبنان المطران كبريالي كاتشا ممثّلاً قداسة البابا فرنسيس، وسيادة المطران جو معوّض ممثّلاً البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وصاحبا السيادة المطرانان مار رابولا أنطوان بيلوني، ومار فلابيانوس يوسف ملكي، وعدد من الأساقفة والكهنة والشمامسة وجموع غفيرة من المؤمنين.
بعد الإنجيل المقدّس، ألقى غبطته موعظة تناول فيها معاني عيد الميلاد "كبشرى فرح وخلاص للبشرية، هذا الفرح العظيم الذي صالح البشر مع الله ونشر السلام في الأرض والرجاء في القلوب".
وأكّد غبطته أنّ "العيد هذا العام يحلّ وفي القلوب غصّة لما يعانيه إخوةٌ لنا وأبناء، في سوريا والعراق، من آلامٍ ومآسٍ واضطراباتٍ تحرمهم بهجته. وإنّنا ومن موقعنا كرعاةٍ روحيين، نشارك جميع إخوتنا رعاة الكنائس الشقيقة الهموم والهواجس التي تهدّد حياة أبنائنا وبناتنا ومستقبلهم، ونجدّد تأكيدنا على الملأ بأنّنا ندعو لإحلال السلام والأمان على أساس الحرّية والعدالة وكرامة الإنسان، دون تأييدٍ لنظامٍ أو حزبٍ سياسي. كما نؤكّد أنّ الديمقراطية التي نفاخر بالتشبُّث بمبادئها، تأبى إقصاء جهةٍ مهما كان عدد أفرادها قليلاً، إنّما الديمقراطية تعلّم احترام الغير وإن اختلف في الرأي والدين أو المذهب، وتسعى إلى نشر السلام والطمأنينة والإحترام بين المواطنين".
وقال غبطته: "نتوجّه في هذه الأيّام الميلادية بعقولنا وعاطفتنا إلى أبنائنا وبناتنا في سوريا الحبيبة الجريحة، وخاصّةً أبناء أبرشياتنا السريانية الأربع، في دمشق وحمص وحلب والجزيرة، التي يقاسي مواطنوها الأمرَّين في ظروفٍ مأساويةٍ تجسّدها حربٌ ضروس تكاد تنعدم معها كلّ مقوّمات الحياة، ممّا يدمي القلوب لما تشهده هذه الأرض العزيزة من خرابٍ ودمارٍ وانهيارٍ اقتصادي وشحنٍ طائفي، الأمر الذي دفع بكثيرٍ من المواطنين إلى الهجرة والنزوح هائمين على وجوههم، بحثاً عن ملجئٍ يأويهم، ويُبعد عنهم خطر الموت. كما يتصاعد في سوريا العنف بإسم الدين، وهو ما حذّرنا منه مراراً قبل حدوثه، الأمر الذي يندى له الجبين، ولا تقبله أيّة أعراف أو مواثيق دولية. وفيما نشدّد أنّنا نحن المسيحيين مكوِّنٌ أصيلٌ ومؤسِّسٌ في سوريا، لا بل نحن سكّانها الأصليون، نناشد الضمير العالمي بذل الجهود الحثيثة لإطلاق سراح جميع المخطوفين، وبخاصّةٍ المطرانين يوحنّا ابراهيم وبولس اليازجي، والكهنة ميشال كيال، اسحق (ماهر) محفوض، وباولو دالّوليو، والراهبات والأيتام. كما نستنكر استهداف المناطق الآمنة، سيّما المسيحية العريقة والموغلة في القدم، كمعلولا وصدد وسواهما.
إنّنا ندعو جميع الأطراف ومعهم كلّ من لهم دورٌ، من دولٍ ومنظّماتٍ، إلى تحكيم الضمير ونبذ العنف وتوحيد الرأي، لوضع خطّةٍ رشيدةٍ تجمع مكوّنات الشعب السوري على اختلاف طوائفها وقومياتها وأحزابها، حول طاولة الحوار والمصالحة لورشة إعادة الإعمار وبلسمة القلوب".
وأضاف غبطته: "أمّا العراق الغالي، هذا البلد الذي طالت معاناته وآلام مواطنيه، فإنّنا نتوجّه إلى جميع مكوّناته لتوحيد الجهود في سبيل زرع بذور السلام الدائم فيه. فمتى خّلُصّت النيّات، وقُطِعَت الطريق على أهل الفتن وزارعي الشقاق والدمار والموت، يستعيد العراقيون ثقتهم بذاتهم وبوطنهم، ويتعاونون مع المخلصين من المسؤولين على الحياة العامّة، في خدمة شعبهم ونهضة بلدهم، لما فيه خيرهم المشترك، ومستقبل أجيالهم الطالعة.
إنّنا نتوجّه خاصّةً إلى أبناء أبرشياتنا ورعايانا في العراق، سيّما في بغداد والموصل وسهل نينوى وإقليم كردستان والبصرة، ونحثّهم على أداء الشهادة لإنجيل المحبّة والسلام بفرحٍ، فيجدوا فعل رجائهم بالرب يسوع مخلّصهم حيث لا رجاء بشرياً، كي تنهض أرض الرافدين بجميع مواطنيها من كبواتها، متغلِّبةً على جنون العنف وعبثية الإنتقام".
تابع غبطته: "أمّا في وطننا الحبيب لبنان، فالمواطنون ما زالوا يعانون سوء الحال، من تشنُّجٍ في العلاقات واتّهاماتٍ بين أهل السياسة، ومعلومٌ أنّ ميزة لبنان هي في تنوُّع مكوّناته، دينياً ومذهبياً وحزبياً، وعليه أن يضحي المثال في محيطه المشرقي في تحقيق العيش الواحد بين مواطنيه والأمانة للحرّيات الدينية والمدنية والمبادىء الديمقراطية الحقّة التي يطمئنّ لها جميع المواطنين، أكثريةً كانوا أم أقلّيات.
ندعو جميع اللبنانيين إلى أن يلجأوا إلى انتهاج الحوار، نابذين لغة التعصُّب والتخوين والإستئثار، ومتحرّرين من الإنتماءات للقوى الإقليمية، وأن يعتمدوا الشراكة في اتّخاذ القرارات وفي تنفيذها، وأن يعطوا الأولوية لخير الوطن والمواطنين ولحثّهم على تشكيل حكومة جديدة على قدر طموح اللبنانيين، برعاية وإشراف فخامة رئيس البلاد".
وختم غبطته موعظته مجدِّداً دعوته أبناءه في الجاليتين السورية والعراقية في لبنان إلى "أن يحيوا الأمل بغدٍ مشرقٍ، فلا بدَّ لملك السلام الذي بميلاده زرع السلام والأمان أن ينشر سلامه في بلادنا المشرقية المعذَّبة. فلا بدَّ للّيل أن ينجلي، ولا بدَّ للظلام أن يزول. وُلِدَ المسيح، هللويا".
وفي نهاية القداس، منح غبطته البركة الختامية، مع التمنيات بعيد ميلاد مجيد وعام جديد يحمل السلام والأمن لبلادنا المشرقية والعالم.
|