الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
غبطة أبينا البطريرك يوجّه رسالة تعزية بوفاة المثلّث الرحمات قداسة البطريرك مار اغناطيوس زكّا الأوّل عيواص

 
 
   

    ننشر فيما يلي النص الكامل لرسالة التعزية التي وجّهها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي الكلّي الطوبى، إلى نيافة الحبر الجليل مار ثيوفيلوس جورج صليبا مطران جبل لبنان وأمين عام المجمع المقدّس للكنيسة السريانية الأرثوذكسية، وجميع الأحبار الأجلاء أعضاء المجمع، للتعزية باسم الكنيسة السريانية الكاثوليكية، بوفاة قداسة البطريرك مار اغناطيوس زكّا الأوّل عيواص بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم، والذي انتقل إلى الملكوت الأبدي في ألمانيا يوم الجمعة 23 آذار 2013.

    نص رسالة غبطة أبينا البطريرك:

 

 

الرقم: 65/2014

التاريخ: 22/3/2014

 

نيافة أخينا الحبر الجليل مار ثاوفيلوس جورج صليبا الجزيل الإحترام

مطران جبل لبنان وأمين عام المجمع المقدّس للكنيسة الأنطاكية السريانية الأرثوذكسية الشقيقة

وجميع إخوتنا المطارنة الأحبار الأجلاء أعضاء المجمع المقدّس الجزيلي الإحترام

 

    بعد المعانقة الأخوية وإهدائكم المحبّة والسلام بالرب يسوع فادينا ومخلّصنا نقول:

    تلقّينا النبأ المفجع بانتقال قداسة المثلّث الرحمات مار اغناطيوس زكّا الأوّل عيواص بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم أجمع، ملبّياً نداء الرب مخلّصه إلى فرح ملكوته الأبدي، مردّداً مع رسول الأمم: "جاهدتُ الجهاد الحسن، أكملتُ السعي، حافظتُ على الإيمان، وقد أُعدّ لي إكليل البرّ الذي يجزيني به الرب الديّان العادل في ذلك اليوم، لا وحدي، بل جميع الذين اشتاقوا ظهوره" (2 تيم 4: 7 و8).

    أجل، رقد هذا الرجل العظيم ورحل عن عالمنا الفاني، مخلّفاً إرثاً ثميناً خطّه بأحرفٍ من نور، تسطع في حنايا تاريخ كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية العريقة في المجد.

    كان قداسته رجل المسكونيات بامتياز، فأقام العلاقات الأخوية وعقد الإتفاقات الراعوية مع رؤساء الكنائس، ونذكر باعتزاز العلاقة التي تربط قداسته بكنيستنا السريانية الكاثوليكية. فكان مقداماً في هذا المضمار، ويعود له الفضل في تقوية أواصر الأخوّة والمحبّة والتعاون بين كنيستينا الشقيقتين، وكم كان يتمنّى أن تصل الكنيستان يوماً إلى الوحدة المنظورة بينهما. وهذا ما نصلّي ونعمل من أجله، راجين أن نبلغ بنعمته تعالى هذه الوحدة المنظورة بين الكنيستين السريانيتين الشقيقتين. وقد التقينا بقداسته آخر مرّة في دير مار يعقوب البرادعي في العطشانة ـ بكفيا ـ جبل لبنان، في الثاني من شهر كانون الثاني المنصرم، حيث لمسنا في قداسته ما عهدناه من محبّةٍ وأخوّةٍ وتقدير، إذ جدّد أمامنا التأكيد على مشاعر المحبّة والرغبة في الوحدة، فقال ما حرفيته:"نحن كنيسةٌ واحدةٌ ولسنا كنيستين، نشترك بأصولٍ واحدةٍ وجذورٍ واحدةٍ، ونمارس طقوساً كنسيةً واحدةً، بل نؤمن إيماناً واحداً". وقد عقدنا العزم على اللقاء مجدّداً في كرسينا البطريركي في بيروت، إلا أنّ رقاد قداسته حال دون ذلك.

    أحبّ شرقنا الغالي، فعمل بكلّ ما أوتي من جهدٍ وقوّةٍ على توطيد دعائم المواطنة الأصيلة الحقّة، وحثّ أبناء كنيسته في بلاد الشرق على الإخلاص للوطن، وعلى التشبّث بأرضهم وبلاد نشأتهم والذود عنها، وعدم هجرتها. كما لم يهمل أبناء الكنيسة الذين قست عليهم الظروف، فاضطرّوا إلى مغادرة الوطن إلى بلاد الله الواسعة، مشجّعاً إيّاهم على الإخلاص لأوطانهم الجديدة، مع الإرتباط الدائم بكنيستهم في بلاد نشأتهم في الشرق، وقد زارهم مراراً متفقّداً شؤونهم، وعيّن لهم الرعاة لتأمين خدمتهم الروحية.

    عرفنا قداسته رائداً في ترسيخ دعائم العيش المشترك، ولطالما كان ينادي بالمحبّة والإلفة والتسامح بين جميع المواطنين لأيّ دينٍ انتموا، لإيمانه بحرّية الإنسان في التعبير وممارسة الشعائر الدينية، كتطبيقٍ حتمي لحقوق الإنسان في عيشٍ حرٍّ كريم.

    خلال سني بطريركيته الأربع والثلاثين، بعث النهضة في الكنيسة السريانية، فاهتمّ ببناء البشر والحجر على السواء. اعتنى بالشبّان والشابّات، فأسّس مراكز التربية الدينية وأقام الدورات اللاهوتية، ما دفع بكثيرين منهم إلى الإنتماء إلى الحياة الإكليريكية. فازداد عدد الرهبان بشكلٍ مطّرد، وأنشأ قداسته رهبنة مار يعقوب البرادعي للعذارى، وأعدّ للكنيسة جيلاً من الرعاة الروحيين مزوّداً إيّاهم بالعلوم الضرورية لرعاية الكنيسة.

    أمّا عمرانياً، فها نحن نعاين الصروح تعلو وتشمخ، من كنائس وأديرة ومؤسّسات كنسية عديدة، في مختلف البلدان التي يقطنها السريان. يأتي في مقدّمتها الصرح الكبير الذي ابتناه قداسته في معرّة صيدنايا ـ ريف دمشق، باسم قدّيس السريان العظيم، مار أفرام ملفان الكنيسة الجامعة.

    امتلك قداسته من الفصاحة والبلاغة ما جعله من أمراء الكلام، وترك مجموعةً ضخمةً من المؤلّفات تضمّ عصارة فكره وقلمه من مواعظ ومحاضراتٍ وسواها في مواضيع ومناسباتٍ شتّى.

    أحبّ الكنيسة السريانية الملنكارية في الهند، وزارها مرّاتٍ عديدةً مبدياً إعجابه بإيمان أبنائها وتعلّقهم بكنيسة أنطاكية.

    ولا ننسى ما عُرف عن قداسته من روحٍ أبويةٍ عطوفةٍ على الغريب والقريب، ومبادرته إلى مدّ يد العون لكلّ محتاج.

    خلاصة القول، إنّ الكنيسة السريانية بل العالم المسيحي خسر برحيل قداسته قامةً نادرةً، فقد كان مثالاً للإيمان بربه وقدوةً للمؤمنين بالصوم والصلاة والإلتزام الكنسي في أحلك الظروف وأقساها شدةً. وجاء انتقاله إلى السماء في وقتٍ تمر منطقة الشرق الأوسط عامةً وسوريا خاصةً بأزمنةٍ صعبة، وهو المعروف بمحبّته لوطنه وشعبه.

    واليوم، نتوجّه إليكم جميعاً، أيّها الأحبار الأجلاء، وإلى آل عيواص الأكارم وأنسبائهم، وإلى أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الأنطاكية وبناتها في العالم، إكليروساً ومؤمنين، بأحرّ التعازي، بالأصالة عن نفسنا، وبالنيابة عن إخوتنا المطارنة الأحبار الأجلاء آباء المجمع الأنطاكي السرياني الكاثوليكي المقدّس، سائلين ربّنا يسوع المسيح، "القيامة والحياة"، أن يتغمّد روح قداسة أخينا المثلّث الرحمات بمراحمه الواسعة، ويهبه إكليل البرّ، ويسكب على قلوبكم جميعاً بلسم العزاء بفيض نعمه وبركاته، وينعم على كنيستكم الشقيقة براعٍ صالحٍ، فيتابع المسيرة بحسب قلب الربّ ومشيئته القدّوسة. وليكن ذكره مؤبّداً.

 

    اغناطيوس يوسف الثالث يونان

     بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

 

إضغط للطباعة