الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
رسالة عيد القيامة للعام 2014 لغبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان

 
 
   

 

 

ܐܓܪܬܐ ܕܥܐܕܐ ܕܩܝܡܬܐ ܦܪܘܩܝܬܐ

ܫܢܬ ܒ̱ܝܕ

رسالة عيد القيامة المجيدة

عام 2014

 

 

ܒܫܡ ܐܝܬܝܐ ܡܬܘܡܝܐ ܐܠܨܝ ܐܝܬܘܬܐ ܐܚܝܕ ܟܠ

ܐܝܓܢܐܛܝܘܣ ܝܘܣܦ ܬܠܝܬܝܐ ܕܒܝܬ ܝܘܢܐܢ

ܕܒܪ̈ܚܡܘܗܝ ܕܐܠܗܐ

ܦܛܪܝܪܟܐ ܕܟܘܪܣܝܐ ܫܠܝܚܝܐ ܕܐܢܛܝܘܟܝܐ ܕܣܘܪ̈ܝܝܐ

 

 

باسم الأزلي السرمدي الواجب الوجود الضابط الكل

 

اغناطيوس يوسف الثالث يونان

بنعمة الله

بطريرك الكرسي الرسولي الأنطاكي للسريان

 

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الاحترام

وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل

وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب

في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

    نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات والخيرات:

 

ܗܳܐ ܐܶܢܳܐ ܥܰܡܟܽܘܢ ܐ̱ܢܳܐ ܟܽܠܗܽܘܢ ܝܰܘ̈ܡܳܬܳܐ ܥܕܰܡܳܐ ܠܫܽܘܠܳܡܶܗ ܕܥܳܠܡܳܐ

هاءنذا معكم طوال الأيّام إلى نهاية العالم(متى 28: 20)

 

1.    مقدّمة: حضور المسيح فيضٌ من قيامته

    قيامة الرب يسوع من بين الأموات في فجر الأحد وهو اليوم الأوّل من الأسبوع، انتصارٌ للمحبّة على الموت، والنعمة على الخطيئة، والحياة على الفناء، وتجدُّد الرجاء بقيامة الإنسان والمجتمعات والأوطان نحو حياةٍ أفضل.

    يظهر يسوع القائم من الموت لأسابيع متتالية وبأشكالٍ مختلفة، إلى يوم صعوده، ليثبّت إيمان تلاميذه بالقيامة، مبدّداً خوفهم، ومشجّعاً إيّاهم على الخروج من يأس القبر والموت والإنطلاق للبشارة بالقيامة. المسيح القائم باقٍ أبداً مع كنيسته كما وعد فمه القدّوس وقال: "هاءنذا معكم طوال الأيّام إلى نهاية العالم" (مت 28: 20)، لكن ليس بصورةٍ ملموسةٍ، إنّما: بكلمته المحيية، وبروحه القدّوس، وبسرّ الإفخارستيا. لذلك ظنّه تلاميذه شبحاً لأنّ جسده القائم الممجَّد هو جسدٌ نوراني لا يُرى إلا بعين الإيمان. وهو يفتح أذهانهم ليفهموا الكتب المقدّسة، مبتدئاً بموسى والأنبياء والمزامير، كما صنع مع تلميذَي عمّاوس. الرب القائم من الموت هو المحوَر الذي يجعلنا نفهم ما تنبّأ عنه الأنبياء قبل مجيئه في ملء الزمن، وما صنعه في حياته العلنية على الأرض، وما سيحدث بعد قيامته.

 

2.    حضور المسيح بكلامه المحيي في حياة المؤمنين

    لثلاث سنواتٍ من الحياة العلنية، كرز الرب وهو يتجوّل بين المدن والقرى، في اليهودية والجليل وصور وصيدا، في خطابٍ مباشرٍ كما في الأمثال، بالبشارة الجديدة المحيية، داعياً الشعب التائق لمجيء المسيح المنتظر، إلى التوبة وطاعة الله، أبيه السماوي. لقد مثّلت المعجزات ـ الآيات التي اجترحها يسوع بدءَ الزمن "المسيحاني"، مؤكّداً على اتّحاده بأبيه السماوي القادر على الخلق من جديد، شافي النفس والجسد معاً، معلناً سرّ الملكوت، الذي ينمو في قلوب المؤمنين، لتتكلّل حياتهم باكتماله في سعادة السماء. ولم تدرك الجموع التي كانت تذهب للقائه وسماعه، وحتى تلاميذه المختارون، كُنهَ رسالة الرب، إلا بعد أن قام ممجَّداً (كما يذكر الإنجيل مراراً). ونفهم أنّ كلام الرب الإله المحيي، كما جاء في الكتاب المقدّس، بعهديه القديم والجديد، هو رسالة حضورٍ لله بين شعبه. فكما أنّ الله أتمّ خلق الكون بكلمته الأزلية (كما ورد في سفر التكوين)، كذلك أكمل "كلمة الله" عمل الخلاص للبشرية برمّتها، تعليماً وآياتٍ وأعمال رحمة مدهشة، متأنّساً في أحشاء الطوباوية مريم فتاة الناصرة البتول الطاهرة، وفادياً، معلّقاً على خشبة، ومنبعثاً من القبر، منتصراً على الخطيئة والموت.

    قيامة الرب، هي فعل إيمانٍ بامتياز، وهي عربون رجاء البشرية في الإنعتاق من ربقة المادّة للإنطلاق في عالم الروح. جسده القائم من الموت ينتقل إلى حالة الجسد الروحاني الذي لا يخضع لشريعة الزمان والمكان، إنّه جسدٌ مملوءٌ من قدرة الروح القدس. وهكذا تختلف قيامة يسوع جوهرياً عن القيامات التي أجراها، التي هي عودةٌ إلى حياة الأرض بمعجزةٍ إلهيةٍ، على أن يعقب هذه العودةَ الموتُ مجدّداً.

    أضحت قيامة الفادي الحدث المحوري الأساسي في صلب الإيمان، يسمو التاريخ ويفوقه. لهذا نرى التلاميذ يشكّون بالرغم من كلّ البراهين الحسّية التي أعطاهم إيّاها الرب: أراهم يديه ورجليه، ودعاهم للمسه، وأكّد لهم أنّه ليس مجرّد روح بل من لحم وعظام (لو 24: 39)، وأكل أمامهم (لو 24: 43). لم يظهر بعد قيامته للعالم بل لتلاميذه لأنّه أراد أن يفتح أذهانهم لقبول كلام الحياة وفهم الكتب المقدّسة، فيُضحوا شهوداً لقيامته "وأنتم شهودٌ على ذلك" (لو24: 48)، بعد فهم الكتب المقدّسة (لو24: 45).

    إنّ الرب يسوع لا يظهر إلاّ للذين يحبّونه، أي الذين يحفظون كلمته ويجعلون منها نوراً لعيونهم، وروحاً وحياةً لمسيرتهم على هذه الفانية، وهدياً لدروبهم وقلوبهم. هؤلاء يحبّهم يسوع، ويحلّ عليهم بروحه القدّوس، وإليه يأتون، وعنده يصنعون لهم منزلاً (يو 14: 23).

 

3.    حضور المسيح في وسط الكنيسة

    بقيامته من بين الأموات، أصبح المسيح الرب حيّاً أبداً وسط كنيسته. فقيامته حدثٌ تاريخيّ مثل حدث موته على الصليب، والحدثان متكاملان: الفداء والتبرير، على ما يؤكّد بولس الرسول: "سلّمتُ إليكم قبل كلّ شيءٍ ما تسلَّمْتُه أنا أيضاً، وهو أنّ المسيح مات من أجل خطايانا، وأنّه قُبِرَ وقام في اليوم الثالث كما ورد في الكتب، وظهر لبطرس ثمّ للإثني عشر (1كور 15: 3 ـ 5). حقيقة القيامة تلقَّتْها الجماعة المسيحية الأولى، وتناقلَتْها الكنيسة بالتقليد، وكتبَتْها في كتب العهد الجديد، وأعلنَتْها بالكرازة مع صليب الفداء. إنّ ظهور الرب العلني لتلاميذه طوال أربعين يوماً بعد قيامته كما ألِفُوهُ قبل الصلب، تأكيدٌ صارخٌ على حضوره الدائم في حياة الكنيسة.

    قيامة الرب انتصارٌ على الموت لأنّه ربّ الحياة، وبموته الكفّاري تضامن مع المتألّمين، فقدّس آلامهم وأعطاها قيمةً فدائيةً، وبذلك أظهر قدسية الحياة البشرية وكرامتها. فكلّ امتهانٍ لحياةٍ بشريةٍ، حسّياً أو روحياً أو معنوياً، هو اعتداءٌ صارخٌ على قدسيتها وعلى عمل الفداء. إنّ ما يجري من اعتداءات تعذيبٍ جسدي وروحي، في هذا وذاك من البلدان حول العالم، يدينه الإنجيل والمسيحية إدانتهما لآلام الصلب التي أنزلها أمثالهم بالسيد المسيح. فآلام المسيح متواصلةٌ عبر آلام الأبرياء من أجل فداء العالم، واعتداءات الصالبين مستمرّةٌ في أولئك المعتدين على الأبرياء.

    تمنح الكنيسة سرّ الخلاص الشامل، ومن خلالها يكشف المسيح محبّة الله لجميع الناس ويحقّقها. وها هو البابا بولس السادس يُسمّي الكنيسة "المشروع المنظور لحبّ الله للبشرية، وهو مشروعٌ يجعل من الجنس البشري كلّه شعباً واحداً لله، يجتمع في جسد المسيح الواحد، ويبني هيكلاً واحداً للروح القدس" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 774 ـ 776).

 

4.    حضور المسيح في سرّ الإفخارستيا

    تتواصل ذبيحة الفداء في ذبيحة القدّاس، فهذا الذي "مات ليفتدينا من خطايانا وقام لتقديسنا"، حاضرٌ أبداً في سرّ الإفخارستيا، حيث استمرارية ذبيحة الفداء ومائدة جسده ودمه للحياة الجديدة. من هذا السرّ تنطلق الشهادة لقيامة المسيح، فيتغذّى المؤمنون به، ليثبتوا في يسوع ويثبت يسوع فيهم (يو 6: 56). وليس هناك احتفالٌ بالذبيحة الإلهية الإفخارستية، من دون الإعتراف بحقيقة قيامة الفادي، الذي "هو هو، أمس واليوم وإلى الأبد" (عب 13: 8). إنّ حضور المسيح في سرّ القربان هو مصدر الرجاء الصامد في حياتنا اليومية وفي التزامنا الدؤوب بعملية تجديدٍ يطال حياتنا، فيجعل منها قرباناً روحياً وعطية فداءٍ لخير إخوتنا، ولتجديد وجه العالم والتاريخ بطبعهما بقيم الإنجيل. وهكذا يحلّ السلام والمصالحة بدل النزاع والخلاف، وتسود ثقافة الحياة عوضَ ظلمة الموت.

    أكّد قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر في قدّاسه الأوّل: "الإفخارستيا هي قلب الحياة المسيحية، وينبوع رسالة الكنيسة، رسالة إعلان إنجيل الخلاص. الإفخارستيا تجعل المسيح القائم حاضراً أبداً، يواصل هبة ذاته لنا، ويدعونا إلى المشاركة في مائدة جسده ودمه".

    وفي تأمّلات آبائنا السريان تأكيدٌ على محورية الكنيسة في سرّ الخلاص من خلال جسد الرب ودمه اللذين تهبهما للمؤمنين به:

    «ܛܽܘܒܰܝܟܝ ܥܺܕܬܳܐ ܕܩܳܠܶܗ ܕܰܒܪܳܐ ܥܒܺܝܕ ܠܶܟ̣ܝ ܢܳܛܽܘܪܳܐ܆ ܘܡܽܘ̈ܟ̣ܠܶܝܗ̇ ܕܰܫܝܽܘܠ ܠܳܐ ܚܳܣܢܺܝܢ ܠܶܟ̣ܝ ܡܶܟܺܝܠ ܘܰܠܥܳܠܰܡ. ܦܰܓܪܶܗ ܝܰܗ̱ܒ ܠܶܟ̣ܝ ܡܶܐܟ̣ܽܘܠܬܳܐ܆ ܘܰܕܡܶܗ ܟܳܣܳܐ ܕܦܽܘܪܩܳܢܳܐ܆ ܚܽܘܣܳܝܳܐ ܠܝܰܠـܕ̈ܰܝܟܝ»(من كتاب ܫܚܺܝܡܳܐالإشحيم، هو كتاب الصلوات الفرضية اليومية البسيطة، مساء يوم الثلاثاء، صفحة 132).

    وترجمته: "طوباكِ أيّتها الكنيسة، فإنّ كلام الرب هو حارسٌ لك، وأبواب الجحيم لن تقوى عليكِ إلى الأبد. فقد منحكِ جسده مأكلاً، ودمه كأس خلاص، مغفرةً لأولادكِ".

 

5.    حضور المسيح بيننا ومعنا ومن أجلنا

    الرب يسوع القائم من الموت أصبح "القيامة والحياة"، و"من آمن به وإن مات فسيحيا" (يو 11: 25). فالقيامة ليست حدثاً يجري في اليوم الأخير فقط، بل هي قبل كلّ شيء شخص يسوع المسيح بالذات "أنا القيامة والحياة" (يو 11: 25). إن كنّا فيه، تكون لنا الحياة التامّة، والقيامة التي ستجري هي حاصلة الآن فينا. أجل، هناك قيامة أخيرة، غير أنّ القيامة التامّة هي المسيح نفسه: "ستأتي ساعةٌ وهي الآن حاضرةٌ، حين يسمع الأموات صوت ابن الله، والذين يسمعون يحيون" (يو 5: 25). لذلك أردف الرب يسوع: "كلّ مَن يحيا ويؤمن بي لن يموت إلى الأبد" (يو 11: 26).

    حضور الرب بيننا هو من أجلنا، فمع كونه غائباً حسّياً عن عيون التلاميذ، إلاّ أنّه حاضرٌ معهم ويرافق خطاهم، يتركهم يختبرون ضعفهم وفشلهم، ثم يظهر لينتشلهم من هذا الضعف ويحوّل الفشل إلى نجاحٍ باهر. نراهم لم يصطادوا شيئاً طوال الليل، لكنّهم بعد ظهور الرب وتوجيه عملهم، يحصدون شباكاً مليئةً بالصيد الوفير (أنظر يو 21: 1 ـ 14).

    إنّ الرب يسوع، مهما احتجب عن عيوننا، يظلّ يرانا ويعرف ما نعانيه، ويأتي في وقتٍ لا ننتظره ليملأ الفراغ الذي يخيفنا ويحزننا، شرط أن نصغي إليه عندما يكلّمنا، وأن نفعل بما يُوحيه لنا، كما حصل مع الرسل في آية الصيد العجيب.

    من هنا أهمّية الصلاة والتأمّل قبل القيام بأيّ عملٍ أو اتّخاذ أيّ قرار. إنّها صلاة الإستنارة والتشفّع التي تبدأ بسماع كلام الله والتأمّل فيه، والإصغاء إلى إلهامات الروح القدس، والتماس شفاعة "أمّ المشورة الصالحة". صلاة المؤمنين وتوبتهم وأعمالهم الصالحة وآلامهم وتضحياتهم، كلّها علامات حضور الرب وسط شعبه.

    ولعلّ مِن أجمل ما يصوّر حضور الرب بيننا واتّحاده بنا، تأمّلٌ لآباء كنيستنا السريانية ضمن صلاة سبت لعازر:

    «ܒܰܪ ܥܶܠܳܝܳܐ ܚܠܰܛ ܗ̱ܘܳܐ ܢܰܦܫܶܗ ܥܰܡ ܬܰܚܬܳܝ̈ܶܐ܆ ܕܢܶܚܠܽܘܛ ܐܶܢܽܘܢ ܥܰܡܶܗ ܒܫܽܘܒܚܳܐ ܒܰܐܬܪܶܗ ܕܰܐܒܽܘܗ̱ܝ»(من كتابܦܢܩܺܝܬܳܐالفنقيث، وهو كتاب الصلوات الفرضية لأيّام الآحاد والأصوام والأعياد، الجزء الرابع، صفحة 769، باعوث (طلبة) مار يعقوب).

    وترجمته: "جعل ابن العليّ نفسه مع السفليين، ليشركهم معه بالمجد في ديار أبيه".

 

6.    حضور المسيح في حياتنا دافعٌ للشهادة له

    الشهادة للرب يسوع هي الإلتزام برسالة الكنيسة الموجَّهة إلى جميع شعوب الأرض وأممها: "إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم" (مت 28: 19). فالإنجيل لا يُفهَم جيّداً إلاّ في ضوء قيامة المسيح التي تجعل كلام الله "روحاً وحياةً"، وتحفظ الكنيسة في حالة شبابٍ دائمٍ، بفضل المسيح الحيّ فيها، الذي يسير بجانبها، مشدّداً عزيمة أبنائها وبناتها، فاتحاً عيونهم لفهم كلامه والعيش بمقتضى تعاليمه، تماماً كما سار مع التلميذين إلى عمّاوس (لو 24: 13 ـ 35).

    البشرى السعيدة التي تحملها الكنيسة إلى العالم اليوم هي أنّ الكلمة الأخيرة هي للقيامة لا للموت، على ما يقول القدّيس أوغسطينوس: "أيّها الإخوة تشجّعوا، الموت سيموت أيضاً فيكم! إنّ ينبوع الحياة وصل إلينا بيسوع المسيح. فلنعمل في الحاضر، ولنأمل في المستقبل".

    لا تقفُ القيامة عند حدود الحياة الروحية، بل تتعدّاها لتبلغ إلى الحياة الخُلقية والإجتماعية والسياسية. "فالفداء القائم على الموت والقيامة يشكّل الحدّ الإلهي الذي فرضه الله على الشرّ، بحيث أنّ الشرّ أضحى مغلوباً جذرياً بالخير، والبغض بالحبّ، والموت بالقيامة (البابا يوحنا بولس الثاني، ذاكرة وهويّة، صفحة 35).

    لذا نرجو لأوطاننا قيامةً روحيةً وخلقيةً وسياسيةً بما يتلاءم مع تعاليم الرب التي طبعها في قلب كلٍّ منّا، متذكّرين كلمة رسول الأمم مار بولس: "فإذا كان أحدٌ في المسيح، فإنّه خلقٌ جديد. قد زالت الأشياء القديمة، وكلّ شيءٍ صار جديداً. وهذا كلّه من الله الذي صالحَنا بالمسيح، وأعطانا خدمة المصالحة" (2 كور 5: 17 ـ 18).

 

7.    حضور المسيح يُدخِلنا في منطق الله وتصميمه الخلاصي

    حضور المسيح القائم من الموت فينا يُنيرنا بشخصه وكلامه وأفعاله، وقد أكّد هو نفسه ذلك: "جئتُ أنا إلى العالم نوراً، فكلّ مَن آمن بي لا يبقى في الظلام" (يو 12: 46).

    إنّ مشاغل حياتنا وهواجسنا الكثيرة ومخاوفنا الدائمة قد تجعلنا ننسى أنّ الرب حاضرٌ، ولربّما تُنسينا كلامه، فتطغى علينا الأحداث اليومية، وتتلاشى قيمة مبادئنا الإيمانية. لا بدّ لنا من اللجوء إلى الرب وإلى كلامه الحيّ والمحيي وإيحاءات روحه القدّوس لنُدرك معاني الأمور، ونُحسن قراءة علامات الأزمنة. فالرب يسوع "واقفٌ على باب قلب كلّ واحدٍ منّا يقرعه، إن سمع أحدٌ صوته وفتح الباب، يدخل إليه ويتعشّى معه" (رؤ 3: 20). إنّه حاضرٌ دائماً ليقوّم إعوجاجنا ويصوّب فكرنا، حتّى لو اعتقدنا أنّ ذلك يخالف مصالحنا الآنيّة، لأنّنا لا بدّ وأن يُطابق فكرُنا فكرَ الله وتصميمه الخلاصي. وهذا ما فعله يسوع في ظهوره للرسل، ولتلميذَي عمّاوس اللذين رافقهما في الطريق، وصحّح نظرتهما للأمور، وبدّد حزنهما، وزرع في قلبهما الأمل والرجاء.

    من هنا، وأمام كلّ ظرفٍ وحدثٍ، علينا أن نستلهم فكر الله من كتبه الموحاة ومن تعاليم الكنيسة، فندخل في "منطق الله". وهذا كلّه يتطلّب أن نكون مؤمنين حقّاً، أي أن نؤمن بالحقائق الإلهية ونعمل بموجبها، ونشهد لها منادين بالإيمان بالإنجيل والتوبة، سعياً إلى تحقيق ملكوت الله على الأرض.

    وخير قدوةٍ لنا في الدخول بمنطق الله وطاعته والإلتزام بكلامه ووصاياه، العذراء مريم، التي في عرس قانا الجليل التمست خير العروسين والمدعوّين، فدعت الخدّام، ومن خلالهم كلّ واحدٍ منّا، للدخول في منطق الله: "مهما قال لكم فافعلوه" (يو2: 5). وهي القدوة من اللحظة الأولى لقبولها تصميم الله الخلاصي بقولها "نعم" جواباً على الملاك، معلنةً استعدادها وجهوزيتها للتكرّس لنشر بشرى إنجيل المحبّة والسلام والخلاص، حتى أضحت شريكةً في التجسّد وشريكةً في الفداء. ولا تزال حاضرةً من سمائها، ترمق بعنايتها الوالدية أبناءها وبناتها المؤمنين المسافرين في بحر هذا العالم، تقودهم كنجمة الصباح إلى الميناء الأمين، وقد أودعنا الرب يسوع إيّاها أمّاً لجميعنا وهو في قدس أقداس آلامه على الصليب: "يا مريم هذا ابنكِ، يا يوحنّا هذه أمّكَ" (يو 19: 26 ـ 27).

 

8.    إطلالة العيد هذا العام

    مع أنّ المسيح قد مات وقام منتصراً على الموت بعد ثلاثة أيّام، إلاّ أنّنا نحن المسيحيين المشرقيين نُصلَب يومياً ومنذ فجر الإيمان بالمسيح، وقد ورثنا عن أجدادنا الرجاء والإيمان بأنّ القيامة لا بدّ آتية يوماً لا محالة.

    وها هو عيد القيامة يحلّ هذا العام أيضاً ونحن نعيش الرجاء في أن يعمّ الأمن والسلام والإستقرار في مجتمعاتنا المشرقية التي لا تزال تئنّ وتحتمل، وتعيش الصراعات والنزاعات وعدم الإستقرار، فيبدو وكأنّ لا مكان في هذه البلاد للفرح والطمأنينة، إذ يسودها الألم والحزن والخوف.

    فمن أرض لبنان المقدّسة إلى سوريا المشرقية، من فلسطين أرض القيامة إلى مصر والعراق، يعيش المسيحيون مع إخوتهم من مختلف الطوائف في مجتمعاتٍ غير مستقرّة.

    وإن كانلبنان اليوم من بين هذه الدول الأكثر استقراراً، غير أنّ المصاعب والأزمات تلاحق شعبه منذ عقود، متأرجحاً بين الأزمات نتيجة الصراعات المؤلمة بين مختلف مكوّناته داخلياً، والتدخُّل الإقليمي والدولي الآثم. ممّا جعل هذا البلد المتألّق في حضارته والفريد في رسالته في محيطه وبين البلدان العربية، يتحمّل الكثير من الخضّات السياسية والأزمات الإقتصادية والتحدّيات الإجتماعية، ممّا يؤثّر سلباً على الأجيال الصاعدة.

    إنّنا نصلّي وإخوتنا رعاة الكنائس في لبنان والشرق مع جميع اللبنانيين من أجل حصول الإنتخابات الرئاسية في موعدها، مع ما يحمّل القيّمين على إجراء هذا الإستحقاق من مسؤولية تاريخية حفاظاً على الموقع الأوّل للمسيحيين في الشرق برمّته، إذ إنّ رئيس لبنان هو الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي. فلا مجال للفراغ والإفراغ، لأنّ في ذلك رسالة واضحة إلى مسيحيي الشرق بأنّ شريكهم المسلم يريد تفريغ الشرق منهم. 

    إنّ وطننا الحبيب لبنان، المميَّز بتنوُّع مكوّناته دينياً ومذهبياً وحزبياً، والذي قال عنه الطوباوي البابا يوحنّا بولس الثاني:"لبنان أكثر من بلد، إنّه رسالة، رسالة حرّية وتعدّدية للشرق والغرب"، عليه أن يُضحي في هذا الزمن الرديء، وفي هذه المرحلة المفصلية من تاريخ وجود المسيحيين في الشرق، المثالَ في محيطه العربي في تحقيق العيش الواحد بين مواطنيه، والأمانة للحرّيات الدينية والمدنية، كما لمبادئ الديمقراطية الحقّة التي يطمئنّ لها جميع المواطنين، أكثريةً كانوا أم أقلّيات.

    لذا ندعو جميع الرعاة الروحيين والمسؤولين السياسيين أن يحملوا وزناتهم بكلّ صدقٍ وتجرُّدٍ، ويقدّروا الأمانة التي أولاهم إيّاها الشعب، فيلجأوا إلى انتهاج الحوار والتفاهم على أساس الإحترام والثقة المتبادَلين، نابذين لغة التعصُّب والتخوين والإستئثار في مختلف المناسبات كما في الخطاب الديني، ومتحرّرين من الإنتماءات للقوى الإقليمية والدولية. نحثّهم كي يعتمدوا الشراكة في اتّخاذ القرارات وفي تنفيذها، وأن يعطوا الأولوية لخير الوطن والمواطنين، تضامناً مع الضعفاء والمهمَّشين وذوي الدخل المحدود، وما أكثرهم في أيّامنا هذه!

    كما نذكّر القيّمين على شؤون لبنان، من روحيين ومدنيين، بأن يحثّوا الهيئة العامّة لمجلس النواب كي تقرّ قانوناً جديداً للإنتخابات النيابية، لا يهمّش السريان، وهم من المكوّنات الأساسية لهذا الوطن.

    ويطيب لنا أن نهنّئ أبناءنا وبناتنا في أبرشية لبنان البطريركية، إكليروساً ومؤمنين، ومعهم جميع اللبنانيين واللبنانيات،بعيد القيامة المجيدة، سائلين الرب يسوع القائم من الموت، أن يعيد هذا العيد عليهم بالخير والصحّة والبركة.

    نتوجّه خاصّةً إلىأبنائنا وبناتنا في سورياالحبيبة الجريحةالمستباحَة منذ أكثر من ثلاث سنوات، والتي أصبحت منهكةً إقتصادياً ومفتّتةً إجتماعياً ومنقسمةً ثقافياً، ونذكّرهم بأنّ الكنيسة تصلّي لتحلّ القيامة في هذا البلد، ولتنتصر لغة الحوار والسلام على لغة المدفع والحرب. فسوريا الحضارة العريقة تنزف دماً والعالم متغافلٌ بل متآمر. لم تعد سوريا تحتمل تهجير الملايين من مواطنيها داخل البلاد وخارجها، لأنّ مقوّمات البلاد تتداعى يوماً فيوماً على رؤوس الجميع. وستأتي ساعةٌ، ما لم يتّعِظِ المتحاربون، ستتداعى سوريا الدولة والشعب والمؤسّسات.

    إننا ومن موقعنا كرعاةٍ روحيين، نشارك جميع إخوتنا رعاة الكنائس الشقيقة، الهموم والهواجس التي تهدّد حياة أبنائنا وبناتنا ومستقبلهم، ونجدّد تأكيدنا على الملأ بأنّنا ندعو لإحلال السلام والأمان على أساس الحرّية والعدالة وكرامة الإنسان، دون انحيازٍ سياسي ولا طائفي. كما نؤكّد أنّ الديمقراطية التي نفاخر بالتشبّث بمبادئها، تأبى إقصاء جهةٍ، مهما كان عدد أفرادها قليلاً. إنّما الديمقراطية الحقّة تعلّم احترام الغير، وإن اختلف في الرأي والدين أو المذهب، وتسعى إلى نشر السلام والطمأنينة والإحترام بين المواطنين.

    وفيما نشدّد أنّنا نحن المسيحيين مكوِّنٌ أصيلٌ ومؤسِّسٌ في سوريا، لا بل نحن سكّانها الأصليون، ولا وجود لسوريا التاريخ العريق والحضارة المنفتحة من دوننا، نناشد الضمير العالمي، كي يبذل الجهود الحثيثة لإطلاق سراح جميع المخطوفين، وبخاصّةٍ مطرانَي حلب للسريان الأرثوذكس يوحنّا ابراهيم، وللروم الأرثوذكس بولس اليازجي، والكهنة الثلاثة: ميشال كيّال، واسحق (ماهر) محفوض، وباولو دالّوليو.ونستنكر استهداف المناطق الآمنة والمواطنين الأبرياء العزَّل، كما حصل للمكوّن المسيحي إكليروساً ومدنيين في بلداتهم وقراهم وأديرتهم وكنائسهم. كما نترحّم على أرواح الشهداء الأبرياء الذين سقطوا ضحية الحرب، ونصلّي من أجل شفاء الجرحى.

    إنّنا ندعو جميع الأطراف، ومعهم كلّ من لهم دورٌ من دولٍ ومنظّماتٍ، إلى تحكيم الضمير ونبذ العنف وتوحيد الرأي، لوضع خطّةٍ رشيدةٍ تجمع مكوّنات الشعب السوري على اختلاف طوائفها وقومياتها وأحزابها، حول طاولة الحوار والمصالحة، لورشة إعادة الإعمار وبلسمة القلوب.

    وإذ نجدّد محبّتنا الأبوية وتضامننا ومشاركتنا الصلاة من أجل أبنائنا وبناتنا في أبرشياتنا السريانية الأربع في سوريا، في دمشق وحمص وحلب والجزيرة، إكليروساً ومؤمنين،نشجّعهم مؤكّدين لهم أنّ فجر القيامة لا بدّ وأن يبزغ، فيضيء درب بلادهم الحبيبة بضياء السلام والأمان.

    أمّا العراق الغالي، هذا البلد الذي طالت معاناته وآلام مواطنيه، فإنّنا نتوجّه إلى جميع مكوّناته في هذا الزمن المقدّس، وقبل أسابيع من الإنتخابات النيابية فيه، متمنّين أن تحصل في جوٍّ هادئٍ وديمقراطي حضاري يثبّت أسس الدولة، ويؤمّن التمثيل الصحيح لكلّ مكوّنات الشعب العراقي. كما نحثّ جميع أبنائه لتوحيد جهودهم في سبيل زرع بذور السلام الدائم فيه. فمتى خَلُصَت النيّات، وقُطِعَت الطريق على أهل الفتن وزارعي الشقاق والدمار والموت، يستعيد العراقيون ثقتهم بذاتهم وبوطنهم، ويتعاونون مع المخلصين من المسؤولين عن الحياة العامّة، في خدمة شعبهم ونهضة بلدهم، لما فيه خيرهم المشترك، ومستقبل أجيالهم الطالعة.

    ونتوجّه بشكلٍ خاص إلىأبنائنا وبناتنا في أبرشياتنا ورعايانا السريانية في بغداد والموصل وسهل نينوى وإقليم كردستان والبصرة، إكليروساً ومؤمنين، معربين لهم عن عمق محبّتنا وصلاتنا كي تزول المحنة عن بلادهم، فيشرق فيها نور القيامة الذي طال انتظاره.

    ونتقدّم بالتهنئة الأبوية منأبنائنا وبناتنا في الأراضي المقدّسة، سائلين الله أن يقوّيهم في الثبات، متجذّرين في تلك الأرض حيث انتصر ربنا يسوع على الموت وأتمّ سرّ تدبيره الإلهي من أجل خلاصنا. ونحن نستعدّ معهم لاستقبال قداسة البابا فرنسيس في أواخر شهر أيّار القادم إن شاء الله، سائلينه تعالى أن تكون زيارة الحجّ هذه سبب بركةٍ وخيرٍ وسلامٍ على الديار المقدّسة والشرق بأسره.

    كما نهنّئ أبناءنا وبناتنا فيالأردن، داعين لهم بالنجاح والتوفيق في أعمالهم، لما فيه خيرهم وسعادتهم.

    ونعايد أعزّاءنا في النيابة البطريركية في تركيا، ونتمنّى لهم الإزدهار وفيض النِّعَم وأسعد الأيّام.

    ونهنّئ أبناء كنيستنا فيمصر، التي نصلّي أن تعيد الإنتخابات الرئاسية القادمة الأمان والسلام لهذه البلاد الحبيبة ولفئات مواطنيها، مهما اختلفت انتماءاتهم وتوجّهاتهم.

    ولا ننسى أبناءنا وبناتنا في كنائسنا وأبرشياتنا وإرسالياتنا في بلاد الإنتشار، في أوروبا وأميركا وأستراليا،فنتوجّه إليهم بالمحبّة الأبوية والتهاني القلبية، وهم في ازديادٍ عددي مطّرد نتيجة الأوضاع الأليمة في الشرق. ونشدّد عليهم أن يتمسّكوا بإيمانهم وتراثهم الكنسي الأصيل ولغتهم السريانية المقدّسة. فعليهم تقع مسؤولية تاريخية في تنشئة أولادهم على مبادئ الإيمان والعادات والتقاليد العريقة، التي ترعرعوا في كنفها في بلاد نشأتهم الأصلية المشرقية، غير مهملين المحبّة والإخلاص للبلاد التي فتحت لهم ذراعيها واستقبلَتْهم بعد أن قست عليهم ظروف الحياة. ونحن نؤكّد لهم سعينا الحثيث واهتمامنا البالغ لتأمين الرعاية الروحية الضرورية اللازمة لهم، بالتعاون مع إخوتنا المطارنة وأبنائنا الكهنة الذين يخدمونهم.

    ولا يفوتنا أن نتوجّه إلى الذين أرغمَتْهم الأوضاع المؤلمة في سوريا والعراق على النزوح والهجرة، تحت كلّ سماء،مؤكّدين لهم محبّتنا ودعمنا المطلق لبذل كلّ جهدٍ ممكنٍ في سبيل مساعدتهم ومؤازرتهم. ونحثّهم على ضرورة التمسّك بإيمانهم وانتمائهم الكنسي، مهما اشتدّت المعاناة، طالبين لهم وفور النِّعَم وراحة البال.

    وفي هذا العيد المجيد، لا يسعنا إلا أن نذكر الفقراء والمعوزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ عائلةٍ غابت عن أعضائها فرحة العيد لفقدانها أحد أفرادها،فلا تجده في حلقة العائلة أثناء بهجة الإحتفال بهذه الأيّام المباركة، سائلين لهم فيض البركات والتعزيات السماوية.

 

9.    أفراحٌ تعمّ الكنيسة في العالم

    بعد رقاد قداسة المثلّث الرحمات أخينا البطريرك مار اغناطيوس زكّا الأوّل عيواص، الذي ودّعناه من بيروت إلى دمشق فمعرّة صيدنايا، بتأثّرٍ وحزنٍ وألمٍ، لكن برجاءٍ لا يخيب، فَرِحْنا مع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة بانتخاب خلفٍ له هو قداسة أخينا البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني كريم، وهنّأناه متمنّين له خدمة مثمرة لما فيه خير الكنيسة. فنحن لطالما أكّدنا مع إخوتنا رعاة الكنيسة الشقيقة أنّنا"كنيسةٌ واحدةٌ وشعبٌ واحدٌ، بأصولٍ واحدةٍ وجذورٍ واحدةٍ، لنا إيمانٌ واحدٌ، وتجمعنا اللغة السريانية المقدّسة والتراث الأنطاكي العريق".

    ونفرح مع الكنيسة الجامعة بإعلان قداسة البابوين يوحنّا الثالث والعشرين ويوحنّا بولس الثاني،في احتفالٍ كنسي مهيب سيتمّ بإذنه تعالى يوم الأحد الجديد وعيد الرحمة الإلهية في السابع والعشرين من شهر نيسان الجاري في حاضرة الفاتيكان. فنشارك قداسة البابا فرنسيس وآباء الكنيسة حول العالم هذه المناسبة المباركة، طالبين بركة وشفاعة هذين القدّيسين الجديدين لبلادنا والعالم.

    كما نفرح أيضاً مع كنيستنا السريانية في أوروبا بتقديس وتدشين أوّل كنيسة سريانية في هولندا، في احتفالٍ تاريخي سنقيمه إن شاء الله مع جميع أحبار كنيستنا يوم الأحد الواقع في الرابع من شهر أيّار القادم. وإنّنا فيما نهنّئ كاهنَي كنيستنا في هولندا وأبناءنا هناك على همّتهم الشمّاء وإنجازهم الرائد هذا، نتمنّى أن يكون ذلك حافزاً لإرسالياتنا السريانية في البلدان الأوروبية الأخرى، فتحذو حذوهم لنثبّت رسالة كنيستنا في تلك البلاد. 

    ولا يفوتنا أن نشجّع أبناء كنيستنا وبناتها في بلاد الشرق وعالم الإنتشار، إكليروساً وعلمانيين، ونوجّههم كي يصلّوا إلى الله أن يؤهّلنا لنكملدعوى تطويب المطران الشهيد مار فلابيانوس ميخائيل ملكي، مطران جزيرة إبن عمر في تركيا،الذي قدّم حياته على مذبح الشهادة دفاعاً عن الإيمان في خضمّ الحرب العالمية الأولى عام 1915. ويغمرنا الرجاء بالوصول إلى إعلان تطويبه في الذكرى المئوية لاستشهاده في العام القادم 2015.

 

10.خاتمة: حضور المسيح دائم ومدعاة للسلام

    إنّ بهجة عيدنا، أيّها الأحبّاء، هي دائماً في متناول أيدينا، ولن يطال الإخفاق مَن أراد أن يُشارك فيها. فالكلمة الذي صار لنا كلّ شيء، هو قريبٌ منّا، ربّنا يسوع المسيح الذي وعدنا بإقامته الدائمة فينا، وحضوره معنا حسبما نادى قائلاً: "هاءنذا معكم طوال الأيام إلى نهاية العالم" (مت 28: 20).

    بهذه الروح نتوجّه إليكم بالتهنئة الأبوية القلبية بعيد قيامة ربّنا يسوع المسيح، راجين منه، وهو ملك السلام، أن ينشر أمنه وسلامه في العالم بأسره، وبخاصة في بلادنا المشرقية المعذّبة.

    ومع قداسة البابا فرنسيس، نؤكّد ما قاله في رسالته الأولى لمناسبة يوم السلام العالمي لهذا العام 2014: "إنّ الأخوّة هي الأساس والطريق إلى السلام... وحدها المحبّة تسمح باكتشاف الأخوّة ومودّتها واختبارها وإعلانها والشهادة لها".  

    وخير ما ننهي به تأمّلٌ من رتبة السلام في يوم عيد القيامة بحسب طقسنا السرياني الأنطاكي:

    «ܫܰܝܢܳܟ ܡܳܪܰܢ ܘܰܫܠܳܡܳܟ ܘܗܰܝܡܳܢܽܘܬܳܟ܆ ܗܰܒ ܠܳܗ̇ ܠܥܺܕܬܳܟ ܩܰܕܺܝܫܬܳܐ ܐܺܝܡܳܡܳܐ ܘܠܺܠܝܳܐ. ܘܒܰܛܶܠ ܡܶܢܳܗ̇ ܣܶܕ̈ܩܶܐ ܘܚܶܪ̈ܝܳܢܶܐ܆ ܘܰܐܥܒܰܪ ܡܶܢܳܗ̇ ܡܰܚܘ̈ܳܬܳܐ ܕܪܽܘܓܙܳܐ. ܘܢܶܬܶܠ ܫܠܳܡܳܐ ܠܰܚܕܳܕ̈ܶܐ ܒܠܶܒܳܐ ܕܰܟ̣ܝܳܐ܆ ܘܚܽܘܒܳܟ ܢܶܗܘܶܐ ܒܰܝܢܳܬܰܢ ܦܳܪܽܘܩܶܗ ܕܥܳܠܡܳܐ. ܗܰܠܶܠܽܘܝܰܗ ܘܗܰܠܶܠܽܘܝܰܗ»(من كتاب ܡܥܰܕܥܕܳܢܳܐالمعذعذان، وهو كتاب الصلوات والرتب الإحتفالية، رتبة السلام في عيد القيامة، صفحة 124).

    وترجمته: "هب يا ربّنا كنيستك المقدّسة أمنك وسلامك والإيمان بك نهاراً وليلاً. وانزع منها الشقاقات والخصومات، وأبعد عنها ضربات الغضب. فنعطي بعضنا السلام بقلبٍ نقي، وتملك محبّتك بيننا يا مخلّص العالم، هللويا وهللويا".

 

    نختم بمنحكم بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية، ولتشملكم جميعاً نعمة وبركة الثالوث الأقدس: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين. وكلّ عام وأنتم بألف خير.

 

ܩܳܡ ܡܳܪܰܢ ܡܶܢ ܩܰܒܪܳܐ... ܫܰܪܺܝܪܳܐܺܝܬ ܩܳܡ

المسيح قام من القبر... حقّاً قام

 

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت ـ لبنان

في اليوم العاشر من شهر نيسان سنة 2014

وهي السنة السادسة لبطريركيتنا

 

إضغط للطباعة