في السويد توجد أكبر جالياتنا السريانية الكاثوليكية في أوروبا، كما هو الحال للجالية السريانية الأرثوذكسية الشقيقة التي لها عدّة كنائس ومؤسّسات اجتماعية وثقافية ومنها محطّتا تلفزيون فضائية، وكذلك الأمر مع الجالية الكلدانية التي تضخّمت في السنوات الأخيرة بتوافد طالبي اللجوء العراقيين. فكان من الطبيعي أن تحظى الأرسالية السريانية السويدية باهتمامٍ خاص من الزائر الرسولي، فيقضي فيها احتفالات أسبوع الآلام والقيامة، حيث يعمل أربعة كهنة سريان كاثوليك، هم الخوراسقف إدريس شعبو، الذي يخدم على الأقلّ ثلاث رعايا في محيط ستوكهولم، والأب عمّار باهينا الذي يخدم في سودرتاليا، والأب سامر الصائغ الذي يخدم في الجنوب ويسكن في مدينة فكشو، والأب حسام شعبو الذي التحق بإرسالية السويد مؤخّراً، ويسكن مؤقّتاً ضيفاً عند الخوراسقف إدريس ويعاونه، وعلمنا أنّه تعيّن مؤخّراً للخدمة في يونشوبينغ ومحيطها (Jönköping).
استقبل الخوراسقف إدريس، عميد كهنتنا في السويد، المطران الزائر عصر يوم الأربعاء 16 نيسان 2014، واستضافه في شقّته في منطقة تنستا، حيث التقى بالأب حسام الذي يقضي فترة نقاهةٍ من جراء عملية جراحية أجريت له قبل أيّام.
وفي كنيسة تنستا القريبة من مكان سكن الخوراسقف إدريس، ترأس مار باسيليوس جرجس القس موسى رتبة غسل أقدام التلاميذ والقداس الفصحي، يوم خميس الفصح 17/4، يرافقه الأبوان إدريس وحسام، بحضور جمعٍ من المؤمنين من كافة الطوائف الشرقية، يُقدَّر بنحو 500 شخص. وكانت جوقة الشمامسة والترتيل تؤدّيان الألحان الطقسية بالعربية والسريانية والسورث أداءً متقناً بقيادة الشمّاس جوزيف صاووق. وقد قُرئت بعض القراءات باللغة السويدية من قبل علمانيات وعلمانيين.
وأحيا الخوراسقف إدريس مع رهطٍ من المؤمنين من الشباب والكبار سهرة صلاةٍ وسجودٍ أمام القربان المقدّس، كما اعتدنا في كنائسنا في الشرق ليلة خميس الأسرار، حتّى وقتٍ متأخّرٍ من الليل. وكان المطران آندرش آربوريليوس، مطران الكنيسة الكاثوليكية في السويد والمشرف الأعلى على الإرساليات الشرقية الكاثوليكية في السويد، قد استقبل المطران جرجس ظهر اليوم ذاته، وتناول طعام الغداء على مائدته في دار المطرانية اللاتينية. عقب ذلك لقاء عملٍ بين المطرانين حول أوضاع الإرسالية السريانية الكاثوليكية في السويد، وأداء كهنتها، وتأقلُمهم مع الواقع الجديد، والصعوبات التي تواجه بعض الرعايا، وكيفية معالجتها.
أمّا يوم الجمعة العظيمة 18/4، فقد ترأس المطران الزائر السرياني مراسيم سجدة الصليب ودفنة المصلوب الرمزية، وألقى عظة المناسبة في كنيستي تنستا فيربيكورد على التوالي، وتقعان كلتاهما في محيط ستوكهولم التي تمتدّ عدّة كيلومتراتٍ على جزرٍ متلاحقةٍ في البحر. وإذا كان المؤمنون في كنيسة تنستا يتوزّعون على عدّة طوائف مع أغلبيةٍ سريانيةٍ، فمعظم المؤمنين في كنيسة فوربيكورد هم من العراق وسوريا، ويقود الجوقة بكفاءةٍ عاليةٍ أحد تلامذة دير الشرفة القدامى: شربل، مع أخيه كابي.وهنا أيضاً عددٌ من الشمامسة الذين سبق لهم أن خدموا في كنائسهم الأصلية في أبرشيات العراق وسوريا ولبنان. وعلى ذكر الشمامسة، هناك مرشَّحون شبابٌ من المداومين على الخدمة في الكنيسة لاقتبال الرسامات الصغرى، إن شاء الله، في زيارةٍ قادمة.
وكان يوم سبت النور 19/4، سبتاً طويلاً حقّاً، إذ تنقّل المطران الزائر السرياني بمعيّة الخوراسقف إدريس بين ثلاث كنائس، هي تنستا وسودرتاليا وفوربيكورد،لإقامة مراسيم القيامة والقداس الإحتفالي، ظهراً وعصراً ومساءً. ويعود مثل هذا التكرار لثلاثة أسبابٍ، أوّلها تباعُد المناطق، ممّا يستوجب تكرار إقامة الطقوس فيها، وثانيها الكثافة الديمغرافية المتزايدة للمؤمنين، ممّا لا تستوعبه كنيسةٌ واحدةٌ في منطقةٍ واحدةٍ، وثالثها هو عدم امتلاك طائفتنا أيّة كنيسةٍ خاصّةٍ لها، ممّا يستوجب استئجار كنائس محلّية أو من الطوائف الشرقية الشقيقة. وأملنا كبيرٌ في أن يعقد أبناؤنا هناك عزمهم ويشدّوا عزيمتهم للتخطيط سويّةً مع كهنتهم لاقتناء أرضٍ أو كنيسةٍ خاصّةٍ بهم في منطقة وسط في ستوكهولم الكبرى، وإيجاد آليةٍ ماليةٍ وقانونيةٍ لتحقيق هذا الحلم الذي يؤمّن قاعدةً متينةً لمستقبل كنيستنا في هذه البلاد. أليس أنّ هذا الحلم مشروعٌ، سيّما وأنّ السويد تضمّ أكبر جالياتنا السريانية في أوروبا؟
وككلّ الكنائس في مثل هذه المناسبات، كانت الكنائس الثلاث مكتظّةً بالمؤمنين، بل استخدمت قاعاتها أحياناً لنقل وقائع الإحتفالات. غير أنّ كثافة الحضور كانت متميّزةً حقّاً في كنيسة مار يعقوب النصيبيني للسريان الأرثوذكس في سودرتاليا، التي اختارها الأب عمّار باهينا لإقامة مراسيم القيامة والقدّاس الفصحي الكبير، لحشدٍ بلغ زهاء 1300 مؤمنٍ، معظمهم من أبناء أبرشيات الموصل وبغداد. وبوجود شمامسةٍ مارسوا الخدمة الطقسية في أبرشياتهم الأمّ، يتشجّع الكاهن لإقامة الشعائر بصيغٍ أقرب ما يمكن إلى تقاليدنا في الكنائس الأمّ. كما امتلأ قلب الزائر السرياني بهجةً وحماساً، وتوجّه بموعظة القيامة مندفعاً، وكأنّه في إحدى كنائس الموصل. وركّز سيادته على قيم الإيمان والشهادة التي يحملونها إلى هذه البلاد، بدءاً من عائلاتهم، حيث يتضاعف واجبهم التربوي هنا تجاه أولادهم، لنقل قيم الصدق والإيمان والمثال الصالح، وقيم العائلة المتحابّة المتماسكة الصامدة أمام الرياح الغريبة. وتبقى الكنيسة ملتقاهم وصخرة انتمائهم ووحدتهم، ورباط تعلُّقهم بالوطن الأمّ الذي ينبغي أن يبقى ساكناً وجدانهم.
أمّا يوم الأحد 20/4، عيد القيامة المجيد، فقد توجّه الزائر الرسولي السرياني مع الخوراسقف إدريس منذ الصباح الباكر نحو مدينة لينشوبينغ بعد نحو 150 كيلومتراً إلى جنوب العاصمة، لإقامة قدّاس عيد القيامة، وإشراك المؤمنين في فرحة الفصح في طقوسهم الشرقية، وهم من طقوسٍ وجنسياتٍ مختلفةٍ، من سوريا والعراق ولبنان ومصر.
ومن هناك، عاد سيادته إلى كنيسة تنستا للإحتفال بقدّاس صباح القيامة. وكان الأب حسام في هذه الأثناء يقيم قدّاس العيد في كنائس أخرى، كما فعل في اليوم السابق السبت. وكذلك توزّع سيادته والكهنة صباح يوم الإثنين 21/4، ثاني يوم عيد القيامة على عدّة كنائس.
في مثل هذه الأيّام المعطَّرة بعبق نعمة الإيمان وفرح اللقاءات، يبقى التعب شيئاً ثانوياً!
يوم الثلاثاء 22/4، غادر الزائر السرياني ستوكهولم مع الخوراسقف إدريس في سيّارته باتّجاه جنوبالسويد، حيث يخدم الأب سامر الصائغ، الذي يسكن مع كاهنٍ سويدي آخر في مدينة فيكشو، وقد حلّ الزائر السرياني والخوراسقف إدريس ضيوفاً في دار الكهنة. وأقام المطران الزائر السرياني جرجس القس موسى قدّاس عيد مار جرجس شفيعه في الكنيسة الملاصقة لدار الكهنة، أمام حضورٍ جيّدٍ من الوافدين من لبنان وسوريا والعراق.
وزار المطران الزائر بمعيّة الأب سامر الجماعة السريانية في مدينة نيخو التي تبعد حوالي ساعة عن فيكشو. ويتقاسم الأب سامر الخدمة بين جماعتي فيكشو ونيخو. جماعة فيكشو خليطٌ من السريان والطوائف الشرقية الأخرى، من أصلٍ لبناني وسوري، وقلّة من العراق. أمّا في نيخو، فليس لنا كنيسة كاثوليكية، وإنّما تستأجر جماعتنا هناك كنيسةً إنجيليةً لإقامة القدّاس. ولنا في المدينة 53 عائلة من السريان الكاثوليك، ينتمون في معظمهم إلى آل حبيب، مع حوالي 30 عائلة أخرى من الطوائف الشرقية الشقيقة التي تشارك جماعتنا السريانية الكاثوليكية في الصلاة والقدّاس.
وقد اهتمّ الزائر الرسولي السرياني في هاتين المدينتين، منذ لحظة وصوله، باستقبال المؤمنين، والإستماع إلى همومهم وطموحاتهم، في تأمين الخدمة الكنسية، ومتابعة تنشئة أولادهم تنشئةً مسيحيةً، وإقامة القدّاس في طقوسهم الشرقية بصورةٍ دائمة. وإزاء بعض اختلافات زوايا وجهات النظر، ركّز المطران الزائر السرياني على وحدة الجماعة والإنسجام والمحبّة المتبادلة، حول كنيستهم.
وغادر المطران الزائر السرياني مدينة فيكشو بسيّارة الأب سامر، يوم الخميس 24/4، إلى حدود الساحل السويدي قبالة الدانمارك. وهناك كان الشمّاس طلال عنائي بانتظار المطران الزائر، وعبرا بالباخرة سويةً منها إلى الدانمارك، حيث حلّ المطران الزائر ضيفاً على الشمّاس طلال في مدينة هلسنبورغ.
(سوف نورد محطّات زيارة المطران الزائر الرسولي إلى الدنمارك في خبرٍ لاحقٍ على موقع البطريركية الرسمي هذا).
|