نظّمت بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية يوماً احتفالياً لأعضاء الإرسالية السريانية الكاثوليكية من اللاجئين العراقيين في لبنان، برحلة إلى إهدن وزغرتا في شمال لبنان.
وأقام غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي الكلي الطوبى، قداساً في كنيسة سيدة الحصن في إهدن، بحضور ومشاركة سيادة المطران مارون العمّار النائب البطريركي على نيابة جبّة بشرّي المارونية، والنائب بالوكالة على نيابة إهدن زغرتا.
عاون غبطته في القداس، سيادة المطران مار باسيليوس جرجس القس موسى المعاون البطريركي والزائر الرسولي على أوروبا، والأب فراس دردر كاهن الإرسالية السريانية العراقية، والأب مازن متوكا رئيس إكليريكية سيدة النجاة الشرفة البطريركية. كما حضر القداس سيادة المطران مار أثناسيوس متي متوكة، وعدد من الكهنة، يتقدّمهم خادم رعية إهدن زغرتا المارونية الخوري اسطفان فرنجية، ورهبان وراهبات وإكليريكيون، وجموع غفيرة جداً من أعضاء الجالية السريانية العراقية في لبنان فاق عددهم ثلاثة آلاف شخص. كما حضر القداس رئيس بلدية إهدن زغرتا شهوان الغزال معوّض، وعدد من أعضاء المجلس البلدي، والسيدة ريما سليمان فرنجية.
في بداية القداس، ألقى سيادة المطران مارون العمّار كلمة عبّر فيها عن سروره مع أبناء إهدن زغرتا بالزيارة الأولى لغبطته، مؤكّداً أنّ "الكنيسة السريانية هي الأقرب إلى المارونية، طقساً وتاريخاً ولغةً، كما أنّ اللغة السريانية تجمعنا". وإذ رحّب بالإخوة والأخوات العراقيين، طلب من الله أن يعينهم في تحمُّل معاناة الإقتلاع من أرض الآباء والأجداد جراء التعلّق بإيمانهم المسيحي، وأن يعود كلّ مهجَّر إلى بيته قريباً.
كما ألقى رئيس البلدية كلمة رحّب فيها بقدوم غبطته والوفد المرافق، مشيراً إلى أنّ "اللغة السريانية لا تزال حاضرةً في قداسنا ولهجتنا الزغرتاوية، وأسمائنا، كما تتذكّر إهدن أنها كانت تستقبل أسلافكم الذين كانوا يأتون للإصطياف عندنا مع سائر المصطافين القادمين من سوريا، مصر، الكويت، وفلسطين، وغيرها". وأعرب عن تضامنه وأبناء منطقته مع المهجَّرين العراقيين الذين يعانون آلام النزوح والهجرة.
وبعد الإنجيل المقدّس، ارتجل غبطة أبينا البطريرك موعظة روحية وجّه فيها تحيّة شكر إلى سيادة المطران مارون العمّار "الذي يستضيفنا في أبرشيته وبين أبناء رعيته، وقد فاه بكلمة محبّة معبّراً عن مشاعره النبيلة تجاهنا وتجاه الكنيسة السريانية".
وقال غبطته: "نتوجّه إلى الجميع بالتحية، إلى صبركم الذي أضحى مثالاً للعالم كلّه، وعندما يسألوننا ما هو وضع الجالية المهجَّرة من أبناء وبنات السريان العراقيين، نقول لهم هناك مسحة حزن، هناك دموع تُذرَف، ولكن هناك أيضاً رجاءٌ وطيدٌ في قلوبهم، لأنهم على درب أجدادهم يسيرون من دون خوف، وإلى ربّهم ومخلّصهم وأمّهم السماوية يلتجئون".
وأضاف غبطته: "نودّ أن نشكر الخوري اسطفان فرنجية منظّم هذا اللقاء الجميل والمفرح، كما نودّ أن نشكر رئيس بلدية زغرتا ـ إهدن شهوان معوّض، وإنّ الكلمة التي ألقاها خير دليل على محبّتكم لنا. ونريد أيضاً أن نشكر السيدة ريما فرنجية عقيلة معالي الوزير سليمان فرنجية، التي ساعدتنا كي ننظّم هذا الإحتفال، وهي تشعر بقلبها وروحها بآلامنا وتشاركنا رجاءنا بغدٍ أفضل".
وتابع غبطته: "يسوع الرب هو رجاؤنا، نحن نثق به، بالرغم من الدرب الأليم الذي نجتازه، والذي يبدو أنه طويل. وللأسف، يبدو أنّ أقوياء هذا العالم يفكّرون فقط بجيوبهم وأحزابهم، وبمصالحهم ومشاريعهم الدنيوية، لذلك يهملون الآلاف من المهجَّرين قسراً من بيوتهم ومن أراضيهم كما أنتم أيّها الأحباء".
وأردف غبطته: "إنّ رئيس البلدية قدّم بكلمة صادقة هذه الهموم التي تشعرون بها، وذكّركم بأنّكم في إهدن، في مدينتكم، في بلدتكم، وأرضكم، وأنّ هذا الجبل الأشمّ، الذي تحت سمائه سار آباؤكم في هذه المدن والقرى المارونية السريانية حيث لجأوا ودافعوا عن إيمانهم المسيحي، هو أيضاً يبقى لنا دافعاً كي نصمد بالإيمان، وهذا الملجأ الحصين، هو أمّنا مريم العذراء، التي كانت، رغم الآلام، تشارك ابنها نعمة الفرح بفداء جميع المخلَّصين".
وختم غبطته: "يكفي أن تنظروا إلى أولادكم الصغار، كي تتذكّروا أنهم حقاً أُرغِموا على ترك مدارسهم وبيوتهم وأرضهم، ولكن عليكم أيّها الآباء أن تذكّروا هؤلاء الأطفال والشبيبة أننا سنبقى الشعب الذي يعيش الرجاء حتى ولو لم يكن هناك رجاء، الشعب الذي يعيش الإيمان والمحبّة، لأننا بمحبّة بعضنا البعض نُعرَف أننا تلاميذ المسيح. نحن أبناء وبنات أنطاكية، المعذَّبة الجريحة، نتذكّر أننا أبناء تلك المدينة، مدينة الله، التي رغم المعاناة ستبقى، ومهما كان عددها، صغيراً أم كبيراً، ستبقى شاهدةً على أننا شعبٌ يستحقّ أن يعيش بكرامة، يحق لنا أن نعيش بحرية، وفي أرضنا. لدينا أمٌّ سماوية تشفع بنا، وهي ملجأنا وحصننا المنيع".
وفي نهاية القداس، قدّم غبطته باسم البطريركية والإرسالية السريانية العراقية في لبنان، صورةً للرب يسوع هدية تذكارية لسيادة المطران مارون العمّار، وصورة للعذراء مريم هدية للسيدة ريما سليمان فرنجية، عربون محبّة وشكر وتقدير.
وبعد القداس، تابع غبطته زيارته إلى إهدن وزغرتا، فجال مع الوفد المرافق على بعض الكنائس، خاتماً جولته في مزيارة حيث تبارك من مزار أمّ المراحم. وفي كلّ هذه المحطّات، صلّى غبطته من أجل إحلال السلام والأمان في العالم، وبخاصة في شرقنا المعذَّب، سيّما في العراق وسوريا وفي لبنان، لينعم المواطنون بالراحة والطمأنينة، ويعود النازحون والمهجَّرون إلى منازلهم وأرضهم في القريب العاجل.
وعلى هامش زيارته، أجرى غبطته مقابلاتٍ إعلاميةً مع عددٍ من وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة تناول فيها الأوضاع العامة والحضور المسيحي في لبنان والشرق وبخاصة في سوريا والعراق.
وبعد يوم طويل، عاد غبطته والوفد المرافق إلى مقرّ الكرسي البطريركي في بيروت، فيما جموع المؤمنين الذين تجاوزوا الثلاثة آلاف عادوا بالسلامة ليلاً إلى بيروت، بمعيّة الأب فراس دردر واللجنة المنظّمة من راهبات أفراميات وإكليريكيين وعلمانيين.
|