افتتح غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي الكلي الطوبى وقداسة البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس الكلي الطوبى، مؤتمراً بعنوان "إبادة السريان: شهادة وإيمان"، الذي تنظّمه بطريركيتا أنطاكية للسريان الكاثوليك والسريان الأرثوذكس، في جامعة الروح القدس ـ الكسليك ـ كسروان، وذلك عند الساعة السادسة من مساء يوم الخميس 2 تمّوز 2015.
حضر حفل الإفتتاح الرسمي أصحاب القداسة والغبطة بطاركة الكنائس الشرقية: الكردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، ويوحنّا العاشر اليازجي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، والكاثوليكوس آرام الأوّل كيشيشيان كاثوليكوس بيت كيليكيا الكبير للأرمن الأرثوذكس، وابراهيم اسحق بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، والسفير البابوي في لبنان المطران كبريالي كاتشا، والمطرنن كيرلّس بسترس ممثّلاً بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحّام، والمطران ميشال قصارجي ممثّلاً بطريرك بابل على الكلدان مار لويس روفائيل الأوّل ساكو.
كما حضر الوزير نبيل دو فريج ممثّلاً رئيسَي مجلس النواب نبيه برّي ومجلس الوزراء تمّام سلام، والدكتور داود الصايغ ممثّلاً دولة الرئيس الشيخ سعد الدين الحريري، والوزير طوني كرم ممثّلاً الدكتور سمير جعجع، وروجيه عازار ممثّلاً العماد ميشال عون، إضافةً إلى لفيفٍ من الأساقفة والرؤساء العامّين والرئيسات العامّات والكهنة والشمامسة الإكليريكيين والرهبان والراهبات، وفعاليات سياسية واجتماعية وثقافية.
ومن كنيستنا السريانية الكاثوليكية، حضر أصحاب السيادة المطارنة: مار فلابيانوس يوسف ملكي، ومار باسيليوس جرجس القس موسى المعاون البطريركي والزائر الرسولي على أوروبا، ومار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب، ومار يوحنّا بطرس موشي رئيس أساقفة الموصل وكركوك وكردستان، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد، ومار يوحنّا جهاد بطّاح النائب العام على أبرشية بيروت البطريركية، والخوراسقف يوسف صاغ الأكسرخوس البطريركي في تركيا، والخوراسقف جورج مصري المعتمَد البطريركي لدى الكرسي الرسولي، وعدد من الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات من لبنان والعراق وسوريا، وجموع غفيرة من المؤمنين من أبناء رعايا أبرشية بيروت البطريركية، ومن أبناء الجاليتين العراقية والسورية في لبنان.
افتُتح المؤتمر بالنشيد الوطني اللبناني، وقدّمت للحفل الإعلامية كلود أبو ناضر هندي. وبعد إنشاد جوقة أبرشية زحلة والبقاع للسريان الأرثوذكس الصلاة الربانية باللغة السريانية، وقف الحضور دقيقة صمتٍ لراحة نفوس الشهداء. ثمّ كان عرضٌ لوثائقي عن الإبادة السريانية "سيفو". وتخلّل الوثائقي مداخلاتٌ للبطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان والبطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني، اللذين أكّدا على وجوب الإعتراف بهذه الإبادة، لافتين إلى أنّ هذه المئوية ستكون انطلاقةً جديدةً لمراجعة التاريخ من دون أن يكون هناك مكانٌ للفشل.
واعتبر غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان في كلمته أنّ أجدادنا اضطُهِدوا لأنّهم مسيحيون. وقال "إنّ شعبنا السريان، مع أشقائه من الكلدان والآشوريين، هو الوحيد الذي أمسى دون أرض ينتمي إليها ويتجذّر فيها ولا وطن يُسمَّى باسمه: سُلبت مواطنته في أرض أجداده منذ عصور، وهُمّشت حقوقه المدنية وحُرم من حريته الدينية بابتزازٍ من قبل السلاطين وولاتهم..!، بل طُمست حضارته ومُحيت لغته باسم أتباع دينٍ يفتخرون بفتوحات عهودٍ انقرضت..!".
وأضاف غبطة أبينا البطريرك: "ما أشبه اليوم بالأمس! فها هو شرقنا ينزف دماً ويتحوّل دماراً وخراباً، وها نحن نعيش مجدّداً زمن المحن والنكبات".
وأكّد البطريرك أفرام الثاني في كلمته أنّ "ما حدث في العام 1915 لم يكن مجرّد اضطهادٍ، بل هو إبادة جماعية بكل ما للكلمة من معنى. واليوم وبعد مرور مئة عام على هذه الإبادة، نحن هنا لنتذكّر لعلّ في الذكرى عبرة. نحن نؤمن أنّ المسامحة هي طريقنا إلى السلام، نغفر ولكن هذا لا يعني أن ننسى. ومن هنا نحن ندعو إخوتنا في تركيا إلى الإعتراف بهذه الجريمة النكراء لكي نقيم معهم علاقات محبّةٍ ومودّة. ونطالب الدول التي نعيش فيها، من لبنان إلى سوريا والعراق، بالإعتراف بهذه الإبادة، لأنه لو تنبّه العالم لما كان يحدث من مجازر في بلادنا، لما كنّا نسمع اليوم بإباداتٍ جديدة".
وذكر السفير البابوي في كلمته أنّ هناك رابطاً قوياً بين الإيمان والشهادة، وبعيداً عن التفسيرات السياسية والتاريخية التي تُعطى، فالإنجيل يقول إنّ الرسل سيُضطهَدون باسم المسيح. وختم كاتشا: "أشكر الشهداء، وأقول إنه إن لم نصلِّ أكثر وإن لم نشهد أكثر، فإنّ استشهادهم سيذهب سدى".
وفي كلمته، قال البطريرك يوحنّا العاشر اليازجي "إنّ أبخس الأثمان في لعبة الأمم هي الدماء البريئة وحقوق الإنسان"، موضحاً "نحن هنا لنقول للدنيا إنّ المسيحيين معجونين بتراب هذا المشرق. نودّ أن نؤكّد أنّ حماية المسيحيين تكون بإحلال السلام في ربوعهم، وليس بإرسال الأسلحة أو الطائرات. حماية الشرق وناسه تكون بإسكات نار الحروب، وليس بإرسال بوارج للسفر أو القتال".
وندّد الكاثوليكوس آرام الأوّل كيشيشيان خلال كلمته بما يحدث اليوم من مجازر تُرتكَب بحق الأبرياء، مؤكّداً ّأنّ ما تعرض له المسيحيون في العام 1915 من مجازر ليس سوى إباداتٍ بحق الأرمن والسريان والآشوريين والكلدان والأقليات المسيحية.
وتابع: "بعض الدول لم يعترف بهذه الإبادة ولأسباب جيوسياسية، ولكنّنا نقول إنها كانت إبادة منظَّمة وممنهجة، وهدفها القضاء على هذه الأقلية المسيحية. نحن أبناء هذا الشرق ونحن متجذّرون فيه ولن نتركه مهما كانت التضحيات، لأنّ شهداءنا هم من يطالبنا بالبقاء في شرقنا هذا كي لا تذهب شهادتهم سدى".
أمّا المطران كيرلّس بسترس، فقد ألقى كلمة البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام، وقال: " لئلا تتجدّد الإبادة، فلنتذكّر أنّ سياسة الإقصاء والإستبعاد هجّرت المسيحيين اليوم من أرضهم في العراق وسوريا، فطُردوا من هذه الأرض التي عاشوا عليها منذ 2000 سنة".
وطالب المطران ميشال قصارجي في الكلمة التي ألقاها باسم البطريرك مار لويس روفائيل الأوّل ساكو، المجتمعَ الدولي وأصحاب النفوذ السياسي والإجتماعي بالإعتراف بهذه الإبادة.
في كلمته، أكّد البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي أنّ "هذا الإحتفال بذكرى إبادة السريان ليس من أجل الحقد والثأر، إنّما هو دعوة للأسرة الدولية للإعتراف الرسمي بالإبادة، لكي لا تُرتكَب بعد اليوم مثيلات لها". وقال "إنّ إبادة السريان هي حقيقة تاريخية موثَّقة في كتبٍ ومخطوطاتٍ وتقارير بالعربية والسريانية وبلغات أجنبية"، مؤكّداً "أنّ الذين استشهدوا لا يُثمَّنون بمال". كما تحدّث عن الشهادة ومعناها وخاصة في أيامنا هذه.
وفي ختام الحفل الإفتتاحي، قُدِّمت الدروع التذكارية إلى أصحاب القداسة والغبطة البطاركة وممثّليهم وإلى ممثّل رئيسي مجلسي النواب والوزراء، بعد عرض وثائقي عن تهجير المسيحيين من الموصل وسهل نينوى في العراق.
هذا واستمرّ المؤتمر لمدّة ثلاثة أيام حتى مساء يوم السبت 4 تمّوز، وتخلّلت أعماله محاضراتٌ عديدةٌ قدّمها باحثون وأكادميون عالميون تناولوا موضوع الإبادة من النواحي السياسية والتاريخية والجغرافية، للتأكيد أنّ مجازر الإبادة هي شهادة إيمانٍ حي، ذي تراثٍ وحضارةٍ عريقين لم يُحصرا في منطقةٍ معينةٍ، بل انتشرا في أنحاء العالم، ملقين الضوء على شهاداتٍ حيّةٍ لكثيرين بذلوا دماءهم ذبائح محرقة من أجل الإيمان المسيحي.
|