يطيب لنا أن ننشر فيما يلي النص الكلمل للكلمة الإفتتاحية التي ألقاها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، في الجلسة الإفتتاحية لسينودس أساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، المنعقد في الكرسي البطريركي بدير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان، صباح يوم الإثنين 3 تشرين الأول 2017:
إخوتي الأجلاء، آباء سينودس كنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام،
حضرات الخوارنة والآباء الكهنة الأفاضل:
ܚܽܘܒܳܐ ܘܰܫܠܳܡܳܐ ܒܡܳܪܰܢ ܝܶܫܽܘܥ ܡܫܺܝܚܳܐ،ܕܒܰܫܡܶܗ ܡܶܬܟܰܢܫܺܝܢܰܢ ܐܰܟ̣ܚܰܕ ܒܗܳܕܶܐ ܣܽܘܢܳܗ̱ܕܽܘܣ ܩܰܕܺܝܫܬܳܐ
أرحّب بكم بعاطفة المحبّة الأخوية، ونفتتح معاً أعمال سينودسنا الأسقفي في دورته العادية لهذا العام، في ديرنا المبارك، تحت أنظار أمّنا وشفيعتنا العذراء مريم سيّدة النجاة.
إننا نرفع معاً الصلاة حارّةً في مستهلّ اجتماعنا إلى الرب يسوع، رب القيامة والحياة، كي يقبل في ملكوته السماوي الآباء الكهنة الخمسة الذين رقدوا منذ انعقاد السينودس المنصرم، منهم من أتمّ خدمته وهم الخوارنة اغناطيوس ميدع وجبرائيل ديب وميشال خوري، ومنهم من كانوا في عزّ العطاء ومقتبل العمر، وهما الأبوان جوزف الخوري وعصام نعّوم. وإذ نجدّد تسليمنا للمشيئة الإلهية، نضرع إليه تعالى أن يعوّض على الكنيسة بدعوات كهنوتية صالحة. كما نتوجّه بالتعزية من سيادة أخينا المطران مار يعقوب بهنان هندو بوفاة والدته، سائلين الله أن يمنحها ميراث النعيم.
سنبدأ أعمالنا برياضة روحية يلقي مواعظها علينا مشكوراً حضرة الأب طانيوس خليل، عميد كلّية العلوم الكنسية في جامعة الحكمة ببيروت، وفيها سنتأمّل دعوتنا الأسقفية وتحدّيات الخدمة، وعلاقة الأسقف بالإكليروس والمؤمنين الموكَلين إلى عنايته، سائلين الله أن يجعل من هذه الرياضة ينبوع بركة ودعوةً لتجديد عهودنا ووعودنا أمام الرب وكنيسته بالخدمة المتفانية بروح الراعي الصالح والمدبّر الحكيم، عاملين بقول الرب يسوع "والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يوحنّا 10: 11). وهكذا نتابع خدمتنا في هذه الظروف الصعبة، فنجابه التحدّيات بروح الصبر والفطنة وبرؤية ثاقبة نحو المستقبل، ملؤها الرجاء الذي لا يخيب، غير ناسين ما تتطلّبه منّا هذه الخدمة الكنسية في سينودس الأساقفة الذي يشكّل برئاسة البطريرك السلطة العليا في كنيستنا، وهو أن نتحلّى بروح المسؤولية الأبوية، وبالتجرّد من الذات والحسابات الخاصّة، والمحاباة بالوجوه.
لا تغيب عن سينودسنا الأوضاع الراهنة في الشرق، وما يعانيه أبناء كنيستنا كما آخرون من الكنائس الشقيقة، وذلك من جراء الأزمات والنزاعات المخيفة، سواء في سوريا وهي ضحيّة حروب تُفرَض عليها منذ أكثر من ستّ سنوات، وفي العراق حيث شعبه يسقط ضحيّة العنف والإرهاب. والجميع يقرّ بأنّ عدد المسيحيين في هذين البلدين يتضاءل باستمرار وبشكل مقلق، وأنّ حضورهم يجابه تهميشاً ظالماً. فضلاً عن عدم الإستقرار والإضطرابات في الأراضي المقدسة، ومآسي المسيحيين في مصر. كلّ هذه الأوضاع تسبّب آلاماً وإضطهاداتٍ تدفع إلى النزوح القسري، وإلى التهجير والإقتلاع من أرض الآباء والأجداد، مع ما يشكّله ذلك من تهديد خطير لمستقبل حضورنا في أرضنا في الشرق، واستمرار أداء الشهادة لإله المحبّة والفرح والسلام في هذه البقعة من العالم حيث وُلدنا وأرادنا الله أن نكون.
أمّا لبنان، فما زال يعاني أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، ويرزح تحت عبء مليونَي نازح ولاجئ يتزايد عددهم سنوياً بعشرات الألوف، ويسابِقون اللبنانيين على لقمة العيش، ممّا يدفع بهؤلاء إلى الهجرة وإفراغ البلاد من قواها الحيّة. لكنّ ما يثلج قلوبنا بعد انعقاد سينودس العام الماضي، انتخاب العماد ميشال عون رئيساً جديداً للجمهورية بعد سنتين ونصف من الفراغ في سدّة الرئاسة، وانتصار الجيش والقوى الأمنية على الإرهاب في جرود سلسلة جبال لبنان الشرقية.
كما تفرح قلوبنا بتحرير الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى من الإرهاب، وقد تفقّدنا البلدات المحرّرة في شهر تشرين الثاني الماضي، حيث لمسنا الأضرار الجسيمة التي خلّفها الأرهابيون من تدمير وحرق ونهب. ونفرح أيضاً بتحرير حلب الشهباء من الإرهاب، وقد زرناها في شهر نيسان الماضي واحتفلنا مع أبنائنا الصامدين فيها بعيد الشعانين.
ولا بدّ لنا من النتويه إلى ما قمنا به من زيارات راعوية ونشاطات ولقاءات واستقبالات رسمية ومسكونية ومحاضرات ومؤتمرات منذ انتهاء السينودس الماضي حتى اليوم:
- زيارات إلى: جنوب ألمانيا، بلجيكا، هولندا، البرازيل حيث التقينا بالرئيس ميشال تامر، واشنطن - الولايات المتّحدة الأميركية واجتماعنا بنائب الرئيس مايك بنس، وكندا
- وإلى الموصل وسهل نينوى وحلب وحمص وطرطوس
- محاضرات ومؤتمرات عن الحضور المسيحي في الشرق في: البرلمان الأوروبي - بلجيكا حيث التقينا بملك بلجيكا فيليب الأول، هنغاريا حيث قابلنا رئيس الوزراء فكتور أوربان، وجامعة مورسيا – إسبانيا، ومؤتمر فرسان كولومبوس في سانت لويس – ميسوري
- مؤتمر بطاركة الشرق الكاثوليك في الديمان
- اجتماعات مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان وفي سوريا
- لقاءات مع بطاركة الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية
- زيارة قصيرة إلى اسطنبول لرسامة الخوراسقف أورهان شانلي وتعيينه نائباً بطريركياً في تركيا
- المشاركة في افتتاح معرض "مسيحيو المشرق: 2000 عاماً من التاريخ" الذي ينظّمه معهد العالم العربي في باريس، بمساهمة منظّمة مبرّة المشرق - اوفر دوريان، برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وحضور الرئيس اللبناني ميشال عون، وفيه تُعرَض مجموعة من مخطوطات دير الشرفة
- الزيارة الرسولية الرابعة إلى الكنيسة السريانية الكاثوليكية الملنكارية في الهند، رافقنا فيها صاحبا السيادة المطرانان يوسف حنّوش ويوسف حبش مع أمين سرّنا، وحيث عاينّا الإنتعاش الإيماني والكنسي، ولمسنا التقدّم العلمي والتربوي والثقافي، كلّ ذلك بروح البساطة والتواضع. وكانت مناسبة ثمينة لتجديد أواصر العلاقات الأخوية المميّزة مع غبطة الكاثوليكوس مار باسيليوس اقليميس، والرؤية المستقبلية لتعزيز التعاون بيننا.
- خلال السنة الماضية، قدّمنا مساعدات مهمّة للحصول على مركز أبرشي لأبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية، ولكنيستنا في سيدني بأستراليا.
من الإنجازات العمرانية:
- متابعة العمل على إنجاز مشروع مار يوسف السكني في الفنار، الذي سنفتتحه إن شاء الله في الصيف القادم
- إتمام بناء كنيسة مريم العذراء سيّدة فاتيما، التي سنقوم بتقديسها وتكريسها يوم السبت القادم ببركة الرب
- العمل على إنشاء مركز ترميم المخطوطات للشرق في دير الشرفة
- البدء بتدعيم كاتدرائية مار جرجس في الباشورة - بيروت، على أمل أن يتمّ ترميمها وإعادتها إلى ما كانت عليه سابقاً خلال العام القادم
- الشروع ببناء مركز بطريركي في ضهر صفرا – طرطوس لخدمة النازحين على الساحل السوري
- المساعدة في شراء بيت للراهبات الأفراميات في زيدل بحمص، وافتتاح مركز لخدمة ذوي الإحتياجات الخاصة في حمص القديمة
كما لا تزال البطريركية مستمرّةً بتأمين المساعدات الإنسانية والتربوية للنازحين من العراق وسوريا إلى لبنان والأردن.
على جدول أعمال سينودسنا لهذا العام مواضيع كثيرة، فنتطرّق إلى شؤون أبرشياتنا السريانية والنيابات البطريركية والأكسرخوسيات الرسولية والإرساليات في بلاد الشرق وعالم الإنتشار، مع الإشارة إلى الحاجة الملحّة لدعوات كهنوتية ولمرسَلين إلى كنيسة الإنتشار، ينطلقون بروح الرسالة المتجرّدة والخدمة المضحّية.
سنتناول أيضاً آخر مستجدّات الإصلاح الليتورجي، وما توصّلت إليه اللجنة الليتورجية المنبثقة من السينودس من تجديدٍ في طقس خدمة القداس الإلهي، فنناقشه ونقرّه تمهيداً لطباعته ونشره وتعميمه على الإكليروس والمؤمنين. فالليتورجيا تغذّي حياة كنيستنا من كلام الله وجسد المسيح، وتغني تراثنا وتحفظه، وتضمن وحدة كنيستنا المنتشرة في القارّات الخمس، موفّرةً لأبنائها سبل الخلاص.
كما سنتطرّق إلى شؤون الكهنة والتنشئة الإكليريكية والرسامات الكهنوتية، مولين هذا الموضوع الأهمّية البالغة التي يستحقّها، فالتنشئة الإكليريكية تربّي "كاهن الغد على حبّ الحقيقة والنزاهة، وعلى الوفاء بالوعد والإلتزام بروح الإنجيل والخدمة غير المشروطة لخلاص النفوس، وعلى الإعتزاز بتراثنا السرياني والأمانة للغتنا الطقسية. وتقتضي هذه التنشئة أن يكون الكاهن رحب الصدر، مخلصاً في كلامه، فطناً رزيناً سخيّاً مستعدّاً للخدمة، سريعاً إلى التفهّم والمسامحة، وبالغاً نضجه العاطفي (أعطيكم رعاة، 43، 44).
كما سنستمع إلى عرض عن انطلاقة العمل للزائرين الرسوليينإلى أستراليا وأوروبا، وتقارير عن الوكالة البطريركية لدى الكرسي الرسولي، والمؤسّسات البطريركية من إكليريكية دير الشرفة، والراهبات الأفراميات، والرهبان الأفراميين.
وسندرس الشرع الخاص لكنيستنا السريانية الكاثوليكية، في ضوء النص الكامل الذي أنجزته اللجنة القانونية المنبثقة من السينودس، ونقرّ موادّه تمهيداً لإصداره وتعميمه على الإكليروس والمؤمنين بعد مصادقة الكرسي الرسولي على بعض هذه الموادّ.
وسنعرض على آباء السينودس التحضيرات لعقد اللقاء العالمي الأول لشبيبة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الذي ننوي تنظيمه في لبنان في الصيف القادم، بمشاركة شبيبة كنيستنا من كلّ البلدان شرقاً وغرباً، ساعين إلى تعزيز وحدتهم وتقوية تجذّرهم بروحانية كنيستهم وتاريخها وتراثها.
إنّنا، بالإتّكال على أنوار الروح القدس، وشفاعة أمّنا مريم العذراء سيّدة النجاة، نفتتح أعمال السينودس المقدّس، راجين أن تكون نتائجه لمجد الله، وخير كنيستنا، وتقديس النفوس. تملؤنا الثقة بوعد مخلّصنا الرب يسوع الذي يقوّينا لمواصلة الشهادة لاسمه القدوس وعيش إيماننا به والتزامنا الكنسي، كي نكون التلاميذ الحقيقيين لذلك المعلّم الصالح، فيضيء نورنا أمام الناس ويروا أعمالنا الصالحة ويمجّدوا أبانا الذي في السماوات.
ولله الواحد، الآب والإبن والروح القدس، كلّ المجد والإكرام، إلى الأبد، آمين.
|