في تمام الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الإثنين 9 نيسان 2018، ترأس غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، رتبةَ جنّاز ودفن المثلّث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس بطرس الثامن عبد الأحد، بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي السابق، وذلك في كنيسة مار يوسف السريانية الكاثوليكية، في مدينة بيت لحم – الأراضي المقدّسة.
عاون غبطتَه في الرتبة صاحبا السيادة مار غريغوريوس بطرس ملكي النائب البطريركي في القدس والأراضي المقدّسة والأردن، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والنائب البطريركي على البصرة والخليج العربي وأمين سرّ السينودس السرياني المقدّس، والخوراسقف منصور متّوشا كاهن رعية مار يوسف في بيت لحم، والمونسنيور أفرام سمعان معاون النائب البطريركي في القدس، والأب رامي قبلان الزائر الرسولي في أوروبا.
شارك في الرتبة غبطة البطريرك ميشال صبّاح بطريرك القدس للاتين الأسبق، وسيادة المطران Leopoldo GIRELLI السفير البابوي في الأراضي المقدّسة، وسيادة المطران جول زريعي مطران القدس السابق للروم الكاثوليك، وسيادة المطران مركوتزو المعاون في بطريركية القدس للاتين، والنائب العام لأبرشية القدس المارونية ممثّلاً البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي والمطران موسى الحاج، والأب بطرس نعمة ممثّلاً النائب البطريركي للسريان الأرثوذكس في القدس والأردن المطران سويريوس ملكي مراد.
ومن الرسميين، شارك معالي الوزير زياد البندك ممثّلاً رئيس السلطة الفلسطينية محمّود عبّاس، والأستاذ باسم بدرا ممثّلاً اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس، واللواء اسماعيل خراج القاضي العسكري، والسيّد طوني سلمان رئيس بلدية بيت لحم، والسيّدة فيرا بابون الرئيسة السابقة لبلدية بيت لحم، والسيّد هاني الحايك الرئيس السابق لبلدية بيت ساحور، وعدد من فعاليات القدس وبيت لحم، وجموع غفيرة من المؤمنين من أبناء الرعايا السريانية في بيت لحم والقدس وعمّان ومن الكنائس الشقيقة، يتقدّمهم أهل المثلّث الرحمات وذووه.
أقام غبطة أبينا البطريرك رتبة جنّاز البطاركة بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، وخلالها ألقى سيادة المطران مار غريغوريوس بطرس ملكي كلمةً عدّد فيها مناقب المثلّث الرحمات وصفاته وخدمته المتفانية بروح الراعي الصالح منذ رسامته الكهنوتية حتى وفاته، متوقّفاً بشكل خاص عند خدمته وأعماله وإنجازاته في النيابة البطريركية في القدس والأراضي المقدسة والأردن خلال أيّام كهنوته وأسقفيته.
وبعد الإنجيل المقدس، ألقى غبطة أبينا البطريرك موعظة روحية تأبينية للمثلّث الرحمات، بعنوان "نعمّاً يا عبداً صالحاً وأميناً، كنتَ أميناً في القليل، أنا أقيمك على الكثير، أدخل إلى فرح سيدك"، تحدّث فيها عن البطريرك بطرس عبد الأحد، الراعي الصالح والكاهن الأمين والعامل النشيط في كرم الرب، والغيور على كنيسته السريانية والمطيع لرؤسائه الكنسيين، فهو الحبر الجليل المتفاني الذي "بذل جهده دون حساب كي تثمر الوزنات التي منحه إيّاها الآب السماوي، ثمار المحبّة والسلام والحنان والرأفة والفرح الحقيقي، لأنّه على مثال معلّمه الإلهي انطلق يخدمه ويخدم كنيسته في شخص الذين فُوِّضوا إلى خدمته من أساقفة وكهنة وعلمانيين".
وأسهب غبطته في الكلام عن أهمّ أعمال المثلّث الرحمات وإنجازاته "طوال مدّة تكرّسه التي تجاوزت الثلاث وستّين سنةً، إذ رُسم كاهناً سنة 1954، فقد ظلّ يسعى كي يكون ذلك الخادم الأمين"، مشيراً إلى أنّ المثلّث الرحمات كان يفضّل أن يناديه الجميع "أبونا بطرس"، حتى بعد سيامته أسقفاً وحتى بعد انتقاله إلى السدّة البطريركية، "لأنه كان يريد أن يعيش التواضع الحقيقي للخدّام الأمناء الذين يسعون لبناء الملكوت وليس بحثاً عن مصلحتهم الخاصة".
واسترسل غبطته في الحديث عن خدمته الكهنوتية لعشر سنوات في لبنان، "مربّياً ومرشداً ومديراً في الإكليريكية الصغرى في دير الشرفة"، ثمّ خدمة الرعية السريانية في بيت لحم منذ عام 1965، حيث "بذل كلّ ما في وسعه كي يظلّ ذاك الخادم الأمين، مع أنه لم يكن يتوقّع أن يُرسَل إلى هذه الأرض المقدّسة، ولكنّه أطاع رؤساءه الكنسيين، وانطلق يتمّم مشيئته تعالى".
وتحدّث غبطته أيضاً عن خدمة المثلّث الرحمات "في الأراضي المقدّسة، كاهناً وأسقفاً لستّة وثلاثين عاماً، بشفقته على الذين كانوا يحتاجون إليه، وكان يخدمهم بصمتٍ وتواضعٍ دون أن ينتظر أجراً منهم. وهذا نعرفه جيداً لأنّه انتقل من هذه الفانية متجرّداً ومجرَّداً. وهكذا أعطانا نحن الذين أردنا أن نتبع الرب يسوع ونتكرّس لأجله أن نعرف كيف نبذل دون حساب وكيف ننتظر المكافأة منه تعالى فقط".
وأشار غبطته إلى أنّ المثلّث الرحمات عُرِف طوال خدمته "برجل إيمان ورجل حق، نراه في تعليمه وإرشاده ومواعظه، لا يدافع عن قضايا الإيمان فقط، بل يعيشها بكلّ ما استطاع. كان الوكيل الأمين للرب يسوع في تمسّكه بتعليم الإنجيل وطاعته للكنيسة. وكان أحياناً مضطرّاً حتى لتنبيه الإكليروس كي يعيشوا دعوتهم بروح المعلّم الإلهي".
ونوّه غبطته إلى أنّ البطريرك الراحل كان متمسّكاً "بدفاعه المستميت الذي لا يقبل أنصاف الحلول عن حقوق المستضعَفين والمظلومين أينما وُجدوا، إن في لبنان أو الأراضي المقدّسة أو العراق. وكانت له وفقات حق مع الشعب الفلسطيني، منادياً بأعلى صوته ومن على المنابر وفي المقابلات الصحفية والمؤتمرات، دفاعاً عن حقّ الشعب الفلسطيني كي يعيش بالحرّية والكرامة على أرضه".
وعدّد غبطته الإنجازات التي تحقّقت على يد المثلّث الرحمات، سواء في بيت لحم والقدس، حيث بنى في القدس كنيسة مار توما وداراً للحجّاج، وفي بيت لحم طوّر الرعيّة وبنى داراً للحجّاج وروضة للأطفال. وفي لبنان، أكمل مراحل إنشاء مجمّع مار أفرام السرياني في بيروت الذي يحتوي على 124 شقّة سكنية لذوي الدخل المحدود، كما شيّد المرحلة الأولى من بناء كنيسة عذراء فاتيما في جونيه. وانطلق إلى العراق قبل الغزو المجرم عام 2003 كي يشجّع ويؤاسي ويؤكّد على حضوره بين أبنائه وبناته إكليروساً ومؤمنين.
وتطرّق غبطته إلى الخدمة المتفانية للبطريرك الراحل الذي "كان يزور العائلات المحتاجة، يؤاسي ويعزّي، حتّى في السنوات العشر الأخيرة التي عاد فيها إلى الأراضي المقدّسة كبطريرك سابق، كان يعيش حقيقةً دعوته الكهنوتية بالصمت والتواضع. ولم يكن يُسمع له أيّ تذمّر، بل كان يسعى لنشر السلام حوله، وهو يبقى لنا مثالاً للرسول والتلميذ الذي يسير على خطى معلّمه الإلهي".
وفي ختام موعظته، قدّم غبطة أبينا البطريرك التعازي الحارّة إلى جميع الحاضرين، وبخاصة إلى النائب البطريركي في القدس والأراضي المقدسة والكهنة وأهل البطريرك الراحل، سائلاً الله أن يتغمّد المثلّث الرحمات بمراحمه في الملكوت السماوي، وينعم عليه بميراث الحياة الأبدية صحبة الرعاة الصالحين والوكلاء الأمناء.
ثمّ أقيم زيّاح بالجثمان لتوديع المذبح والرعاة الكنسيين والإكليروس والمؤمنين وجهات الكنيسة الأربع، لتتمّ بعد ذلك رتبة الدفن حيث وُورِي جثمان المثلّث الرحمات في مدفن خاص كان قد أعدّه لنفسه قبل وفاته في فناء الكنيسة ذاتها.
وبعد الجنّاز والدفن، تقبّل غبطة أبينا البطريرك والأساقفة والكهنة وذوو المثلّث الرحمات التعازي في صالون الرعية، ليغادر غبطته بعد ذلك عائداً إلى مقرّ كرسيه البطريركي في بيروت.
|