في تمام الساعة الخامسة من مساء يوم السبت ١٤ نيسان ٢٠١٨، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي الكلي الطوبى، بالقداس الإلهي على مذبح كاتدرائية سيّدة البشارة - المتحف - بيروت، وخلاله قام غبطته برسامة الخوراسقف شارل جورج مراد أسقفاً للدائرة البطريركية، باسم مار متياس شارل مراد.
بعد الإنجيل المقدّس، ألقى غبطته موعظة روحية بعنوان: "كن مثالاً للمؤمنين: بالكلام والسيرة... لا تهمل الموهبة التي فيك" (1 تيم 4: 12)، تحدّث فيها عن "الإرشادات التي وجّهها بولس رسول الأمم إلى تلميذه تيموثاوس وقد سمّاه: "الحبيب والمخلص في الإيمان"، مذكّراً إيّاه بأنّ الدعوة إلى الأسقفية هي موهبة من الله بوضع يد الرسل وخلفائهم، فحذارِ أن يهمل هذه الموهبة. ومنبّهاً إيّاه كي يكون "المثال للمؤمنين الموكَلين إلى خدمته، بالكلام والسيرة والمحبّة والإيمان والعفاف". ومشجّعاً إيّاه كي يؤدّي خدمته من إعلان للكلمة والوعظ والتعليم بالثبات، أي "بروح القوّة والمحبّة والفطنة" (2 تيم 1: 7)، فيخلّص التلميذ نفسه ومعه نفوس المؤمنين الذين أؤتُمِن على خدمتهم".
وتكلّم غبطته عن "الخدمة الأسقفية التي هي دعوة خاصة يدعو إليها المعلّم الإلهي، مَن هو أهلٌ لاتّباعه في مسيرته الفدائية: "لستم أنتم الذين اخترتموني، بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتنطلقوا وتأتوا بثمار، وتدوم ثماركم" (يوحنّا 15:16). فالدعوة إلى الأسقفية عطية من الرب نقلها لنا الرسل أنفسهم، إذ إنهم وضعوا أيديهم على رعاة يخلفونهم للخدمة، ومنهم وصلتنا هذه الموهبة حتّى يومنا هذا"، مشيراً إلى أنّ "الأسقف، خليفة الرسل مدعو ليس فقط للكرامة، بل لتحمّل المسؤوليات الثقيلة والجسيمة التي تُلقى عليه، وما أثقلها من مسؤوليات في يومنا! لذلك يتّكل الأسقف أولاً وأخيراً على الرب يسوع، الذي يجعل من كفاءاته البشرية وقواه الذاتية وزناتٍ مثمرة. فهي النعمة الإلهية، التي تقوّيه وتقوده في طريق الخدمة الأسقفية، بالأمانة والسخاء والثبات، مهما كثرت التحدّيات وتراكمت الصعوبات وتلكّأت الطبيعة البشرية".
وتطرّق غبطته إلى "شعار أسقفنا الجديد "بالحق والمحبّة"، وهو يعبّر أجمل تعبير عن الرسالة التي يتّخذها كلّ أسقف يسعى لكي يلبّي دعوة الرب كتلميذ أمين على غرار الرسل الإثني عشر. شعارٌ يجمع بين العدالة والمحبّة، عندما يُدعى لتفهُّم الضعفاء، لمكافأة الأخيار، لمسامحة المقصّرين، لإعلان الحقيقة دون تردّد أو تزلّف، ونشر جوّ من الفرح والرجاء ينفح طيبةً وخيراً"، منوّهاً إلى أنّ "شعاره يذكّره بأنه المؤتَمَن على الإيمان الذي نقله إلينا آباؤنا القدّيسون، فيعيش روح الإنجيل بأمانة وإخلاص، وينادي دون تردّد بالأخلاق المسيحية، مرشداً ومتضامناً مع الجمعيات والأخويات التي تتمسّك بقيم العائلة التي هي الكنيسة الأولى".
وذكّر غبطتُه الأسقفَ المنتخَبَ أنّه "مؤتَمَنٌ على إخوته وأخواته المؤمنين، يرافقهم ويشجّعهم ويعطيهم المثال الحياتي، في تمسّكهم بمحبّة الرب دون شروط، وبتعلّقهم بكنيستهم السريانية، فيضحي الراعي المحبّ، المتفهّم والمشارك. يعمل بحكمة، وصبر وتواضع، يبذل كلّ جهد كي يرافق ويترافق مع إخوته الكهنة في مسيرتهم الخدمية في رعاياهم، مسخّراً ذاته وكفاءاته، كي يتمّموا دعوتهم بالأمانة لمعلّمهم الإلهي، وبالنشاط السخي والمتجدّد. وكأسقف يعيش الأمانة للكنيسة الجامعة، بروح الشراكة مع إخوته في مجمع أساقفتنا، فهو مؤتمَنٌ أيضاً على تراث كنيستنا العريق، إذ إنه مدعوّ للتمسّك بالروحانية المشرقية وبطقسنا السرياني، ...، وعلى نشر حضارة المحبّة وعلى أولوية الحوار الحياتي الصادق بين جميع فئات المجتمع الذي ينتمي إليه، دون تمييز بسبب الدين أو الطائفة أو اللون أو العرق... ليضحي رائد الحوار البنّاء وفاعلاً حقيقياً للسلام".
وتناول غبطته مسيرة الأب شارل منذ دخوله إلى الإكليريكية حتّى سيامته الكهنوتية، ودراسته، وخدمته الراعوية، وهو المعروف "بخدمته الكهنوتية المعطاءة، ودوماً بالروح المرحة، ينشر حوله الفرح والأمل"، وصولاً إلى اختياره وانتخابه أسقفاً من قبل آباء مجمعنا الأسقفي المقدس، "فيضحي بنوع أخص مبشّراً بالكلمة، ومعلّماً وراعياً، كما يليق ويتوجّب على الأسقف خليفة الرسل".
وفي ختام موعظته، هنّأ غبطتُه الأسقفَ الجديدَ ووالدته وإخوته وعائلاتهم، سائلاً الله، بشفاعة أمّه مريم العذراء، أن يبارك خدمته الأسقفية، كي يؤدّيها "بكلّ أمانةٍ وسخاءٍ وتجرُّد، حسب روح الإنجيل وتعليم الكنيسة الكاثوليكية، ويضحي الأب والأخ والصديق لجميع من يقصده".
وتلا سيادة المونسنيور إيفان سانتوس القائم بأعمال السفارة البابوية في لبنان، رسالة تهنئة للمطران الجديد من نيافة الكردينال ليوناردو ساندري رئيس مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان.
وقد عاون غبطتَه في القداس والرسامة صاحبا السيادة مار يوحنّا جهاد بطّاح النائب العام لأبرشية بيروت البطريركية، ومار فولوس أنطوان ناصيف الأكسرخوس الرسولي في كندا. وشارك في القداس والرسامة أصحاب السيادة آباء السينودس المقدّس لكنيستنا السريانية الكاثوليكية: مار ربولا أنطوان بيلوني، مار فلابيانوس يوسف ملكي، مار غريغوريوس الياس طبي رئيس أساقفة دمشق، مار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب، مار يوحنّا بطرس موشي رئيس أساقفة الموصل وكركوك وكوردستان، مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والنائب البطريركي على البصرة والخليج العربي وأمين سرّ السينودس المقدّس، ومار ثيوفيلوس فيليب بركات رئيس أساقفة حمص وحماة والنبك.
كما شارك في القداس سيادة المونسنيور إيفان سانتوس القائم بأعمال السفارة البابوية في لبنان، وسيادة المطران حنّا علوان النائب البطريركي العام للموارنة، ممثّلاً البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، وسيادة المطران إيلي بشارة حدّاد رئيس أساقفة صيدا ودير القمر للروم الملكيين الكاثوليك، ممثّلاً البطريرك يوسف العبسي، وسيادة المطران جورج أسادوريان المعاون البطريركي للأرمن الكاثوليك، ممثّلاً البطريرك كريكور بيدروس العشرين كبرويان، وسيادة المطران ميشال قصارجي رئيس طائفة الكلدان في لبنان، وسيادة المطران سيزار أسايان النائب الرسولي للاتين في لبنان، ونيافة مار ثيوفيلوس جورج صليبا مطران جبل لبنان وطرابلس للسريان الأرثوذكس، وسيادة المطران إدوار ضاهر رئيس أساقفة طرابلس للروم الملكيين الكاثوليك، وسيادة المطران جوزف نفّاع النائب البطريركي على نيابتي جبّة بشرّي وإهدن - زغرتا للموارنة، والأباتي نعمةالله الهاشم رئيس عام الرهبانية اللبنانية المارونية، والأباتي مارون الشدياق رئيس عام الرهبانية المارونية المريمية، والأب مالك بو طانوس الأب العام للمرسَلين اللبنانيين الموارنة، والأب جورج خوّام رئيس عام الجمعية البولسية، والقس سليم صهيوني رئيس الكنيسة الإنجيلية الوطنية في لبنان وسوريا، والخوراسقف يثرون كوليانا ممثّل كنيسة المشرق الآشورية في لبنان، والأب رويس الأورشليمي ممثّل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في لبنان، وعدد من الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات والإكليريكيين، وجمع غفير من المؤمنين، يتقدّمهم والدة المطران الجديد وإخوته وأهله وذووه وأقرباؤه وأصدقاؤه، ومن أبناء رعية سيّدة البشارة ورعايا أبرشية بيروت البطريركية.
كما شارك عدد من الرسميين المدنيين والعسكريين والفعاليات، يتقدّمهم معالي الوزير نيقولا تويني ممثّلاً فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ودولة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وسعادة النائب نبيل دو فريج ممثّلاً دولة رئيس مجلس النوّاب الأستاذ نبيه برّي، ودولة نائب رئيس الحكومة الوزير غسّان حاصباني ممثّلاً الدكتور سمير جعجع رئيس حزب القوّات اللبنانية، ومعالي الوزير ميشال فرعون، وسعادة النائب نديم الجميّل.
خدم القداس الشمامسة طلاب إكليريكية دير سيّدة النجاة - الشرفة، والجوق بقيادة طوني بيلوني.
قبل المناولة، ذهب الأسقفان المعاونان إلى وراء المذبح حيث يعتكف الأسقف المنتخَب منذ بداية القداس، وهو مغطّى الرأس بخمارٍ أبيض، وأحضراه إلى وسط الخورس، ليسأله البطريرك أن يقرأ صيغة إيمانه. عندئذٍ قرأها، ثمّ وقّعها وسلّمها إلى غبطته، الذي بدأ برتبة الرسامة بصلاة البدء والأناشيد السريانية الخاصة.
ثمّ كلّف غبطة أبينا البطريرك أسقفاً لإعلان الكرازة، وتلا غبطته صلاة وضع اليد واستدعاء الروح القدس، إذ صعد إلى المذبح وبسط يديه على الأسرار المقدّسة مرفرفاً فوقها، ثمّ وضع يده اليمنى على رأس المنتخَب، وغطّاه ببدلته الحبرية، فيما حمل الأسقفان المعاونان كتاب الإنجيل مفتوحاً فوق رأس المنتخَب.
وبعد إعلان رسامة المطران الجديد باسم "مار متياس شارل"، وضع غبطته على رأس المرتسم المصنفة، وألبسه الغفّارة والأمفوريوم أي البطرشيل الكبير، وسلّمه صليب اليد، وألبسه التاج. وبعدها أجلس غبطتُه الأسقفَ الجديدَ على كرسي، فحمله كهنةٌ رافعينه ثلاث مرّات، وفي كلّ مرّة يعلن غبطته: "أكسيوس" أي مستحقّ، ويجيبه الإكليروس والشعب: "إنه أهلٌ لذلك ومستحقّ"، وسط تصفيق الحضور وأهازيج الفرح والسرور. وقرأ الأسقف الجديد إنجيل الراعي الصالح.
ثمّ، وبحركةٍ ليتورجيةٍ رائعةٍ يتميّز بها الطقس السرياني، أمسك غبطته العكّاز من الأعلى، ووضع كلٌّ من الأساقفة آباء السينودس المقدّس يده تحت يد غبطته بالتدرّج بحسب أقدمية الرسامة الأسقفية لكلٍّ منهم، ووضع الأسقف الجديد بدوره يده تحت أياديهم. ثمّ رفع كلٌّ من غبطته والأساقفة يده عن العكّاز، فبقي في يد الأسقف الجديد الذي بارك به المؤمنين.
وبعد المناولة، أكمل المطران الجديد القداس الإلهي، وألقى كلمةً بالمناسبة، أعلن فيها شعاره الأسقفي "بالحقّ والمحبّة"، وشكر العزّةَ الإلهيةَ، وقداسةَ البابا فرنسيس، وغبطةَ أبينا البطريرك، والأساقفةَ، والكهنةَ، ووالدتَه وأهلَه وذويه وأصدقاءَه، وجميعَ الذين عمل معهم في خدمته الكهنوتية، والحضورَ جميعاً، طالباً منهم أن يصلّوا من أجله كي يوفّقه الرب في خدمته الجديدة.
وبعد البركة الختامية، تقبّل المطران الجديد التهاني من الحضور جميعاً.
|