في تمام الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الثلاثاء ١٦ نيسان ٢٠١٩، ترأّس غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، مراسم رتبة جنّاز ودفن المرحومة الأخت ألحان سميث نهّاب، وذلك في كاتدرائية سيّدة النجاة، الكرادة - بغداد، العراق، تقديراً لخدمتها المتفانية وإكراماً لها، وهي المؤمنة المكرَّسة التي امتازت بسيرة فاضلة ومسيرة عطرة في خدمة الكنيسة المقدسة في بغداد، وخاصّةً في تأسيس وإدارة دار بيت عنيا للمرضى والمسنّين والمعوّقين والمهمَّشين.
شارك في الجنّاز والدفن صاحب الغبطة والنيافة الكردينال مار لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك بابل على الكلدان، وسيادة المطران ألبيرتو أورتيغا مارتن السفير البابوي في العراق، وأصحاب السيادة: مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والنائب البطريركي على البصرة والخليج العربي وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار يوحنّا بطرس موشي رئيس أساقفة الموصل وكركوك وكوردستان، وآفاك أسادوريان رئيس طائفة الأرمن الأرثوذكس في العراق، والمعاونون البطريركيون للكلدان: شليمون وردوني، باسيليوس يلدو، وروبيرت جرجيس، وعدد من الآباء الكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات، وجموع من المؤمنين من أهل وأصدقاء ومحبّي المرحومة ودار بيت عنيا.
كما حضر الجنّاز الأستاذ رعد جليل كجه جي رئيس ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى في العراق، والوزيرة السابقة الدكتورة آن نافع أوسي، والنائب السابق الأستاذ يونادم كنّا.
أقام غبطة أبينا البطريرك رتبة جنّاز ودفن البتولات، وفي نهايتها رشّ جثمان المرحومة بالماء المقدّس، ليوارى بعدها في فناء مقبرة الإكليروس والشهداء خلف الكاتدرائية، وذلك بلفتة تقديرية وتكريمية خاصة من سيادة المطران مار أفرام يوسف عبّا.
وبعد أن رنّم سيادة المطران بطرس موشي إنجيل إحياء لعازر، ارتجل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث موعظة روحية بعنوان "ودمع يسوع"، مشيراً إلى أنّنا "نسمع هذا التعبير في إنجيل إحياء يسوع للعازر بعد أربعة أيّام من موته، وقد كان تذكار هذه الأعجوبة الأخيرة التي صنعها يسوع يوم السبت الماضي، وذلك قبل إقدامه الحرّ والإرادي على الآلام والموت"، منوّهاً إلى أنّ "يسوع بكى مرّتين، الأولى وهو على جبل الزيتون يتطلّع إلى أورشليم المدينة المقدسة، وبكى عليها لأنّها لم تكن تطيع الخالق، ولم تكن تعرف يوم افتقادها من قبل الله تعالى. وفي إقامة لعازر دمع يسوع، وهاتان الكلمتان هما أقصر جملة في الإنجيل، تعبيراً عن التأثّر الذي شعر به يسوع حين التقى بالأختين مريم ومرتا وهما تبكيان أخاهما الميت لعازر. وفي بكاء يسوع ودموعه، نعرف أنّه كان إنساناً مثلنا، عاش حياة الإنسان بكلّ أبعادها، ما عدا الخطيئة. وبالأعجوبة التي اجترحها بإقامة لعازر، سيظهر يسوع ابن الله بكامل صفاته الألوهية مع الآب والروح القدس".
وأشار غبطته إلى أنّ "يسوع يذكّر مريم ومرتا أنّه هو القيامة والحياة، ويطلب منهما أن تؤمنا مع كلّ الموجودين أنّ لعازر سيقوم، لأنّ يسوع هو ربّ الحياة الذي سيقوم من القبر بقوّته الإلهية. لذلك، ولو أنّ يسوع دمع وبكى لكي يشارك الأصدقاء شعورهم بفقدان هذا العزيز لعازر، لم يكن يبكي بيأس، ولكن لأنّه شعر أنّ هذا العزيز غاب عنه"، معتبراً أنّنا "نجتمع اليوم ونحاول أن نمسك دموعنا كيلا نبيّن عن ضعفنا البشري، ولكن يحقّ لنا أن تدمع عيوننا لأنّ الرب شاء أن يأخذ ألحان من بيننا وهي في أوج عطائها، وهي التي كرّست نفسها بكلّيتها لكي تخدم الرب يسوع بشخص الذين هم مهمَّشين ومنسيين ويحتاجون إلى محبّتها. فنحن نؤمن أنّها تلاقي الرب يسوع والعذراء مريم والقديسين في السماء، ونأسف ونحزن لأنّنا دون شكّ سنشعر بغيابها، وسيشعر به الذين كانت تخدمهم والذين عرفوها. البارحة زرنا دار بيت عنيا وسألنا النزلاء هل كانوا يعرفون ألحان، فكان التأثّر بادياً على وجوه الكثيرين منهم الذين كانوا يبكون على فراقها".
وتابع غبطته: "نحن عائلة الرب يسوع وعلينا أن نشعر أيضاً، ليس لكي نبدي أمام الآخرين بعض المشاعر الإجتماعية من التجهُّم والحزن، لكن علينا أن نجدّد ثقتنا بالمخلّص الذي سيقوم من بين الأموات بعد ثلاثة أيّام. والرب دعا ألحان إليه في هذه الأيّام الخلاصية المقدسة، في يوم تذكار إقامة لعازر، وأوّل البارحة دخول يسوع إلى أورشليم ملكاً للسلام، ثمّ رتبة النهيرة، وفيها استذكرنا البتولات الحكيمات اللواتي كنَّ ينتظرْنَ الختن كي يرافقْنَه إلى فرح الملكوت".
وأردف غبطته: "نطلب من الربّ أن يقوّي إيماننا وثقتنا مهما كانت الأحكام الإلهية صعبة علينا، ونسأله أن يؤهّلنا كي نقبل مشيئته، وأن ينمي فينا دائماً نعمة الثقة به والإتّكال عليه، وأن يرافق بنعمته هؤلاء الأشخاص الذين كانت ألحان مع أختها أنوار تخدمانهم، مهما كانت أيّامهم صعبة، كي يبقوا، بالرغم من أمراضهم وصعوباتهم ومِحَنِهم، أبناء وبنات الله، والله يحبّهم شخصياً. نطلب من ربّنا يسوع المسيح أن يجعلنا جميعنا هذا الشعب الذي ينتظر الختن كي نرافقه في سعادته، كما سبق ورافقه شهداء هذه الكاتدرائية، من كهنة وأطفال وشبّان وآباء وأمّهات، فنحن سنبقى دائماً الشعب الذي، بالرغم من معاناته ومِحَنِه، يلهج بالفرح والسلام".
وختم غبطته موعظته: "نصلّي إلى الربّ مخلّصنا كي يخلّص العراق الحبيب من المحن التي مرّت وتمرّ عليه، ويساعد جميع ذوي الإرادة والنيّة الصالحة أن يبنوا هذا البلد بالنزاهة والأمانة والمساواة بين جميع المواطنين، بشفاعة أمّنا مريم العذراء وجميع القديسين والشهداء".
وكان سيادة المطران يوسف عبّا قد ألقى كلمة ثمّن في مستهلّها حضور غبطة أبينا البطريرك وترؤّسه رتبة الجنّاز والدفن، بلفتة أبوية خاصّة، متمنّياً له الصحّة والعافية والتوفيق.
كما تناول سيادته سيرة حياة المرحومة وخدمتها النصوح في تأسيس دار بيت عنيا وإفناءها حياتها في الإعتناء بالمرضى والمسنّين والمهمَّشين والمعوّقين، سائلاً لها ميراث الملكوت السماوي، إذ كانت أمينة على القليل، فسيقيمها الرب على الكثير.
وألقت الأخت أنوار عباده، مسؤولة دار بيت عنيا، كلمة عاطفية مؤثّرة رثت فيها المرحومة، مستذكرة فضائلها وعملهما المشترك في تأسيس دار بيت عنيا.
رحمها الله وأسكنها في ملكوته السماوي صحبة العذارى الخمس الحكيمات والنساء الفاضلات التقيّات. وليكن ذكرها مؤبَّداً.
|