في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأحد 21 نيسان 2019، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بقداس صباح عيد القيامة المجيدة ورتبة السلام، في كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف – بيروت.
عاون غبطتَه الأب حبيب مراد أمين سرّ البطريركية، وشمامسة البطريركية، بحضور ومشاركة الراهبات الأفراميات وجمع غفير من المؤمنين. كما شارك في قسم من القداس صاحب النيافة مار ثيوفيلوس جورج صليبا مطران أبرشية جبل لبنان وطرابلس للسريان الأرثوذكس الذي قَدِمَ لتقديم التهنئة بالعيد لغبطته.
بدايةً، أعلن غبطته بشرى قيامة الرب يسوع من بين الأموات. ثمّ أقام رتبة السلام التي يتميّز بها احتفال عيد القيامة، مانحاً السلام إلى الجهات الأربع. وطاف غبطته في زيّاح حبري داخل الكنيسة حاملاً الصليب المزيَّن براية بيضاء علامةً للنصر الذي حقّقه الرب يسوع بغلبَتِه على الموت بالقيامة، ليحتفل غبطته بعد ذلك بقداس العيد.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس بعنوان "قام من أجل تبريرنا"، نوّه غبطته إلى "أننا نلتقي في الكنيسة حتّى نعيّد هذا العيد العظيم الذي هو أساس أعيادنا المسيحية، وكما يقول مار بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس: إن لم يقم المسيح فإيماننا باطل، هذا الإيمان المؤسَّس على قيامة الرب يسوع، لأنّه بقيامته غلب الشرّير والخطيئة والموت. فعندما نؤمن أنّ يسوع قام من بين الأموات، فنحن نعلن الرجاء والفرح أنّنا نحن أيضاً سنقوم".
وأكّد غبطته على أنّ الرب يسوع "قام كي يبرّرنا ويخلّصنا ويقرّبنا من أبيه السماوي ويصالحنا معه حتّى نعرف حقيقةً أنّنا نحن أبناء وبنات هذا الآب السماوي. فنحن نعترف بأعجوبة القيامة لأنّنا نؤمن أنّ الله محبّة، والمحبّة بحدّ ذاتها هي أكبر أعجوبة تفعل المستحيل، إذ أنّ يسوع كلمة الآب تأنّس وفدانا بآلامه وصلبه وموته وقيامته من بين الأموات".
وتناول غبطته "القيامة بكونها حدث إيمان عظيم جداً، وقد اختبرته أولاً النساء ثمّ الرسل، فمريم المجدلية ذهبت وأعلمت بطرس أنهنّ رأينَ القبر فارغاً، فأسرع سمعان بطرس إلى القبر مع يوحنّا التلميذ الحبيب، وكان يوحنّا أصغر منه سناً، فسبقه لأنه شاب، لكنّه لم يدخل إلى القبر إلى أن جاء سمعان فدخل أولاً. دخلا إلى القبر ووجدا اللفائف لا تزال موجودةً في القبر، حتّى غطاء رأسه كان موجوداً. فإذاً هذا كان دليلاً واضحاً على أنّ يسوع المسيح هو الذي قام من القبر ممجَّداً، ولو كان كما ادّعى البعض أنّهم جاؤوا وأخذوا جثمانه، فما كان يجب أن يتركوا اللفائف في القبر، على عكس لعازر الذي حين أقامه يسوع من القبر كان ملفوفاً باللفائف، فطلب منهم يسوع أن يحلّوها عنه ويدعوه يذهب".
وأشار غبطته إلى أنّنا "لاحظنا في الرتب والصلوات في هذا الأسبوع في مختلف كنائسنا ورعايانا في لبنان الحضور الكثيف للمؤمنين مع أفراد عائلاتهم كباراً وصغاراً، وكذلك حال مؤمنينا خارج لبنان في بلاد الشرق والغرب، ممّا يدلّ على إيماننا نحن السريان الذين عانينا على مدار تاريخنا من التهجير القسري والإقتلاع من أرض الآباء والأجداد".
وتطرّق غبطته إلى ما حدث صباح هذا اليوم في احتفالات عيد القيامة في سيريلانكا: "لا يجب أن ننسى إخوتنا في بلدان أخرى، ففي سيريلانكا حيث لا يشكّل المسيحيون سوى 7 بالمئة من السكان، تعرّضت كنائس وفنادق إلى هجمات إرهابية سقط نتيجتها أكثر من 140 شهيداً حتّى الآن، ما عدا مئات الجرحى. فنحن نشارك إخوتنا في هذا البلد المعاناة والإضطهاد الذي يعيشونه.
وتكلّم غبطته عن السلام الذي منحه الرب تلاميذه بقيامته: "السلام أستودعكم، سلامي أعطيكم"، سائلاً "يسوع القائم من بين الأموات أن يحقّق وعده بالسلام بقدرته الإلهية، كي يبعد الأشرار والإرهابيين الذين ينالون من الأبرياء المسالمين أينما كانوا. ونحن نعلم أنه حتى المنظّمات الدولية تقول إنّ أكثر المؤمنين المضطهَدين في العالم هم المسيحيون، ولأنّ المسيحيين هم الأكثر في الغرب لذلك يهملون المضطهَدين والذين يتضرّرون من الأعمال الإجرامية، لأنه للأسف السياسيون وحتى رجال الدين الكنسيون يتلافون ذكر الحقيقة حول ما يحدث لهؤلاء الأبرياء".
وتحدّث غبطته عن الأوضاع العامّة في الشرق الأوسط: "تعلمون اليوم كم تعاني منطقتنا وتمرّ بالأزمات العديدة، سواء في سوريا أو في العراق أو في الأراضي المقدسة ومصر، نطلب من الرب الذي هو ملك السلام أن يعطي هذه البلدان السلام والإستقرار، كي يعرف الحكّام والمواطنون كيف يتصرّفون، وكي يفكّروا بالشعب البريء الذي يعاني كثيراً. ونسألكم أن تصلّوا من أجل إخوتكم في هذه البلدان وفي كلّ الشرق وفي العالم، سيّما حيث يتألّم المسيحيون وغيرهم من المكوّنات".
وعن الوضع في لبنان، قال غبطته: "أمّا في لبنان، فنحن نعيش هذه المرحلة الصعبة، مرحلة مليئة بالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونسمع الكثيرين من المسؤولين يتحدّثون عن الفساد والفاسدين والمفسدين بشكلٍ عام، لكنّهم لا يتجرّأون على قول الحقيقة وتوجيه الإتّهامات - إن كانت حقيقية - والتي تعود إلى الإهمال وعدم الإهتمام والإستخفاف بالشعب. كما نتذكّر اليوم أنّ المواطنين يعانون في حياتهم اليومية ويحاولون المستحيل لتأمين حياة كريمة لأولادهم. ويجب ألا ننسى الشباب المهجَّرين، ونحن نسألهم فيقولون إنّ لا مستقبل لهم هنا ويسافرون إلى بلدان أخرى شرقاً وغرباً".
وفيما لفت غبطته إلى أنّنا "نحن ككنيسة سريانية مكوّن صغير فعلاً، لكن كلّ رجل دين عليه أن يقول الحقيقة ويُظهِر مواطن الفساد ويصلح الفاسدين، لأنّ هؤلاء المسؤولين يمثّلون أحزاباً وطوائف، ويجب أن تجري محاسبة عادلة كلّ مرتكب"، تساءل غبطته: "إذا كان هناك فاسدون ومفسدون وكانت هناك حقيقةً أسبابٌ لطلب النزاهة والمصداقية والشفافية من المسؤولين عندنا، فَلِمَ لا تقوم الأحزاب أو الطوائف الممثَّلة بمسؤولين في الدولة بمحاسبة هؤلاء الفاسدين والمفدسين؟".
وختم غبطته موعظته ضارعاً إلى الرب يسوع القائم من بين الأموات "أن يشفق علينا وعلى جميع الذين يعانون الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وأن يتحنّن على عائلاتنا وشبابنا وأطفالنا، كي نقدر جميعنا أن نعيّد عيد قيامته بالسلام والأمان والفرح والرجاء، بشفاعة أمّنا مريم العذراء وجميع القديسين والشهداء".
وبعد البركة الختامية، استقبل غبطة أبينا البطريرك المؤمنين والمهنّئين بالعيد في الصالون البطريركي.
|