في فترة قبل الظهر من يوم الجمعة 9 آب 2019 بحسب التوقيت المحلّي لمدينة سان دييغو، افتتح غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، المؤتمرَ الحادي عشر لأبرشية سيّدة النجاة، والذي عُقِد باستضافة كنيسة أمّ المعونة الدائمة للسريان الكاثوليك في مدينة سان دييغو بولاية كاليفورنيا، الولايات المتّحدة الأميركية.
حضر المؤتمر أصحاب السيادة: مار برنابا يوسف حبش مطران أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية، ومار غريغوريوس بطرس ملكي النائب البطريركي في القدس والأراضي المقدسة والأردن، ومار تيموثاوس حكمت بيلوني الأكسرخوس الرسولي في فنزويلا، والأب حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والآباء الكهنة الذين يخدمون الرعايا والإرساليات في أبرشية سيّدة النجاة، ومن بينهم المونسنيور عماد حنّا الشيخ كاهن رعية أمّ المعونة الدائمة في سان دييغو الذي يستضيف، بمحبّته وبتعاوُن جميع العاملين معه من مجلس ولجان، هذا المؤتمر الحادي عشر للأبرشية، وجموع المؤمنين من أبناء رعية أمّ المعونة الدائمة في سان دييغو، وممثّلون عن مختلف الرعايا والإرساليات في أبرشية سيّدة النجاة.
افتتح غبطته الجلسة الصباحية الأولى للمؤتمر بالصلاة إلى الرب يسوع كي يبارك أبرشية سيّدة النجاة في دعوتها وأمانتها للبشارة بالإنجيل والشهادة للرب في كلّ مكان في الولايات المتّحدة، بشفاعة أمّنا السماوية مريم العذراء، أمّ المعونة الدائمة، فيحيا جميع أبناء الأبرشية بالشركة والوحدة والمحبّة.
ثمّ وجّه المونسنيور عماد حنّا الشيخ تحية محبّة بنوية وامتنان إلى غبطته "رئيس كنيستنا السريانية وتاج رأسنا ومؤسّس أبرشية سيّدة النجاة، والذي له يعود الفضل الأوّل في كلّ ما وصلت إليه الأبرشية"، مرحّباً بالأساقفة والكهنة وجميع المشاركين، متمنّياً للمؤتمر النجاح، ومثنياً على روح المحبّة التي تجمع رعايا الأبرشية وإرسالياتها في بوتقة واحدة، برعاية واهتمام سيادة راعي الأبرشية، وبتعاضُد الكهنة والمؤمنين، حفاظاً على إيمانهم وتقليد الكنيسة السريانية الأنطاكية العريقة.
وألقى غبطة أبينا البطريرك كلمة استهلّها بالحديث عن تاريخ تأسيس رعية أمّ المعونة الدائمة في سان دييغو التي تحتفل هذا العام باليوبيل الفضّي لتأسيسها، "منوّهاً إلى أنّ الفضل للرب أننا اليوم موجودون في هذه الكنيسة، كنيسة أمّ المعونة الدائمة التي تأسّست بفضله تعالى وبهمّة وعزم وغيرة مؤسِّسها الأول والذي يهتمّ فيها حتّى اليوم، وهو المونسنيور عماد حنّا الشيخ. هذه الرعية لها نوعاً ما صفات خاصة لأنها تأسّست على يد علماني الذي أصبح الشمّاس ثمّ الكاهن، وها هي مستمرّة منذ 25 سنة اعتباراً من نيسان 1994. ومنذ ذلك الحين، انطلق أبونا عماد، رغم كلّ الصعوبات التي عاناها، كي يؤسّس هذه الجماعة الروحية التي برهنت عن غيرتها وأمانتها للرب يسوع ولكنيسته، وتوصّلنا بنعمة الرب إلى هذا الإنجاز الرائع، أنّنا اقتنينا ملكية هذه الكنيسة، وفيها كلّ مقوّمات الرعية، من كاهن وشمامسة ولجنة سيّدات نشيطة جداً ولجنة للشباب وأطفال التعليم المسيحي وأخوية العذراء وأصدقاء مريم العذراء، وحول الكاهن مجلس للرعية مؤلَّف من مؤمنين غيورين على الكنيسة، وهكذا بقي المونسنيور أميناً لهذا العمل وهذه الخدمة".
وانتقل غبطته إلى التأمّل "بدعوتنا المسيحية التي اكتسبناها من المعمودية، فكلّنا مدعوون للقداسة، ليس فقط البطريرك والأساقفة والكهنة والشمامسة والمكرَّسين والمكرَّسات في الرهبانيات، بل كلّ مؤمن ومؤمنة معمَّد مدعو أن يحيا في القداسة"، متعمّقاً "بخريطة الطريق لنا نحن كمؤمنين مشرقيين أبناء وبنات كنيسة مشرقية عريقة، هي الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، كيف يجب أن نسير في الطريق نحو القداسة في هذه الظروف الراهنة حيث انسلخنا عن أرض آبائنا وأجدادنا في الشرق، وجئنا إلى هذا البلد الذي استقبلنا ويعطينا حرّيتنا الدينية وحقوقنا المدنية، عكس الشرق الذي تعصف فيه الكثير من الأزمات والتحدّيات".
وتناول غبطته ثلاث نقاط للتأمّل: الإنتماء، البناء، والشهادة:
ففي النقطة الأولى، الإنتماء، ذكّر غبطته بضرورة "عيش دعوتنا المسيحية، فعلينا أولاً أن ندرك أننا ننتمي إلى كنيسة رسولية تفتخر أنها تعود إلى أيّام الرسل وتستعمل اللغة السريانية الآرامية نفسها التي تكلّمها الرب يسوع وأمّه مريم العذراء وتلاميذه الرسل. إذاً يجب علينا أولاً أن نعرف أن ننتمي، فصحيحٌ أننا موجودون في بلد كبير فيه الكثير من الكنائس والكنيسة اللاتينية هي الأكبر ولديها كلّ الإمكانيات، لكن لا يجب أن ننسى شيئاً يخصّنا نحن، أننا ننتمي إلى هذه الكنيسة الرسولية المشرقية، والتي هي كنيستنا السريانية"، مقتبساً في هذا السياق فكرة لقداسة البابا بنديكتوس السادس عشر في تعليمه خلال شهر تشرين الأول من العام 2007، إذ يشير قداسته إلى أننا "نفكّر أنّ الإيمان المسيحي جاءنا من أوروبا، لكنّ هذا غير صحيح، لأنّ الإيمان المسيحي جاءنا من الشرق، من بيئة ساميّة هي بيئة سريانية، ومار أفرام أكبر مثال على هذه البيئة التي منها جاءت بشارة الإنجيل بلغة وعقلية وثقافة سريانية ساميّة".
والنقطة الثانية، البناء، حيث أشار غبطته إلى أننا "نبني الكنيسة المؤمنة قبل أن نبني كنيسة الحجر والخشب التي نحن موجودون فيها ونشكر الله على ذلك. يجب علينا أن نشعر بواجبنا في بناء الكنيسة، لأنه بالتأكيد إنّ الكنيسة تُبنى روحياً وطقسياً ورعوياً، ولكنّها تُبنى أيضاً كهيكل وبناء بجهود المؤمنين الذين يعضدون الكاهن والأسقف، لأنه إن لم يكن لدينا البناء، فلن يبقى لأولادنا الشجاعة والحماس كي يأتوا إلى الكنيسة حيث يلتقون ويجتمعون".
أمّا النقطة الثالثة، الشهادة، فشدّد غبطته على أهمّية "أن نشهد للرب يسوع ولكنيستنا السريانية أمام الآخرين، أي أن نبشّر ناشرين إيماننا وتعليم كنيستنا وتقليدها من حولنا، فنخرج من تقوقُعِنا، ونبشّر بالرب يسوع، ونشهد لإنجيل المحبّة والفرح والسلام بالكلام والعمل وسيرة الحياة، كي نستطيع حقيقةً أن نجذب الناس إلى يسوع".
وأكّد غبطته أنّ "الكنيسة جماعة المؤمنين وجسد يسوع السرّي وعروس المسيح هي العائلة الروحية التي تجمعنا، ومن هذه العائلة الروحية ننطلق للحديث عن العائلة البيتية، كنيسة البيت. وجميعنا ندرك الصعوبات والمخاطر التي تحيط بالعائلة في أيّامنا هذه، وسببها الحرّية الزائدة وعدم تمكُّنِنا من التأقلم بالشكل الصحيح"، متطرّقاً إلى "الأخطار المتأتّية من خارج العائلة، وهي متمثّلة بالبيئة التي نعيش فيها، والأخطار المتأتّية من داخل العائلة، وهي متمثّلة ببعض التقصير في الواجبات لعدم توفُّر الوقت الكافي للإهتمام بأولادنا وشبابنا بسبب الإنهماك بالعمل لتأمين العيش الكريم، ممّا قد يؤدّي إلى إهمال أو نسيان الواجبات البيتية نحو الأولاد"، منوّهاً إلى أننا "آمنّا وقَبِلنا الدعوة المسيحية التي تؤكّد وتعلّم أنّ العائلة هي الكنيسة البيتية والكنيسة الأولى للأولاد، وأنّ على الشباب الإلتزام أن يتمّموا إرادة الرب بالزواج وتأسيس العائلات المؤمنة والملتزمة".
وختم غبطته كلمته شاكراً سيادة راعي الأبرشية الذي ألحّ على غبطته للحضور وترؤُّس هذا المؤتمر، داعياً لسيادته بالنجاح والتوفيق في خدمته، وموجّهاً الشكر والثناء لكاهن الرعية وجميع معاونيه في الإعداد والتحضير لهذا المؤتمر كي يأتي بالثمار المرجوَّة، شاكراً الذين حضروا للمشاركة في هذا المؤتمر، ومانحاً أبرشية سيّدة النجاة، راعياً وإكليروساً ومؤمنين، بركته الرسولية عربون محبّته الأبوية.
كما ألقى سيادة المطران مار برنابا يوسف حبش كلمة أكّد فيها أنّ الأبرشية هي كنيسة المسيح وامتداد لحضوره عبر الزمان والمكان، وعبر التاريخ والجغرافيا، متناولاً أهمّية انعقاد هذا المؤتمر وصبغته الراعوية، فهو ليس مؤتمراً أكاديمياً أو علمياً أو تخصّصياً، بل هو في جوهره لقاء وتعارف بين مختلف مكوّنات الأبرشية المترامية الأطراف في الولايات المتّحدة، وتوطيد العلاقات والترابط بين كلّ الرعايا والإرساليات، والإستفادة من تبادُل الخبرات، وفوق هذا كلّه اختبار عيش المحبّة، وهي العلامة الفارقة التي تميّز تلاميذ الرب يسوع.
وأعرب سيادته عن عميق امتنانه لغبطة أبينا البطريرك على حضوره وترؤّسه ومباركته لهذا المؤتمر، شاكراً إيّاه على كلماته القيّمة، وداعياً له بالصحّة والعافية والتوفيق في كلّ أعماله في رعاية الكنيسة في كلّ مكان، موجّهاً الشكر للمونسنيور عماد حنّا الشيخ وجميع من ساعده في الإعداد لهذا المؤتمر من أبناء رعية أمّ المعونة الدائمة في سان دييغو.
هذا وتستمرّ أعمال المؤتمر في لقاءات وجلسات وحلقات تبادُل خبرات، لينتهي بإذنه تعالى يوم الأحد في الحادي عشر من آب الجاري.
|