البطريرك يونان: "نحن مسيحيي الشرق مُهمَلون ومتروكون من هذا العالم الذي يفتّش على مصالحه الآنية المادّية"
في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأحد ١٣ تشرين الأول ٢٠١٩، أقام غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، القداس الإلهي على مذبح كنيسة العذراء مريم في الوكالة البطريركية السريانية في روما - إيطاليا، حيث أطلق غبطته نداءً عاجلاً وملحّاً من أجل إحلال السلام الفوري والدائم في شمال شرق سوريا، والحفاظ على حياة الأبرياء وخاصّةً على المسيحيين وهم المكوِّن الأصيل والمؤسِّس في سوريا.
عاون غبطتَه في القداس الخوراسقف جورج مصري المعتمَد البطريركي لدى الكرسي الرسولي، والأب رامي قبلان الزائر الرسولي في أوروبا، والأب حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، بحضور ومشاركة جمع من المؤمنين من النازحين والقادمين الجدد من سوريا والعراق.
في موعظته بعد الإنجيل المقدس، تحدّث غبطة أبينا البطريرك عن الهجمات التي تتعرّض لها المناطق الواقعة شمال شرق سوريا، مطلقاً النداء من أجل إحلال السلام والأمان في تلك المناطق وسائر الجزيرة السورية، والحفاظ على حياة الأبرياء وخاصّة على المسيحيين وهم سكّان البلاد الأصليون ومواطنون مؤسِّسون فيها، وأبرز ما قاله غبطته في موعظته:
"كما نرى إنّ درب صليبنا يطول، منذ سنوات عديدة في العراق، واليوم في سوريا تستمرّ معانانتا من الهجمات الإرهابية وأعمال العنف والتعصّب الديني والطائفي الأعمى، وهكذا نتعرّض للتهجير والإقتلاع والإبادة.
إنّ الهجرة من البلد والأرض التي وُلدنا فيها ليست بالأمر السهل، على الأخصّ اليوم حيث الهجرة هي الاقتلاع من أرض الآباء والأجداد، ومن تراب الأرض والعادات والتقاليد والثقافة التي عاش الإنسان وترعرع في ظلّها.
في رسالته إلى أهل أفسس، يطلب مار بولس رسول الأمم من المؤمنين أن: كونوا أقوياء وشدِّدوا عزائمكم حتّى عندما تنظرون إليَّ وإلى آلامي وشدائدي والظروف الصعبة التي أعيشها، لا تيأسوا.
نحن نعرف أنّ مار بولس قاسى الكثير من الآلام والمحن، وكان معرَّضاً للغرق، وحُبس، وجُلد. لذلك فهو يشجّع مؤمني كنيسة أفسس كيلا يقعوا في اليأس عندما يعاينون المحن والصعوبات التي يتعرّض لها الرسول.
اليوم، وأكثر من أيّ وقت مضى، نحتاج أن نقوّي بعضنا البعض، لأنه رغم كلّ ما يحلّ بنا سنظلّ أقوياء بالإيمان والرجاء. وهذا الشيء نترجمه إلى عيش المحبّة فيما بيننا، كي نقدر أن نتابع معاً طريق حياتنا ونسلك هذا الدرب الذي نرى نفقَه المظلم يمتدّ أكثر فأكثر.
كلّنا نعلم بما يجري اليوم في شمال شرق سوريا، أي في محافظتي الحسكة والرقّة، حيث هجمات جيش نظامي قويّ يفرض نفسه، لكنّ الخوف الأكبر هو أنّ هذا الجيش يدعم مسلَّحين إرهابيين مملوئين بالحقد ويريدون فقط أن ينتقموا. وهكذا لا يجد أبناء شعبنا المسيحي أمامهم حلاً سوى أن يتركوا أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم ويهاجروا، وهم المكوِّن الأصيل والمؤسِّس في سوريا.
نصلّي معاً في هذا القداس كي يعطينا الربّ الأمن والسلام اللذين نحتاج إليهما منذ سنوات. وإذا عدنا إلى الماضي، سواء أكان القريب أو البعيد، فنحن ندرك أنّ المسيحيين في الشرق كانوا مضطهَدين، ولا يزالون مضطهَدين، وهم يعانون كلّ أنواع الصعوبات والآلام. لكنّنا لا نقول هذا كلّه كي نقع في اليأس، فمار بولس يذكّرنا بأنّنا يجب أن نبقى أقوياء بالذي يقوّينا، بالرب يسوع الذي هو منبع إيماننا، لأنّنا بنينا بيت إيماننا وحياتنا على الصخر، على الرب يسوع وتعاليمه السامية، فلن يتزعزع بنياننا أبداً، كما يعلّمنا البشير لوقا في إنجيل اليوم.
إنّنا على يقين أنّ لنا إلهٌ في السماء يتطلّع فينا ويقوّينا ويعتني بنا ويحفظنا، وهو يذكّرنا على الدوام أنّ هذه الحياة على الأرض ليست الحياة النهائية، لأنّنا جميعاً نسلك هذه الطريق كي نتمتّع بفرح وسعادة السماء في الحياة الأبدية حيث نكون مع الرب دائماً.
نرفع تضرّعنا ونطلق النداء عاجلاً وملحّاً في هذا القداس، متّحدين مع قداسة البابا فرنسيس وجميع الرعاة الكنسيين حول العالم، من أجل إحلال السلام الفوري والدائم في المناطق الواقعة شمال شرق سوريا، وفي كلّ الجزيرة السورية، وكذلك من أجل الحفاظ على حياة الأبرياء، وسلامة جميع الذين يعانون بسبب ما يُسمَّى هجمات الجيش التركي على الأكراد في الجزيرة السورية. ونحن نعلم أنّ من سيدفع الثمن هم بشكلٍ خاص الأبرياء، وبشكل أخصّ المسيحيون الذين ليس بإمكانهم الدفاع عن النفس، في حين يرى المسيحيون أنّ العالم حولهم، ولا سيّما الأقوياء، يستغلّونهم ولا يفكّرون بهم، وكأنّهم من حُثالة هذا العالم، أي أقلّية بالعدد وضعيفة بالسلاح وليس لديها أيّ نية بشنّ هجمات إرهابية وتكفيرية. لذلك نحن مسيحيي الشرق مُهمَلون ومتروكون من هذا العالم الذي يفتّش على مصالحه الآنية المادّية.
نسأل الرب يسوع ونطلب منه، بشفاعة أمّه مريم العذراء التي هي محاميتنا عند ابنها يسوع، أن يقوّي ويشجّع إخوتنا وأخواتنا وأبناءنا وبناتنا في الجزيرة السورية، وكلّ المناطق في شمال شرق سوريا، وأن يشدّدهم ويرافقهم في مشوار حياتهم أينما كانوا. ونحن سنظلّ نفتح أيدينا وقلوبنا دائماً كي نساعدهم على قدر الإمكان، مع أنّ الجميع يدرك أنّ الكنيسة لا يمكنها دائماً أن تساعد الكلّ وحسب احتياجات الكلّ.
الربَّ يسوعَ نسأل، بشفاعة أمّه القديسة مريم، عذراء فاتيما التي نعيّد اليوم لظهوراتها على الأطفال الثلاثة بمدينة فاتيما في البرتغال، أن يحمي جميع المؤمنين به من كلّ خطر ويحفظهم بالنعمة والبركة، آمين".
وقبل نهاية القداس، رفع غبطة أبينا البطريرك الصلاة والتضرّع والابتهال مع جميع الحاضرين من أجل إحلال السلام والأمان في شمال شرق سوريا وسائر الجزيرة السورية، وحفظ أبناء شعبنا المسيحي من كلّ خطر وضيق واضطهاد، وكذلك من أجل استتباب الأمن في بغداد، وصلّى الجميع الصلاة الربّانية والسلام الملائكي على هذه النيّة. ثمّ منح غبطته البركة الختامية، مع الرجاء أن يستجيب الرب يسوع هذه الصلاة وينعم الجميع، وبخاصة أبناء الكنيسة في سوريا والعراق، بالأمان والطمأنينة والاستقرار.
|