يطيب لنا أن ننشر فيما يلي النص الكامل للكلمة التي ارتجلها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، خلال الاحتفال الرسمي بتدشين وافتتاح كنيسة سيّدة البشارة ودار مطرانية السريان الكاثوليك، في المجموعة الثقافية – الجانب الأيسر من مدينة الموصل – العراق، صباح يوم السبت 7 كانون الأول 2019، بعنوان "الله محبّةٌ هو":
"الله محبّةٌ هو"
"أيّها الأحبّاء بالربّ،
أوجّه إليكم كلمة شكر وامتنان لحضوركم هذا الحفل المفرح، أن نكرّس كنيسةً لأمّنا العذراء مريم باسم بشارتها التي تمّت من قِبَل رئيس الملائكة جبرائيل، معلناً ومتنبّئاً لها عن ولادة المخلّص، ونحن في هذا الزمن الذي نسمّيه زمن المجيء استعداداً لقدوم المخلّص مولوداً في مغارة.
أحبّ أن أكرّر شكرنا لجميع الحضور الأكارم، بدءاً من سيادة محافظ نينوى ومعاونيه المدنيين والعسكريين الذين جاؤوا ليشاركونا في هذه الفرحة.
أودّ أن أشكر نيافة الكردينال فيليب برباران رئيس أساقفة ليون بفرنسا، من أجل الدعم الذي قدّمه لنا ومن أجل صداقته وأخوّته التي تدفعه كي يأتي ويزورنا دائماً سواء في الموصل أو في سهل نينوى، وكذلك دعم أبناء أبرشيته والكاثوليك في فرنسا.
أرحّب بأصحاب النيافة والسيادة الحاضرين معنا، وأهنّئ صاحب السيادة الأخ الجليل مار يوحنّا بطرس موشي رئيس أساقفة الموصل الذي بإرشاده وتوجيهه وعنايته اكتمل هذا العمل الرائع، وأهنّئ كاهن هذه الرعية الأب عمانؤئيل كلّو على هذا الإنجاز ببناء الكنيسة ودار المطرانية وسكن الكهنة وبيت الطلاب والطالبات.
المحبّة هي أعجوبة لن نستطيع أن نفهم مغزاها لأنّها تشمل جميع الذين نلتقي بهم، ليس فقط من أصدقاء وأهل، ولكن، كما استمعنا من الإنجيل المقدس أيضاً، من الذين لا نتّفق معهم، متذكّرين أنّ الاختلاف بالدين وبالرأي لا يعني الخلاف، وأنّ التعدّدية هي غنى لدى الرب إلهنا الذي دعانا أن نعيش هذه المحبّة، وأن نلتقي بالآخر ونتعرّف به ونرافقه في مشوار الحياة الذي عليه أن يُبنى على العيش الواحد في الوطن الواحد، على المحبّة الحقيقية دون زيف أو نقصان، وعلى الرجاء أن نلتقي جميعنا أمامه تعالى كي نُحاسَب على أعمالنا في هذه الحياة، وليس على كمّية الصلوات والتقادم التي نكون قد عشناها وبرهنّا عنها في حياتنا على هذه الأرض الفانية.
إنّ قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس ذكّرَنا في لقائه في الإمارات العربية المتّحدة بهذه الوثيقة التاريخية، وثيقة الأخوّة في الإنسانية. نعم، ونتذكّر أيضاً "لي ديني ولكم دينكم" و"لا إكراه في الدين"، كما أنّ الرب يسوع يذكّر دائماً تلاميذه أنّكم "بهذا يعرفكم العالم أنّكم تلاميذي إن كان فيكم حبٌّ بعضكم لبعض".
لذلك، ونحن نتابع هذا الاحتفال، أودّ أن أهنّئ مدينة الموصل أمّ الربيعين بهذا الانجاز الذي تمّ في هذه الناحية، الجانب الشرقي من هذه المدينة التاريخية العريقة بالعيش المشترك بين جميع أطياف عراقنا المحبوب من أديان وطوائف ولغات.
إنّنا في القرن الحادي والعشرين مدعوون أن نكون شعلةً نيّرةً للعالم أجمع، للشرق الأوسط في هذا التقارب والعيش المشترك، وللعالم أيضاً في أنّ حضارة ما بين النهرين سوف تستمرّ بتقديم هذا النور، منوّهين إلى أنّنا شاركنا هنا بنشر الأبجدية للعالم، وأنّنا أعطينا حقوق الإنسان بدايةً من هذه الأرض المباركة.
أهنّئ الجميع، وأرجو من كلّ المسؤولين أن يعملوا جهدهم لكي يعيش أبناء وبنات هذه المدينة بالتسامح الحقيقي، فنقلب صفحة الماضي ونقبل الآخرين ونشجّعهم على القدوم والعودة إلى بيوتهم وأحيائهم في هذه المدينة. وهذا طبعاً يتطلّب من المسؤولين، أن كانوا مدنيين أو عسكريين، أن يؤمّنوا الاستقرار والسلام وقبول الآخر، متذكّرين أنّ التربية وثقافة الناس هما عنصران أساسيان لقبول الآخر.
نشكره تعالى لمشاركتنا معاً في هذا الاحتفال، وندعو للموصل، مدينة أمّ الربيعين، بمحافظتها محافظة نينوى، أن تبقى دوماً شعلةً من النور والإخاء والمحبّة، وشكراً".
|