في تمام الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الثلاثاء 10 كانون الأول 2019، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة عيد القديسين الشهيدين مار بهنام وأخته سارة، في دير مار بهنام وسارة – ناحية نمرود – قره قوش (بغديده)، العراق.
عاون غبطتَه في القداس صاحبا السيادة مار يوحنّا بطرس موشي رئيس أساقفة الموصل وتوابعها، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والنائب البطريركي على البصرة والخليج العربي وأمين سرّ السينودس المقدس، بحضور ومشاركة نيافة المطران مار غريغوريوس صليبا شمعون رئيس أساقفة الموصل السابق والمستشار البطريركي للسريان الأرثوذكس، والمونسنيور Ervin LENGYEL القائم بالأعمال وسكرتير السفارة البابوية في العراق، والأب حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، وعدد من الآباء الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات في أبرشية الموصل، ومن بينهم الراهبان الأفراميان الأب يعقوب حسّو والأخ أفرام سوني اللذان يخدمان في هذا الدير. وخدم القداس الشمامسة والجوق الذي أنشد الترانيم الروحية، ومن بينها المديحة الرائعة والمؤثّرة للقديسين الشهيدين بهنام وسارة.
كما شارك في القداس المسؤولون المدنيون والعسكريون في المنطقة، وجماهير حاشدة وغفيرة من المؤمنين الذين أمّوا الدير واحتشدوا في كنيسته وغصّت بهم ساحاته الواسعةفي مشهد يثلج القلوب باستمرار نبض الحياة في أرض الآباء والأجداد.
وسط حشود المؤمنين ورغم زخّات المطر، دخل غبطة أبينا البطريرك بموكب حبري مهيب إلى المكان الذي أُعِدّ خصّيصاً للاحتفال بالذبيحة الإلهية. وأقام غبطته القداس على نيّة أبناء الكنيسة في العراق وبلاد الشرق والعالم، في جوّ روحي بالغ التأثّر يعبق بأريج عطر القداسة الفوّاح من ضريح بطلَي الإيمان المسيحي القديسين الشهيدين بهنام وأخته سارة.
وبعد الإنجيل المقدس، ارتجل غبطة أبينا البطريرك موعظة روحية عميقة ومؤثّرة، استهلّها بتأمّل من الآباء السريان عن الشهداء: «ܕܳܡܶܝܢ ܣܳܗܕ̈ܶܐ ܠܺܐܝܠܳܢ̈ܶܐ ܕܰܢܨܺܝܒܺܝܢ ܥܰܠ ܡܰܒܽܘ̈ܥܶܐ܆ ܐܺܝܠܳܢ̈ܶܐ ܝܳܗܒܺܝܢ ܦܺܐܪ̈ܶܐ ܘܣܳܗܕ̈ܶܐ ܡܰܪܕܶܝܢ ܥܽܘܕܪ̈ܳܢܶܐ»، وترجمته: "يشبه الشهداءُ الأشجارَ التي نُصبت على الينابيع، الأشجار تعطي الثمار والشهداء يمنحون المعونات".
وحيّا غبطته جميع المشاركين في هذه الذبيحة الإلهية من أساقفة وخوارنة وكهنة ورهبان وراهبات ومسؤولين مدنيين وعسكريين ومؤمنين، معرباً عن فرحه واعتزازه وشكره "لأنّنا نأتي ونعيّد عيد هذين الشهيدين والبطلين البارَّين اللذين نعتزّ ونفتخر بهما، وسنبقى ننشد مجدهما إلى الأبد، إن كان عددنا قليلاً أو كثيراً، ومهما كان حضورنا هنا كبيراً أو منقوصاً بسبب الظروف. فنحن نعتزّ بشفيعَي هذا الدير المبارك، ونهنّئ الراهبين الأفراميين الأب يعقوب حسّو والأخ أفرام سوني لبقائهما في هذا الدير كي يجعلا منه محطّةً للصلاة والتأمّل والتفكير بدعوتنا المسيحية، في هذا الزمن الأليم الذي يمتحننا به الرب الذي تفوق حكمته كلّ حكمة وقدرة على الأرض".
وذكّر غبطته المؤمنين "أنّنا أبناء وبنات هؤلاء الآباء والأجداد الذين قاسوا الكثير من أجل الرب يسوع، على مثال هذين الشهيدين اللذين قرّبا ذاتهما منذ القرن الرابع للرب يسوع، بعد أن اعتمدا على يد القديس متّى الناسك"، مؤكّداً أنّنا "سنظلّ نعلن إنجيل المحبّة والفرح والسلام، إنجيل الإعتراف بالآخر والمطالبة بأن يعترف الآخر بحقوقنا الإنسانية والدينية، إنجيل البناء وليس الهدم، إنجيل الرأفة وليس الكراهية، إنجيل المحبّة وليس البغض والتمييز بين مؤمن ومؤمن وبين من ينتمي إلينا ومن يختلف عنّا"، مشيراً إلى أنه "ليس من سبب كي يكون هناك اختلافٌ بيننا، لأنّنا أبناء وبنات بلد واحد، العراق الحبيب الذي لا يزال يتألّم ويعاني".
وصلّى غبطته "بشفاعة هذين الشهيدين، حتّى يرأف بنا الله ويرأف بهذا البلد المنكوب منذ قرابة ثلاثة عقودٍ"، مشيراً إلى "أنّ هذا البلد، بلاد الرافدين الحضارية، حمل إلى العالم كلّه الحضارة والقانون، وكذلك الاعتزاز بالذين سبقونا من شخصيات ذكرها الكتاب المقدس".
ونوّه غبطته إلى أنّ "الله يمجّد الذين برّرهم، فبهنام وأخته سارة برّرهما الله، ومنحهما شرف الاستشهاد كي يمجّدهما في السماء. نعم، هذا هو اعتزازنا بهذين الشهيدين بعد أكثر من ١٧٠٠ سنة، نحن نعترف بأنّ الشهيد يمجّده الله على فضائله وبطولته حتّى الاستشهاد في سبيل الإنجيل، إنجيل المحبّة والفرح والسلام"، مؤكّداً أنّ "هذا الدير جُعِل لكي يكون أيضاً منارةً للخير ومَعيناً للبركات، وسيستمرّ، بإذن الله وبشفاعة هذين القديسين بهنام وسارة، سيستمرّ بالإزدهار، مشرّعاً أبوابه أمام جميع قاصديه من مصلّين وزائرين، كي يدركوا ويتعلّموا أنّ الإنسان جُعِل للخير ولنشر السلام والدفاع عن حقوق الآخرين، وكي يؤمّن وينشر الأخوّة الحقيقية بين جميع الذين يسكنون في هذه المنطقة العزيزة، بل في بلاد الرافدين بأسرها، لا سيّما في سهل نينوى الغالي".
وختم غبطته موعظته ضارعاً إلى "الرب الذي قال إنه هو بذاته يؤمّن الغذاء للعصافير ولطيور السماء، أن ينظر إلينا نحن الموجودين هنا في هذا الدير المقدس، وإلى ذوينا وأهلنا وأقاربنا في بلاد المهجر، ونصلّي من أجلهم ونذكّرهم أنّنا هنا باقون كي يبقوا هم أيضاً أمناء لدعوتهم المسيحية أينما كانوا شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً"، طالباً "منه تعالى أن يحمي كنائسنا ومعابدنا وأديارنا وأولادنا، حتّى نبقى دوماً الشعب الذي يمجّد الله ليتقبّله الله في مجده الأبدي" (تجدون النص الكامل لموعظة غبطته في موضع آخر على صفحة الأخبار الرسمية هذه).
وقبل نهاية القداس، بارك غبطته الخبز ليتمّ توزيعه بركةً للمؤمنين وعائلاتهم بهذه المناسبة المقدّسة.
ثمّ، وبعدما منح غبطته البركة الختامية، انتقل وسط حشود المؤمنين إلى ساحات الدير، حيث بارك طعام "الهريسة" التقليدية الذي يتمّ إعداده في مثل هذا اليوم، وجال بين المؤمنين الذين عبّروا عن عظيم فرحهم بلقاء أبيهم الروحي العام في هذا اليوم المبارك.
شكراً لله على هذا اليوم المبهج والرائع، شكراً لله على عطيّته التي لا يُعبَر عنها!
|