في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأحد 12 نيسان 2020، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بقداس عيد القيامة المجيدة ورتبة السلام، في كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف – بيروت.
عاون غبطتَه الأب حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب روني موميكا والأب كريم كلش أمينا السرّ المساعدان في البطريركية، والشمامسة، والراهبات الأفراميات، من دون حضور المؤمنين، وقد نُقِل القداس مباشرةً على الصفحة الرسمية للبطريركية على الفايسبوك، وشاركَتْه صفحات الأبرشيات والرعايا والإرساليات السريانية في مختلف أنحاء العالم، كي يتمكّن المؤمنون في لبنان والعالم من المشاركة في القداس، خاصّةً بسبب تعذُّر حضورهم نظراً للإجراءات الوقائية والاحترازية من وباء كورونا.
بدايةً، أعلن غبطته بشرى قيامة الرب يسوع من بين الأموات. ثمّ أقام رتبة السلام التي يتميّز بها احتفال عيد القيامة، مانحاً السلام إلى الجهات الأربع. وطاف غبطته في زيّاح حبري داخل الكنيسة حاملاً الصليب المزيَّن براية بيضاء علامةً للنصر الذي حقّقه الرب يسوع بغلبَتِه على الموت بالقيامة، ليحتفل غبطته بعد ذلك بقداس العيد.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، وجّه غبطة أبينا البطريرك المعايدة والتهنئة بعيد قيامة الرب يسوع من بين الأموات إلى "المشاركين في القداس في كنيسة الكرسي البطريركي، وإلى جميع المتابعين من بعيد من خلال وسائل التواصل الإجتماعي في كلّ أقطار العالم أجمع"، منوّهاً إلى أهمّية "هذا العيد العظيم، عيد غلبة الرب يسوع على الخطيئة والموت، وهو عيدٌ يذكّرنا بأعظم حادثة جرت في تاريخ البشرية، وهي قيامة الرب يسوع بقدرته الإلهية، والقبر الفارغ هو الدليل الأول على قيامته"، مشيراً على أنّ "النساء اللواتي ذهبنَ ليحنّطنَ جسده بحسب العادة، شهدنَ أنّ الحجر قد دُحرِج، وأخبرهنَّ ملاكٌ بما لم يكنَّ يتوَّقعْنَه، مع أن يسوع كان سبق وتنبّأ مرّاتٍ عديدةً على أنّه سيتألّم ويموت ويقوم في اليوم الثالث بين بين الأموات".
ولفت غبطته إلى أنّه "رغم أنّ القيامة أعظم أعيادنا المسيحية، فهناك الملايين من المسيحيين الذين لا يستطيعون المشاركة في احتفالات العيد من قداديس ورتب كنسية في هذا اليوم العظيم بسبب تفشّي وباء كورونا، إلا أنّ الله الذي هو ينبوع المراحم يعرف ضعفنا وحاجاتنا، وهو يؤهّلنا كي نشارك روحياً في هذه الذبيحة الإلهية"، مشدّداً على "أهمّية الاستعداد الروحي بالتوبة الصادقة ريثما يتسنّى للمؤمنين التقرُّب من سرّ القربان المقدس بأقرب فرصة بعد انتهاء هذه الأزمة المخيفة التي حصدت الكثير من الضحايا".
وأشار غبطته إلى أنّ "كنيستنا السريانية تحتفل في عيد القيامة برتبة السلام، هذا السلام الذي كانت البشرية تحتاجه على مدى تاريخها، ونحن جميعاً نحتاج إليه. فكم من الحروب ألمّت بالشعوب، ونحن ككنيسة سريانية عشنا آلام الاضطهاد، وعشنا آلام الحروب والتمييز في الحقوق على مدى تاريخنا الكنسي، لذلك فضّلت كنيستنا أن تحتفل بالسلام في عيد قيامة الرب".
ونوّه غبطته إلى أنّه "عندما تراءى الرب يسوع للتلاميذ بعد قيامته، فاه بكلمته الأولى: السلام لكم، سلامي أعطيكم، كدليل على أنّ يسوع كان عارفاً أنّ التلاميذ المنزوين في العلّية خائفين ومرتعبين كانوا يحتاجون إلى طمأنينة من قِبَله، وإلى نعمة السلام لتحلّ في نفوسهم، وهذا السلام الذي منحهم إيّاه يسوع هو الذي جعلهم يتشجّعون ويقاومون كلّ الاضطهادات والتحدّيات من قِبَل الشعب ورؤساء الكهنة الذين قادوا يسوع معلّمهم إلى الحكم والموت صلباً".
وذكر غبطته أنه "في سفر أعمال الرسل نرى التلاميذ يشهدون لبشرى قيامة يسوع مهما كلّفتهم تلك الشهادة من اضطهاد ومخاطر، ونجد هؤلاء الرسل الشهودَ الحقيقيين لقيامة الرب يسوع، فلم يكن لديهم جيوش ولا ممالك، لكنّهم انطلقوا إلى العالم كلّه حاملين بشرى الخلاص بموت وقيامة الرب يسوع، واستطاعوا أن يجذبوا العالم المعروف آنذاك، عالم البحر المتوسّط كلّه، إلى الرب يسوع، مقدّمين ذاتهم شهادةً لهذه البشارة الإنجيلية".
وأكّد غبطته أنّنا "نستمدّ معاني قيامة الرب يسوع من هذا القبر المليء من نور القيامة، وهو الذي يملأ قلوب المؤمنين كي يستطيعوا أن يكتشفوا معنى هذا السرّ الخلاصي، سرّ الفداء، لأنّه من دون الاستنارة الإلهية لا يستطيع الإنسان أن يقبل هذه الحقيقة، فنور القيامة يحمل الفرح إلى المؤمنين في العالم أجمع"، لافتاً إلى أنّنا "ردّدنا كثيراً في هذه رتبة السلام عبارة الفرح، هذا الفرح الذي منحه الرب القائم لجميع تلاميذه، وهو يمنحه حتّى اليوم للكنيسة التي تتأمّل قيامته المجيدة وتقبل هذه الحقيقة".
وشدّد غبطته على أنّ "كلّ الحقائق الإيمانية ترتكز على قيامة الرب يسوع، وأنّنا نحن أيضاً سنقوم ونتغلّب على سلطان الموت، لأنّنا نؤمن بقيامة الرب يسوع، ومن القبر الفارغ نستمدّ نور الرجاء. فكم نحتاج اليوم إلى هذا الرجاء ونحن ملتزمون البقاء في منازلنا ومحصورون في مناطق محدّدة، لا نستطيع أن نعايد أو أن نزور بعضنا البعض، بل علينا أن نبقى محجورين لسلامة ذواتنا وسلامة الآخرين أيضاً".
وتابع غبطته مؤكّداً على الحاجة إلى التحلّي بالرجاء "بأنّ ربّنا لن يتخلّى عنّا، وسيُنهي هذه المحنة الأليمة والرهيبة، وهو بحكمته الإلهية لديه مشروع كي يذكّر البشرية، سيّما عظماء الشعوب وقادتها والذين يتولّون الحكم في العالم، أنّهم يبقون بشراً، وأنّهم كبشر معرَّضون إلى الآفات والأوبئة والأمراض والموت"، مذكّراً أنّنا "لذلك نحتاج قبل كلّ شيء إلى نعمة الرجاء، وإلى نور القيامة، وفرح القيامة، ورجاء القيامة"، متضرّعاً مع جميع المؤمنين "من أجل هذه النيّة اليوم، سواء كنّا هنا في كنيستنا هذه، أو كنّا في كنائسنا الأخرى حول العالم حيث يحتفل الإكليروس وحدهم، أو كنّا ملازمين منازلنا وبعيدين، مع أنّنا نشتاق إلى حضور هذه الاحتفالات الربّانية العظيمة، وخاصّةً عيد القيامة، أكبر أعيادنا، والذي نسمّيه العيد الكبير".
وختم غبطته موعظته مبتهلاً "إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّه وأمّنا السماوية مريم العذراء، من أجل إزالة هذه المحنة المأساوية التي ألمّت بنا وبالعالم بأسره، ومن أجل أن يجعلنا مستحقّين أن ننشد فرح عيد قيامته، بالسلام والمحبّة، فننعم بالفضائل المنبعثة من قبره المشعّ بالنور"، منهياً كلامه بصلاة من باعوث (طلبة) القديس أفرام السرياني في طقس عيد القيامة، يتغنّى فيها بالحبّ الذي دفع الرب يسوع أن يأتي إلى الصلب والألم والموت، وبالفرح الذي يعمّ الكنيسة وأولادها لأنّها استحقّت أن تعاين قيامة الرب.
وفي نهاية القداس، منح غبطة أبينا البطريرك البركة الرسولية إلى إكليروس الكنيسة ومؤمنيها في كلّ أنحاء العالم، عربوناً لمحبّته الأبوية، ومجدِّداً التهنئة بعيد قيامة الرب يسوع من بين الأموات.
|