في تمام الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الأحد 15 تشرين الثاني 2020، ترأّس غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، القداس الإلهي الذي احتفل به الأب حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، بمناسبة أحد بشارة زكريا الكاهن، وعيد القديس مار حبيب الشهيد شمّاس الرها، وهو الذكرى السادسة للسيامة الكهنوتية للأب حبيب، وذلك في كنيسة أمّ الرحمة، في الدير الأمّ لجمعية الراهبات الأفراميات بنات أمّ الرحمة، بطحا – حريصا، لبنان.
شارك في القداس الأب سعيد مسّوح نائب مدير إكليريكية سيّدة النجاة – الشرفة وقيّم دير الشرفة، والأب ديفد ملكي كاهن رعية مار بهنام وسارة – الفنار، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية، والشمامسة الإكليريكيون طلاب إكليريكية دير الشرفة، والراهبات الأفراميات، وجمع من المؤمنين.
بعد الإنجيل المقدس، وجّه غبطة أبينا البطريرك كلمة قال فيها:
"اليوم، فرحة كبيرة لنا جميعاً أن نلتقي في هذه الكنيسة وهذا الدير المبارك، ونشترك في ذبيحة القداس التي يحتفل بها أبونا حبيب في ذكرى مرور ستّ سنوات على رسامته كاهناً. الرسامة الكهنوتية تعطينا دائماً الرجاء الذي وعد به ربُّنا كلَّ المؤمنين والمحبّين، مثل أبي المؤمنين ابراهيم الخليل".
وأردف غبطته: "نتمنّى لأبونا حبيب دوام الاستمرار في الخدمة الكهنوتية بمحبّة الكنيسة وخدمتها بأمانة ونزاهة واندفاع، فيكون مثالاً لإخوته الكهنة الشباب ومنهم حاضرون معنا اليوم، وكذلك للشمامسة الإكليريكيين وللأخوات العزيزات الراهبات الأفراميات اللواتي يصلّينَ من أجله ومن أجل الكهنة ومن أجل أن تزداد الدعوات الكهنوتية والرهبانية كي يتمجّد اسم الرب على الدوام".
وختم غبطته: "نهنّئ أبونا حبيب ونهنّئ الكنيسة وعائلته الحاضرة معنا هنا والأصدقاء والمؤمنين، ونشكرهم لحضورهم ومشاركتهم معنا في هذه المناسبة المباركة".
ثمّ ألقى الأب حبيب مراد موعظة روحية بعنوان: "هذا ما صنع الربّ إليّ في الأيّام التي نظر إليَّ فيها" (لوقا 1: 25)، أشار في مستهلّها إلى أنّ لوقا يفتتح "إنجيله متوجّهاً إلى "العزيز ثيوفيلوس"، أي "محبّ أو حبيب الله"، ويشرح له ينابيع الإنجيل والغاية منه. ثيوفيلوس يمثّل كلّ واحد منّا، كلّ واحد يسعى إلى محبّة الله، وهو قادر أن يجد في الإنجيل رسالة خلاص ووسيلة قداسة تُظهِر محبّة الله له، فيدخل في عهد مع الله. الإنجيل ليس سيرة حياة يسوع بل رسالة حياة وخلاص، ونحن مثل لوقا ومثل ثيوفيلوس، لم نتعرّف على يسوع مباشرةً، ومع ذلك صرنا تلاميذ أمناء له، نسمع كلمته ونحفظها ونعمل بها".
ولفت إلى أنّ "زكريا الكاهن وامرأته أليصابات كانا "بارَّين قدّام الله وسائرَين بجميع وصاياه وببرّ الربّ بغير عيب". ولم يتوقّفا عن رفع الصلاة إلى الله وتمجيده، وكانا يطلبان بشوق وأيضاً بغمّ وحزن أن يُرزقا بولد، لأنّ أعظم عطية للزوجين هي إنجاب الأولاد، وهي بركة من الرب للعائلة ووصية منه للزوجين ليشاركاه بها في عملية الخلق وينالا ثمرة حبّهما"، مشيراً إلى أنّ "زكريا تعني "الله يتذكّر"، فالله وفيّ لشعبه وأمين لوعوده وهو حاضر دائماً في حياة كلّ شخص ويهيّئ له سبل الخلاص ولا ينساه مطلقاً، حتّى لو كان طاعناً في السنّ كزكريا وأليصابات، ولا يسمح أن تمرّ حياته دون معنى أو هدف، بل يعمل ما هو الأفضل له في لحظة لا يتوقّعها".
ولفت إلى معنى أليصابات "الله أقسم"، "فرغم عدم أمانتنا له، أقسم الله أنه لن يتخلّى عنّا، فهو صبور وطويل الأناة، يغفر وينتظر ويدخل حياتنا ويحوّل عقمنا إلى حياة خصبة ومثمرة، مؤكّداً "إنّ الله هو سيّد التاريخ ويسير مع محبّيه ومتّقيه خطوة خطوة، فقد هيّأ دخول زكريا إلى الهيكل لوضع البخور... وتراءى له الملاك جبرائيل أي "قدرة الله" في الهيكل حاملاً إليه البشرى بيوحنّا".
وتأمّل في العلاقة بين الله والإنسان والقائمة على ثلاثة: اضطراب وخوف، طمأنة إلهية، وبشرى أو رسالة في العالم، مطبّقاً إيّاها على زكريا الذي "اضطرب وسيطر عليه الخوف، لأنّ الإنسان يجد نفسه ضعيفاً جداً أمام الحضور الإلهي، لكنّ الملاك يطمئن زكريا ويشجّعه: "لا تخف يا زكريا لأنّ صلاتك قد سُمعت". ثمّ يعطيه الرسالة والبشرى: "امرأتك أليصابات ستلد لك ابناً وتدعو اسمه يوحنّا"، مشيراً إلى أنّ "يوحنّا تعني "الله تحنّن" أو "الله يرحم"، وهو تجسيد لحنان الله نحو البشر، لأنّ الله هو إله الرحمة والحنان وليس إله العقاب والغضب".
وأكّد على أنّ "البشارة بولادة يوحنّا هي علامة على حبّ الله لنا. لقد شعر زكريا وأليصابات بمحدوديتهما وضعفهما وفشلهما وحاجتهما إلى حضور الله في حياتهما، منبّهاً من التصرّف "كجيران أليصابات الذين ألصقوا بها العار، فنهمّش الآخرين وندينهم ونرفضهم ونتكلّم عنهم بالسوء ونعاملهم بفوقية، وننسى أنّ كلّ إنسان هو مشروع خلاص إلهي، مذكّراً أنّ زكريا قضى حياته "في الصلاة والطلب، وعندما حانت لحظة استجابة طلبته وصلاته، اضطرب وامتلأ قلبه خوفاً. لم ينقص إيمان زكريا بوجود الله وقوّته، إنّما كان ينقصه الإيمان بوجوده وعمله في حياته وتسليم أمره له بالكامل".
وشدّد على أنّ الله "يطلب منّا ألا نخاف من ضعفنا ومن حضوره في حياتنا، فهو لم يأتِ ليحرم قلبنا الفرح، بل ليعطينا ملء الحياة ويحوّل عقم حياتنا إلى فرح ورجاء لا يخيب أبداً، وهو يحوّل واقعنا من واقع يأس وموت إلى واقع حياة ورجاء، رغم الظروف الحالكة التي تحيط بنا من الأمراض والأوبئة والأوضاع الصعبة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً"، متأمّلاً شكر زكريا وأليصابات لله "على عطيته بصمت وتأثُّر، فقد كتمت أليصابات أمرها خمسة أشهر قضتها مع زكريا الأخرس بالصلاة والتأمّل والشكر الله: "هذا ما صنع الربّ إليّ". ونحن أيضاً، فلنشكر الله على كلّ عطية أو عمل صنعه معنا أو حقّقه لنا، كما نزع عن أليصابات العار الذي ألصقه الناس بها".
وتطرّق إلى سيرة حياة "القديس حبيب الشهيد شمّاس الرها الراقد عام 322 والذي استشهد بعد أن بشّر في مدينته الرها، وضُرب بقضبان من شجر الرمّان، وأُنزل في حفرة، ووضعوا عليه الحطب، وأحرقوه، فتقدّم إلى الموت بكامل إرادته وبفرح وقلب كبير، بعد أن أعلن الاعتراف بيسوع أنه ابن الله، وقد كان لوالدته الدور الأكبر في تشجيعه ليكون مثالاً للمؤمن، واشتُهر بمواعظه وتعاليمه".
ووجّه التهنئة البنوية إلى غبطةِ أبينا البطريرك بمناسبة عيد ميلاده المصادف اليوم، داعياً لغبطته "بالصحّة والعافية والعمر المديد والتوفيق في رعاية الكنيسة المقدسة رغم الظروف العصيبة".
وختم طالباً بركة غبطته وصلاته وصلوات الحاضرين جميعاً بمناسبة الذكرى السادسة لسيامته الكهنوتية، يبقى الخادم الأمين للرب وكنيسته، راجياً أن تكون خدمته رغم ما يشوبها من نقائص في دائرة رضاه لمجد اسمه القدوس.
وبعد البركة الختامية، انتقل الجميع إلى الباحة الداخلية للدير حيث قدّموا التهنئة لغبطته بمناسبة عيد ميلاده، وللأب حبيب بمناسبة الذكرى السادسة لسيامته الكهنوتية وعيد القديس حبيب الشهيد.
|