البطريرك يونان: "عرفْتُ المطران عوّاد إنساناً مُحبّاً، وديعاً، متواضعاً، طيّب القلب، لطيف المعشر، وراعياً صالحاً متفهّماً لحاجات الكنيسة، وملبّياً الدعوة لخدمتها أينما دُعِيَ لذلك"
في تمام الساعة الواحدة من ظهر يوم السبت 21 تشرين الثاني 2020، وبتكليف خاص من غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، ترأّس صاحب السيادة مار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب، رتبة جنّاز ودفن المثلّث الرحمات مار إيوانيس لويس عوّاد الأكسرخوس الرسولي السابق على فنزويلا للسريان الكاثوليك، في كنيسة سيّدة النجاة، زيدل – حمص، سوريا، وذلك بعدما تعذّر على غبطته ترؤّس الرتبة شخصياً من جراء محنة انتشار وباء كورونا.
شارك في الرتبة صاحبا السيادة مار غريغوريوس الياس طبي، ومار يوحنّا جهاد بطّاح رئيس أساقفة دمشق، والأب جرجس الخوري المدبّر البطريركي لأبرشية حمص وحماة والنبك. كما شارك رؤساء الكنائس في حمص: صاحبا السيادة يوحنّا عبدو عربش مطران حمص وحماة ويبرود للروم الملكيين الكاثوليك، وجاورجيوس أبو زخم مطران حمص للروم الأرثوذكس، والخوراسقف أنطوان جرادة ممثّلاً صاحب النيافة مار سلوانس بطرس النعمة مطران حمص وحماة للسريان الأرثوذكس.
وشارك أيضاً في الرتبة وخدمَها الآباءُ الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات في أبرشية حمص وحماة والنبك، والآباءُ الكهنةُ القادمون من أبرشية حلب، والشمامسةُ والجوقُ في رعية زيدل، وحضرها الآباء الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات من الكنائس الشقيقة في حمص، وجمع غفير من المؤمنين من رعية زيدل ومن أبرشية حمص، يتقدّمهم عائلة المثلّث الرحمات وأهله وذووه.
خلال الرتبة، تليت الصلوات والترانيم والقراءات بحسب الطقس السرياني الأنطاكي.
وبعد تلاوة الإنجيل المقدس، ألقى سيادة المطران أنطوان شهدا الكلمة التأبينية التي وجّهها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بهذه المناسبة، بعنوان "جاهدتُ الجهاد الحسن، أكملتُ السعي، حفظتُ الإيمان"، تحدّث فيها غبطته عن أهمّية أن يعيش الرسول الأمانة "لدعوة الرب السامية، كرسول وكخادم للرعية، والأمانة للكنيسة التي احتضنَتْهُ ورعَتْهُ، وأن يعطي ذاتَه مثالاً حيّاً للتلميذ الأمين"، مشيراً إلى أنّ بولس الرسول قاسى "الكثيرَ من التضحيات والآلام والصعوبات لنشر بشرى الخلاص والشهادة لإنجيل المحبّة والسلام. وظلّ مستعدّاً على الدوام ليلاقي وجهَ معلّمِه الإلهي الذي استحوذ عليه بكلّيّته، فجعله رسولاً عظيماً لا تزال الكنيسة تتأمّل بسيرته وتتغذّى من مَعين تعاليمه السامية".
وتطرّق غبطته إلى "مَثَل الوزنات التي استودعها ربُّ العمل لعبيدِه وخدّامِه. من هذا المَثَل، نفهم كم على التلميذ أن يسعى ويجدَّ لعيش دعوة الربّ بروح الأمانة، في كلّ لحظةٍ من حياته، وفي كلّ عملٍ يقوم به حتّى الرمق الأخير. عندئذٍ يستحقّ الثناءَ والمكافأة: نعمّا أيّها العبد الصالح والأمين، كنتَ أميناً على القليل، أنا أقيمُك على الكثير، ادخل إلى فرح سيّدك".
وتكلّم غبطته عن سيرة حياة المثلّث الرحمات الذي رقد بالرب بعدما "أسلمَ الروحَ مستودعاً إيّاها بين يدَي خالقها الذي أحبّه بقلبٍ طيّبٍ وديعٍ، وروحٍ متواضعةٍ، وتسليمٍ كلّي لمشيئته في كلّ مراحل حياته، حتّى ساعاته الأخيرة"، لافتاً إلى أنّه "قد اتّصلنا به منذ ثمانية أيّامٍ في الثالث عشر من هذا الشهر، واطمأنَّينا على صحّته، وقدّمنا له التهنئة بمناسبة عيد شفيعه القديس مار إيوانيس يوحنّا فم الذهب".
وتوقّف غبطته في كلمته عند مختلف محطّات حياة المثلّث الرحمات، منذ دخوله الإكليريكية في القدس، ثمّ دير الشرفة في لبنان، فسيامته الكهنوتية، وخدمته في لبنان، وبعده في أبرشية حمص، حيث خدم عدّة رعايا، حتّى انتقاله إلى الخدمة في مدينة بيللو أوريزونتيه في البرازيل، مواظباً "على خدمة أبناء الجالية السريانية هناك لمدّة ثلاثين سنةً، مؤسِّساً الرعية ومعتنياً بها بروح الأب والراعي والمرشد"، وصولاً إلى انتخابه وسيامته مطراناً أكسرخوساً رسولياً على فنزويلا، حيث "تابع المطران لويس عوّاد الخدمة بالروح الرسولية والغيرة، فاعتنى واهتمّ بشؤون الكهنة والمؤمنين بروح الأب الحنون والراعي الصالح، حتّى تقاعُدِه من الخدمة إثر بلوغه السنّ القانونية عام 2010".
وخلص غبطته إلى القول: "عرفْتُ المثلّثَ الرحمات مار إيوانيس لويس عوّاد إنساناً مُحبّاً، وديعاً، متواضعاً، طيّب القلب، لطيف المعشر، وراعياً صالحاً متفهّماً لحاجات الكنيسة، وملبّياً الدعوة لخدمتها أينما دُعِيَ لذلك. يشعرُ كثيراً مع المسكين والمحتاج، وقد تجلّى ذلك خاصّةً في الأحياء الفقيرة من المدن الكبيرة، سواء في البرازيل أو في فنزويلا، فضلاً عن أبناء بلدته الحبيبة زيدل وأبرشيته الأمّ حمص الذي قضى فيها أيّامه الأخيرة، إذ أحبّها كثيراً وبادلَتْهُ الحبَّ والإكرامَ، بشخص راعيها المثلّثِ الرحمات مار ثيوفيلوس فيليب بركات الذي سبقه إلى ديارِ الملكوتِ قبل خمسة أشهر، وكهنتها، وخاصّةً المرحوم الخوراسقف يوسف فاعور الذي رقد بالرب قبله بعشرة أيّام، فخسرت أبرشية حمص عامةً وزيدل خاصّةً في بضعة أشهرٍ ثلاثةً من الرعاة الصالحين والخدّام الأمناء الذين امتازوا بالغيرة والمحبّة والاندفاع في الخدمة والتضحية حتّى آخر لحظات حياتهم".
ونوّه غبطته إلى أنّه "عندما نصلّي الصلاةَ الربانية، نقول "لتكن مشيئتك يا ربّ كما في السماء كذلك على الأرض". نعم، نحن نسلّم بمشيئة الله ونقبلُها، وإن كان الألم يعصرُ قلبَنا وقلوبَ المحبّين لغياب هذه الكوكبة من الوجوه المُشرِقة والرعاة الصالحين في كنيستنا السريانية من أبناء زيدل الحبيبة".
وأكّد غبطته أنّنا "شعبُ إيمانٍ ورجاءٍ، لذلك عندما نفقدُ عزيزاً، نجدّدُ فعلَ إيماننا وثقتنا بالمعلّم الإلهي القائل "أنا معكم كلَّ الأيام وحتّى انقضاء الدهر". ولأنّ مسيرتَنا الأرضية، مهما طالت أو قصرت، عليها أن تتكلّل بنور القيامة، وتكون انعكاساً لمحبّة الله للبشر، فنحن قادرون بنعمته تعالى على تحمُّل فراق الأحبّاء مهما كان قاسياً علينا، متذكّرين أننا جميعاً أهل السماء، وحياتنا على هذه الفانية ما هي إلا مسيرة نحو الأبدية".
وختم غبطته كلمته قائلاً: "فلنُصلِّ بروح الإيمان والرجاء، ومعنا إخوتنا آباء السينودس السرياني الأنطاكي المقدس، من أجل راحة نفس أخينا المثلّث الرحمات المطران مار إيوانيس لويس عوّاد، كما نصلّي من أجل ذويه الحاضرين بيننا، وأولئك المنتشرين في بلادٍ أخرى. ونسألُ الربَّ يسوع في زمن الاستعداد لعيد ميلاده بالجسد، كي يمنح فقيدَنا الغالي الرحمة والسعادة الأبدية، بشفاعة أمّنا العذراء مريم، سيّدة النجاة، وجميع القديسين والشهداء. وليكن ذكره مؤبّداً. المسيح قام، حقّاً قام".
وتلا سيادة المطران جهاد بطّاح رسالةَ التعزية التي وجّهها نيافةُ الكردينال بييترو بارولين أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان باسم قداسة البابا فرنسيس،وفيها أعرب قداسة البابا عن تعزيته الحارّة ومشاركته الحزن بعزاء الإيمان، شاكراً الله على سنوات الخدمة التي أمضاها المثلّث الرحمات، وسائلاً الله أن يستقبله في رحمته ونوره الأزلي.
كما تلا الخوراسقف ميشال نعمان رسالة التعزية التي وجّهها صاحبُ السيادة مار تيموثاوس حكمت بيلوني الأكسرخوس الرسولي في فنزويلا، معزّياً غبطةَ أبينا البطريرك وآباءَ السينودس وأبرشيةَ حمص وذوي المثلّث الرحمات، ضارعاً إلى الرب كي يتغمّده بمراحمه وينعم عليه بميراث الملكوت الأبدي.
ثمّ ألقى الأب جرجس الخوري كلمةً باسم أبرشية حمص، إكليروساً ومؤمنين، مشيداً فيها بالخدمة التي أدّاها المثلّث الرحمات طوال مسيرته الكهنوتية والأسقفية في سوريا ولبنان والبرازيل وفنزويلا، وبخاصّة في أبرشية حمص، ومنوّهاً بالفترة التي قضاها المثلّث الرحمات في مسقط رأسه زيدل بعد تقاعده، حيث كان أباً ومرشداً للجميع بروح المحبّة الأبوية.
بعدئذٍ، ووسط الترانيم السريانية الشجية، حمل كهنةُ أبرشية حمص وشمامستُها جثمانَ المثلّث الرحمات وطافوا به في زيّاح مهيب حول المذبح الرئيسي، ثمّ داخل الكنيسة، مودِّعاً المذبح والكنيسة بجهاتها الأربع، وإكليروسها ومؤمنيها، وسط جوٍّ من الرهبة والخشوع والمهابة.
وفي نهاية الرتبة، نُقِل الجثمان ليوارى في مثواه الأخير في مدفن الأحبار والكهنة الراقدين تحت المذبح الرئيسي للكنيسة.
|