في تمام الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة 26 آذار 2021، ترأس غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، رتبة تقديس وتكريس كنيسة الطاهرة الكبرى في قره قوش - العراق، بعد الانتهاء من أعمال الترميم وإعادة البناء إثر تعرّضها للتخريب والحرق على أيدي الإرهابيين. ثمّ احتفل غبطته بالقداس الإلهي بمناسبة عيد بشارة العذراء مريم.
دخل غبطة أبينا البطريرك بزيّاح حبري مهيب إلى الكنيسة، يتقدّمه الأساقفة والكهنة والشمامسة. ثمّ ترأس غبطته رتبة تقديس وتكريس الكنيسة، يعاونه فيها أصحاب السيادة: مار يوحنّا بطرس موشي رئيس أساقفة الموصل وتوابعها، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار نثنائيل نزار سمعان مطران أبرشية حدياب – أربيل وسائر إقليم كوردستان، ومار أثناسيوس فراس دردر النائب البطريركي في البصرة والخليج العربي.
شارك في الرتبة صاحب السيادة المطران ميتيا ليسكوفار السفير البابوي في العراق، وصاحب السيادة المطران نجيب ميخائيل راعي أبرشية الموصل للكلدان. كما شارك في الرتبة أصحاب النيافة مطارنة الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة الذين غادروا قبل انتهاء الرتبة لارتباطهم المسبَق بإحياء عيد القديس يوحنّا الديلمي في ديره في قره قوش، وهم: مار غريغوريوس صليبا شمعون المستشار البطريركي، ومار تيموثاوس موسى الشماني مطران أبرشية دير مار متّى، ومار نيقوديموس داود شرف مطران الموصل وكركوك وإقليم كوردستان، ومار يعقوب باباوي النائب البطريركي لشؤون الرهبان ولإدارة كلّية مار أفرام اللاهوتية في معرّة صيدنايا.
كما شارك كهنة أبرشية الموصل وتوابعها، وعدد كبير من الرهبان والراهبات من مختلف الرهبانيات، وخدم القداس شمامسة الكنيسة والجوق.
وحضر هذه المناسبة عددٌ من الرسميين ممثّلين عن قضاء الحمدانية من مدنيين وعسكريين، فضلاً عن حضور ومشاركة الجماهير الغفيرة جداً التي احتشدت داخل الكنيسة الكبرى حتّى ضاقت بها على رحبها وهي إحدى أكبر الكنائس في الشرق.
تلا غبطته الصلوات الخاصة برتبة تقديس وتكريس الكنيسة بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، وخلالها قام غبطته بمسح المذبح المقدس بالميرون، وكذلك الواجهة الخلفية للمذبح. وكلّف غبطتُه أصحابَ السيادة الأساقفة بمسح المذبحين الجانبيين وجهات الكنيسة وأعمدتها وأبوابها بالميرون المقدس، وسط جوٍّ من الخشوع والفرح الروحي العابق، مع التصفيق والتهليل والزغاريد.
وبعد أن قام غبطته بإكساء المذبح الرئيسي الكبير بالحلّة الكنسية البهيّة، احتفل غبطته بالقداس الإلهي، بمناسبة عيد بشارة العذراء مريم، يعاونه أصحاب السيادة المطارنة الأحبار الأجلاء.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، بعنوان "السلام عليكِ يا مريم، يا ممتلئةً نعمةً"، نوّه غبطة أبينا البطريرك إلى "أنّ الرب يسوع هو الذي يحيا فينا، ولن نحتاج إلى الشريعة الموسوية بعد، لأنّه فتح لنا عهد المحبّة. وأنّ الآب اختار هذه العذراء من بين نساء العالم، وأهّلها لتكون والدةً للكلمة الإلهي بالجسد، هي التي حبلت من الروح القدس في أحشائها، بكلمة الله، يسوع المسيح مخلّصنا"، لافتاً إلى إعلان البابا بيوس التاسع لعقيدة "الحبل بمريم العذراء بلا دنس الخطيئة الأصلية، بامتيازٍ خصّها به الله تعالى، لأنّه منذ البدء اختارها كي تكون والدة ابنه الكلمة الأزلي" وذلك في الثامن من كانون الأول عام 1854، استناداً على قول القديس أفرام السرياني، إذ يتوجّه نحو الرب يسوع ويقول: "أنتَ وحدك وأمّك تفوقان الجميع بهاءً، إذ لا عيب فيك يا رب، ولا وصمة في أمّك".
وأشار غبطته إلى أنّنا "نحتفل بتقديس هذه الكنيسة بعد ترميمها، إثر ما حلّ بها من دمارٍ وحرقٍ وتدنيس. لقد "انتصبت ابنة الملك" لتعلن غلبة الخير على الشرّ، وانتصار الحضارة على التخلّف، والمحبّة على أنواع الكراهية"، مؤكّداً أنّنا "نحن اليوم في هذه الكنيسة المكرَّسة على اسم هذه العذراء مريم الطاهرة، نعيش فرح عرسٍ جديدٍ بأن تتكرّس هذه الكنيسة الرائعة الجمال، إنّها التحفة واللؤلؤة بين كنائسنا في العراق وكنائسنا السريانية في العالم، وذلك بعد النكبة التي حلّت بها وبكم، أيّها الأحبّاء، أنتم أبناء وبنات هذه المدينة الصامدة والحيّة بالإيمان، لأنّه لو لم يكن لديكم الإيمان بالرب يسوع والثقة بوالدته العذراء مريم، لَما عُدتُم، أيّها الأحبّاء، بهذا العدد المعزّي، العدد الأكبر نسبياً بين كلّ مسيحيي العراق المهجَّرين قسراً، إذ أنّ سيادة راعي الأبرشية قال لنا مؤكّداً أنّ ما يقرب من ستّين بالمئة من المهجَّرين عادوا إلى قره قوش"، معرباً عن عميق فرحه بهذه المناسبة الروحية التاريخية المباركة.
وتوقّف غبطته عند الزيارة التاريخية لقداسة البابا فرنسيس إلى هذه الكنيسة، مستذكراً "بفخرٍ واعتزازٍ كيف أنّ أهالي قره قوش وبرطلّة وبعشيقة وكرمليس جاؤوا كلّهم ليستقبلوا قداسةَ البابا، وقد انتظروه لساعاتٍ طويلةٍ. وكان الاستقبال أجمل وأروع احتفالٍ شعبي لقداسته، إذ كان احتفالاً شعبياً وعفوياً وبنوياً، وكان عرساً لبغديدى ولسهل نينوى برمّته، لأنّهم كانوا يحتفلون بزيارة أبيهم الروحي رأس الكنيسة الجامعة... الذي جاء إلى هنا وزارنا وبارَكَنا كي يشجّعنا ويهنّئنا ويدعونا أن نعيش الإيمان الحقيقي والرجاء الراسخ والمحبّة التي هي علامة المسيحي أينما كان".
وتحدّث غبطته عن تاريخ بناء هذه الكنيسة الذي استغرق 16 سنةً، من عام 1932 حتّى عام 1948، مشيراً إلى الجهود الجبّارة التي بُذِلت في سبيل بنائها، "فارتفعت شامخةً ممجّدةً الله ومكرّمةً والدته العذراء النقية، بتضحيات المؤمنين وعطاياهم ومشاركتهم في البناء"، ذاكراً خاصّةً في طليعتهم المثلّث الرحمات المطران مار قوريللوس جرجس دلال، الذي "كان يشرف على البناء، ويحمل بنفسه الحجارة مع أبناء قره قوش، كي يكتمل هذا البناء الرائع الجمال، وكذلك الأساقفة الذين خلفوا المطران دلال كانوا يقدّرون قره قوش، ويثمّنون هذه اللؤلؤة الجميلة، كنيسة الطاهرة".
وختم غبطته موعظته مجدِّداً التهنئة لسيادة راعي الأبرشية وللآباء الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات ولجميع المؤمنين "بهذا الاحتفال الذي هو انطلاقةٌ جديدةٌ في إيمان هذه البلدة المحبوبة وأبرشية الموصل وتوابعها العزيزة"، ملتجئاً إلى شفاعة أمّنا مريم العذراء الطاهرة بدالّتها لدى ابنها الوحيد الرب يسوع من أجل الكنيسة والمؤمنين في قره قوش والعراق والكنيسة والمؤمنين في كلّ مكان (تجدون النص الكامل لموعظة غبطته في خبر خاص على صفحة الأخبار هذه في الموقع الرسمي للبطريركية).
وكان الأب عمّار ياكو، النائب العام في أبرشية الموصل وتوابعها، قد ألقى كلمة ترحيبية ثمّن فيها حضور غبطة أبينا البطريرك وترؤّسه هذه المناسبة المباركة، شاكراً راعي الأبرشية والأساقفة والكهنة وجميع الحضور، وخاصّاً بالشكر المهندسين المشرفين واللجان التي اهتمّت بتنفيذ أعمال الترميم، والمنظّمات الكنسية المحلّية والعالمية التي دعمت وساهمت في الأعمال.
وقدّم سيادة المطران بطرس موشي درعاً تكريمياً لغبطة أبينا البطريرك بهذه المناسبة.
وقبل نهاية القداس، جرى توزيع هدايا تذكارية تكريماً للمشرفين على إنجاز أعمال الترميم، تقديراً للجهود المضنية التي تكبّدوها.
وفي ختام الرتبة، منح غبطة أبينا البطريرك بركته الرسولية للمؤمنين الذين تقاطروا لنيل بركته، في جوٍّ من الفرح والبهجة بهذا الحدث التاريخي المبارك. فشكراً لله على عطيته التي لا يعبَّر عنها.
|