يطيب لنا أن ننشر فيما يلي النص الكامل للموعظة التي ارتجلها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، خلال قداس وزيّاح عيد الشعانين الذي احتفل به غبطته في الملعب الكبير بالساحة الخارجية لكاتدرائية سلطانة السلام، عينكاوه - أربيل، العراق، مساءيوم السبت 27 آذار 2021:
"أيّها الأحبّاء،
نشكر جزيل الشكر سيدنا مار نثنائيل نزار على كلمات الترحيب التي عبّر فيها عن محبّته وعن اتّكاله الدائم على الله في خدمة هذه الأبرشية الناشئة كما ذكر.
نرحّب بنيافة أخينا مار نيقوديموس داود شرف الذي جاء وشاركنا بهذه المناسبة. كما نرحّب بأصحاب السيادة إخوتنا المطارنة الأجلاء: مار يوحنّا بطرس، ومار أفرام يوسف، ومار أثناسيوس فراس، وبجميع الكهنة والشمامسة وأعضاء الجوق. كما نرحّب بالأستاذ خالد طليا رئيس ديوان أوقاف المسيحيين في إقليم كوردستان.
نرحّب بكم جميعاً، أيّها الأحبّاء المؤمنون المبارَكون بالرب، وبخاصّة هؤلاء الأطفال الذين يذكّروننا بالأطفال الذين استقبلوا الرب يسوع في ذاك المشهد الرائع والمتواضع والوديع، إذ سمعنا من الأناشيد التي رتّلناها ومن قراءات الكتاب المقدس، أنّ ملك صهيون لم يأتِ ليدخل أورشليم دخول الفاتحين الذين يقتلون ويغتصبون ويضطهدون ويهجِّرون. لكنّه جاء كالملك الوديع والمتواضع، هو نفسه القائل: "تعلّموا منّي، فإنّي وديعٌ ومتواضع القلب".
قبل ثلاثة أسابيع، كنتم مع قداسة البابا فرنسيس هنا في هذه المدينة، وشاركتم في القداس الذي قدّمه البابا عنكم جميعاً وعن كلّ المواطنين في العراق الحبيب والغالي، ولا سيّما من أجل الذين يسعون للسلام، ويسعون لنشر المحبّة والأخوّة بين الجميع.
من معاني هذا اليوم، عيد الشعانين، نتأمّل معكم بالبراءة، لأنّ أبطال هذا الحدث العظيم، دخول يسوع إلى أورشليم، كانوا صغاراً، إنّهم الأطفال والفتيان الذين يعلّموننا البراءة، ويذكّروننا بألا نحكم على بعضنا البعض، ولا نذكر نقائص بعضنا البغض، قبل أن نمدح بعضنا البعض ونتشارك في المسيرة نحو الرب بكلّ تواضع، لأنّه ليس هناك إنسانٌ كاملٌ على الأرض.
علينا أن نعيش هذه البراءة دائماً، لأنّها تذكّرنا بهذه الفضيلة السامية للرب تعالى، هو البريء، ومع ذلك حُكِم عليه وصُلِب.
الفضيلة الثانية التي علينا أن نتعلّمها، أيّها الأحبّاء، هي التواضع. فكم وكم من المرّات نختلف بين بعضنا البعض لأنّنا نشعر أنّنا أفضل من غيرنا، وأنّنا نمتلك من الفهم والجدارة أكثر من غيرنا، فنتعالى على الآخر في تعاطينا معه. وهذا الكبرياء يجعلنا نبتعد شيئاً فشيئاً عن بعضنا، وحتّى عن أعزّائنا، وعن أولئك الذين نعتبرهم من أفراد العائلة.
كما يذكّرنا التواضع الذي يشتمل على الوداعة أنّه على كلّ مسيحي أن يتنازل ويقرّ بضعفه ويساعد الآخر كي يرتفع، لا كي يُمتهَن أو يُحتقَر أو يُستبعَد.
أمّا الفضيلة الثالثة التي يجب علينا أن نتأمّل فيها في هذا اليوم المبارك الذي هو مدخل الأسبوع الخلاصي، أسبوع الآلام، هي فضيلة المحبّة الحقيقية. نسمع الكثيرين يُعنَون بالكلمات والأناشيد الخاصّة بالحبّ، ومنهم يتغنّون بالحبّ، لكنّهم في الحقيقة يتغنّون بحبّ أنفسهم فقط، فيما محبّة الآخرين تتطلّب التواضع والبراءة والتضحية.
أيّها الأحبّاء،
ندرك جميعنا كم أنّ المشكلات العائلية تصبح شيئاً عادياً، ليس فقط في البلاد الغربية التي تسير في التقدّم المادّي والسعادة الأرضية فقط، لكن للأسف حتّى في بلادنا هنا في الشرق الأوسط، نتلمّس هذه المشكلات بين أفراد العائلة الواحدة، بين الزوج وزوجته، بين الأخ وأخيه، بين الأبناء وأهلهم، وكلّ ذلك بسبب تفشّي روح الأنانية في عالمنا.
طيلة هذا الأسبوع الخلاصي، تترافق البراءة والتواضع والمحبّة، ومع أنّه أسبوع الآلام، لكنّه يملأ قلوبنا بالفرح، لماذا؟ لأنّ يسوع حيٌّ، وقد قام من بين الأموات، وهو يرافقنا في حياتنا برمّتها، بل هو موضوع حياتنا السعيدة. وحتّى إذا كنّا نتألّم من الصعوبات والتحدّيات والإخفاقات، فإنّنا نبقى ذاك الشعب الذي ينشر الفرح حوله، لأنّنا نعرف أنّ يسوع خلّصنا وهو معنا ويريدنا أن نرافقه نحو السعادة الحقيقية، بشفاعة أمّنا مريم العذراء والدة الله التي احتفلنا منذ يومين بعيد بشارتها، وبشفاعة جميع القديسين، ولا سيّما قديسَينا بهنام وسارة، إنّهما هذان القديسان السريانيان الشهيران كشهيدين من القرن الرابع، وبشفاعة جميع شهدائنا الذين قدّموا ذواتهم قرابين على مذبح الشهادة في هذه السنوات الأخيرة، سنوات الظلم والضيم والضيقات.
بارككم الرب، وجعل كلّ أيّامكم دائماً عيد شعانين مبارك. ولتشملكم جميعاً نعمة وبركة الثالوث الأقدس: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين".
|