غبطة أبينا البطريرك يونان: "أنتم السريان في قره قوش (بغديده)، أنتم البؤبؤ في عين كنيستنا السريانية. أنتم الرئة الأفضل التي بها تتنفّس كنيستنا السريانية. هذه الرئة التي تنضح بالإيمان، وتبشّر بالخير".
اعتباراً من الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم الأحد ٢٨ آذار ٢٠٢١، وحتّى الظهر، ترأّس غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، الإحتفالات بالتطواف والمسيرة السنوية التقليدية والتاريخية في شوارع قره قوش (بغديده) يوم عيد الشعانين، بمشاركة أكثر من عشرين ألف مؤمن ومؤمنة من أبناء هذه البلدة الحبيبة، معيدين إلى البال صورة هذه الإحتفالات في السنوات الماضية قبل التهجير والنزوح القسري.
كان في مقدّمة المشاركين أصحابُ السيادة المطارنة: مار يوحنّا بطرس موشي رئيس أساقفة الموصل وتوابعها، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار نثنائيل نزار سمعان مطران أبرشية حدياب - أربيل وسائر إقليم كوردستان، ومار أثناسيوس فراس دردر النائب البطريركي في البصرة والخليج العربي، والآباء الخوارنة والكهنة في قره قوش، وفي أبرشيتي الموصل وحدياب - أربيل، والشمامسة والرهبان والراهبات، والمسؤولون المدنيون والعسكريون، والمنظّمات الكنسية من أخويات ومؤسّسات، فضلاً عن حشود وجماهير غفيرة جداً من المؤمنين من أطفال وشبّان وشابّات ورجال ونساء، والذين ملأوا شوارع البلدة، وأثلجوا القلوب بهذا الحضور الذي يؤكّد للملأ أنّ السريان كانوا وسيبقون في هذه الأرض الي تعمّدت بعرق ودماء آبائهم وأجدادهم، ولن يتخلّوا عنها البتّة مهما عصفت الرياح واشتدّت المحن.
بدأت المسيرة من أمام كنيسة الطاهرة الكبرى، على وقع أناشيد الشمامسة والجوقات وترانيم المؤمنين ومكبّرات الصوت، وطافت في شوارع البلدة، فيما حمل غبطة أبينا البطريرك صليباً كبيراً مزيّناً بأغصان الزيتون، ليتناوب لاحقاً على حمل هذا الصليب الأساقفة والكهنة المشاركون.
ولدى وصول المسيرة إلى أمام كنيسة مار يوحنّا المعمدان، اعتلى غبطة أبينا البطريرك منبراً خاصاً نُصِبَ على سطح الكنيسة، يحيط به الأساقفة والكهنة، ورنّم غبطته إنجيل عيد دخول الرب يسوع إلى أورشليم.
ثمّ ارتجل غبطته كلمة تاريخية رائعة أخذت بمجامع القلوب، توجّه فيها إلى الجموع الغفيرة المحتشدة، قائلاً:
"أنتم السريان في قره قوش (بغديده)، أنتم البؤبؤ في عين كنيستنا السريانية. أنتم الرئة الأفضل التي بها تتنفّس كنيستنا السريانية. هذه الرئة التي تنضح بالإيمان، وتبشّر بالخير، وتدعونا جميعاً إلى أن نجدّد رجاءنا بالرب يسوع في غمرة الصعوبات والتحدّيات، فهو القائل: لا تخافوا ها أنا معكم كلّ الأيّام وإلى انقضاء الدهر ".
وأردف غبطته قائلاً: "أوشعنا مبارك للجميع، أيّها الأحبّاء، إنّنا كبطريرك أنطاكية للسريان الكاثوليك، نودّ أن نقول لكم كم نحن فخورون أن نشارككم في هذه المسيرة المبهجة في عيد دخول يسوع إلى أورشليم، مسيرة فرحة، مسيرة سلامية، مسيرة راقية، لأنّنا كم وكم رأينا البسمة على وجوهكم، وكم رأينا التفاتات المحبّة فيما بينكم، رغم هذا العدد الكبير الذي هو مفخرةٌ لنا نحن السريان، إن كنّا هنا في العراق أو في الشرق أو في بلدان العالم قاطبةً".
وأشار غبطته إلى أنّ "هناك العديد من إخوةٍ وأخواتٍ لكم اضطرّوا إلى المغادرة والتغيُّب عن قره قوش المحبوبة، ولكنّهم معكم ومعنا اليوم في هذه الفرحة التي تملأ قلوبكم"، لافتاً إلى أنّ ما يقوله ليس مجرّد كلمات عادية، لكنّها "كلمات عبّر عنها وقالها لنا الرب يسوع الذي هو الحق والسلام والقدرة"، ومشدّداً على أنّه "مهما عصفت زوابع الزمن، ومهما كثرت التحدّيات، فنحن سنبقى الشعب الذي يشهد للسلام والمحبّة والرجاء بأن يقوم العراق في نهضةٍ مزدهرةٍ تبطل صفحة الماضي التي يعرفها الكثيرون منكم على أنّها لم تكن صفحةً مُشرقة".
ولفت غبطته إلى أنّ "اليوم عيدكم، عيد قره قوش، وهو عيدٌ يتبع العرس الذي شهدته قره قوش، وكنتم أنتم أبطال هذا العرس عندما استقبلتم قداسة البابا فرنسيس. قبل ثلاثة أسابيع، كنتم مجتمعين في شوارع قره قوش الرئيسية لاستقبال قداسة البابا، رسول سلامٍ وأخوّةٍ ومحبّةٍ وتسامحٍ للعراق".
ونوّه غبطته إلى أنّنا "نحن كأبناء الله وتلاميذ الرب يسوع، لن نألو جهداً أن نشهد للكلّ، إن كانوا مؤمنين بإيماننا، أو لم يكونوا من ديننا، سواء أكانوا مسلمين أو إيزيديين أو شبك. نحن سنبقى تلاميذ الرب يسوع الذين يشهدون بحياتهم وبأعمالهم كما بأقوالهم على أنّهم تلاميذ ربّ الحياة والسلام والمحبّة".
وختم غبطته كلمته مجدِّداً التهنئة بهذا العيد، طالباً بركة الرب وشفاعة أمّنا مريم العذراء والقديسين، كي "يملأ الرب دوماً قلوبكم بالسعادة الحقيقية. شعانين مباركة، مباركٌ الآتي باسم الرب".
وكان سيادة المطران مار يوحنّا بطرس موشي قد ألقى كلمة أعرب فيها عمّا يختزن قلبه من مشاعر في هذا العرس الروحي الرائع، مؤكّداً أنّ دعوتنا هي عيش الرجاء رغم هول الصعوبات والمِحَن والاضطهادات والآلام والمعاناة، متيقّنين أنّ الكلمة الأخيرة لن تكون أبداً للشرّ واليأس إنّما للخير والأمل بمستقبل مُشرِق، فأسبوع الآلام لا بدّ وأن ينتهي بالقيامة التي هي أساس إيماننا ومصدر قوّتنا، حاثّاً الجميع على الثبات في أرض الآباء والأجداد ليتابعوا فيها الشهادة للرب يسوع والالتزام بكنيستهم السريانية العريقة، مجزلاً الشكر لغبطة أبينا البطريرك لترؤُّسه هذا الاحتفال وتكرّمه بهذه الزيارة بمحبّته الأبوية المعهودة.
بعدئذٍ تتابعت المسيرة وصولاً إلى أمام دار الكهنة، حيث منح غبطة أبينا البطريرك البركة الختامية بالصليب الكبير المزدان بأغصان الزيتون، بعد أن أدّى الأساقفة والكهنة والشمامسة تشمشت (خدمة) والدة الله مريم العذراء.
ثمّ انصرف الجميع وهم يلهجون بالشكر العميم للرب يسوع الذي أتاح لهم فرصة الاحتفال بهذا العيد والعرس التاريخي الفريد والرائع في أرض الآباء والأجداد. فشكراً لله على عطيته التي لا يُعبَّر عنها!.
|