في تمام الساعة العاشرة من صباح يوم الأحد ٩ أيّار ٢٠٢١، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بقداس الأحد الخامس بعد القيامة، وذلك على مذبح كنيسة قلب يسوع الأقدس في العشار - البصرة، العراق.
حضرت القداس معالي الوزيرة إيفان جابرو وزيرة الهجرة والمهجَّرين في الحكومة العراقية.
وشارك في القداس أصحابُ السيادة المطارنة: مار أثناسيوس فراس دردر النائب البطريركي في البصرة والعمارة والخليج العربي، ومار يوحنّا بطرس موشي رئيس أساقفة الموصل وتوابعها، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، وعدد من الآباء الخوارنة والكهنة والشمامسة والراهبات، بحضور ومشاركة أعضاء المجلس الرعوي للنيابة البطريركية في البصرة وعدد من المؤمنين.
في موعظته بعد الإنجيل المقدس، تحدّث غبطة أبينا البطريرك عن زيارته الرسولية الأولى التي قام بها إلى النيابة البطريركية في البصرة والعمارة، إذ "كانت أيّاماً مليئة بالنعم والفرح وسلام القلب، فقد جاءت كنيستنا ببطريركها وأساقفتها وكهنتها وشمامستها وراهباتها والمؤمنين كي نحتفل سويةً برتبة تولية أخينا مار أثناسيوس فراس دردر كنائب بطريركي للبصرة والعمارة وجنوب العراق وبلاد الخليج العربي. ولم نكن نتوقّع أن نعاين هذه الانجازات التي تمّت بوقت قصير على يد المطران مار أثناسيوس فراس، وقد سبق وقام بالإعداد بتفانٍ وبروح راعوية أسقفية سيادة أخينا المطران مار أفرام يوسف عبّا الذي نجدّد له شكرنا لأنّه سلّم هذه النيابة البطريركية إلى أسقفها الجديد بكلّ وضوح واهتمام رعوي صالح. وقد شارك معنا في هذه الاحتفالات سيادة المطران مار يوحنّا بطرس موشي الذي جاء مع كهنته ومع جوق الأناشيد كي يشارك في الفرحة، وقد كنّا نتمنّى لزمن طويل أن تنهض هذه الرعايا، إن كان هنا في البصرة، أو في العمارة، وأن يكون هناك راعٍ صالح يزور أولادنا المغتربين في بلاد الخليج العربي".
وتطرّق غبطته إلى نصّ الإنجيل المقدس الذي يتكلّم عن الطرق المختلفة للدعوات لاتّباع الرب يسوع:
"في الأولى، يتقدّم شخصٌ مستعدٌّ لاتّباع يسوع، ويسوع عارفٌ ما في قلب هذا الشخص، فقد يكون يريد الشهرة والسلطة، لأنّه رأى يسوع يصنع العجائب ومحبوباً من قِبَل الشعب وله السلطة على إخراج الشياطين وعلى الشفاء وعلى تذكير الشعب أنّ عليه أن يعود إلى الله بتوبة صادقة بنيّة المؤمن. لذلك اعتذر منه يسوع، لأنّ أظهر أنّه يبحث عن الشهرة والغنى والسلطة، وكان عليه أن يدرك أنّ ابن الانسان ليس له حجرٌ يسند إليه رأسه، أي أنّ يسوع أفهم هذا الشخص بأنّه يبدو مخطئاً في الطريق.
في الثانية، يتوجّه يسوع إلى شخصٍ آخر ويقول له اتبعني، فإذا بهذا الآخر يطلب منه: يا معلّم اسمح لي أن أدفن أبي ثمّ أفكر بأن آتي فأتبعك. فيجيبه يسوع بهذا الجواب الذي أضحى مثلاً: دع الموتى يدفنون موتاهم، أمّا أنت فهلمَّ كي تبني معي ملكوت السماوات.
وفي الثالثة، يعرض يسوع على شخصٍ أن يأتي ويتبعه قائلاً: اتبعني، فإذا بهذا الشخص يتذرّع بحجّة طلبِ الإذن كي يذهب ويودّع أهل بيته، وكأنّ أهله كانوا يسكنون في مكان بعيد، ثمّ يأتي ليتبع يسوع. فيجيبه يسوع بكلامٍ أضحى مثالاً لنا جميعاً: ما من أحدٍ يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يستحقّ أن يأتي ورائي".
ولفت غبطته إلى أنّه "من الطبيعي أنّ الفلاح كان يفلح سابقاً عبر المحراث، فحينما ينظر إلى الوراء، لن يكون خطّ الفلاحة صحيحاً، وهذا أمر واقعي"، منوّهاً إلى أنّ "إنجيل اليوم يذكّرنا أنّ على اتّباع يسوع أن يكون ثابتاً ومن قلبٍ نقي، قلبٍ يريد أن ينشر رسالة يسوع، رسالة الفرح والسلام والمحبّة التي يذكرها بولس الرسول في رسالته على أنّها هي جوهر وأساس كلّ وصية، هذه المحبّة الصادرة من قلبٍ نقي".
وأشار غبطته إلى "اتّباع يسوع في هذه الأيّام المضطربة حيث هناك أمور كثيرة ملتبسة علينا، فأين هي الحقيقة خاصّةً مع هذه الاختراعات التي تزداد وتسرع في التقدّم، لذلك نرى القليل من شبّاننا وشابّاتنا يفكّرون أن يتمّموا دعوة الرب يسوع كي ينشروا ملكوت السماء حولهم"، مذكّراً أنّ "هذه الكنيسة لم تُبنَ بالتمنّيات والأفكار والنظريات التي كثيراً ما نسمعها، إنّما بُنِيَت بسواعد مؤمنين، وبهمّة رعاةٍ أتوا إلى هنا، وأغلبهم من أماكن بعيدة، سواء من شمال العراق، أو من تركيا، حتّى يقوموا بالرسالة التي أوكلَتْهم إيّاه الكنيسة. فآباؤنا الذين أتوا وخدموا وأسّسوا، هم الذين يعلّموننا حقيقةً كيف نتبع الرب يسوع من دون تردُّد، ونبذل كلّ جهدنا حتّى نبني معه ملكوت السماوات على الأرض".
وفي ختام موعظته، جدّد غبطته "شكرنا العميق لأختنا العزيزة معالي الوزيرة إيفان جابرو التي رافقَتْنا طوال هذه الزيارة بكلّ محبّةٍ وتقوى وتفانٍ كي تنجح هذه الزيارة. شكرنا لها سيكون بالدعاء إلى الرب الإله كي يعطيها الصحّة والعافية ولعائلتها العزيزة، مع الهمّة والنشاط والغيرة والتفاني لتقوم بعملها أحسن قيام".
وقدّم غبطته إلى معاليها أيقونة السيّدة العذراء مريم عربون محبّة وشكر وتقدير وإكرام، وتخليداً لهذه المناسبة المباركة.
وقبل نهاية القداس، ألقى سيادة المطران مار أثناسيوس فراس دردر كلمة شكر فيها غبطتَه على تجشّمه عناء السفر وقيامه بهذه الزيارة الرسولية الأولى، فأثلج القلوب رغم الظروف الصحّية الصعبة الراهنة، على مثال الرب يسوع الذي لم يتردّد أن يلتقي بالأبرص ويلمسه ليمنحه نعمة الشفاء، داعياً لغبطته بالعمر المديد والصحّة والعافية والتوفيق في كلّ أعماله الجليلة، شاكراً أيضاً سيادة المطران يوسف عبّا على كلّ الخدمة المتفانية التي قدّمها في السنوات الأخيرة للنيابة البطريركية في البصرة، ومعه كهنة أبرشية بغداد، وشاكراً معالي الوزيرة إيفان والأساقفة والكهنة والشمامسة والراهبات والمجلس الرعوي للنيابة البطريركية في البصرة وجميع الحضور، طالباً من الجميع أن يصلّوا من أجله كي يبارك الرب خدمته الجديدة، فتكون في دائرة رضاه وتمجيد اسمه القدوس.
وبعد أن منح غبطة أبينا البطريرك البركة الختامية، التقى بالمؤمنين في صالون النيابة البطريركية، حيث ودّعهم ليغادر مختتماً زيارته الرسولية الأولى هذه وعائداً إلى مقرّ كرسيه البطريركي في لبنان.
|