في تمام الخامسة من مساء يوم الأربعاء 16 حزيران 2021، ترأّس غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، رتبة جنّاز ودفن المثلّث الرحمات مار يعقوب بهنان هندو رئيس أساقفة أبرشية الحسكة ونصيبين سابقاً للسريان الكاثوليك، في كنيسة دير سيّدة النجاة – الشرفة البطريركي، درعون – حريصا، لبنان.
شارك في الرتبة صاحب القداسة مار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العام أجمع، وصاحب السيادة المطران جوزف سبيتيري السفير البابوي في لبنان، وصاحب السيادة المطران سمير نصّار ممثّلاً صاحب الغبطة والنيافة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، وصاحب السيادة المطران كيرلّس سليم بسترس ممثّلاً صاحب الغبطة البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك، وصاحب السيادة المطران بطرس مراياتي المدبّر البطريركي للكنيسة الأرمنية الكاثوليكية، وأصحاب السيادة المطارنة من كنيستنا السريانية الكاثوليكية ممثّلين آباء السينودس السرياني المقدس، وهم: مار أثناسيوس متّي متّوكة، ومار ربولا أنطوان بيلوني، ومار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب، ومار غريغوريوس بطرس ملكي، ومار يوحنّا بطرس موشي رئيس أساقفة الموصل وتوابعها، ومار متياس شارل مراد النائب العام لأبرشية بيروت البطريركية، وأصحاب النيافة المطارنة من الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة: مار ثيوفيلوس جورج صليبا مطران جبل لبنان وطرابلس، ومار اقليميس دانيال كورية مطران بيروت، ومار خريسوستوموس ميخائيل شمعون النائب البطريركي للمؤسّسات البطريركية في العطشانة، والخوراسقف جوزف شمعي المدبّر البطريركي لأبرشية الحسكة ونصيبين، والآباء الخوارنة والكهنة من الدائرة البطريركية ودير الشرفة وأبرشية بيروت البطريركية، والشمامسة والرهبات الأفراميون والراهبات الأفراميات.
كما حضر الرتبة الأستاذ نزار الشمالي رئيس بلدية درعون – حريصا، وجمع من المؤمنين، وفي مقدّمتهم إخوة وأخوات المثلّث الرحمات، والأهل والأقرباء الذين حضروا بمعظمهم من خارج لبنان خصّيصاً للمشاركة في هذه المناسبة الأليمة.
خلال الرتبة، تليت الصلوات والترانيم والقراءات بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، بلحن أليم ومؤثّر.
وبعد الإنجيل المقدس، ألقى غبطة أبينا البطريرك موعظة تأبينية بليغة، بعنوان: "جاهدتُ الجهادَ الحسن، أكملتُ السعي، حفظتُ الإيمان" (2 تي 4: 7)، تحدّث فيها غبطته عن دعوة "القديس مار بولس رسول الأمم تلميذه تيموثاوس إلى أداء الشهادة للإيمان الذي استقاه من الكتب المقدسة ولِما تعلّمه من معلّمه بولس عن الرب يسوع المخلّص، وإلى حمل البشارة ونشرها، مثبّتاً المؤمنين بالقدوة الصالحة والتعليم القويم وبذل الذات، بالصبر على المحن والشدائد والثبات حتّى الرمق الأخير".
ونوّه غبطته إلى أنّ المثلّث الرحمات رحل "من هذه الفانية بعد معاناة مع المرض لأكثر من سنتين، قَبِلها بتسليم للمشيئة الإلهية، سبقَتها خدمة أسقفية لأبرشية الحسكة ونصيبين دامت اثنتين وعشرين سنةً، عمل فيها بما حباه الله من مواهب وطاقات لخير كنيسته وأبرشيته في ظلّ معاناة الحرب التي ألمّت ببلده وغطّت قرابة نصف فترة خدمته الأسقفية".
وتناول غبطته سيرة حياة المثلّث الرحمات ودعوة الرب يسوع له منذ صغره كي يتبعه، متطرّقاً إلى حياته كإكليريكي في دير الشرفة، ثمّ كطالب دارس في روما، فرسامته كاهناً وخدمته في دير الشرفة، ثمّ خدمته ودراسته في باريس - فرنسا "حيث واظبَ على نشر التراث السرياني، لغةً ونشيداً وتاريخاً"، إلى انتخابه من قِبَل سينودس كنيستنا مطراناً رئيس أساقفة لأبرشية الحسكة ونصيبين، وقد "خدم الأبرشية 22 عاماً في ظروف بالغة الصعوبة ومحفوفة بالمخاطر، وكان المدافعَ عن الحقيقة والعدل والمساواة في المواطنة والحقوق، أينما كان في المؤتمرات الوطنية والدولية".
ولفت غبطته إلى أنّه "بالرغم من النكبات التي حلّت بوطنه سوريا وبأبرشيته، طوال الحرب المشؤومة التي قتلت ودمّرت وهجّرت، ثابر المثلّث الرحمات، على خدمة أبرشيته، ومدينته الحسكة بكلّ طوائفها، وذلك بروح الراعي الصالح الذي يسعى للتعرّف على رعيته، ويبذل كلّ ما في وسعه لمساعدتها وبثّ الرجاء في النفوس، في تلك السنوات المرعبة"، ذاكراً "الهجمات التكفيرية الهدّامة التي حلّت بقرى الخابور المسيحية، والتي دفعت غالبية سكانها إلى النزوح والتشرّد. وقد بقي ثابتاً وصامداً يرعى أبرشيته ويهتمّ بشؤون المؤمنين وحاجاتهم".
وأشار غبطته إلى دور المثلّث الرحمات في العمل الليتورجي، إذ سمّاه غبطته رئيساً للجنة الأسقفية التي شكّلها للإصلاح الليتورجي، وتوقّف عند حسّه المرهف لمعاناة ذوي الاحتياجات الخاصّة، حيث "أسّس مركز مار أسيا الحكيم للعلاج الفيزيائي، والمستوصف المجّاني في الحسكة، للتخفيف من معاناة المتوجّعين والمهمَّشين. كما دعم عدداً من العائلات الشابّة، لتأمين السكن اللائق لها".
وقدّم غبطته التعازي إلى آباء السينودس، وإلى رعية مار بطرس وبولس في القامشلي، ورعية مار أفرام في باريس، وأبرشية الحسكة ونصيبين، وإلى إخوة وأخوات المثلّث الرحمات وأفراد عائلته وأقربائه، مؤكّداً أنّنا "شعبُ إيمانٍ ورجاءٍ، لذلك عندما نفقدُ عزيزاً، نجدّدُ فعلَ إيماننا وثقتنا بالمعلّم الإلهي... ولأنّ مسيرتَنا الأرضية، مهما طالت أو قصرت، عليها أن تتكلّل بنور القيامة، وتكون انعكاساً لمحبّة الله للبشر، فنحن قادرون بنعمته تعالى على تحمُّل فراق الأحبّاء مهما كان قاسياً علينا، متذكّرين أنّنا جميعاً أهل السماء، وحياتنا على هذه الفانية ما هي إلا مسيرة نحو الأبدية".
وختم غبطته موعظته متأمّلاً بنشيد لمريم العذراء "وإن كان جسمكِ بعيداً منّا، صلواتك تصحبنا وتكون معنا"، وهو النشيد الذي لطالما كان المثلّث الرحمات يردّده "ويُنشده بصوته الرخيم، وبنصّه السرياني الأصيل! وها هو اليوم يتمتّع وجهاً لوجه بالنور الإلهي في الملكوت، مع العذراء أمّه السماوية التي ستكون دوماً معه"، رافعاً الاتبهال "بالصلاة إلى الرب يسوع، بروح الإيمان والرجاء، كي يمنح فقيدنا الغالي الرحمة والسعادة الأبدية، بشفاعة أمّنا العذراء مريم، سيّدة النجاة، وجميع القديسين والشهداء" (تجدون النص الكامل لموعظة غبطته التأبينية هذه في خبر آخر خاصّ على صفحة الآخبار هذه).
وخلال الرتبة، ووسط الترانيم السريانية الشجية، حمل الكهنة والشمامسة جثمان المثلّث الرحمات وطافوا به في زيّاح مهيب حول المذبح الرئيسي، ثمّ داخل الكنيسة، مودِّعاً المذبح والكنيسة بجهاتها الأربع، وإكليروسها ومؤمنيها، وسط جوٍّ من الرهبة والخشوع والحزن.
بعدئذٍ تلا سيادة السفير البابوي رسالة التعزية التي وجّهها قداسة البابا فرنسيس عبر أمين سرّ دولة الفاتيكان نيافة الكردينال بييترو بارولين، وفيها أعرب قداسته عن تعزيته الحارّة ومشاركته الحزن بعزاء الإيمان، شاكراً الله على سنوات الخدمة التي أمضاها المثلّث الرحمات، وسائلاً الله أن يستقبله في رحمته ونوره الأزلي.
كما تلا سيادته أيضاً رسالة نيافة الكردينال ليوناردو ساندري رئيس مجمع الكنائس الشرقية، وفيها أعرب عن حزنه وتعزيته، ومسلّطاً الضوء على الصفات الراعوية التي تحلّى بها المثلّث الرحمات.
ثمّ قدّم المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، الشكرَ إلى جميع الذين تقدّموا بالتعازي، باسم غبطته وآباء السينودس وأبرشية الحسكة ونصيبين، معدّداً أبرز المعزّين من رؤساء الكنائس وإكليروس بمختلف درجاتهم، سائلاً الله أن يتغمّد المثلّث الرحمات في ملكوته السماوي مع الأبرار والصدّيقين والرعاة الصالحين.
وفي نهاية الرتبة، نُقِل الجثمان ليوارى في مثواه الأخير في مدفن الأحبار والكهنة الراقدين تحت الكنيسة.
|